في اكثر معانيها شيوعا تنطوي النخبة على عملية انتقاء، ربما تكون طبيعية او اجتماعية او ثقافية، تتمايز من خلالها قلة من الناس على الكثرة.
حين يستعمل المصطلح في العلاقات بين الجماعات الاجتماعية، فهناك معنى ايحائي إضافي بان القلة لا تتمايز عن الكثرة فقط، بل تمارس عليها صورة من صور السلطة.
وقد تتميز النخب أيضا بمصطلحات ثقافية او عقلية، ويمثل دفاع روبرت هيوز عن الديمقراطية مثالا على هذه القضية: (ان مهمة الديمقراطية في مجال الفن تتمثل في جعل العالم آمنا للنخبوية. وليس المقصود نخبوية قائمة على العرق او المال او الوضع الاجتماعي، بل على المهارة والخيال).
مر مصطلح النخبة بتاريخ طويل ومعقد منذ تشارلز داروين ونظرية الانتقاء الطبيعي بفصل المناسبين عن غير المناسبين. وارتباط هذه التصورات عن تحسين النسل بالأفكار عن صحة العرق، التي أحدثت في ما بعد برامج تكاثر انتقائي اعدت لحماية نقاء اعراق النخبة – القوقازية، او الآرية كما في البرامج النازية. وشكلت الأفكار الداروينية أيضا جزءا من الخلفية العقلية التي تطورت عنها في البداية النظرية الاجتماعية عن النخب في إيطاليا في بواكير القرن العشرين. فقدم فلفريد باريتو وغايتون موسكا وروبيرتو ميشيليز بديلا عن التفسيرات الماركسية القائمة على أساس الطبقة للتقسيمات الاجتماعية، واقترحوا ان التقسيمات بين الجماعات القوية والجماعات التابعة كانت تقسيمات كلية ولا يمكن تفاديها لأنها تقوم على تقسيمات تصدر عن التفاوتات في توزيع المواهب الفطرية. كتب باريتو يقول: (دعونا نفرز طبقة من الناس، ممن يحظون بأعلى المؤشرات في حقول نشاطهم، ونعطي لهذه الطبقة اسم النخبة).
واكملت هذه التقسيمات الطبيعية بعمليات اجتماعية، مثل (القانون الحديدي للاوليغاركية) عند ميشيليز الذي اكد ان السلطة، في أي تنظيم او جماعة اجتماعية، تنجذب دائما الى الأعلى لتتركز في ايدي قلة من الناس.
كانت نظرية النخبة الإيطالية مؤثرة أيضا في تمثيل العلاقة بين النخب وبقية المجتمع باعتبارها ثنائية النخبة – الجماهير. عند موسكا كان هذا التقسيم يقوم على حقيقة ان الأقليات غالبا ما تحسن تنظيم انفسها، وبحكم هذا الاعتبار وحده، تتمكن من ممارسة السلطة على كثرة السكان غير المنظمة. وقد أدت هذه المقابلة بين النخب والجماهير دورا مهما في التطور اللاحق للفكر الاجتماعي في القرن العشرين. واكتسب زخما كبيرا من تجربة الشيوعية والفاشية، التي بدا فيها ان الديمقراطيات الليبرالية كانت تترنح على شفير الشمولية بحكم التركيز المتنامي للسلطة لدى النخب السياسية، والنخب العسكرية، ونخب الاعمال، وبحكم التشظي الاجتماعي للجماهير المعزولة، المتفرقة، المبعثرة. كانت التنوعات السياسية لهذه المحاججات متباينة جدا. غير انها تشترك في الاعتقاد بان النخب المختلفة، وان كانت في الاغلب تتصرف تصرفا منفصلا، فأنها قادرة أيضا على التصرف جماعيا، كما في التصور الشهير عند س. رايت ميلز عن نخبة السلطة بوصفها (تلك الدوائر السياسية، والاقتصادية، والعسكرية، التي تشترك باعتبارها شبكة معقدة من الزمر المتداخلة في القرارات).
يوازي هذه القدرة على التركيز لدى سلطة النخبة تصور عن الجماهير باعتبارها منفصلة عن العلاقات الاجتماعية التعاونية للطبقات والجماعات، ومن هنا فهي عرضة لتلاعب النخبة ودعايتها.
تستمر نظرية النخبة في تقديم تفسير للتراتب الاجتماعي لا يقوم على الطبقة. ذلك ان النظرة القائلة ان النخب تقتصر على (أولئك الذين استطاعوا لأيما سبب ان يحصلوا على الموارد التي تمنحهم سلطة ونفوذا جوهريين) مازالت قريبة من تعريف باريتو الأصلي.
وتستمر نظرية النخبة أيضا في الانهماك باليات انتقاء النخبة وتجنيدها، والوسائل التي تنتقل بها سلطة النخبة عبر الأجيال. وهذه اعتبارات مهمة في تمييز النخب التقليدية التي تقوم على أواصر القرابة، او امتلاك الأرض، او المنزلة الدينية، عن النخب الجديدة التي تقوم على المؤهلات التعليمية، او المهارات الإدارية والبيروقراطية، او الاجماع السياسي، او المهارات الثقافية المتميزة. هناك أيضا ارتباطات قوية بين النخب الإدارية والسياسية والبيروقراطية، وأفكار الخبرة التكنوقراطية. وفي الاستعمال الاحدث تتأثر النخب الإعلامية والرياضية مثلا، بمبادئ الشهرة والنجومية والصور الجديدة من التميز والسلطة التي تنشأ عن وسائل الاعلام المعاصرة.
النخبة ونظيريها النخبوية والنخبوي في الاستعمال الاعتيادي لديها أنصار واضحون قلة. فدلالاتها الايحائية تكاد تكون ازدرائية بصورة ثابتة، وأسباب هذا معقدة: فالنخب تجلس عليلة في ما يتعلق بالقيم الديمقراطية في الراي العام، وتواجه النخبوية الثقافية تجريحا جاهزا بوصفها تفاخرا بسيطا. ويحمل المصطلح أيضا ايحاءات بمكافأة وسلطة ونفوذ لمن لا يستحق.
اضف تعليق