أين نحن من عالم الابتكار، وهل هناك فرصة لمجتمعاتنا ودولنا المتأخرة، كي تأخذ فرصتها في هذا العالم الذي يتسابق فيه الجميع؟ تقوم خطة الابتكار على عدة خطوات تتم برمجتها مسبقا، الخطوة الأولى تحديد نوع الابتكار، ثم درجة أهمية هذا الابتكار ومدى الفائدة التي تتحقق بإنجازه، ما هي التكاليف اللازمة للانتهاء من هذا الابتكار...
يحقق عالم اليوم قفزات نوعية في مجال الإبداع والابتكار، لاسيما في الدول التي ترعى المبدعين وتمنحهم ما يكفي من الحماية الفكرية والتسهيلات المادية، بالإضافة إلى التركيز على الدعم المعنوي الذي لا يقل فائدة وتحفيزا عن الجانب المادي إن لم يتفوق عليه، حيث تزخر الدول المتقدمة بأساليب الاحتفاء الخلاقة بالمبدعين والمبتكرين، الذين يتمتعون بمواهب وعقول متفردة، ولديهم مواهب وطاقات بناءة بالإضافة إلى خبراتهم ومؤهلاتهم.
في عالم اليوم يوجد سباق مستمر في مجال الابتكارات، ولم تكتف الدول والمجتمعات المتقدمة بالمكتشفات والابتكارات التي يحتاجها الإنسان في بيئته وكوكبه، وإنما صار الفضاء ساحة كبرى لهذه الابتكارات، وهذا التسابق الهائل والمستمر على مدار الساعة، وقد تم رصد مليارات الدولارات، وكفاءات متميزة، ومؤهلات فريدة من نوعها لتحقيق الابتكارات الأفضل.
لقد أولت المجتمعات المتطورة اهتماما هائلا بالابتكار والمبتكرين، ولا تزال سياسة التحفيز في هذا المجال مستمرة، ولا يحدث هذا الأمر بشكل عشوائي، وإنما هنالك خطط نوعية تضعها عقول خبروية متخصصة لتحفيز المبتكرين، وتحقيق أعلى قدر ممكن من التميز في هذا المجال، فالسباق مستمر وسيبقى كذلك طالما كان الإنسان على قيد الوجود.
السؤال الأهم في كلمتنا هذه، أين نحن من عالم الابتكار، وهل هناك فرصة لمجتمعاتنا ودولنا المتأخرة، كي تأخذ فرصتها في هذا العالم الذي يتسابق فيه الجميع؟؟
تقوم خطة الابتكار على عدة خطوات تتم برمجتها مسبقا، الخطوة الأولى تحديد نوع الابتكار، ثم درجة أهمية هذا الابتكار ومدى الفائدة التي تتحقق بإنجازه، ما هي التكاليف اللازمة للانتهاء من هذا الابتكار، وما هي الأفضلية بينه وبين الأنواع الأخرى من الابتكارات، القيمة المالية اللازمة يجب أن تخضع لمعيار المفاضلة بين الابتكارات المطلوب إنجازها.
خطوات مهمة قبل الإنجاز
وفي حال تم وضع السقف الزمني التقريبي للإنجاز، مع السقف المالي، والانتهاء من الخطوات الأخرى التي تم ذكرها سابقا، سوف نصل إلى الخطوة الأهم من سلسلة خطوات الابتكار، وهي ما مدى الاستفادة منه، وماذا يحقق للمجتمع والدولة من تقدم ومساندة في قضايا التطور والتنافس مع الأمم والدول الأخرى.
كل هذه الأمور لابد من وضعها في الحسبان، لكي تُقْدم الجهات ذات العلاقة على المضي في إنجاز ابتكارها المحدد سلفا والمخطط له مسبقا، التنافس قد يكون جمعيا أي بين الدول والأمم مع بعضها، وقد يكون بين الأفراد أيضا، لكن الابتكار الفردي لا يمكنه الصمود بسبب الموارد القليلة للفرد قياسا للدولة وللمؤسسات المختصة.
علما أن الفرد أو العقل الفردي له دور في الابتكارات، لكن الإنجاز العملي لها تتصدى له الدول والحكومات ومؤسساتها المتخصصة، وهناك ما يسمى بالحفاظ على الملكية الفكرية، حيث سُنت القوانين على المستوى العالمي للحفاظ على حقوق المبتكرين، وعد التجاوز على حقوقهم وملكيتهم الفكرية.
وقد تم تنظيم اليوم العالمي للملكية الفكرية لسنة 2012 تحت شعار (المبتكرون المبصرون)، أي الأشخاص البارعين ذوي المواهب الفنية الخارقة للعادة، الذين فتحوا للإنسانية آفاقا جديدة وأثّروا فيها أيما تأثير.
إن أهمية الملكية الفكرية تكمن في كونها حافزا ماديا ومعنويا لمواصلة التطور البشري، من خلال حالة الاطمئنان التي يعيشها الإنسان الموهوب أو القادر على الابتكار، وهو يعرف بأن جهوده ومثابرته وابتكاراته تعود عليه بنفع مشترك، مادي/ معنوي، يحفزه كثيرا على الإبداع الأفضل، وتستمر الابتكارات في إطار قواعد الحفاظ على الملكية الفكرية.
لهذا بات من المهم للشعوب التي تتطلع إلى اللحاق بمن سبقها من الشعوب المتطورة، أن تعير الاهتمام المطلوب للعقول الخلاقة والمواهب النادرة، وتمنح أفكارها ومبتكراتها الحماية اللازمة من السطو أو الإهمال، وهو أمر واضح للجميع، إذ لا يصح أن تتعامل الجهات الحكومية المعنية مع الموهوبين بازدراء وإقصاء وإهمال، مما يؤدي قطعا إلى موت الموهبة وتراجع العقل المتميز وخموله والتوقف عن الابتكار بعد الإهمال وقلة الدعم.
دعم العقول المبتكِرة
ولدينا مثال ساخن على سبيل المثال، كما حصل في حالة الاعتقال التي تعرض لها رجل عراقي من مدينة السماوة قبل سنوات، بعد أن صنع طائرة صغيرة بجهده الخاص ومهارته الفردية العالية وحلّق بها في فضاء المدينة المذكورة، وبدلا من رعايته وتكريمه والاهتمام به ومنحه ما يحتاج إليه من مستلزمات التطور نحو الأفضل، تم اعتقاله وزجّه في السجن!!، ولنا أن نتصور كيف يمكن لمثل هذه العقول أن تبدع وتتطور وتقدم ما هو جديد ومتميز، في المجال التكنولوجي أو الفكري، وهي تُعامل بهذا الازدراء والاستخفاف الواضح.
لهذا تحتاج الشعوب القابعة في الدرجات السفلى من سلّم التطور، إلى أن تتعلم كيف تحمي العقول والمواهب المتميزة لديها، وأن تسن القوانين والبنود اللازمة التي بمقدرتها حماية الفكر، والمنجز الإبداعي والابتكاري أيا كان منحاه أو ميدانه، وأن تتعلم أيضا كيف تحتفي بمبدعيها وتحميهم وترعاهم بكل السبل والوسائل المتاحة، وتقدم لهم متطلبات الحياة التي تصنع لهم أجواء الابتكار والإبداع، وهي خطوات تحتاج إلى تشريعات تضعها لجان متخصصة وعارفة ببواطن الأمور التي تخص هذا المجال.
على أن تتم الاستفادة من الخبرات الدولية في هذا المضمار من خلال الانتماء إلى منظمة الإيبو، والسعي على نحو حثيث لاكتساب الخبرات في تحقيق مطلب الحماية الفكرية، الذي قد ينظر إليه بعض المسؤولين والجهات المعنية بأنه نوع من الترف، أو شيء جمالي كمالي لا حاجة لنا له في المرحلة الراهنة، وهذا تصور قاصر قطعا.
فالعراق في انطلاقته الحالية، في النشاطات المختلفة، وتعدد وتزايد موارده البشرية والطبيعية وثرواته المالية خاصة، بحاجة قصوى إلى تفعيل الحماية الفكرية، وتشجيع العقول والمواهب المتميزة القادرة على الابتكار، والتي قد لا تجد الآن من يتنبّه لها أو يهتم بها، وهذا أمر وارد لكنه غير صحيح، لأن الدول والشعوب والأمم تتقدم بمبتكريها حصرا.
اضف تعليق