q

"أي بُني؛ تفهّم وصيتي واجعل نفسك ميزاناً فيما بينك وبين غيرك"، بهذه الكلمات الرقيقة والنصائح الأبوية الحميمة الصادرة من أعظم شخصية انسانية بعد النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله، الى ولده الحسن، عليهما السلام، يعطي الامام علي، دوراً جديداً للنفس الانسانية التي نعبر عنها بـ "الذات"، مع ما لها من حساسية ومكانة في شخصية الانسان، فهي تمثل القوة المعنوية، بعد القوة المادية، متمثلة في المال والبنين والامتيازات والوجاهات وغيرها. فالذات او النفس الانسانية، مجبولة على الأخذ لتكسب التفوق على الآخرين، بينما يريد لها الامام أن تنزل من عليائها لتكون المعيار والميزان في تحقيق التعامل الصحيح بين افراد المجتمع، ومن ثم يتجسّد حديث الإمام، عليه السلام، في تتمة وصيته: "واحبب لغيرك ما تحب لنفسك".

السؤال؛ لماذا تكون الذات، هي الميزان، وليس المال – مثلاً- أو الجاه والامتيازات الاجتماعية والسياسية، فهي تكون ذات شأن احياناً عند اختلال بعض العلاقات بين افراد المجتمع؟.

نعم؛ ربما يتصور الكثير منّا، أن المال، "حلال المشاكل"!، فأيما أزمة في العلاقات بين الاصدقاء او الاقرباء، بالإمكان تسويتها بهدية مغرية، كأن تكون جزء من الأثاث المنزلي او من المقتنيات الثمينة او غير ذلك، او ربما نكسب رضا هذا او ذاك، بتذليل العقبات نحو وظيفة حكومية او فرصة عمل، فان كان بين هذا وذاك، نوعاً من البغضاء والشحناء، بالإمكان تليين الموقف وتحسين الصورة، وينتهي كل شيء.

بيد ان السؤال المتفرع؛ وهل تدوم هكذا امتيازات وامكانيات مادية؟ وهل من يريد ان يجعل المال والجاه ميزناً في تعاملاته مع الناس، يضمن دوام حيازته للمال والجاه والمنصب؟، فمن الذي ضمن الثروة وبالمنصب الحكومي وحتى المكانة الاجتماعية، لاسيما في ظل هكذا اوضاع متقلبة كالتي نعيشها اليوم؟!.

وهذا ما يجعل الحاجة ماسّة الى عامل حيوي ليكون الميزان العادل والمنصف في خلق علاقات طيبة وصادقة وحقيقية بين افراد المجتمع، وهذا لن يكون إلا بتدخل الذات الانسانية نفسها (نفس الانسان)، حيث يتجلّى لنا، في هذا المقطع، حالة التواضع التي طالما جاءت التوصيات الأكيدة في النصوص الدينية. وإذن؛ فالقضية، تبدو منطقية، فاذا كانت ثمة مشكلة وازمة تتعلق بذات انسان، كأن يكون مساس بمشاعره او حقوقه او كيانه، فهل يكون المال – مثلاً- قريناً لكل ذلك؟!، أم تكون ذات انسانية أخرى بالمقابل تحاكي المشكلة القائمة، فعندما يشعر الطرف المقهور او المتضرر، أن هناك من يستشعر آلامه ومشاعره، الى درجة انه يضع نفسه مكانه، فان أي مشكلة، مهما كانت، سوف تُحل ويعود كل طرف الى مكانه الطبيعي، وتعود المياه الى مجاريها.

واعتقد أننا بذلك سنواجه مقولة طالما تتردد على الألسن، وهي "إنها مشكلتك"!!، في حين ان هذه المشكلة التي تسببت في تعثّر هذا الانسان او ذاك في أداء عمله او تحقيق المطلوب، هي نفسها يعيشها الجميع، مثل مشكلة الخدمات والمواصلات والازمات الاقتصادية والامنية وغيرها.

بالحقيقة؛ ان مجرد نزول بسيط او "تواضع" لذواتنا نحو الآخرين، كفيل بحل الكثير من المشاكل والازمات التي نعيشها، ونتصور انها كبيرة ومعقدة، في حين يكمن حلّها بأيدينا، فيما نحن نضيع الفرصة الذهبية، وها هو الامام أمير المؤمنين، عليه السلام، يوصي ابنه الحسن، عليه السلام، كما يوصينا ويوصي الاجيال، بكيفية صنع العلاقات الودّية في جميع نواحي الحياة، وهذا يتحقق عندما نكون مصداق الوصية الجميلة والراقبة لأمير المؤمنين، عليه السلام: "ولا تظلم كما لا تحب أن تُظلم، وأحسن كما تُحب ان يُحسن اليك، واستقبح من نفسك ما تستقبح من غيرك، وارض من الناس لك ما ترضى به لهم منك".

اضف تعليق