تُطرَح بين حين وآخر أسئلة عن مدى أهمية التنويع القرائي للإنسان، هناك من يذهب إلى أهمية التنوع في القراءة، ومنهم على العكس من ذلك، إذ يرون أهمية كبيرة في التخصص القرائي، والأخير يُقصَد به التركيز على قراءة حقل أو مجال معرفي أو علمي أو فكري أو ثقافي محدّد...
تُطرَح بين حين وآخر أسئلة عن مدى أهمية التنويع القرائي للإنسان، هناك من يذهب إلى أهمية التنوع في القراءة، ومنهم على العكس من ذلك، إذ يرون أهمية كبيرة في التخصص القرائي، والأخير يُقصَد به التركيز على قراءة حقل أو مجال معرفي أو علمي أو فكري أو ثقافي محدّد، وبعضهم من يطالب بالتخصص في قراءة الكتب الأدبية أو الدينية أو التاريخية.
ينطلق أصحاب التنوع القرائي من الطالب أولا، فهؤلاء يرون أنه من الخطأ أن يحصر الطلاب قراءاتهم بالمناهج المدرسية وحدها، فهي ذات طابع علمي أو أدبي أو تاريخي محدد سلفا، وجامد، ومحاط بحدود ومضامين لا تسمح للطالب بالخروج عليها، مما يجعل من عقلية الطالب محدودة، وخياله غير قابل للتوسّع، ومن ثم تقل لديه فرص الابتكار والخروج عيدا عن المنهج الدراسي.
فيما يرى آخرون أهمية أن يركّز الطالب على دراسة مناهجه المخصصة، لكي يتقنها أولا، ويحقق فيها تفوقا وفهما متميزا، وهناك رأي آخر يرى أهمية الجمع بين قراءة الكتب المنهجية للصفوف المدرسية، وبين الكتب الخارجية حتى تتوسع مدارك الطالب ويصبح أكثر قدرة من الناحيتين الفكرية والذهنية.
الحقيقة أن جميع الآراء التي وردت في أعلاه، تحمل جانبا من الصحة، ولكن من وجهة نطر شخصية نرى أن الجمع بين النوعين من القراءة (قراءة المناهج المدرسية والكتب الخارجية)، له أهمية كبيرة في حياة الطلاب، إذ يجعل منهم بعيدين عن أسلوب التلقين الدراسي الجامد، ويفتح أمامهم فرص الابتكار والتميّز.
فما فائدة طالب مجتهد وجاد يحمل عقلية محدودة، ومحدّدة بفهم وإتقان المناهج الدراسية سواء في المدرسة أو الإعدادية أو الجامعة؟، المجتمع الناجح هو من يصنع طالبا مفكّر ومن ثم قادرا على الابتكار، والإسهام في تطوير البنية الفكرية والثقافية للمجتمع، لاسيما أن الأعمار المبكرة تتيح فرصة بناء البنية الفكرية والثقافية والعقلية للإنسان.
من هو الرافد الأول للإبداع؟
من القضايا التي يتفق عليها المعنيون، أن نسبة الشباب ضمن المجتمع العراقي كبيرة، أو لنقل وفقا للإحصائيات تعد شريحة الشباب أكبر الشرائح، وهو ما أعطى ميزة الحيوية والفتوّة للشعب العراقي، وإذا حاولنا معرفة عدد الطلاب المنخرطين في المدارس والجامعات ونسبتهم ضمن فئة الشباب، فهي كبيرة حتما.
لذلك نجد عشرات الآلاف من الطلبة من كلا الجنسين، يواصلون دوامهم في مدارسهم وجامعاتهم بانتظام، سواءً في الدوام الفعلي المباشر قبل كورونا، أو من خلال التعليم عن بعد في ظل الجائحة.
هذه الأعداد الكبيرة هي الرافد الأول للإبداع بكل أنواعه، ومنها يخرج المتميزون في الأدب والفكر والثقافة والطب والتعليم والهندسة والرياضة وغيرها، في كلمتنا هذه نتطرق لإمكانية أن يتحوّل الطالب من مستمع حيادي إلى فاعل وصانع متمرس للإبداع، كيف يمكن تحقيق هذا الهدف؟، أي كيف نصنع من الطالب مبدعا في مجالات الحياة كافة؟؟
الخطوة الأهم تبدأ من المدرسة، نعم للأسرة دورها في رصد بذرة الموهبة لدى الأطفال، لكن مرحلة الظهور الجلي للموهبة تبدأ في المدرسة الابتدائية صعودا إلى المراحل الأخرى، فإذا كانت العائلة بسيطة وغير قادرة على اكتشاف وتطوير موهبة الطفل أي سبب كان، فإن دور المدرسة سوف يكون حاسما في اكتشاف المواهب، ومن ثم الشروع المدروس برعايتها وتطويرها ووضعها على السكة الصواب.
كذلك الخطوة التي يجب أن ترافق التعليم، هي اكتشاف المواهب، ليس هذا فحسب، فبعد لحظ الاكتشاف مباشرة، تبدأ مرحلة مهمة جديدة، وهي رعاية الموهبة وصقلها وتقويمها وتدريبها وتفعيلها، وتحويلها من الخمول قبل الظهور إلى التفاعل الخلاق بعد الاكتشاف.
خطوات لصناعة الطالب المبتكِر
هذه المهمة (مهمة صنع الطالب المبدع من يقوم بها)؟، في الحقيقة ليست لدينا في العراق خطط علمية مدروسة يمكن من خلالها تحويل الطالب إلى مبدع، وهذا خلل كبير في البنية التعليمية في العراق، حيث تنحصر مهمة التعليم في التلقين الجامد الذي يقتل الموهبة، أو يحصر طاقة الطالب في مجال علمه ودراسته فقط، لذلك نراه يحصر كل جهوده في القراءة والحفظ والتلقين الروتيني الرتيب.
في حين أن الطالب طاقة كبيرة تفوق مساحة التعليم الجامد، فكثير من الطلاب يمتلكون مواهب جاهزة للتحفيز والتميز والإنتاج، لكن ضآلة التحفيز في المدارس والجامعات، وعدم الاهتمام، واللامبالاة في عدم اكتشاف المواهب وتطويرها، هو الذي جعل من التعليم روتيني يعتمد التقين، ولا يسمح للطالب بإطلاق طاقاته الفكرية والإبداعية، مما يؤدي بالنتيجة إلى خنق الكثير من المواهب، وهو أمر تتحمله المؤسسة التعليمية في جميع مراحلها.
هناك الطبيب المبدع، والمهندس المبدع، والرياضي المبدع، والشاعر المبدع، والخطيب المبدع، وكثير من المجالات الإبداعية التي يمكن أن يتميز بها طلابنا، لكننا في الحقيقة (وهذا أمر يؤسف له)، لم نخطط ولم ندرس ولم نضع الخطط والخطوات الصحيحة التي تصنع من الطالب طاقة إبداعية كبيرة في مجال هوايته أو تخصصه، وهذه مسؤولية إدارة المؤسسة التعليمية من قمة الهرم الإداري إلى أدناه.
هناك خطوات يمكن أن يتبناها من يقوم على إعداد الطلاب، منها:
- تثبيت خطوات عملية، تضعها المؤسسة التعليمية من قبل المختصين، ترصد المواهب والطاقات المتميزة، وتتيح لها فرص كافية لإثبات وتطوير قدراتها ومواهبها.
- عدم الاكتفاء بالتدريب النظري للمواهب الطلابية، إلى التدريب العملي، واعتماد التجريب المتكرر دونما ملل أو كلل.
- الوزارتان المعنيتان، وزارة التعليم العالي والتربية، مطالبتان بوضع الخطط النظرية والعملية الكفيلة بصناعة الطلاب المبدعين، وحتما لديها الخبراء والمختصون القادرون على التصدي لهذه المسؤولية الكبيرة.
خلاصة الكلام، من الأهمية بمكان أن نتنبّه إلى أهمية صنع الطالب المبدع، وهذا لا يمكن تحقيقه إلا من خلال الانفتاح القرائي خارج دائرة المناهج الدراسية المحدّدة سلفا، بمعنى لابد أن تقوم المؤسسة التربوية والتعليمية بخطوات جادة ومنتظمة لوضع أقدام الطلبة على السكة الصحيحة، ونعني بها سكة القراءة الجادّة، فهي وحدها تساعد على صنع أجيال من الطلاب المبدعين.
اضف تعليق