العلم في أبسط تعريف له، أنه يمثل خلاص الانسان من الجهل، وهو سبيله نحو المعرفة، وكما يقول الواقع والتجربة، أن ثمة بونا شاسعا بين من يرى الاشياء بوضوح وبين من لا يبصرها، فشتان بين من يبصر ومن لا يبصر، والعلم هو عين الانسان التي يرى بها المعرفة، وعندما تنطفئ هذه العين لأي سبب كان، فإن الجهل سوف يخيّم على الانسان، وكلنا نعرف ماذا يحدث للإنسان الذي يجهل المعرفة، ولا يفهم ما يدور حوله، على المستوين الذاتي الداخلي أو الخارجي، أي ما يدور حوله في المحيط الاجتماعي او العملي وما شابه.
ويقول أهل التخصص أن العلم هو كل نوع من العلوم والمعارف والتطبيقات، وهو مجموع مسائل وأصول كليّة تدور حول موضوع معين أو ظاهرة محددة، وتعالج بمنهج معين وينتهي إلى النظريات والقوانين، ويعرف أيضا بأنه "الاعتقاد الجازم المطابق للواقع وحصول صورة الشيء في العقل". وعندما نقول أن "العلم هو مبدأ المعرفة، وعكسه الجَهـْلُ" أو "إدراك الشيءِ على ما هو عليه إدراكًا جازمًا".. ويشمل هذا المصطلح، في استعماله العام أو التاريخي، مجالات متنوعة للمعرفة، ذات مناهج مختلفة مثل الدين (علوم الدين) والفلك (علم الفلك) والنحو (علم النحو)، وفي تعريف أكثر تحديدًا، يعرَّف العِلْـم بأنه منظومة من المعارف المتناسقة التي يعتمد في تحصيلها على المنهج العلمي دون سواه، أو مجموعة المفاهيم المترابطة التي نبحث عنها ونتوصل إليها بواسطة هذه الطريقة.
ويرى بل ويؤكد العلماء المختصون في تفسير وتعريف العلم على أن مفهوم العلم قد انفصل تدريجيا عبر التاريخ عن مفهوم الفلسفة، التي تعتمد أساسا على التفكير والتأمل والتدبر في الكون والوجود عن طريق العقل، ليتميز العلم في منهجه باتخاذ الملاحظة والتجربة والقياسات الكمية والبراهين الرياضية وسيلة لدراسة الطبيعة، وصياغة فرضيات وتأسيس قوانين ونظريات لوصفها، فالعلم في هذه الحالة أكثر قربا من التجربة التطبيقية، على خلاف الفلسفة التي تعتمد الادراك والحدس والتوقّع وما شابه.
من همنا تأتي أهمية العلم في حياة الانسان كفرد، أو في حياة المجتمع والامة ككل، فهؤلاء جميعا بحاجة قصوى، بل لا مجال لإهمالها او التخلي عنها من لدن الانسان، ونعني بها الحاجة الى العلم، فقد بات عالم اليوم معتمدا اعتمادا كليا على العلم المقترن بالتجربة والتطبيق، ولهذا شكلت الصناعة والتكنولوجيا المعاصرة قفزات هائلة، وما الاختراعات والابتكارات وبراءات الاختراع اليومية التي تجتاح العالم المتقدم، إلا دليلا قاطعا على حضور العلم في حياة الانسان اليوم، وهذا يؤكد مكانة العلم التي نبّه عليها الرسول الكريم صلى الله عليه وآله قبل مئات السنين.
وقد ورد ذلك من ضمن الوصايا النبوية الشريفة التي وردت في كتاب (من تحف العقول)، فقد جاء في هذا الكتاب القيّم قولا عن العلم بصيغة وصية أوصى بها رسولنا الكريم محمد (ص) جميع المسلمين قائلا لهم: (تعلموا العلم، فإن تعلمه حسنة ومدارسته تسبيح والبحث عنه جهاد وتعليمه من لا يعلمه صدقة، وبذله لأهله قربة، لأنه معالم الحلال والحرام وسالك بطالبه سبل الجنة، ومؤنس في الوحدة، وصاحب في الغربة، ودليل على السراء وسلاح على الأعداء، وزين الأخلّاء).
إذاً ثمة مزايا كثيرة للعلم كما تؤكد ذلك هذه الوصية النبوية الكريمة، الأولى أن من يعلّم نفسه أو الآخرين شيئا من العلم المفيد، فإنه ذلك يمثل حسنة له، وعندما يتدارس الانسان العلم من اجل فهمه واستيعابه، فإنه كمن يقوم بالتسبيح لله تعالى كما يفعل الملائكة، أما عندما يسعى الانسان نحو العلم، ويبذل المزيد من الجد والجهد والتعب بحثا عن العلم و وصولا إليه، فإن ذلك يضاهي مبدأ الجهاد في سبيل الله، وهذا يؤكد بلا أدنى شك قيمة العلم وأهميته من جهة، ومدى الفائدة الكبيرة التي يمكن أن يقدمها العلم للفرد والمجتمع.
وهناك نقطة جوهرية في هذه الوصية النبوية الشريفة، وهي أن من لا يكتفي بتعليم نفسه، ويتجاوز هذه الفائدة الذاتية الى منحها وتحقيقها للآخرين، أي عندما يتعلم الانسان علما ما، ويتقنه بصورة جيدة ويستفيد منه في حياته، ثم يقوم بنقل هذا العلم وحقول المعرفة الى غيره من الناس، فإنه بذلك كمن يؤدي صدقة لإنسان آخر يحتاجها ويستحقها، فتعليم الآخرين هنا بمثابة تقديم الصدقة ويعرف المسلمون ماذا تعني الصدقة وماذا يكسب الانسان المؤمن منها؟، وعندما يقوم المتعلم بوضع علمه تحت تصرف أهله فهذا نوع من التقرّب وتعميق صلة الرحم التي تشير كثير من النصوص القرآنية والاحاديث والروايات الشريفة الى أهميتها الكبرى في حياة الانسان.
أما السبب الذي يقف وراء هذه الاهمية الكبرى للعلم فإنه يمثل السبيل للكشف عن الحلال والحرام وسبل الفصل والتفريق بينهما، فالجاهل لا شك يقع في ارتكاب الحرام كونه يجهل ذلك، ولم يحصل على ما يكفي من العلم الذي يجعله على درجة كافية من الفهم والتعامل الصحيح، مع الحلال والحرام في الوقت نفسه، ولا شك أن مثل هذا الفهم الذي يحد من تجاوز الانسان على حدود الله وحقوق الاخرين، فإنه بذلك يمثل سبيله الى الجنة، كما تؤكد الوصية النبوية الشريفة، وبالإضافة الى كل المزايا التي تم ذكرها، فإن العلم مؤنس من الوحدة، فمن يكون العلم لصيقا به لا يمكن أن يكون وحيدا، كذلك يساعد العلم الغرباء على تقليل ضغوط الغربة عليهم، فضلا عن كون العلم دليل الانسان نحو السرّاء، وهو ايضا سلاحه المتمكن ضد اعدائه، لأن العلم يفتح آفاقا جديدة للإنسان كي يتجنب سبل الشر التي تواجهه، وأخيرا يبقى العلم أفضل الأخلاء لأنه يمنح الانسان سبل القدرة والمعرفة والوعي والثقة العالية بالنفس.
اضف تعليق