السؤال الأهم حتى على المستوى العالمي، كيف نواجه هذه الأزمة؟، يقول مختصون، يبدأ الصراع أولا من الفرد، صعودا إلى الجماعة، ثم المجتمع في تطاق دولة ما، ثم المجتمع العالمي كلّه معني بصورة جدية في هذه المواجهة المرعبة، أكد كثيرون ودعمت تأكيداتهم الوقائع والنتائج التي أظهرها التآزر الإنساني...
الأزمات أنواع وتأتي على أشكال مختلفة ومستويات متباينة، تنعكس على نتائجها التي تتباين أيضا في أضرارها وتتراوح بين الجسيمة والمتوسطة والصغيرة، اليوم عالمنا يمر بأزمة صُنِّفتْ على أنها صحية (جائحة كورنا)، لكن هل توقفت نتائجها عند المستوى الصحي، وهل اكتفت هذه الأزمة بما حصدته من أرواح جاوزت عشرات الآلاف وإصابات بلغت مئات الآلاف؟
بالطبع ليس الأمر كذلك، هذه الأزمة التي وصفت بأنها وباء أو جائحة، شلّت العالم كله، أوقفت عجلة الاقتصاد العالمي، أنهكت أو حدّت من التجارة العالمية، وفوق هذا وذاك شلّت التعليم وحركة التنقل بالطائرات أو بغيرها بين دول العالم، والأشد فداحة وفتكا النتائج النفسية والرعب الذي أثارته ولا تزال بين سكان العالم.
الأزمة هي نمط معين من المشكلات أو المواقف التي يتعرض لها فرد أو أسرة أو جماعة. ويعرف "رابوبورت"Rapoprt الأزمة: موقف مشْكِل يتطلب رد فعل من الكائن الحي لاستعادة مكانته الثابتة وبالتالي تتم استعادة التوازن.
مواجهة الأزمة تتركز على نقطة أو هدف واحد هو استعادة (التوازن) الذي تخلخل بفعل الأزمة الجائحة، ولكن هي ليست أزمة فرد، ولا أزمة دولة بعينها، إنها أزمة عالم بأكمله، فهي إذاً أزمة جمعية، ومع ذلك يبقى دور الفرد أساسيّا في التعامل مع الأزمات، وهذا يعني طريقة التعامل الفردي، ثقافته، وعيه، تحسسه بدرجة الخطورة، التقدير الصحيح للنتائج.
إعادة التكيّف مع الأزمات
كمنج Cumming أيضا يعرّف الأزمة بأنها تأثير موقف أو حدث يتحدى قوى الفرد ويضطره إلى تغيير وجهة نظره وإعادة التكيف مع نفسه أو مع العالم الخارجي أو مع كليهما. وهذا دليل آخر على دور الفرد في مواجهة الأزمات الجماعية التي قسّمها مختصون من حيث عدد الأفراد المتأثرين بها إلى:
- أزمة فردية.
- أزمة جماعية.
- أزمة مجتمعية.
ومن المرجّح أننا اليوم نعيش هذه الأزمات الثلاث مجتمعةً، فأزمة أو جائحة كورونا، تواجه الفرد وتتحداه وتهدف إلى زعزعة قواه الصحية وصولا إلى قتله، كما أنها تهدف إلى حصد رؤوس الجماعة، وبالآخر هي أزمة مجتمعية تضع المجتمعات كلها هدفاً لها، وهذا يعني أن المواجهة تحتاج إلى إدارة، لا تختلف عن إدارة الأزمات المعقدة الخطيرة كالحرب مثلا، فكثير من المختصين وصوفوا الأزمة العالمية الراهنة مع كورونا بأنها بمثابة حرب ضد الحياة!.
السؤال الأهم حتى على المستوى العالمي، كيف نواجه هذه الأزمة؟، يقول مختصون، يبدأ الصراع أولا من الفرد، صعودا إلى الجماعة، ثم المجتمع في تطاق دولة ما، ثم المجتمع العالمي كلّه معني بصورة جدية في هذه المواجهة المرعبة، أكد كثيرون ودعمت تأكيداتهم الوقائع والنتائج التي أظهرها التآزر الإنساني بدءاً من الفرد، صعودا إلى المسميات للمراتب المجتمعية الأعلى.
الفعل الإنساني له قدرة سحرية على صد الأزمات المختلفة، وكلما تصاعدت خطورة الأزمة (كورونا مثالا)، تصاعدت الحاجة إلى الفعل الإنساني وتنشيطه على كل المستويات، الفرد مسؤول عن نشاطه الإنساني الذي يجب أن يكون منظّما واعيا مدروسا ومسؤولا في نفس الوقت، وحين يكون الفرد مسؤولا في فعله الإنساني سيكون حاصل الفعل الجمعي إنسانيا فاعلا وضاربا في مواجهة الأزمة المعقدة والخطيرة التي يواجهها العالم أجمع.
مشاهدات ميدانية لمبادرات إنسانية
يقول مراقبون من خلال مشاهد ميدانية أن هناك شعوبا فوجئت بتوحش كورونا، ففقدت صوابها، وتصرّف أفرادها وكأنها نهاية العالم، ففي غضون ساعات فرغت رفوف متاجر المواد الغذائية بشكل كامل، وتضاعفت أسعارها مرارا، واختفت الكثير من المواد والعلاجات الصحية المطلوبة.
فيما تخبَّطت الحكومات ورؤسائها في قراراتهم وطرق تعاملهم مع هذه الأزمة الضاربة، لدرجة أن الجيش الأمريكي أعلن بأنه يفكر بتنصيب جنرال عسكري كبير بدلا من الرئيس دونالد ترامب الذي أخفق في إدارة أزمة كورونا بحسب وصفهم، وبالفعل هناك حكومات أعلنت عجزها في هذه المواجهة وهي دول متقدمة وتحتفظ بنظام صحي متقدم، فيما واجهت دول أخرى هذه الأزمة برباطة جأش وخففت كثيرا من رعبها، وكان للفعل الإنساني قصب السبق في ذلك.
في العراق مثلا لم تقم الحكومة بما يلزم بالشكل الكامل والتصدي المطلوب، لكن هناك أفعال مجتمعية فردية قدَّمت دروسا في كيفية التصدّي لهذه الجائحة من خلال تنشيط الفعل الإنساني وتصاعد مستوى التكافل إلى أعلى مما كانت عليه قبل الأزمة، فهناك أصحاب دور مؤجَّرة رفضوا استلام الإيجار إلا بعد إلحاق الهزيمة بكورونا، وهنا محال عرضت المواد مجانا للفقراء، وعرضت مواقع التواصل أرقام هواتف مع أصحابها وهم يدعون المتعففين الاتصال بهم لمساعدتهم.
هذا نوع من إدارة مواجهة الأزمة انطلاقا من الفعل الفردي صعودا إلى الجمعي، فإدارة الأزمات (Crisis Management) بحسب المختصين، تبدأ بالاستعداد لما قد لا يحدث والتعامل مع ما حدث. ولا يخفى على المتابع لسير الأحداث بخاصة السياسية منها ما للأزمات بكل أنواعها من دور في تاريخ الشعوب والمجتمعات سواء على صعيد الهدم أو البناء.
وقراءة متأنية لدور الأزمة بشكل عام يفضي بنا إلى تلمس خيط يقودنا إلى حقيقة مفادها ان المجتمعات التي اعتمد الهرم القيادي فيها على فِرَق خاصة وكفوءة في التعامل مع الأزمات كانت أصلب عودا وأكثر على المطاوعة والاستمرار من قريناتها التي انتهجت أسلوبا مغايرا تمثل بالتصدي المرتجل والتعامل بطرق غير مدروسة سلفا مع بؤر الصراع والتوتر ما أدى بالتالي إلى ضعفها وتفككها.
وعند البحث في الأحداث التاريخية الكبرى نجد انه بين كل مرحلة ومرحلة جديدة ثمة أزمة تحرك الأذهان وتحفز الإبداع والابتكار وتمهد السبيل إلى مرحلة جديدة، غالبا ما تستبطن بوادر أزمة أخرى وتغييرا مقبلا آخر، وكان لنمو واتساع، المجتمعات ونضوب الموارد المتنوعة وشدة المنافسة السياسية والاقتصادية الكلمة الفصل في طول حياة الأزمات التي انتهت اليوم بنا إلى الأزمة الأخطر ونعني بها جائحة كورونا التي يجب على العالم أن يواجهها بالفعل الإنساني والتمسك بقيم النجاة من الفناء القسري!...
اضف تعليق