من أهم المزايا للشعوب والدول الناجحة، ميزة القدرة على توظيف التجارب والأخطاء الماضية لصالحها، من خلال دراستها وتمحيصها بطرقٍ علمية، ترقى للتحليل الموضوعي السليم، الذي يخلو من العُجالة والتعصب والعاطفة، ويعتمد الخطوات العلمية التي تضع النقاط على حروفها، ثم تبدأ خطوات التصحيح، بتأن وتدبير جيد، استنادا الى الفشل السابق، أي تتم معالجة أسباب الفشل بخطوات عملية دقيقة تنبع من تخطيط علمي متخصص وسليم، حتى لا تتكرر الاخطاء السابقة، فمن غير المعقول ولا المقبول أن يقع الانسان أو الجماعة او الدولة في الخطأ الذي سبق أن وقعت فيه.
وهذا هو ديدن التقدم بالنسبة للدول المتطورة، حيث تدرس مواقفها وخطواتها وسياساتها السابقة، وتؤشر بدقة علمية مكامن الخطأ والفشل، ثم تشرع اللجان المختصة بالتخطيط السليم، استنادا الى الاخطاء ومعالجتها، هذا الامر يدعونا كعراقيين (ونعني بهم السياسيين ومعظم النخب المؤثرة في المجتمع)، أن نطرح السؤال التالي على أنفسنا، هل كانت تجربتنا خلال السنوات الماضية (بعد نيسان 2003) سليمة، أم تخللتها أخطاء، وسوف نرجّح وقوعنا في اخطاء متنوعة، بعضها ينتمي الى الدرجة الخطيرة، يتبع ذلك سؤال ثان، هل يصح أن نقع في الاخطاء نفسها لاسيما انها بلغت من الخطورة بحيث تهدد وجودنا كشعب وبلد؟، أليس من الصحيح الركون الى الحكمة في معالجة هذه القضية بهدوء ودقة ومسؤولية، من لدن المعنيين من اصحاب القرار وغيرهم ممن تقع علية مسؤولية التصحيح المباشرة اولا؟.
نحن نتحدث بهذه الصيغة (واللغة المباشرة)، بمناسبة استعادة مدينة تكريت وضمها الى الوطن مرة اخرى، بعدما قدمته قوات الجيش والشرطة والحشد الشعبي والعشائر من جهود وتضحيات كبيرة من اجل طرد الدواعش الارهابيين منها، السؤال هنا، أليس من الواجب على المعنيين الشروع بعملية تصحيح ضخمة تطال جميع مؤسسات الدولة لاسيما العسكرية منها، والادارية والخدمية والامنية وكل ما يتعلق بأنشطة الحكومة والدولة عموما؟، أليس من الواجب أن يتم استثمار هذا الانتصار، للشروع الفوري بمعملية نهوض كبيرة، تعتمد دراسة اخطاء الماضي وخاصة في مجال الفساد المالي والاداري وانشطة الاجهزة الحكومية كافة؟.
الجواب نعم، لقد حان الوقت وآن الأوان، لكي ندرس الاخطاء الجوهرية التي وقعت بها الدولة ومؤسساتها، لاسيما الحكومية منها، والبدء بمعالجة تلك الاخطاء بإرادة وعلمية ونوايا حقيقية، تضع مصلحة الشعب والدولة فوق كل الاعتبارات والانتماءات الفرعية، السياسية منها وسواها، ليس بمعنى إلغاء الانتماء الفرعي بل كل يبقى على انتمائه وعقائده وهويته وثقافته وتقاليده، ولكن لابد أن الدولة والوطن التعددي هو الرمز الذي يوحد جميع العراقيين مع الاحتفاظ بخصوصياتهم العرقية والدينية والاثنية والثقافية وما شابه.
والمهم في هذا الجانب مكافحة الفساد بصورة منظمة ومخطط لها وفق سياسة ذات مسارين، الاول آني يعالج الفساد بصورة عاجلة ومتواصلة وفق تشريعات رادعة، والثانية وضع خطط بعيدة المدى لمعالجة الفساد بكل انواعه واشكاله، فمثلما بذلت (ولا تزال تبذل) الدولة جهودا مضنية في محاربة الارهاب والتطرف وطرد التنظيمات والعصابات الارهابية من محافظات العراق، لابد من القضاء او الحد من (إرهاب الفساد) خاصة أنه لا يقل خطرا عن الارهاب المسلح، فكلا النوعين من الارهاب، يهدفان الى تدمير الدولة والمجتمع، فلماذا تبذل الدولة كل ما في وسعها في التصدي لداعش الظاهر والمعروف والمرئي، وفي الوقت نفسه لا تقوم بالخطوات نفسها ضد (دواعش الفساد) المالي والاداري وكل انواع الفساد الاخرى؟ وهل يجوز العودة الى نقطة الصفر بعد كل التضحيات التي قدمها الشعب في مقاتلة الارهاب المسلح؟.
من الواضح ان الربط بين النوعين من الارهاب امر وارد تماما، فليس صحيحا الفصل بينهما، خاصة أن كلا النوعين المذكورين لهما نتائج خطيرة تتعلق باستقرار الدولة والمجتمع حاضرا ومستقبلا، ولذلك ليس منطقيا أن يغض المعنيون الطرف عن حتمية معالجة الاخفاقات الخطيرة في مجال الفساد، خاصة أن الفرصة المناسبة متاحة الآن تماما امام صناع القرار، لحماية التجربة السياسية العراقية، والدفع بها في الاتجاه الصحيح، وتحصينها من خطر العودة الى المربع الاول، من خلال الخطوات التالية:
- تهيئة الظروف العملية الرادعة للفساد (تشريعا وتنفيذا) لمكافحة الفساد الاداري والمالي.
- استثمار الانتصارات العسكرية على الارض، وتوظيفها لصالح مواجهة الارهاب الاداري في الاجهزة الحكومية.
- تسخير الخبرات المحلية والدولية مع الجهود التي يبذلها قادة الدولة لمعالجة مكامن الخلل والخطر التي تعرض امن الدولة للخطر في المجالات كافة.
- العمل على تنقية الاجواء السياسية في مؤسسات الدولة لضمان التنفيذ الجيد للحملة ضد الفساد.
- مشاركة الكتل والاحزاب والشخصيات السياسة في جهود القضاء على الفساد، وعدم حماية العناصر الفاسدة مهما كان مركزها في الدولة، او انتماءها لهذا الحزب أو ذاك.
- لابد أن يكون القانون هو الفيصل بين الجميع.
- ينبغي أن تكون القيادة الدستورية العليا (السلطة التنفيذية) أهلا لأداء دورها الحاسم في مكافحة الفساد.
- ينبغي للقضاء أن يأخذ دوره الحاسم في حملة القضاء على الفساد، وأن يتمتع بالنزاهة والعدالة والحزم، استنادا الى التشريعات الرادعة.
- ادخال طاقات الشعب كافة في هذا الصراع بوعي ومنهجية.
- استثمار الاعلام بأنواعه كافة في تنفيذ هذه الحملة وفق تخطيط سليم وضوابط واضحة.
- مشاركة جميع المنظمات المدنية والمهنية كافة وجعل جهودها حاضرة في هذا المجال.
- ينبغي أن يضع الجميع نصب عينيه حماية العراق ووجوده من الارهاب بأنواعه كافة، وعدم تكرار الاخطاء السابقة، مهما كانت الاسباب التي تقف وراؤها.
اضف تعليق