q

كان متوقعا بعد الدخول في مرحلة سياسية جديدة في العراق، أن تتغير الشخصية العراقية نحو الأفضل ويغادرها اليأس، وثمة أسباب كثيرة تدفعنا الى مثل هذه التوقعات، وأهمها كسر حاجز الخوف من الحكومة، وإمكانية التعبير عبر التصريح أو الكتابة أو إعلان الرأي بوساطة أية وسيلة إعلامية إلكترونية أو ورقية، فمصادرة الرأي باتت من مخلفات الماضي، لهذا ينبغي أن يسهم هذا المكسب الجيد بتحسين مواصفات الشخصية العراقية بما يتواءم والتغييرات الحاصلة.

لكن ما يؤاخذ على العراقيين، تلك النبرة من اليأس التي تهيمن عليهم، فالملاحَظ على الفرد العراقي أنه قليل الحيوية، ويفتقد للإقدام العملي، يقابل ذلك كلام مختلف، فهناك فارق بين ما يقوله وما يفعله، حتى نشعر أحيانا أنه مكبل بعوائق شتى، قد يكون بعضها ظاهرا مرئيا، وبعضها نفسيا كالشعور بالعجز والتردد، في حين يؤكد المختصون أن الأمم والشعوب التي تتعرض للمحن والمصاعب أكثر من غيرها، تحصل على نتائج غير مباشرة تنعكس – في الغالب – على تحسين تعاملها مع مفردات الحياة المتنوعة شيئا فشيئا، وتصبح اكثر خبرة من غيرها بتجاوز الصعوبات في المجالات كافة، بعد أن يتم توظيف التجارب المختلفة للفرد والجماعة في إطار عملي متميز يحقق نجاحا ملموسا للمجتمع على نحو العموم.

ولكن قد تكون بعض المصاعب معيقة لتقدم الأمم والأفراد، كما هو الحال مع موجات الإرهاب التي ضربت العراق، حيث أدت مكافحة الإرهاب الى تعطيل عجلة التقدم الى أمام، بالإضافة الى أنها ساعدت على تكوين طبقة فاسدة تتصيد بالماء العكر وتستغل مثل هذه الظروف لإلحاق الأذى بالدولة ومؤسساتها بعد تحويلها الى مؤسسات شكلية خاوية ينخرها الفساد وهو ما حدث ويحدث طوال سنوات متعاقبة في العراق.

مواصفات الشخصية العراقية

علما أن المصاعب أو التجارب الصعبة يمكن أن تمنح الإنسان فرصة إضافية للتقدم، عندما يمكنه تحويل التجربة الى نوع داعم من الخبرات العملية، فغالبا ما تترك المصاعب والمحن آثارها على الانسان، ويأتي ذلك وفق صورتين، الأولى تظهر فيها هذه الآثار جلية واضحة وملموسة في جسد الانسان نفسه، كأن يبدو ضعيفا او نحيلا او منهكا او ذا وجه عابس على الدوام وهكذا، أما الصورة الثانية فإنها تقدم لنا الانسان الممتحَن كشخص سريع التأثر او التعصب او الانهيار وهذه كلها ملامح مرئية وملموسة في التعامل المتبادَل فتشكل انطباعا مفهوما لظاهر الشخصية، وقد يحدث العكس أحيانا، أي أننا يمكن أن نقابل انسانا كان قد تعرض لمصاعب جمة في حياته ولكنها لم تترك آثارها على جسده ولا في سلوكه أيضا، فمن الممكن أن يكون قد استفاد منها بصورة أو أخرى.

ولهذا لا يمكن القول أن المصاعب بكل أنواعها يمن أن تؤخر الإنسان وتعيقه عن تحقيق ما يصبو إليه، بمعنى أن مصاعب الحياة يمكن أن تصنع شخصية متمرسة قوية لها القدرة على مواجهة الاهوال مهما كانت تأثيراتها وتوابعها المادية او المعنوية، ولهذا ليس صحيحا النظر الى الانسان المتعَب على أنه شخص ذو شخصية مهزوزة كونه كان قد تعرض للمصاعب المتنوعة في حياته، فهناك من يقيس الأمور على هذه الشاكلة، وينظر الى الناس وفقا لهذه المقاييس، أي أن الانسان المنعَّم والمترف والمرفَّه لابد أن تكون شخصيته مبنية بطريقة جيدة، وقد يتراءى ذلك للآخرين من علائم الصحة الظاهرة في الجسد او ملامح الوجه -هكذا يرى بعضهم- بل وهناك الكثير ممن يتعامل مع الناس وفقا لما يبدو عليه في ظاهره، وهذا النوع من الناس يمكن أن يتعامل مع الانسان المنهك على انه مهزوز وضعيف الشخصية، ولكن لا يمكن الإقرار بصحة هذا الاستنتاج دائما، فربما يحدث العكس تماما.

في حين يرى خبراء نفسيون أن الشخصية التي تتعرض للمصاعب في مسيرة حياتها، هي الأقدر من سواها على تحمل أعباء الحياة المختلفة، وهي تكتسب الحكمة والتعقل والهدوء ورباطة الجأش وفي الغالب تكون ذات شحنات هائلة من التفاؤل، وعندما نتحرى عن مثل هذه الشخصيات التي تمرّنت على مواجهة المصاعب خصوصا في الميدان العملي، فإننا لابد أن نكتشف فيها مزايا وخصال لا يمكن للشخصية المرفهة أن تتمتع بها، وهذا هو الفرق الشاسع بين الإنسان المتنعم وبين الإنسان الممتحَن، فالأخير يكتسب تدريبا من طراز خاص يجعله قادرا دائما على التعامل مع المفاجآت في حين قد تهتز الشخصية التي لم تواجه مصاعب في حياتها.

قد يتحطم الإنسان لكنه لن يُهزَم

ويقال أن هناك أناسا من نوع فريد، فهؤلاء يمكنهم تحويل حتى خسارتهم الى خبرات يتم توظيفها بشكل جيد لفتح آفاق جديدة للنجاح، ويبقى الأمر مرهونا بطبيعة الفرد والجماعة، فثمة من يحيل النكسات والمواجع الى عوامل تدفعه نحو النجاح، وبالتراكم وتضافر الطاقات تأخذ حالة البناء والاندفاع نحو التطور وتجاوز النكسات طابعا عاما يشمل عموم الشعب وهو ما حدث مع الشعب الياباني الذي تعرض لحروب وسلسلة من الزلازل الهائلة، لكنه شعب منظم استطاع أن يمتص كل تلك المخاطر ويتعامل معها بهمة وقوة وحكمة، حين تمكن من مداواة جراحة وترك الضعف والخذلان خلف ظهره وراح ينظر الى المستقبل بصورته الزاهية، حتى اصبحت اليابان احدى اهم الدول المنتجة والفاعلة من بين جميع دول العالم، كما تؤكد ذلك المعلومات المستحدثة في مجالات الإقصادات العالمية.

ويمكن أن نفهم بأن الدول التي خاضت حروبا، وواجهت زلازل وبراكين وتوسونامي ضخم، يمكنها أن تكون أكثر تنظيما وقوة وتغير المصاعب وتحولها الى مصدر قوة لها، وهو ما يشجع الدول والامم التي تتعرض للمحن بامكانية تجاوزها وتحويلها الى اسباب ودوافع لتحقيق النجاح، ولكن يبقى الأمر بخطوته الأولى مرهونا بطبيعة الإنسان الفردية، أو يتعلق بطبيعة الشخصية وصفاتها ومؤهلاتها، أي أن الفرد القادر على تجاوز الصعاب هو الذي يشكل اللبنة المهمة لتحقيق الأسس الأولية للتغيير، ومن مجموع الافراد تتولد النزعة الجماعية للتغيير نحو الأفضل، ومن ثم العمل على نقل المجتمع الى مرتبة أعلى من النجاح والتميز.

وينصح المختصون من علماء الاجتماع والنفس بأهمية التشبث بالأمل دائما والتحلي بطاقة جيدة من التفاؤل، فلا يصح الاستسلام لليأس القاتم في حالة تعرّض الفرد او الجماعة الى مصاعب قد تفوق التصوّر أحيانا، فالانسان كائن قوي بطبيعته ويتمتع بإرادة مذهلة تعتمد التجدد والتفاعل المنتج في الغالب، لدرجة أن بعضهم أطلق على الانسان وصفا يليق به كونه الكائن الاكثر قدرة على التأقلم مع المصاعب وتحويلها الى نجاحات واضحة للعيان، وهذا يذكّرنا بالمقولة الشهيرة للكاتب الأمريكي همنغواي التي وردت في روايته (الشيخ والبحر) والتي قال في نهايتها (قد يتحطم الإنسان لكنه لن يُهزَم).

اضف تعليق