شبكة النبأ: في الطريق الى العراق وانت قادم من ايران باتجاه الحدود البرية، لازالت الدلالات المرورية المنتشرة على جانب الطريق والتي تشير الى ما تبقى من مسافة للوصول تحمل كلمة (كربلاء)، وهذه الدلالات المرورية تعود الى زمن الحرب بين البلدين في الثمانينات من القرن المنصرم.
هذه الدلالة المرورية التي تؤشر الى المسافات، تستبطن دلالات اخرى دينية وتاريخية، تحيل الى مذهبية خارج الاطر الرسمية للمذاهب الاخرى، وتذكر بموقعة الطف واستشهاد الامام الحسين (عليه السلام).
لم تقتصر الاستفادة من الدين والتاريخ على هذه المفردة، وتجييرها سياسيا ابان تلك الحرب، بل عملت على ايران على استغلال رموز اخرى في تحركاتها السياسية، وهي التي اعتبرت الدولة الشيعية الوحيدة في القرن العشرين المنصرم، من ذلك شعار (طريق القدس تمر بكربلاء) و(امريكا الشيطان الاكبر).
بعبارة اخرى، استفادت ايران وغيرها من الحركات السياسية الشيعية في كل مراحل عملها السياسي من خزان هائل من المعتقدات والرموز الشيعية في قيامها وانتشارها.
يمكن اجمال عدد من العناصر التي تتكون منها الهوية الثقافية الشيعية:
العقيدة المشتركة – التاريخ المشترك –المنظومة الفقهية المشتركة – الرموز – الثروة الروحية المتمثلة بالادعية – الطقوسية الشيعية –الزيارات – التراث الادبي والشعري.
امتاز الخطاب السياسي الشيعي، وعبر مراحل عديدة من تشكل الحركات والاحزاب السياسية الشيعية، في استدعائه للتاريخ والافادة منه، والايحاء بانه امتداد طبيعي لرموز المذهب، ويستعمل ذلك الخطاب ايضا، لحفظ ورص صفوف الجماعة وعدم تفرقها، ويكون اداة مهمة للحشد الجماهيري، ويتصف هذا الخطاب بامتداده لوراثة خط الائمة من اهل البيت (عليهم السلام) ومن يخالف الخط يعد خارج المذهب.
بالعودة الى ايران في ماضي ثورتها وحاضر دولتها، استفادت كثيرا من تلك المنظومة الثقافية في مد نفوذها الى مساحات واسعة في الاقليم العربي او الاسيوي وغيرها من اماكن اخرى في العالم. وكثيرا ماكانت قريبة من حركات سياسية لا يمكن ان تحسب في اشد حالات التفاؤل الا بعيدة كل البعد عن التشيع العقدي، اذا لم تكن في خانة النواصب وهم الذين لا يعترفون باحقية الامام علي والائمة من ذريته بخلافتهم لصاحب الرسالة الاسلامية محمد (صلى الله عليه واله وسلم) وحتى الحركات السياسية الشيعية قد لاتكون على وفاق او تواصل مع بقية التوجهات الشيعية اذا لم تكن في عداء او حرب صريحة معها.
كامثلة على ذلك:
حزب الله في لبنان، لا يمكن او لايسمح له ان يتحالف او يكون قريبا من اي جهة ضد ولاية الفقيه لكننا نراه في تحالف مع حركة حماس الاخوانية، والتي هي ابعد مايكون عن افكار التشيع العقدي.
ومثلهم الحوثيون في اليمن، وهم زيود، يناصبون الشيعة الامامية العداء وحتى يمارسون معهم عمليات القتل والترهيب، لانهم لايتفقون معهم في الموقف من ولاية الفقيه.
في العراق كذلك، وفي البحرين، وفي السعودية، هناك هذا التنافر الشديد بين الحركات السياسية الشيعية ومعيار او مقياس هذا التنافر هو درجة الاقتراب او الابتعاد من الولي الفقيه.
يذهب الى ذلك الباحث السعودي الدكتور حمزة الحسن في كتابه (الطقوس الشيعية)، الى انه قد يكون التشيع السياسي، اعجابا بموقف جهة من الجهات، او عطفا عليها لمظلوميتها، او لقناعة بكفاءتها، او لاي امر اخر، حافزا للاقتراب من التشيع بمعناه العقدي، او على الاقل متجاوزا للاطر الطائفية الضيقة. فالاعجاب السياسي بسلوك واخلاص مجموعة بحاجة الى عوامل عديدة ليتحول الى ولاء عقدي، كالاطلاع على اصول المعتقد، وحجج رجال المذهب، ومناقشة القضايا من زوايا مختلفة ووضع المقارنات بين مواقف المذاهب في قضايا بعينها وغير ذلك، وبالتالي قد يؤدي الى الاقناع او النفور، لكن قليل من يخطو خطوة بهذا الاتجاه.
اضف تعليق