تحاول بعض الجماعات أن تجعل من العنف وسيلة لإسماع الرأي العام قضيتهم وإثارة مظلوميتهم، ذلك أن العنف يحمل في رسالته طابعاً مثيراً وجالباً للأنظار بعد أن يعتقد مستخدموه أنهم لا يستطيعون إيصال أصواتهم إلاّ بهذا الأسلوب.
ومن هنا فإن العنف «لا يعزز من شأن القضايا ولا من شأن التاريخ ولا من شأن الثورات ولكن بإمكانه أن يفيد بإضفاء طابع درامي على المطالب وإيصالها إلى الرأي العام لافتاً نظره إليها»(1).
هذا من جهة، ومن جهة أخرى يهدف أسلوب العنف إلى زعزعة السلطة عبر زرع الرعب والخوف، لذلك فإن «الفعل الإرهابي يعد رسالة موجّهة إلى الآخرين والهدف الأساسي منه إحداث أثر نفسي سلبي يتمثل في حالة الخوف والقلق والرعب والتوتر لدى المستهدفين حيث يمكن في إطارها التأثير على توجهاتهم وسياساتهم»(2).
ولكن التساؤل الذي يتردّد في الأذهان هو أنه ما الأثر الذي يتركه العنف في الرأي العام هل هو إيجابي أم سلبي!؟ وهذا الأمر يعتمد على معرفة ماهية الرأي العام والعناصر التي يتشكّل منها. فالرأي العام هو «اتجاه أغلبية الناس في مجتمع ما اتجاهاً موحّداً ازاء القضايا التي تؤثر في المجتمع أو تهمّه، ومن شأن الرأي العام إذا ما عبر عن نفسه أن يناصر أو يخذل قضية ما، وكثيراً ما يكون قوّة موجهة للسلطات الحاكمة، ومن أدوات التأثير في الرأي العام وحدة الثقافة والتوجيه والعلاقات العامة ووسائل الاعلام المختلفة»(3).
وبما أن العنف له خاصية القسوة والرعب فإنه يترك في أغلب الأحيان أثراً سلبياً في نفوس الناس، لأن إثارة ظلامة القضية ومظلومية القائمين به عبر العنف لا يمكن أن يعطي انطباعاً ايجابياً بقدر ما يعطي انطباعاً سلبياً عن القضية التي تحاول الجماعة أن توجه الرأي العام نحوها، وإن التفجير الصارخ بهذا الأسلوب الحدّي قد يقود الرأي العام بالتأييد إلى المعسكر الآخر.
وهذا يعني أن آلية الرأي العام لا تتجاوب مع الأساليب التي تنطوي على الأفعال الخشنة والدامية والصدامية، إذ أن «كل فعل عنف يترك أثر خوف وفزع في نفوس الناس ويكون عميقاً بنسبة ما يكون العمل مثيراً أو شنيعاً وبنسبة ما تكون الضحية ذا وزن اجتماعي أو مكانة ســـياسية مرموقــــة، ويتحوّل انـــعكاسات هذا العمل إلى حالة عنف شائعة تطال عدداً كبيراً من الأفراد الذي يجدون أنفسهم معنيين بها»(4).
وقد يتحوّل العنف إلى سلاح ضدّ مستخدميه عندما يستطيع المعسكر الآخر أن يستثير الرأي العام ضدّه بتأثيرات وسائل الإعلام التي يمتلكها لأن ديناميكية الرأي العام لا تتحرّك فقط في إطار إثارة القضية بشكل عنيف وإنما يعتمد إستثمار قوّة الرأي العام في التكامل الناجح مع وسائل الإعلام. وهذا الأمر لا يتناسق عادة مع تكتيك العنف الذي يفتقد إلى الدعم الإعلامي الذي تمتلك وسائله السلطات.
أضف إلى ذلك أن طبيعة العنف الذي يعتمد على العمل السري الغامض والمجهول تتناقض مع طبيعة وسائل الإعلام وعلنيتها وتعاملها مع الواضح والمعلن. وعلى فرض حياد وسائل الإعلام في بعض المناطق فإنها لا تتناول قضايا العنف إلا ضمن إطار الخبر فقط مع عدم ذكر خلفياته وجوانبه. وهذا يمكن أن يضر بالقضية أكثر بتعريضها للتشويه الذي ترسمه وسائل الإعلام الموجهة أو الخاضعة لتأثيرات مراكز الضغط المالي والسياسي.
وقد استفاد اليهود في تشويه القضية الفلسطينية من عمليات العنف التي كانت المنظمات الفلسطينية تقوم بها عبر تأليب الرأي العام ضدّ الفلسطينيين واستدرار المظلومية لصالحهم، وبالتالي فإن حوادث العنف لم تخدم القضية الفلسطينية بقدر ما خدمت الجانب الآخر عندما كان للرأي العام رأي آخر لا يتفق مع أصحاب القضية لضراوة العنف وآثاره السلبية.
نعم، كل ما يستطيع العنف أن يفعله هنا هو أن يثير الرعب والفزع ولكنه لا يستطيع أن يروّج للمبادئ والقيم، لأن القيم والمبادئ السامية التي ترنو إليها كل نفس إنسانية لا تترعرع وتزهر إلا في ضوء الأمن والسلام. ولا يمكن استقطاب الرأي العام إلا عندما تتوغّل المبادئ والقيم إلى أعماق الناس معبرة عن ظلامة القضية ورسالتها السلمية. وفي الآية القرآنية: (ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك) (آل عمران: 159).
اضف تعليق