من المعلوم أن التاريخ ذكر رجالا يتمتعون بالشجاعة والقوة وكانوا جميعا يمتازون بالقسوة والفروسية ولكنهم يفتقرون للرحمة والعلم والحكمة والإنسانية وأيضا ذكر رجالا يتمتعون بالحكمة والعلم والرحمة والإنسانية ولكن في المقابل يفتقرون جدا للشجاعة والفروسية لكن في شخصية الإمام علي عليه السلام اجتمعت أسمى معاني الإنسانية والرحمة والمحبة لعباد الله وكرم وسماحه وشجاعة منقطعة النظير في كل العصور حتى اشتهر عالميا أن الإمام علي اعدل رجل في تاريخ البشرية جمعاء.
صفات علي (ع) لا يحيط بها الحصر وفي عدها تفنى الدفاتر والحبر ولكن (لا يترك الميسور بالمعسور) و عن المناقب قال النظام: علي بن أبي طالب محنة على المتكلم أن وفاه حقه غلا وان بخسه حقه أساء و المنزلة الوسطى دقيقة الوزن صعبة المرتقى إلا على الحاذق الدين.
وقد نوه النبي الأكرم لحكمة وفضل ورحمة الإمام علي (ع) في كثيرا من المواقف والأحاديث الشريفه منها قوله(ص) يا علي أنا وأنت أبوا هذه الامة, قال أيضاً (ص): لو أن الغياض أقلام والبحر مداد، والجن حساب والأنس كتًاب ما أحصوا فضائل علي بن أبي طالب (ع).
وتتجلى اسمى معاني الإنسانية عند الإمام علي في تعامله الحنون والعطوف مع الأيتام أن من يقرأ سيرته عليه السلام يجد رجلا ينبع رحمه وعطاء وحبا لا مثيل له للأيتام كيف لا وهو أبو هذه الامة بعد النبي الأكرم (ص).
أيتام الحشد
أن موت الأب يُعدّ مصيبة للطفل وأحياناً يبعث على الإحساس بالذنب فيظن الطفل أن معصيته
لوالده هي السبب في وقوع هذه الكارثة، وهكذا سيغمر الاضطراب والهيجان كيانه وشدة الصدمة
على البنت أكثر من الصبي بكثير، ومن ثَمَّ فإن شعورها بالحزن أكبر ولكن بسبب تعلقها الكبير
بالأم فإن شعورها بالوحدة أقل من الصبي.
وأمّا الصبيان فإنهم سيشعرون بالوحدة القاسية والمؤلمة، ولذلك فإنه من الصعب على الأطفال نسيان حزن الموت أو إزالة آثاره، إذ يغوص الطفل في مأساة كبيرة وتتعرض حياته للخطر فيشعر بأن العالم ليس المكان المناسب له وأنه غير قادر على الشعور بالطمأنينة والسكون، ولكن وجود الأم يقلل من آثار ذلك بشرط أن تتقيد الأم بالأصول والضوابط والأمور المهمة في هذا المجال، وللتخفيف من شدة حزن الطفل واضطرابه ولكن هذا يحتاج إلى جهد من قبل كل من المجتمع وألام أذا كان الأولاد قد فقدوا أباهم ونحن ألان في زمن كثر فيه الأيتام والأرامل جراء الكثير من الأسباب وأكثرها العمليات الإرهابية التي اجتاحت البلاد وشهداء الحشد المقدس الذين خلفوا بعدهم عوائل ثكلى لا تقوى على العيش في ضل هذه الظروف الصعبة ولا وجود لمعين وإغفال الحكومة عن دورها المهم في دعم هذه العوائل وتوفير سبل العيش الكريم لها, نفتقد اليوم إلى شخص أبو الأيتام (ع) الذي يمثل أعظم شخصية بعد رسول الله (ص).
إن فترة حكم الإمام علي (ع) كانت فترة زاهرة عاش فيها رعاياه بعز ورفاهية وقد اهتم بشكل خاص بالأيتام فكان (ع) يتفقدهم ويغدق عليهم بالحب والحنان ولم يحسوا باليتم إلا حين استشهد, فمن اليوم يرعى أيتام الشهداء من يمسح على رؤوسهم وهم بأمس الحاجة إلى من يرعاهم ويكفل أمورهم, ولكن على العكس اليوم نرى الطفل يعيش ببؤس وشقاء حين يفقد أباه الذي فقده لكي نعيش نحن بأمان فيما يتنعم السياسي بالراحة والأموال التي من المفترض إن تنفق على من هم أولى بها من غيره, نحن اليوم بأمس الحاجة إلى شخص أبو تراب لان اليتيم اليوم يحتاج هكذا شخصية تهتم به وتحميه وتوفر له الحياة الكريمة التي يفقدها اغلب أيتام بلدنا اليوم.
بعض قصص الإمام علي (ع) مع الأيتام
في احدى الليالي جاء علي عليه السلام بالطعام إلى أسرة فقدت معيلها وفيها أيتام، فوجد بين الأيتام طفلاً لا يهدأ, فسأله الإمام عليه السلام عن سبب ذلك فقال الطفل: إن الأطفال يقولون لي أن لا أب لك فقال له الإمام عليه السلام: قل لهم إن علياً هو أبي فلم يهدأ الطفل، وقال: إن أطفال جيراننا لهم حصان خشبي وأنا ليس عندي مثله.
فجاءه الإمام عليه السلام به ليفرح ويلعب به ولكن الطفل لم يهدأ وبدأ يتذرع بالذرائع الواحدة تلو الأخرى، وقال للإمام عليه السلام: أريد حصاناً أركبه ويسير بي انحنى أمير المؤمنين ليركب الولد على ظهره وقال: ها أنا قد صرت حصاناً لك فاستمر الإمام عليه السلام بإركاب الطفل على ظهره والسير به حتى استحوذ التعب على الطفل وغفا فوق ظهر الإمام عليه السلام فوضعه في فراشه وغادر الدار هذا هو اب الامه هذا هو منبع الحب والعطف
وفي قصة أخرى
كان علي (ع) يسير في طرقات الكوفة, فشاهد امرأة على كتفها قربة ماء، سارع لإعانتها بحمل القربة، ويسألها عن حالها فقالت: بعث علي بن أبي طالب صاحبي إلى بعض الثغور فَقُتل، وترك لي صبيانا يتامى، فألجأتني الضرورة لخدمة الناس، فانصرف وبات ليلته قلقا، عندما أصبح حمل زنبيلا فيه طعام، فقال بعضهم: أعطني أحمله عنك، فأجاب: من يحمل وزري عني يوم القيامة؟ فأتى وقرع باب تلك المرأة، فقالت: من هذا ؟ قال: أنا ذلك العبد الذي حمل معك القربة، فافتحي فإن معي شيئا للصبيان.
فقالت: فترضت عليه وأثنت: حكم الخالق بيني وبين علي بن أبي طالب، فدخل وقال: إني أحببت اكتساب الثواب، فاختاري بين أن تعجنين وتخبزين وبين أن تعللين الصبيان لأخبز، فقالت :أنا بالخبز أبصر وعليه أقدر، شأنك والصبيان، عللهم حتى أفرغ من الخبز، فعمدت المرأة إلى الدقيق فعجنته، وعمد علي (ع) إلى اللحم فطبخه، ليُلقِمَ الصبيان من اللحم والتمر وغيره، وكلما ناول صبياً لُقمَةً قال له: يا بني اجعل علي بن أبي طالب, في حل مما مَرَّ في أمرك, بعد أن اختمر العجين قالت المرأة: أسجر التنور, بادر عليه السلام لسجره, فلما أشعله ولفح في وجهه جعل يقول: ذق يا علي هذا جزاء من ضيع الارامل واليتامى.
فرأته امرأة تعرفه دخلت الدار, فقالت لأم الأيتام: ويحك هذا أمير المؤمنين، قال: فبادرت المرأة وهي تقول: واحيائي منك يا أمير المؤمنين، فقال: بل واحيائي منك فيما قصرت في أمرك تلك حالة لعائلة واحدة فقط, لم يستهن بها أمير المؤمنين عليه السلام؛ بينما نرى التقصير جليا واضحاً, أمام آلاف الأرامل واليتامى, ممن ضحى عائلهم استجابة لأمر المرجعية المباركة, إنهم أيتام الحشد الشعبية فقدت الأمة أبويها, منذ ما يزيد على الألف وأربعمائة عام, استشهد الرسول والأمير عليهم الصلاة والسلام, ليبقى الأيتام والأرامل بدون راعٍ
الايتام في كلام الإمام علي
قال عليه السلام "ظلم اليتامى والأيامى ينزل النقم، ويسلب النعم" وقال عليه السلام الله الله في الأيتام لا تغبوا أفواهم ولا يضيعوا بحضرتكم فإني سمعت رسول الله (صلى الله عليه واله) يقول : من عال يتيماً حتى يستغني أوجب الله له الجنة كما أوجب الاكل مال اليتيم النار.
عن الاصبغ ابن نباته قال لما سمع الايتام بجرح الامام علي (ع) ووصية الطبيب له بان يتناول اللبن, يقول بن نباتة: رأيت الايتام وقد صفوا امام بيت الامام (ع) ويقولون هذا لأبينا علي وعندما خرج الامام الحسن (ع) يتفقدهم رأى احد الايتام بيده اللبن وهو يقول باكيا لقد ارسلتم لنا اللبن خذوا اللبن وارجعوا ابونا علي.
امّا أَميرُ المؤمنين (ع) فلقد أوصى الحسنَين عليهُما السّلام بقولهِ (ع) {اللهَ اللهَ فِي الاَْيْتَامِ، فَلاَ تُغِبُّوا أَفْوَاهَهُمْ، وَلاَ يَضِيعُوا بِحَضْرَتِكُمْ}.
وعن الطّبقة الضّعيفة والمستضعفة في المجتمع يقول أَميرُ المؤمنين (ع) في عهده للاشتر {ثُمَّ اللهَ اللهَ فِي الطَّبَقَةِ السُّفْلَى مِنَ الَّذِينَ لاَ حِيلَةَ لَهُمْ وَالْمَسَاكِين وَالْـمُحْتَاجِينَ وَأَهْلِ الْبُؤْسَى وَالزَّمْنَى، فإِنَّ فِي هذِهِ الطَّبَقَةِ قَانِعاً وَمُعْتَرّاً، وَاحْفَظْ لله مَا اسْتَحْفَظَكَ مِنْ حَقِّهِ فِيهِمْ، وَاجْعَلْ لَهُمْ قِسمْاً مِنْ بَيْتِ مَالِكَ، وَقِسماً مِنْ غَلاَّتِ صَوَافِي الاْسْلاَمِ فِي كُلِّ بَلَد، فإِنَّ لِلاَْقْصَى مِنْهُمْ مِثْلَ الَّذِي لِلاْدْنَى، وَكُلٌّ قَدِ اسْتُرْعِيتَ حَقَّهُ، فَلاَ يَشْغَلنَّكَ عَنْهُمْ بَطَرٌ، فَإِنَّكَ لاَ تُعْذَرُ بِتَضْيِيعِ التَّافِهَ لاِحْكَامِكَ الْكَثِيرَ الْمُهِمَّ.
فَلاَ تُشْخِصْ هَمَّكَ عَنْهُمْ، وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لَهُمْ، وَتَفَقَّدْ أُمُورَ مَنْ لاَ يَصِلُ إِلَيْكَ مِنْهُمْ مِمَّنْ تَقْتَحِمُهُ الْعُيُونُ، وَتَحْقِرُهُ الرِّجَالُ، فَفَرِّغْ لاُِولئِكَ ثِقَتَكَ مِنْ أَهْلِ الْخَشْيَةِ وَالتَّوَاضُع، فَلْيَرْفَعْ إِلَيْكَ أُمُورَهُمْ، ثُمَّ اعْمَلْ فِيهِمْ بَالاْعْذَارِ إِلَى اللهِ تَعَالَى يَوْمَ تَلْقَاهُ، فَإِنَّ هؤُلاَءِ مِنْ بَيْنِ الرَّعِيَّةِ أَحْوَجُ إِلَى الاِْنصَافِ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَكُلٌّ فَأَعْذِرْ إِلَى اللهِ تَعَالَى فِي تَأْدِيَةِ حَقِّهِ إِلَيهِ.
وَتَعَهَّدْ أَهْلَ الْيُتْمِ وَذَوِي الرِّقَّةِ فِي السِّنِّ مِمَّنْ لاَ حِيلَةَ لَهُ، وَلاَ يَنْصِبُ لِلْمَسْأَلَةِ نَفْسَهُ، وَذلِكَ عَلَى الْوُلاَةِ ثَقِيلٌ، وَالْحَقُّ كُلُّهُ ثَقِيلٌ، وَقَدْ يُخَفِّفُهُ اللهُ عَلَى أَقْوَام طَلَبُوا الْعَاقِبَةَ فَصَبَرُوا أَنْفُسَهُمْ، وَوَثِقُوا بِصِدْقِ مَوْعُودِ اللهِ لَهُمْ.
وَاجْعلْ لِذَوِي الْحَاجَاتِ مِنْكَ قِسْماً تُفَرِّغُ لَهُمْ فِيهِ شَخْصَكَ، وَتَجْلِسُ لَهُمْ مَجْلِساً عَامّاً، فَتَتَواضَعُ فِيهِ لله الَّذِي خَلَقَكَ، وَتُقعِدُ عَنْهُمْ جُنْدَكَ وَأَعْوَانَكَ مِنْ أَحْرَاسِكَ وَشُرَطِكَ، حَتَّى يُكَلِّمَكَ مُتَكَلِّمُهُمْ غَيْرَ مُتَعْتِع، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ(ع) يَقُولُ فِي غَيْرِ مَوْطِن: "لَنْ تُقَدَّسَ أُمَّةٌ لاَ يُؤْخَذُ لِلضَّعِيفِ فِيهَا حَقُّهُ مِنَ الْقَوِيِّ غَيْرَ مُتَعْتِع"}.
للأَسف الشّديد فانّ مجتمعنا تزداد فيه الطّبقة المسحوقة يوماً بعد آخر، كما انّ أَعداد الأيتام والأرامل في تزايدٍ مستمرٍّ بسبب ما ورثناهُ من دمارٍ مجتمعي خلّفتهُ لنا سياسات نظام الطّاغية الذّليل صادم حسين الذي تركت حروبهُ العبثيّة اكثر من مليون يتيم وأرملة، زادت عليها السّياسات الفاشلة للدّولة والتي لم تحقّق الحدّ الأدنى من أسباب العيش الكريم والعدالة الاجتماعيّة، من جانبٍ، وبسبب الارهاب الذي لازال يحصد أَرواح الابرياء بلا رحمةٍ، من جانبٍ اخر.
والحمدُ لله فانّ المجتمع يتحمّل اليوم مسؤوليتهُ إِزاء هذه الطّبقات الضّعيفة والمسحوقة، فمؤسّسات رعاية الأيتام والأرامل وضِعاف الحال مُنتشرة في كلّ مجتمعنا، فهي تتبنّى الأيتام وأُسَرهِم بشكلٍ مشهود ما يقلّل ويخفّف من معاناتهِم ويساهم في إِعادة التّوازن لحال المجتمع الذي اتَّسعت فيه الطبقيّة الاجتماعيّة بشكلٍ مُلفت للنّظر بسبب سياسات الدّولة غير العادلة، ولكن، مع وجود كلّ هذا الجهد المجتمعي الذي يتبنّى الطّبقة الضعيفة الا انّنا نحتاج الى المزيد من هذا الجُهد، لانّ تضييع حقوق هذه الطّبقة يدمّر المجتمع على المستوى البعيد، ويكونُ سبباً مُباشراً لرفع رحمة الله تعالى عن المجتمع، وفي الحديث الشّريف {إِرحَم مَن في الأَرْضِ يرحمُكَ مَن في السّماء} فكيفَ سننتظر رحمة السّماء وشآبيب رحمة الله عزَّ وجلّ اذا ضاعَ الأيتام في حضرتِنا؟!
اضف تعليق