في النصف من شهر رمضان المبارك، تطل علينا مناسبة عظيمة ومفرحة وهي ذكرى مولد سبط وريحانة رسول الله (ص) الإمام الحسن المجتبى (ع)، حيث يحرص عشاق محمد وآل محمد على مشاركة النبي (ص) لإحياء هذه المناسبة المفرحة العظيمة بأجواء إحتفالية مفرحة ليالي القرقيعان، ونحاول من خلال التالي تسليط الضوء ولو بشكل متواضع على دور القائد الإمام الحسن في الثورة الإصلاحية وتعرية الطغاة والظالمين، ولكي نستفيد من مدرسة الإمام المجتبى فهو قدوة وأسوة حسنة وذلك لتجاوز التحديات في ظل الظروف التي تمر على منطقتنا والعالم.
الحق طريقه واضح ومستقيم، بينما الباطل والظلم والخداع له عدة طرق وله مسميات كثيرة وألوان وأشكال عديدة قادر على تغيير جلده ومظهره لتحقيق أهداف سالكه، كما يسعى من تشابه عليهم الحق لاستغلال الدين والشعارات الإنسانية والإخلاقية والوطنية.. لخداع عامة الناس وإستغلالهم، فالسياسة لدى البعض فن الممكن والغاية تبرر الوسيلة لتحقيق المأرب والأهداف الخاصة.
القيادات الحقيقية هي التي تعمل حسب بوصلة الحق والعدالة والحرية ورفض الظلم والطغاة فقط، والقيادات الرسالية الأنبياء والرسل ومنهم الأئمة الأطهار (ع) هم من أفضل من مارس هذا الدور الإصلاحي وإحقاق الحق، فكانوا هم القدوة والاسوة الحسنة، فهم مع الحق وضد الباطل، ويحاولون فضح الباطل بطرق عديدة وبأساليب سلمية، والإمام الحسن -عليه السلام- مارس هذا الدور في حقبة زمنية صعبة جدا كان الناس فيه مخدوعين في السلطة الحاكمة الظالمة التي تستغل الدين، فالإمام الحسن فضح من نصب نفسه حاكما للمسلمين في عصره، وذلك عبر إتفاقية إصلاحية تنص على عدم الظلم بل تحقيق العدالة والحرية والتعددية للجميع، وإنتقال السلطة بعد وفاة الحاكم الأموي التي ستتحقق مهما طال الزمن إلى حاكم عادل بطريقة سلمية تعتمد على التفاهم على إتفاقية إصلاحية بعدما بذل الإمام الحسن (ع) كل المحاولات من مواجهة عسكرية والمعارك التي خاضها مع والده أمير المؤمنين الإمام علي (ع) تشهد له بذلك.
الأئمة -عليهم السلام- ليسوا طلاب سلطة دنيوية والرئاسة على الناس، والإمام علي -عليه السلام- ورغم حقه في الخلافة بعد الرسول الأعظم محمد (ص) حسب النصوص القرآنية والروايات، إلا انه عندما إغتصبت منه الخلافة -حينما كان مشغولا بتغسيل وتكفين ودفن الجسد الطاهر لرسول الله (ص)- حاول وبذل كل ما يستطيع لإثبات ذلك وتذكير الناس بما قاله رسول الله (ص) بحقه وتذكير من بايعه بالإمارة في يوم الغدير، وعندما وجد تقاعس المجتمع والإنكار بسبب سياسة (...) لم يجبرهم الإمام علي (ع) لطاعته وفرض نفسه.. بل قال كلمته المشهورة، "لا رأي لمن لا يطاع"، وظل الإمام علي (ع) يؤكد في كل مناسبة على حقه بالخلافة ورفضه للظلم، وعدم التعامل حسب المصالح والفن السياسي المتلون لتحقيق المآرب بل كان واضحا حازما في رفض الظلم والطغاة وسياسة التلون الدهاء السياسي الخبيث. ولم يبخل بتقديم النصح لكل من يطلب منه النصيحة ولو من الذين سلبوا حقه، وذلك لتحقيق الإصلاح بما يخدم العباد والبلاد دون التنازل عن حقه ويوجد الكثير من الخطب والكلمات للامام حول ذلك منشورة في نهج البلاغة.
والإمام الحسن وكذلك الحسين -عليهما السلام- هما إمامان قاما أو قاعدا، يشتركان في الأدوار كما في الاسم والنسب والإمامة والثورة لمحاربة الظالمين وإحقاق الحق والإصلاح، والذي إختلف في الطريقة حسب الظروف المتاحة، الإمام الحسن (ع) حاول تعرية الظالم وإسقاط نظامه الفاسد عبر الإتفاقية الإصلاحية ومن ضمن بنودها: "إنتقال السلطة السلمي: أن يكون الحاكم القادم بعد معاوية من هم أجدر وأكثر كفاءة وقدرة لقيادة الأمة وخدمة العباد والبلاد وهم أهل البيت، وإعطاء الأمن والكرامة والحرية الفكرية والعبادية للجميع وبالخصوص لمحبيهم، وتعرية النظام أمام الرأي العام إذا لم يلتزم بالإتفاقية". وعندما شعر الظالم بالهزيمة القادمة قام بإغتيال الإمام الحسن (ع) للتهرب من الإتفاقية والفضيحة، من خلال دس السم في شراب الإمام فقضى نحبه شهيدا مسموما (ع)، والإمام الحسين (ع) واجه الظلم والظالم عبر خروجه بقوله: "إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي"، وقتل الإمام الحسين (ع) بقطع رأسه في سبيل محاربة الظلم.
المصلحون ومنهم الأنبياء والمراسلين والأئمة -عليهم السلام- دورهم التأكيد على الحق ودعم الإصلاح ورفع الظلم عن العباد، فكانوا ضد الباطل والظلم والطغاة والفساد والجور بشكل واضح وصريح، ورفضوا سياسة المجاملة والوقوف على أبواب الظالمين، والمدح والثناء للظالم والطاغوت بتبريرات سياسية متنوعة؛.. ونتيجة لذلك لم يسلموا من الاستهداف والملاحقة والأذى والقتل في سبيل الرسالة الإلهية والإصلاح.
ولهذا على الإنسان الذي يسعى لتحقيق الإصلاح في المجتمع أن يتهيأ للتضحية ومواجهة التحديات والصعوبات، وأن يرفض التعاطي مع الظالمين الفاسدين، والإبتعاد عن أبواب السلاطين الظالمين أو مدحهم والثناء عليهم بتبرير المحافظة على بعض المصالح، بل عليه أن يقف ويدعم ويقدم العون والمساعدة للمصلحين والمظلومين.
وفي حالة إستبداد الأنظمة الحاكمة وإستخدامها أبشع الوسائل ومنها الدموية في التعامل مع الشعب في ظل ضعف الإمكانيات لدى الناس لمواجهة هذا الإستبداد الحكومي الوحشي، فينبغي الحذر من التواصل مع الطغاة الظالمين، إلا عند الإجبار والإكراه والتهديد الواضح -مثل القتل- على أن يكون التواصل لتقديم النصح بما فيه مصلحة للعباد والبلاد ورفع الظلم، دون تقديم العون للحكام الظالمين أو مدحهم والثناء عليهم، فينبغي الحذر من استغلال السلطة.
الإمام الحسن المجتبى (ع) هو الثائر الإصلاحي لتحقيق الإصلاح وتعرية وإسقاط النظام الظالم الفاسد عبر الإتفاقية الواضحة والمحددة، ولهذا لابد من التأييد والدعم والتشجيع على ممارسة دور سياسة الإمام الحسن المجتبى (ع) الحقيقية، وهي تحقيق الإصلاح دون تنازل عن الحق ودون الإستسلام ومدح النظام الإستبدادي، وإنما عبر الحوار والتفاهم والإتفاق على إتفاقية محددة تحفظ الحقوق والكرامة للجميع أولا، وندعو أنظمة المنطقة والشعوب اللجوء إلى تلك السياسة عوضا عن العنف والإعتقالات التعسفية والسلاح والقتل، وأن تبادر الأنظمة لتحقيق مطالب الشعوب.
وللحديث تكملة وتتمة...
اضف تعليق