بينما كنت احضر الطعام واستمع الى احدى المحطات الاذاعية وملاكي بالقرب مني ترسمُ لوحاتَهَا الطفولية، ذكر المذيع عدد من ألقاب امير المؤمنين (عليه السلام): المرتضى، يعسوب الدين، ابو تراب، وأمير النحل،
مرت هذه الالقاب على سمعي بصورة اعتيادية أما على ملاكي المبتدئ الاكتشاف، فقد جذبها احد تلك الألقاب فسألتني:
- أمي ماذا يعني أمير النحل؟.
قلت: يعني به الامام علي عليه السلام
-ولماذا سُمّيَ بهذا الاسم؟.
قلت: انها قصة طويلة تعالي نتناول الطعام ثم نذهب الى بستان جدتك وهناك سأخبرك بالقصة ما رأيك؟.
-حسناً أمي أمراً وطاعة.
بعد ان انتهينا من الطعام ذهبنا الى بستان الحضن الاكبر، بستان الامان والحنان، بستان امي.
وصلنا الى هناك رحبت بنا بأيدي العطف والرحمة، جلسنا قليلاً ثم خرجت أنا وملاكي لنحضر بعض الثمار ونتجول، قلت لها:
- بُنيتي كانت هناك سرية لرسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) مُعَدّة لقتال جيش من الكفار .
سألت ملاكي: وماذا تعني كلمة سرية.
- السرية يا عزيزتي هي مجموعة من الجنود يُرسلهم الرسول لقتال الكفار وهو لا يكون معهم فإن شاركهم سُمّيَتْ غزوة.
المهم يا حبيبتي خرج الجنود وكان بينهم وبين جيش المشركين جبال، وكانت هذه الجبال مَليئة بالنحل..
- أمي....أمي انظري هناك نُحيلات على الزهور.
- نعم يا عزيزتي سبحان الله فمنظرهن جميل. حسنا ملاكي أتتني فكرة، تعالي معي.
اقتربنا من الزهور نادَيتُ إحداهن وقفتْ بالقرب مني وهي خائفة تحرك بجناحيها الفضِيّين
- امي انظري كم هي جميلة لكن لماذا هي خائفة؟.
قلت لها:
- بُنيتي لأنها تعرف مكر البشر
- لكن يا امي انا لا نريد أذيّتها، امي هل يمكننا أن نسألها عن قصة أمير النحل؟.
-حسناً اسأليها انتِ
-لا امي أنا ايضاً أخاف منها اسأليها انتِ
حسناً: أيتها النحلة العزيزة اطمئني جئنا نسألك عن قصة أمير النحل ونريد ان نعرف منك أكثر.
أجابتْ النحلة :
كنا نعيش بسلام نحضر العسل انا واخواتي كان عددنا ألف ألف او أكثر، وفجأة سمعنا صوت دويّ من بعيد، صوت حركة بشر شعرنا بالخوف ارسلنا احدى النَحَلاتْ الى هناك، رأت عساكر وجنودا وخيولا، عندما اخبرتنا باقترابهم تحضرنا في هيئة صفوف متراصة وعند وصولهم خرجنا وخيّمنا عليهم كغيمةٍ هُيّئَتْ للامطار، هجمنا عليهم.
صرخت ملاكي: ولكن لماذا! لم ينووا إيذائكم.
أجابت النحلة: نحن جُبلنا على هذه الطبيعة اذا شعرنا بالخوف نهجم ولا نفرق بين من ينوي بنا خيرا او شرّا .
وتابعت قائلة: مرّ ذلك اليوم بسلام وبعد يومين عادوا من جديد بضجيجهم، جاءت اختي مسرعة، إنهم .....إنهم عادوا من جديد.
قالت ملكتنا: ألم يكِفّوا عنا فلنلقنهم درسا اليوم ايضاً.
أمرت بإعداد الجيوش تكاتفنا وتعاونا لنغلبَ عدوّنا، وبالفعل هزمناهم من جديد.
وبعد ثلاثة ايام كان صباحا مميزاً، كنا نشم عبير الزهور وكأنه يتسلل الى الجبل، شعاع الشمس كان يخترق خليتنا ليضيئها، نسائم للهواء كانت تلاعب الخلية، أتت تلك الجيوش من جديد شعرنا بالضجر خرجنا لنقاومهم.
هذه المرة كان معهم كوكب من الالماس يمتطي فرساً بيضاء كشعاع تلك التي تضئ يومنا، وقفنا كبنيان رُصَّ في مكانه ثم سمعنا صوته الملائكي. يُرتلَ ( وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا ۚ يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (69) ثم رفع صوتهُ قائلاً (يا أيها النحل يا جنود الله عليكم بأعداء الله).
فهمنا ما رُتِلَ على مسامعنا ثم توجهنا الى جنود الكفر فهجمنا عليهم ومزقناهم كلَّ ممزق، ثم عدنا ببشارة النصر للمسلمين ولِأميرهم وأميرنا علي ابن ابي طالب ومنذ هذه الحادثة سُمّيَ بأمير النحل.
التفتُ بعيون غرقى بدموع الحنين لملاكي الصغير قلتُ:
- حبيبتي هل عرفتي الان جوابك؟.
أجابت الصغيرة ببراءة:
- نعم يا أمي وشكرا لك ايتها النحلة أتمنى ان تكوني صديقتي فلدي ازهار جميلة.
ابتسمتُ قائلة: شكراً لكِ أيتها النحلة والآن حان موعد العودة.
وفي المساء اتجهنا الى السرير، غطيْتُ ملاكي الصغير ثم أردفتْ بهدوء:
- أمي كان يوماً جميلاً.
أجبتها بقبلة:
- وسيكون الغد افضل بإذن الله.
اضف تعليق