في بلاد الهند كانت هناك أميرة بنت لأحد ملوك الهند اسمها ميمونة، عندما دخلت جيوش الحبشة الى الهند أخذوها غنيمة كباقي الغنائم.
وعندما جاء المسلمون برفقة جعفر الطيار ونزلوا عند الملك النجاشي لعدة ايام وارادوا العودة الى المدينة المنورة، ارسل النجاشي هدايا الى النبي (ص) ومن ضمن ما اهدى له هذه الجارية (ميمونة) التي كانت في يوم من الايام أميرة طيبة السيرة والخلق والعلم، وارادها الملك النجاشي ان تكون خادمة عند رسول الله (ص) وقدمها كأغلى النفائس، رحلت الاميرة (ميمونة) كجارية الى بيت الرسول، تربت تحت احضان النبوة واريج الرسالة فنهلت من آداب الرسول واخلاقه وعلومه، حتى اطلق عليها (ص) اسم فضة.
تزوجت ابنته فاطمة الزهراء (ع) بأمير المؤمنين (ع) فأرسلها النبي (ص) لخدمة ابنته فاطمة، اكملت رحلتها الاخيرة في دار الزهراء عليها السلام، دار الامامة لم تجد هناك إلا السيف والدرع والرحى وذكر المؤلفين هذه القصة التي تدل على علمها في (الكيمياء)، حيث أخذت قطعة من النحاس وألانتها وجعلتها على هيئة السمكة وألقت الدواء وصبغتها ذهباً، فلما جاء أمير المؤمنين عليه السلام وضعتها بين يديه فلما رآها قال: أحسنت يا فضة ولكن لو أُذنب الجسد لكان الصبغ أعلا والقيمة أغلا.
فقالت يا سيدي أتعرف هذا العلم فقال: نعم وهذا الطفل يعرفه وأشار إلى ابنه الحسن (عليه السلام). فجاء وقال كما قال أمير المؤمنين عليه السلام، ثم قال لها أمير المؤمنين نحن نعرف أعظم من هذا، ثم أومأ بيده وإذا عنق من ذهب وكنوز سائرة، فقال: ضعيها مع إخوتها فوضعتها فسارت.
كانت اميرة ولكنها تختلف عن الاميرات، رضيت ان تكون جارية حتى تتشرف بخدمة مولاتنا الزهراء (ع)، كانت اميرة في بيت الزهراء تعلمت علوم كثيرة حتى حفظت احاديثها واقوالها، نذرت حياتها لخدمتهم وامتازت بالحلم والاخلاق وفي حديث متواتر عن الإمام الصادق عن آبائه، عن علي (عليهم السلام) أنّه قال: (إنّ رسول الله (ص) أخدم فاطمة ابنته (ع) جارية اسمها فِضَّة النوبيَّة، والنوبية نسبة الى البلاد التي كانت تسكنها حيث عرفت هذه البلاد بارتفاع درجات الحرارة وكانت تشاطر الزهراء الخدمة، كما أنّ مساعدتها للزهراء (عليها السلام) لم تكن خدمتها مقتصرة على العمل في المنزل، بل كانت تلميذة ملازمة لمعلِّمتِها (ع).
وكانت مَحبَّتُها لأهل البيت (ع) تزداد يوما بعد يوم، ونالت من الشرف في ارتباطها مع الزهراء في كل الاوقات والمصائب حتى انها ذكرتها الزهراء عند سقوطها يا فضة اسنديني، دليل على مكانة فضة عند الزهراء (ع).
فضل السيدة فضة
قال أبو قاسم القسري:
إنقطعت في البادية عن القافلة فوجدت امرأة، فقلت من أنت؟
فقالت: وقل سلام فسوف تعلمون.
فسلمت عليها وقلت: ما تصنعين ها هنا؟
فقالت: من يهد الله فلا مضل له.
فقلت: أمن الجن انت أم من الإنس؟
قالت: يا بني آدم خذوا زينتكم.
فقلت: من أين أقبلت؟
قالت: تنادون من مكان بعيد.
فقلت: أين تقصدين؟
قالت: ولله على الناس حج البيت.
فقلت: متى انقطعت؟
قالت: وقد خلقنا السماوات والأرض في ستة أيام.
فقلت: أتشتهين طعاما؟
قالت: وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام.
فأطعمتها ثم قلت: هرولي وتعجلي.
فقالت: لا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
فلما أدركنا القافلة قلت لها: ألك أحد فيها؟
قالت: يا داوود إنا جعلناك خليفة، وما محمد إلا رسول، يا يحيى خذ الكتاب، يا موسى لا تخف.
فصحت بهذه الاسماء فإذا بأربعة شباب متوجهين نحوها، فقلت من هؤلاء منك؟
قالت: المال والبنون زينة الحياة الدنيا.
فلما أتوها قالت: يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين.
فكافأوني بأشياء، فقالت: والله يضاعف لمن يشاء، فزادوا لي، فسألتهم عنها،
فقالوا: هذه أمنا فضة جارية الزهراء (ع) ما تكلمت منذ عشرين سنة إلا بالقرآن.
ملازمتها لمولاتها فاطمة(عل) مما جعل في نفسها فضيلة الكمال والايمان فكانت على درجة من الاخلاق والتقوى.
السيدة فضة وحادثة الدار
اندفع القوم إلى بيت فاطمة بنت رسول الله (ص) ولم يرعوا لها حرمة، ولا لأبيها المصطفى ذمّة، فعلوا فعلتهم انقلبوا على أعقابهم والإحداث بعد غياب الرسول الأعظم (ص) خير دليل على ذلك.
لقد استقبلتهم الزهراء (ع) من وراء الباب صارخة إلى أين يا بن الخطاب؟ أجئت لتحرق دارنا؟ قال: نعم.
لم يكن أمام القوم إلا الخلافة، فاقتحموا تلك الدار التي طهرها الله تطهيرا.
لا أعلم كيف تطاولت ايديهم ضرب النار ورفس الباب، الباب التي كان يقف عليها رسول الله ويقول "إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا".
من أين لهم الجرأة لكشف ذلك الحجاب المستور، هذا البيت الذي كان يقدسه الرسول (ص) ولكنهم سرعان ما انقلبوا وجاؤوا بنار حقدهم، وجرى ما جرى يوم دخول القوم عليها دارها. أسقطت جنينها - وهو محسن-.
ويقول الإمام الصادق (ع) واصفا بعض ما جرى: وضرب سلمان الفارسي، وإشعال النار على باب أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين لإحراقهم بها وضرب فاطمة ورفس بطنها وإسقاط محسنها، كما ورد قول في حديث طويل عن الواقعة منها ((وجمعهم الجزل والحطب على الباب لإحراق بيت أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين وزينب وأم كلثوم وإضرامهم النار على الباب وخروج فاطمة إليهم وخطابها لهم من وراء الباب: ويحكم ما هذه الجرأة على الله ورسوله "، قال عمر: ما علي إلا كأحد المسلمين فاختاري إن شئت خروجه لبيعة أبي بكر أو إحراقكم جميعا ". وهجومهم على الدار وركل عمر للباب برجله حتى أصاب بطنها وهي حامل لستة أشهر وإسقاطه إياه وصياح أمير المؤمنين لفضة: يا فضة مولاتك فاقبلي منها ما يقبله النساء، فقد جاءها المخاض من الرفسة ورد الباب فأسقطت محسنا، وقال (ع): فإنه لاحق بجده رسول الله (ص) فيشكو له")) فشكت من أثر ذلك الضرب حتى التحقت بربها شهيدة مظلومة، وقد روي أنّهم ضربوها بالسياط، والمشهور الذي لا خلاف فيه بين الشيعة أن عمر ضربها على بطنها حتى أسقطت، فسمّي السقط محسناً.
وكان من آثار ذلك الضرب أن مرضت الزهراء عليها السلام ولازمت فراشها حتى التحقت بربها، كما أخبر بذلك أولاد الزهراء عليهم السلام، وقد أطبقت كلمتهم على أنّها ماتت شهيدةً مظلومة.
بقيت فضة في خدمة اولاد الزهراء (ع) وتعلم كما كانا تعمل كما أوصتها مولاتها الزهراء، وبقيت ملازمة للبيت العلوي الى آخر يوم من حياتها.
حزنها على مصائب أهل البيت
بعد ضربة امير المؤمنين ع من مصلاه وحمله الى البيت والناس من حوله بين بكاء ونحيب، وبلغوا به منزله، ومعهم الحسن والحسين وابن ملجم موثوقا، أقبلت فضة وبيدها حربة على ابن ملجم، فقالت: أموالي ذروني أضرب عدو الله بهذه الحربة فأشفي بعض جوى صدري، فقد أحرق فؤادي، وأقلق رقادي، وهيج حزني، وأوهى ركني، وأجرى دمعي، وهتك ستري، واجتث أصلي وفخري، وانقضت عليه كالشهاب، فقال لها الحسن (ع): اصبري يا أمة الله، وردها إلى الدار فقالت لابن ملجم: ويلك يا عدو الله أفجعتنا وجميع الاسلام، فمصيرك النار. بقيت فضة في خدمة آل البيت (ع).
اين مقام السيدة فضة؟
ذكر المؤرخون ان للسيدة فضة مقامان معروفان الاول العراق في مدينة كربلاء المقدسة محلة باب النجف داخل زقاق متفرع من شارع العباس (ع) ويسمى زقاق بإسمها شير فضة، شير كلمة فارسية وتعني الاسد.
وعن سبب اختيار المكان كما نقل بعض الثقاة انهم سمعوا من آبائهم عن اجدادهم بأن المشهور ان الاسد كان يربض في هذا المكان وجاءته السيدة فضة وكلمته بشأن الاجساد.
أنها قد سمعت وتعلمت من أمير المؤمنين عليه السلام عدداً من الأدعية ومنها كلام له عليه السلام بعد أن يتكلم به يأتيه أسدٌ عظيم مطأطأ رأسه إلى الأرض مأتمر بأمر الإمام (ع) فتكلمت فضة بعد منتصف الليل في ليلة الحادي عشر من محرم بهذا الكلام الوارد عن أمير المؤمنين عليه السلام فحضر الأسد فأخبرته بأن هذه الجثث هي لأبناء أمير المؤمنين (ع) ومحبيهم وأنصارهم وطلبت منه أن يحرسها فسمعت بذلك السيدة زينب عليها السلام فأخبرتها بأن الجثث الطواهر والأطفال واليتامى بحراسة الله الواحد وقادرين على فعل أي شيء وبقي هذا الأسد محله في أرض المعركة حتى ورود الإمام السجاد (ع) يوم الثالث عشر من محرم لدفن الأجساد الشريفة، المقام عمره يناهز المائة وخمسين عاما أُقيم على واجهة الدار العائدة الى (الحاج مهدي قلي) وسط الزقاق وتم تحديثه بعد سقوط نظام الطاغية المقبور عام 2003م من قبل المحسن صاحب الدار كما هو مدون على جدار المقام لوحة رسم على جدار المقام صورة اسد رابض وخلفه خيام ومن الجانب الايسر كتيبة طولية من الكاشي الكربلائي كتب عليها (حسين مني وأنا من حسين) ومن الجانب الايمن ركن الزقاق قبة مغلفة بالكاشي الكربلائي الاخضر وكتيبة مكتوب عليها (آيات من القرآن الكريم) ويوجد مصلى صغير.
المقام الثاني: في الشام في مقبرة الفواطم وذلك بعد استشهاد الإمام الحسين (ع) في واقعة الطف فكانت فضة رضوان الله عليها مع السيدة زينب (ع) في الركب الزينبي ومع سبايا آل الرسول، ولم تترك العقيلة حتى بعد انتهاء واقعة الطف بل جاورت قبرها بعد وفاتها حتى رحلت الى جنات الكوثر راضية مرضية، فسلام من الله عليها.
اضف تعليق