ما قامت به السيِّدة زينب من مواقف بطولية في كربلاء وما بعدها، وما عرف عن السيدة المعصومة من علم وتقوى وهجرة في سبيل الله، إنَّما هو شاهد حي على عظمة الروح التي سكنت قلوب هاتينِ السيدتينِ العظيمتينِ، فأصبحتا رمزينِ خالدينِ في الوجدان الإسلامي. وهناك أوجه للتشابه بين السيدتين الجليلتين...

من المعلوم أنَّ الأئمة المعصومين (عليهم السلام) كان لهم أخوات وبنات عديدات، وقد عُرفن جميعًا بالصَّلاح والتَّقوى والارتباط الوثيق بالرِّسالة الإسلاميَّة، ومع ذلك، تبرز السيِّدة زينب الكبرى، أخت الإمام الحسين (عليه السلام)، والسيِّدة فاطمة المعصومة، بنت الإمام موسى بن جعفر (عليهما السلام) بمكانة فريدة من نوعها؛ إذ حظيتا باهتمام خاص وتمجيد استثنائي عبر الأجيال. والسُّؤال الذي يطرح نفسه: ما السرُّ في هذا التَّميُّز؟

يمكن القول: إنَّ هذا الاهتمام يعود إلى عوامل عدَّة جوهريَّة، في مقدِّمتها معرفتهما العميقة والشَّاملة بإمام زمانهما (عليه السلام)، وإدراكهما الواعي لدور الإمام ومقامه الإلهي، ممَّا جعلهما تسيران على خطى الطَّاعة الكاملة والولاء المطلق له، كذلك كان لتقواهما، وإخلاصهما اللامحدود لله (تعالى) أثر عظيم في هذا التَّميُّز؛ فحياتهما كانت تجسيدًا حيًّا للثبات على المبدأ، والاستعداد للتضحية بكلِّ غالٍ ونفيس في سبيل نصرة الحقِّ وإعلاء كلمة الله (جلَّ جلاله)، ولم يقتصر عطاؤهما على الجانب الشَّخصي؛ بل امتد أثرهما ليصبحا قدوتينِ خالدتينِ لكلِّ من ينشد السَّير على طريق الهداية والنُّور.

إنَّ ما قامت به السيِّدة زينب (عليها السلام) من مواقف بطولية في كربلاء وما بعدها، وما عرف عن السيدة المعصومة (عليها السلام) من علم وتقوى وهجرة في سبيل الله (سبحانه)، إنَّما هو شاهد حي على عظمة الروح التي سكنت قلوب هاتينِ السيدتينِ العظيمتينِ، فأصبحتا رمزينِ خالدينِ في الوجدان الإسلامي.

وهناك أوجه للتشابه بين السيدتين الجليلتين، ومن أوجه الشَّبه بينهما (عليهما السلام):

أوَّلًا: النَّسب الشريف.

 فإنَّ السيدة زينب الكبرى والسيدة فاطمة المعصومة (عليهما السلام) قد اجتمعتا في شرف الأصل وطهارة المولد؛ فقد انحدرتا من الأصلاب الطَّاهرة والأنساب الشامخة، واستنارت نشأتهما بأضواء الطهر والنَّقاء؛ فلم تدنُ منهما رجس الجاهلية ولا لوثتهما أرجاسها، ولم تكتسيا شيئًا من ظلماتها الحالكة ولا جهلها المدلهم؛ وإنَّما وُلدتا من أبوين طاهرين عظيمين في المقام والمكانة، حازا الكرامة عند الله (تعالى) ورسوله (صلى الله عليه وآله)، ممَّا أورثهما صفاءً خاصًّا، ونقاءً فريدًا، استحقَّتا بهما أن تكونا أنموذجين لا مثيل لهما بين نساء عصرهما؛ وحتَّى عبر العصور.

ولا ريب أنَّ عوامل الوراثة المباركة، والبيئة القدسية التي أحاطت بهما منذ لحظة ولادتهما، قد تركت أثرًا عميقًا في نفسيهما وسلوكهما؛ فقد تربتا في أجواء الإيمان الخالص، تحت ظلال بيتٍ هو بيت الوحي والرِّسالة؛ حيث الكلمات تفيض حكمة، والسلوك يعبق قداسة، والأرواح مشدودة إلى رضوان الله (عزَّ وجلَّ)؛ فكان من الطبيعي أن تنعكس هذه التربيَّة الفريدة على شخصيتيهما المباركتين، فتكبر كلُّ واحدة منهما وهي تحمل نور الرسالة وعطر الإمامة، لتغدو مثالًا ساميًا في الطهر، والوعي، والثَّبات على الحقِّ.

ولذلك نجد تركيزًا على هذه الشأنيَّة في زيارتهما (عليهما السلام)؛ روى العلَّامة المجلسي (رحمه الله) عن بعض كتب الزّيارات، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن سعد الأشعريّ القميّ، عن الرِّضا (عليه السلام): "قال: يا سعد عندكم لنا قبر، قلت: جعلت فداك قبر فاطمة (عليها السلام) بنت موسى بن جعفر (عليهما السلام).

 قال: بلى، من زارها عارفًا بحقِّها فله الجنَّة، فإذا أتيت القبر فقم عند رأسها مستقبل القبلة وقُل أربعًا وثلاثين مرَّة اَللهُ اَكْبَرُ، وثلاثًا وثلاثين مرَّة سُبْحانَ اللهِ، وثلاثًا وثلاثين مرَّة اَلْحَمْدُ للهِ، ثمَّ قُل: اَلسَّلامُ عَلى آدَمَ صَفْوَةِ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلى نُوح نَبِيِّ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلى اِبْراهيمَ خَليلِ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلى مُوسى كَليمِ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلى عيسى رُوحِ اللهِ... اَلسَّلامُ عَلَيْكِ يا بِنْتَ رَسُولِ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكِ يا بِنْتَ فاطِمَةَ وخَديجَةَ، اَلسَّلامُ عَلَيْكِ يا بِنْتَ اَميرِ المُؤْمِنينَ، اَلسَّلامُ عَلَيْكِ يا بِنْتَ الحَسَنِ وَالحُسَيْنِ"(1). 

ومن الملاحظ عند التَّأمُّل في الزيارات المأثورة أنَّ هناك تركيزًا واضحًا على الإشادة بالأصول الطاهرة لهاتين السيدتينِ العظيمتينِ، فيظهر النسب الشريف، وجلالة الأجداد، وطهارة السلالة في صيغ التحيَّة والدعاء. 

وأمَّا السيِّدة زينب (عليها السلام) وإن لم تصلنا زيارة مخصوصة واردة بحقِّها كما وردت بحقِّ السيِّدة فاطمة المعصومة (عليها السلام)؛ فإن لذلك تفسيرًا لا يخلو من الدلالة العميقة؛ إذ يُحتمل بقوَّة أنَّ غياب نص صريح لزيارة السيِّدة زينب (عليها السلام) يعود إلى محاولات الطَّمس والتَّعتيم التي قادها الطُّغاة آنذاك، وفي مقدِّمتهم بنو أمية، الذين أرعبهم صوت هذه السيِّدة العظيمة حين وقفت تفضح ظلمهم، وتهتك أستار جرائمهم، وتُسقط هيبة انتصارهم العسكري الوهمي في واقعة كربلاء؛ لقد كانت العقيلة زينب (عليها السلام) ، ببلاغتها وشجاعتها، اليد التي مزَّقت أوهام السلطة الأموية، فكان لا بدَّ للطغاة أن يسعوا لطمس آثارها الشَّريفة وكلماتها الخالدة.

ومع ذلك، فإنَّ كلَّ ما ثبت من الكرامة والفضل والعظمة بحقِّ السيِّدة المعصومة (عليها السلام)، بثبوت الروايات الدالة على مكانتها، هو بعينه ثابت بحقِّ العقيلة الكبرى زينب (عليها السلام)؛ إذ تجمعهما نفس أصول الطهارة والولاية. والتَّأمل في سيرتهما يكشف أنَّ كليهما ينتسب إلى موضع خاص بين النبوة والإمامة؛ فالسيِّدة زينب (عليها السلام) والسيِّدة المعصومة (عليها السلام) تتشابهان في أنَّ كلَّ واحدة منهما هي بنت وليّ من أولياء الله (تعالى) المعصومين، وأخت وليّ، وعمّة وليّ، وهذا ثابت في الزيارة: "اَلسَّلامُ عَلَيْكِ يا بِنْتَ وَلِىِّ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكِ يا أخْتَ وَلِىِّ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكِ يا عَمَّةَ وَلِيّ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكِ يا بِنْتَ مُوسَى بْنِ جَعْفَر وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ"(2).

ثانيًا: الفناء الكامل في حبِّ ومودَّة أخويهما المعصومين.

 حتَّى أصبحت علاقتهما نموذجًا خالدًا للفداء والولاء والإخلاص؛ فالسيِّدة زينب الكبرى (عليها السلام) عُرفت بولائها العميق للإمام الحسين (عليه السلام)، والسيِّدة فاطمة المعصومة (عليها السلام) اشتهرت بمودَّتها الخاصَّة، وانجذابها الكامل نحو الإمام الرضا (عليه السلام)، حتَّى أن سيرتهما كانت مرآةً صافية تعكس عظمة هذه العلاقة. وكذلك اتَّخذت السيِّدة زينب الكبرى (عليها السلام) قرارًا مصيريًا حين اختارت أن ترافق أبا الإمام الحسين (عليه السلام) في رحلته الإلهية نحو كربلاء، تلك الرحلة التي كانت معبَّدة بالدموع والدماء، والمملوءة بالتضحية والفداء، من أجل الحفاظ على رسالة الإسلام وشريعته من التَّحريف والضياع الذي سعى الحكم الأموي الجائر إلى فرضه على الأمَّة. ولقد ساندته (عليه السلام) بقلبها وروحها، وواسته بكلماتها وأفعالها، وضحَّت بأولادها، ووقفت إلى جانبه خطوة بخطوة حتَّى لحظة الشَّهادة.

إنَّ الدور الأكبر للسيدة زينب (عليها السلام) لم يبدأ إلَّا بعد استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام)؛ فقد كانت الأمانة الكبرى، أمانة كربلاء ونهضتها، على عاتقها. وليس هناك أدنى شك في أن بقاء ذكرى واقعة الطف، وانتشار أهدافها السَّامية، وصمود رسالتها في وجه العواصف؛ كلُّ ذلك إنَّما تحقَّق بفضل توجيهات الإمام السَّجاد (عليه السلام) وما قامت به العقيلة زينب (عليها السلام) ومن معها من الأسرى والسبايا. ولولا مواقفها الشجاعة، وكلماتها الهادرة في بلاط الطغاة، ومواقفها الإعلامية الثَّابتة، لتمكَّن بنو أمية من طمس اسم كربلاء ومحو تلك المأساة الدامية بما تحمل من معانٍ خالدة من ذاكرة الأمة.

لقد أدرك الإمام الحسين (عليه السلام) أنَّ المعركة مع بني أمية لم تكن معركة سيوف ورماح فحسب؛ وإنَّما معركة إعلام وفكر أيضًا؛ إذ علم أنَّ الطغاة لن يكتفوا بإراقة دمه الطَّاهر، وسيسعون إلى تزوير الحقائق، وتشويه النهضة، وقلب الموازين عبر أدواتهم الإعلاميَّة الخبيثة وأساليبهم الماكرة. ومن هنا كانت السيدة زينب (عليها السلام) الامتداد الحي لنهضته، والصوت الذي حمى دم الحسين (عليه السلام) من الضياع، حتَّى وصل إلينا مشعًّا بنوره وأهدافه الإلهيَّة.

وكذلك السيدة المعصومة (عليها السلام)، قال صاحب تاريخ قم: "إنَّه لما أتى المأمون بـالرضا (عليه السلام) من المدينة إلى مرو لولاية العهد في سنة 200 من الهجرة، خرجت فاطمة (عليها السلام) أخته تقصده في سنة 201 هـ، فما تلقت كتاب أخيها الرضا (عليها السلام) استعدَّت للسفر نحو خراسان، فخرجت مع قافلة تضم عددًا من إخوتها وأخواتها وأبناء إخوتها، وعندما وصلوا إلى مدينة ساوة تعرَّضت القافلة لهجوم، فقتل على إثره إخوتها وأبناء إخوتها فمرضت السيِّدة فاطمة (عليها السلام) بعد مشاهدتها لهذه المناظر المأساوية والجثث المضرجة بدمائها فأمرت خادمها بالتَّوجه بها إلى أرض قم"(3).

ثالثًا: الجهاد العظيم والصبر الاستثنائي.

 كلُّ واحدة منهما وقفت في وجه طواغيت عصرها، من الأمويين والعباسيين، بثبات وإيمان لا يلين؛ وقد كانت حياة السيِّدة زينب (عليها السلام) سلسلةً طويلة من الابتلاءات والمحن العظيمة، ابتدأت بفقد جدِّها الأعظم، رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ثمَّ فقدان والدتها الصدِّيقة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام)، وهي لا تزال طفلة لم تتجاوز الخامسة من عمرها، لتمر بعد ذلك بمراحل متتابعة من المصائب والأحزان، توالت عليها حتَّى بلغت ذروتها في فاجعة كربلاء الدامية.

وبين هذه المحطَّات الموجعة، امتلأت حياة السيدة زينب (عليها السلام) بالآلام؛ لكنَّها لم تضعف ولم تنكسر؛ وواجهت المحن بقوَّة وعزيمة، وواجهت الجبابرة بشموخ وإباء. كانت في أشد اللحظات قسوة، تلك الصخرة الصلبة التي تتحطم عليها أمواج الظلم، وكانت في محطات الانكسار شعلةً من الصبر تضيء الدرب للآخرين.

وقد تجلى دورها الرسالي بأبهى صوره في ملحمة كربلاء وما بعدها، حينما حملت على عاتقها مسؤوليَّة مواصلة النهضة الحسينيَّة، والدِّفاع عن أهدافها ومبادئها بأبلغ الكلمات وأقوى المواقف، فكانت بحق الامتداد الحي لمسيرة الإمام الحسين (عليه السلام)، والأمينة المؤتمنة على رسالته الخالدة.

وكيف لا تكون كذلك، وهي ثمرة شجرة الرسالة ومعدن النبوة؛ فهي ابنة الإمام عليٍّ (عليه السلام) الذي لم يعرف للحياة وزنًا إذا تعارضت مع رسالة الإسلام، والذي كان في كلِّ مواقفه يقدم رضا الله (جلَّ جلاله) على كلِّ شيء حتَّى على نفسه. وهي ابنة الزهراء البتول (عليها السلام)، التي عُرفت بالعبادة والزهد والدفاع عن ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام)، مهما كلَّفها ذلك من عناء وألم.

لقد ورثت السيدة زينب (عليها السلام) عن والديها هذا الإيمان، وهذا الفناء في سبيل الحقِّ، حتَّى غدت رمزًا للمرأة الرسالية التي تُعلِّم الأجيال كيف يُصان الدِّين بالثبات، وكيف تُحفظ القيم بالتضحية والفداء.

 إنَّ المصائب العظيمة التي واجهتها السيدة زينب (عليها السلام) خلال حياتها تكاد تفوق طاقة الإنسان العادي على الاحتمال والصبر، حتَّى ليخيل للناظر أنَّ صبرها كان يفوق ما تتحمله الجبال الرواسي. ومع ذلك، وقفت هذه السيدة الجليلة صامدة شامخة، لم تَهِن عزيمتها، ولم تلن إرادتها، وأكملت الطريق بكلِّ ثبات وعزيمة، وكأنَّها تستمد قوتها من مدد غيبي لا ينفد.

والسرُّ العميق الكامن وراء هذا الصبر العجيب، ليس سوى الإيمان الصلب الذي كان يسكن قلبها الطاهر؛ إيمان لا تزعزعه عواصف المصائب مهما اشتدَّت، ولا تقوى عليه سطوة الطغاة مهما تجبَّروا وطغوا؛ لأنَّه كان إيمانًا راسخًا متجذرًا، يستند إلى أصل الأصول، إلى الله (سبحانه وتعالى)، الذي هو الحقّ المطلق، والأقوى الذي لا تعلوه قوَّة.

لقد كانت السيدة زينب (عليها السلام) مثالًا حيًّا للإنسان الذي يذوب وجوده في توحيد الله (تعالى)، فيجد في هذا الفناء أفقًا لا تحده قيود الأرض، ولا تصيبه سهام المحن؛ ومن كان يتَّكل على الله (تبارك وتعالى) وحده، فإنَّ الدنيا بأسرها، بما فيها من جراح وآلام، تصبح أمامه هينةً يسيرة، ويغدو الألم في سبيل الله (سبحانه) مصدر عزَّة وفخر، لا موضع انكسار أو ضعف.

وهكذا، استطاعت السيدة زينب (عليها السلام) أن تحوّل مآسي كربلاء وآلام الأسر والسبي إلى شعلة مضيئة للحق، ومنارة خالدة للصبر والثبات، تقف بوجه الطغيان، وتخلّد قضية سيِّد الشهداء الحسين (عليه السلام) إلى يوم الدِّين.

ولعلَّ عبارتها أمام ابن زياد عندما سألها: كيف رأيت صنع الله بأخيك وأهل بيتك؟

 فقالت: "مَا رَأَيْتُ إِلَّا جَمِيلًا"(4)، يختصر الحكاية كلَّها.

وأمَّا السيدة الجليلة فاطمة المعصومة (عليها السلام)، فقد عاشت في زمن توالت فيه الضغوط القاسية عليها من قِبَل السلطات الجائرة، لا لشيءٍ إلَّا لأنَّها تنتسب إلى أطهر بيتٍ عرفته الإنسانيَّة، بيت العلم والحلم والحكمة والنور الإلهي المتمثِّل بالرَّسول الأعظم محمَّد وآله الطاهرين (صلوات الله عليهم). ومن طبيعة الحكومات الجاهلة والمتجبرة أن ترتعد فرائصها أمام كلِّ شعلة نور إلهي تهدد ظلمات ظلمها، وأمام كلِّ نموذج متألق بالعلم والمعرفة والهداية.

لقد كانت السيِّدة المعصومة (عليها السلام) بالنسبة لهم مصدر قلق دائم؛ لأنَّها امتدادٌ حيٌّ للنور المحمَّدي العلوي، ولأنَّ وجودها وحده كان كافيًا ليُلهب القلوب بحبِّ أهل البيت (عليهم السلام)، ويوقظ الضمائر الغافلة على مظلومية العترة الطاهرة؛ ولهذا السبب كان مواجهتها معركة بين نور الإيمان وسطوة الجور، معركة خاضها الطغاة بأبشع أساليب البطش، وأسوأ صنوف الإيذاء، إذ لم يراعوا حرمةً ولا نسبًا، فمارسوا ظلمهم بأيدٍ قاسيةٍ ترقُّ لبطشها عيون السباع في وحشيتها. ومع كلِّ ذلك، بقيت السيدة فاطمة المعصومة (عليها السلام) صامدة كالطود الشَّامخ، راسخة في مواقفها، ثابتة في ولائها لدين الله (تعالى) وولاية أوليائه، صابرةً صبرًا عظيمًا قلَّ نظيره، مستمدة قوَّتها من يقينها بالله (سبحانه)، ومستضيئةً بأنوار المحبَّة للرسول الكريم محمَّد وآل محمَّد (عليهم السلام).

لقد جسَّدت (عليها السلام) أسمى معاني الصبر الرسالي، وجعلت من حياتها مدرسةً مشرقةً للصبر على الابتلاء، والثبات أمام طغيان الباطل، حتَّى صارت قدوةً خالدةً لكلِّ السائرات على درب الحقِّ، وكل السالكين سبيل النور والإيمان.

رابعًا: العلم والفهم.

 لقد حبا الله (تعالى) السيِّدة زينب الكبرى (عليها السلام) والسيدة فاطمة المعصومة (عليها السلام) نعمة العلم الإلهي، فكانتا بفضل الله (سبحانه) عالِمتين غير متعلِّمتين، وفاهمتين غير مفهَّمتين، وهبهما الله (عزَّ وجلَّ) فهماً نابعًا من نور الولاية، وحكمةً مغروسةً في فطرتهما الطاهرة.

وقد تجلَّى هذا العلم الربَّاني في شخصية السيدة زينب (عليها السلام) في حياتها اليومية، خصوصًا في أيَّام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، إذ كانت تعقد مجالس التَّعليم والتَّفسير، وتفتح باب العلم لطالبي المعرفة من نساء الكوفة وغيرهن، فتُفسِّر لهنَّ آيات القرآن الكريم، وتوضح لهن المسائل الفقهيَّة والعقائديَّة بأوضح بيان، حتَّى أصبحت منار هدى في مجتمعها، ومصدر إشعاع علمي وأخلاقي.

ولم يقتصر ظهور علمها (عليها السلام) على الدروس في البيت؛ فقد تجلَّى بأعلى مراتبه في ساحات المواجهة والجهاد، حين واجهت الطغاة والظالمين بشجاعة الواثق بالله (سبحانه)، فخُطَبها التي ألقتها أمام كبار الطغاة من أمثال عبيد الله بن زياد ويزيد بن معاوية (لعنهما الله)، وما واجهت به المرتزقة أمثال عمر بن سعد وشمر بن ذي الجوشن (لعنهما الله)، كانت محاضرات عقائدية، ودروسًا أخلاقية وتربوية عظيمة، كشفت عن عمق فهمها للقرآن الكريم، وسعة اطِّلاعها على الشَّريعة، ورسوخها في الحكمة والبلاغة.

كانت كلمات الحوراء زينب (عليها السلام) سهامًا نافذة أصابت قلوب الظالمين بالخذلان، وأظهرت أمام العالم مدى عظمة المدرسة المحمَّديَّة العلويَّة التي نشأت فيها، وكيف أنَّ العلم إذا اقترن بالإيمان واليقين بالله (تعالى)، يصنع معجزات لا تقف أمامها عروش الظالمين.

لقد كشفت العقائد الحقَّة وبيَّنت طريق الله (تعالى) القويم ومن يمثِّله، وطريق الشَّيطان ومن يسلكه ومتبنيه، وقرأت المستقبل وصرَّحت به للأجيال وضربت به وجه يزيد بن معاوية (لعنهما الله) عندما قالت له: "كِدْ كَيْدَكَ وَاجْهَدْ جُهْدَكَ! فَوَ الَّذِي شَرَّفَنَا بِالْوَحْيِ وَالْكِتَابِ وَالنُّبُوَّةِ وَالِانْتِجَابِ لَا تُدْرِكُ أَمَدَنَا وَلَا تَبْلُغُ غَايَتَنَا، وَلَا تَمْحُو ذِكْرَنَا وَلَا تَرْحَضُ عَنْكَ عَارُنَا، وَهَلْ رَأْيُكَ إِلَّا فَنَدٌ وَأَيَّامُكَ إِلَّا عَدَدٌ وَجَمْعُكَ إِلَّا بَدَدٌ يَوْمَ يُنَادِي الْمُنَادِي أَلَا لُعِنَ الظَّالِمُ الْعَادِي، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي حَكَمَ لِأَوْلِيَائِهِ بِالسَّعَادَةِ وَخَتَمَ لِأَوْصِيَائِهِ بِبُلُوغِ الْإِرَادَةِ نَقَلَهُمْ إِلَى الرَّحْمَةِ وَالرَّأْفَةِ وَالرِّضْوَانِ وَالْمَغْفِرَةِ، وَلَمْ يَشْقَ بِهِمْ غَيْرُكَ، وَلَا ابْتَلَى بِهِمْ سِوَاكَ، وَنَسْأَلُهُ أَنْ يُكْمِلَ لَهُمُ الْأَجْرَ، وَيُجْزِلَ لَهُمُ الثَّوَابَ وَالذُّخْرَ، وَنَسْأَلُهُ حُسْنَ الْخِلَافَةِ وَجَمِيلَ الْإِنَابَةِ؛ إِنَّهُ رَحِيمٌ وَدُودٌ"(5).

وأما جوابها لعبيد الله بن زياد (لعنه الله) فقد رَوَى السَّيِّدُ ابن طاووس: "إنَّ ابْنَ زِيَادٍ جَلَسَ فِي الْقَصْرِ لِلنَّاسِ وَأَذِنَ إِذْنًا عَامًّا، وجيء بِرَأْسِ الْحُسَيْنِ (عليه السلام) فَوُضِعَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَأُدْخِلَ نِسَاءُ الْحُسَيْنِ وَصِبْيَانُهُ إِلَيْهِ، فَجَلَسَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ عَلِيٍّ (عليهما السلام) مُتَنَكِّرَةً فَسَأَلَ عَنْهَا، فَقِيلَ: هَذِهِ زَيْنَبُ بِنْتُ عَلِيٍّ.

فَأَقْبَلَ عَلَيْهَا، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَحَكُمْ وَأَكْذَبَ أُحْدُوثَتَكُمْ.

 فَقَالَتْ: إِنَّمَا يَفْتَضِحُ الْفَاسِقُ، وَيَكْذِبُ الْفَاجِرُ، وَهُوَ غَيْرُنَا.

فَقَالَ ابْنُ زِيَادٍ: كَيْفَ رَأَيْتِ صُنْعَ اللهِ بِأَخِيكِ وَأَهْلِ بَيْتِكِ؟

 فَقَالَتْ: مَا رَأَيْتُ إِلَّا جَمِيلًا، هَؤُلَاءِ قَوْمٌ كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِمُ الْقَتْلَ فَبَرَزُوا إِلَى مَضَاجِعِهِمْ، وَسَيَجْمَعُ اللهُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ فَتُحَاجُّ وَتُخَاصَمُ، فَانْظُرْ لِمَنِ الْفَلْجُ يَوْمَئِذٍ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا ابْنَ مَرْجَانَةَ.

قَالَ: فَغَضِبَ وَكَأَنَّهُ هَمَّ بِهَا.

فَقَالَ لَهُ عَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ: إِنَّهَا امْرَأَةٌ، وَالْمَرْأَةُ لَا تُؤَاخَذُ بِشَيْ‏ءٍ مِنْ مَنْطِقِهَا.

فَقَالَ لَها ابْنُ زِيَادٍ: لَقَدْ شَفَى اللهُ قَلْبِي مِنْ طَاغِيَتِكِ الْحسَيْنِ وَالْعُصَاةِ المَرَدَةِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِكِ.

فَقَالَتْ: لَعَمْرِي لَقَدْ قَتَلْتَ كَهْلِي، وَقَطَعْتَ فَرْعِي، وَاجْتَثَثْتَ أَصْلِي، فَإِنْ كَانَ هَذَا شِفَاءَكَ فَقَدِ اشْتَفَيْتَ.

فَقَالَ ابْنُ زِيَادٍ: هَذِهِ سَجَّاعَةٌ، وَلَعَمْرِي لَقَدْ كَانَ أَبُوكِ سَجَّاعًا شَاعِرًا.

فَقَالَتْ: يَا ابْنَ زِيَادٍ مَا لِلْمَرْأَةِ وَالسَّجَاعَةَ"(6).

لقد قامت الصدِّيقة الصغرى (عليها السلام)، بواحدة من أعظم المواقف التي خلَّدها التاريخ، حين واجهت الطاغية يزيد بن معاوية (لعنهما الله) وهو متربع على عرش ظلمه، محاطًا بجحافل قواده، وزعماء جيوشه، وكبار وزرائه، وأعيان دولته، ومعهم وفود ممثلي الدول المجاورة الذين جاؤوا ليشهدوا ما كان يظنُّه يزيد انتصارًا ساحقًا.

في تلك اللحظة، حيث كان الطاغية يتوهم أنَّه قد أطبق النصر بين يديه، نهضت السيدة زينب (عليها السلام) شامخة كجبل الطور، وألقت خطابًا مزلزلًا سلب الطاغية زهوه وألبسه ثوب الذل والعار في الدنيا، وإلى أبد الآبدين. 

لقد انتزعت من بين يديه فرحة النصر الموهوم، وقلبت انتصاره الظاهري إلى هزيمة داخلية أبديَّة، وفضحت زيف دعاواه أمام الجميع، حتَّى أصبح مجلسه الذي أراده للتباهي والتفاخر، شاهدًا على خيبته وهوانه أمام الحقِّ الساطع.

لقد زرعت بكلماتها الشريفة في قلوب الحاضرين بذور الشكِّ في شرعيَّة الحكم الأموي، وأرست دعائم الوعي الحسيني الذي ظلَّ يتنامى حتَّى قوض أركانهم وأسقط دولتهم، وهكذا كانت زينب الكبرى (عليها السلام) بحقٍّ صوت الحسين (عليه السلام) الخالد، ولسان الثورة الذي لم ولن يخبو ما دامت السماوات والأرض.

وأمَّا المعصومة (عليها السلام) دلَّ على مكانتها العلميَّة ما ورد في بعض الوثائق التاريخية من أنَّ جماعة من الشيعة قصدوا المدينة يريدون الإجابة عن بعض الأسئلة التي كانت معهم، وكان الإمام الكاظم (عليه السلام) مسافرًا خارج المدينة، فتصدَّت السيدة فاطمة (عليها السلام) للإجابة، وكتبت لهم جواب أسئلتهم. وفي طريق رجوعهم من المدينة التقوا بالإمام (عليه السلام)، فعرضوا عليه الإجابات، وعندما اطَّلع الإمام (عليه السلام) على جوابها قال ثلاث مرات: "فِدَاهَا أبُوهَا"(7).

خامسًا: لوعة الطريق وألم الفقد.

لقد مرَّت العقيلة زينب (عليها السلام) بالرَّوع والفزع حين شهدت مصائب الطَّف ومآسي كربلاء، حيث رأت أحبَّتها صرعى على الرِّمال، وبالمثل، عاشت مولاتنا المعصومة (عليها السلام) مشاعر الرعب والحزن أثناء سفرها الشاق إلى أخيها الإمام الرضا (عليه السلام)، في طريق ملؤه المخاطر والأحزان.

لقد كانت رحلتهما رمزًا لصبر النساء العلويات أمام طغيان الظالمين، وتجسيدًا للوفاء على الرَّغم من كلِّ ما يثقل القلب من ألم ومحنة، وهكذا امتزجت خطواتهما بالدُّموع والآهات، لتسطر صفحات خالدة من الإيمان والثبات.

سادسًا: الشهادة بالسم. 

يقول السيِّد محمَّد كاظم القزويني (رحمه الله) في كتابه زينب الكبرى: "لقد أهمل التاريخ ذكر سبب وفاتها؛ فهل ماتت ميتة طبيعية وبسبب المعاناة من تراكم المصائب التي توالت على قلبها الصبور، أم أنَّها قُتلت بسبب السّم الذي قد يكون دس إليها من قبل الطاغية يزيد؛ حيث لا يبعد أن يكون قد تمَّ ذلك بسرِّيَّة تامَّة خفيت عن النَّاس وعن التَّاريخ"(8). 

وهكذا السيِّدة المعصومة (عليها السلام)، فقد ذُكر في سبب حصول المرض المفاجئ لها ووفاتها إنَّ امرأة من أهل ساوة قد دسَّت إليها السم، وهذا ليس ببعيد ولا سيما بعد حصول تلك المعركة مما انعكس على المدينة نفسها وما تركته من آثار وتوترات، وحصول جوّ غير طبيعيّ في تلك المدينة. 

نعم لقد كان سفر المعصومة سندًا وشاهدًا قويًّا على أحقية إمامة الأئمة (عليهم السلام) وفضح نفاق المأمون، وكما كانت بطلة كربلاء قد أوضحت ببياناتها مظلومية أخيها فإنَّ المعصومة كان لها دور مماثل في فضح السلطة العباسية. 

وممَّا يؤيّد استشهادها بالسّم؛ قلَّة المصادر التاريخية التي تحدَّثت عن حياتها خصوصًا عن ملابسات وفاتها، وهذا ناتج بلا شك من التَّعتيم الإعلامي الذي لجأ إليه حكَّام الجور من بني أميَّة والعباس لإخفاء تاريخ أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم، وهو أسلوب إعلاميّ ممنهج في تلميع صورهم وتاريخهم، وإخفاء جرائمهم وطغيانهم، فليس مستبعدًا أن يعمدوا إلى إخفاء سبب وفاة السيدة فاطمة المعصومة (عليها السلام) الحقيقي، بلجوئهم إلى تصفية إمرأة بريئة بالسم في صورة إنسانية مقيتة، فهي بلا شك صورة تشوه تاريخهم، وتُظهر حقيقة صورهم البشعة.

كذلك سياسة الاغتيالات السياسيَّة من الأساليب المألوفة التي اعتاد عليها حكام بني أمية والعباس في تصفية معارضيهم من الأئمة الطاهرين كالإمام الحسن والسجاد والباقر والصادق والكاظم والرضا والجواد والهادي والعسكري (عليهم السلام)، وكذلك خُلَّص شيعتهم كمالك الأشتر وحجر بن عدي وميثم التمار، وهاني بن عروة وغيرهم.

ومما يؤيّد أنَّ السيدة فاطمة المعصومة (عليها السلام) قُتلت بالسُّم من قبل المأمون العباسي كونه عازمًا على تصفية الإمام علي الرضا (عليه السلام) قبل سفر أخته إلى خراسان، فلا ريب أنّه علِم بخروجها من المدينة المنورة عن طريق واليه فيها من أجل لقاء أخيها الإمام علي الرضا (عليه السلام)، فلا يستبعد أنَّه خطَّط أو أوعز إلى قتلها بالسّم وهي في طريقها إلى خراسان؛ لأنَّ وجودها بجانب أخيها قد يعطِّل أو يؤخِّر تنفيذ مخطّطه في تصفية الإمام علي الرضا (عليه السلام).

سابعًا: الشفاعة.

كلاهما (صلوات ربي عليهما) من أهل الشَّفاعة؛ رُوِيَ عَنِ الامام الصَّادِقِ (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: " إِنَّ لِلهِ حَرَمًا وَهُوَ مَكَّةُ، أَلَا إِنَّ لِرَسُولِ اللهِ حَرَمًا وَهُوَ الْمَدِينَةُ، أَلَا وَإِنَّ لِأَمِيرِ المُؤْمِنِينَ حَرَمًا وَهُوَ الْكُوفَةُ، أَلَا وَإِنَّ قُمَّ الْكُوفَةُ الصَّغِيرَةُ، أَلَا إِنَّ لِلْجَنَّةِ ثَمَانِيَةَ أَبْوَابٍ ثَلَاثَةٌ مِنْهَا إِلَى قُمّ تُقْبَضُ فِيهَا امْرَأَةٌ مِنْ وُلْدِي اسْمُهَا فَاطِمَةُ بِنْتُ مُوسَى، وَتُدْخَلُ بِشَفَاعَتِهَا شِيعَتِي الجَنَّةَ بِأَجْمَعِهِمْ"(9).

وهكذا ورد في شأن مولاتنا زينب (عليها السلام) في زيارتها المروية عن كبار العلماء: "أتَيتُكِ يا مَولاتي وَابنَةَ مَولاي قاصِدًا وافِدًا عارِفًا بِحَقِّكِ فَكوني شَفيعًا إلى اللهِ تَعالى في غُفرانِ ذُنوبي وَقَضاءِ حَوائِجي وَإعطاء سُؤلي وَكَشفِ ضُرِّي، فَإنَّ لَكِ وَلأبيكِ وَلأجدادِكِ الطَّاهِرين جاهاً وَشَفاعَةً عِندَ الله، وَرَحمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُه"(10).

ثامنًا: القبر.

قبرهما مزار للمؤمنين والمؤمنات؛ الذين يبحثون عن الإيمان والطمأنينة؛ ففي الشَّام، حيث يرقد جسد السيدة زينب (عليها السلام)، يتوافد الزوار ليتنعموا بالقرب من هذا المقام الطاهر، مستذكرين صبرها في محنة كربلاء، وقوتها التي لا تُضاهى في مواجهة كلِّ محنة. 

أما في قم، حيث ترقد المعصومة (عليها السلام)، فإنَّ قبرها منبع للبركة والهدى، وكلُّ من يقصد هذا المكان الشريف يشعر كأنما يلتقي بحكمة السَّماء، ويغتسل من فيض علمها وورعها. 

وهكذا يتجلَّى لنا بوضوح أنَّ السيِّدة زينب الكبرى (عليها السلام) والسيِّدة فاطمة المعصومة (عليها السلام) كانتا وما زالتا رمزين خالدينِ للعلم، والجهاد، والصَّبر، والولاء المطلق لله (تعالى) ولأوليائه. 

لقد علَّمتا الدُّنيا أنَّ انتصار الحقِّ هو ثمرة الإيمان الصَّادق، والثَّبات على المبادئ، والتضحيَّة في سبيل الله (تعالى) من دون تردد أو خوف. ومن طريق صبرهما وجهادهما، بقيت قضيتهما مشتعلة في وجدان الأمَّة، تُلهب الضمائر، وتحيي القلوب، وتدعو الأجيال إلى السَّير على درب الهدى، والاقتداء بهما في الدفاع عن القيم والمبادئ الإلهيَّة مهما كانت المعوقات.

.........................................

الهوامش:

1. بحار الأنوار: ج45، ص115.

2. المصدر نفسه: ج٩٩، ص٢٦٦.

3. ينظر: تاريخ قم: ص163.

4. بحار الأنوار: ج45، ص115.

5. اللهوف في قتلى الطفوف: ص181.

6. بحار الأنوار: ج45، ص115.

7. كريمة أهل البيت عليها السلام: ص 63-64.

8. ينظر: زينب الكبرى من المهد الى اللحد: ص591- 593.

9. بحار الأنوار: ج57، ص228.

10. زيارة السيدة زينب (عليها السلام). 

اضف تعليق