اليومَ، ونحنُ نعيشُ في زمنِ "القطيعةِ السريعة"، نحتاجُ أنْ نُعيدَ اكتشافَ معنى أنْ تكونَ حسَنًا أنْ ترفضَ أنْ يتحوّلَ قلبُك إلى ساحةِ حربٍ، أنْ تمنحَ مَنْ أخطأَ في حقِّك مساحةً لِيُصلحَ نفسَه، أنْ تُؤمنَ بأنَّ "الظلمَ" لنْ يمحوَ "العدلَ"، فكما أضاءَ الحسنُ (ع) عصرَهُ بِحلمِه، نستطيعُ بإرثِه أنْ نُضيءَ عالَمَنَا المُعاصر فـ "ميلادٌ مباركٌ"…

الإمامُ الحسنُ (ع) لم يكُنْ مُجرّدَ وارثٍ للدمِ النبوي، بل كانَ وارثًا لِروحِ جدهِ الرسولِ (ص) بقول الله سبحانه وتعالى: "وإنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيم". في أصعبِ لحظاتِ الظلمِ التي تعرّضَ لها، اختارَ أنْ يرفعَ رايةَ الحوارِ على الانتقامِ، ويحوّلَ ألمَ الخيانةِ إلى فرصةٍ لإنقاذِ الأُمّةِ مِنْ حربٍ أهليّة. هكذا يُعلّمنا أنَّ التسامحَ لا يعني نسيانَ الجرحِ، بل يعني ألّا نجعلَ الجرحَ سجنًا للأمل.

الواقعُ: لماذا يَصعُبُ علينا أنْ نُحبَّ مَنْ يختلفُ معنا؟  

نعيشُ اليومَ في عالَمٍ يختلطُ فيه "الاختلافُ" بِـ"العداوة"، حتى صرنا نرى: 

- مَنْ يُهاجمُ صديقَ طفولتِه لأنّه تابَ عنْ فكرٍ سياسيٍّ كانا يتشاركانَه. 

- مَنْ يرفضُ حتى سماعَ رأيٍ مغايرٍ، وكأنَّ الحقيقةَ مِلْكُه وحدَه. 

الإمامُ الحسنُ (ع) يصرخُ في ضميرِنا: "أليستِ الإنسانيةُ جامعَنا الأكبر"؟!

درسٌ مِنْ مدرسةِ أهلِ البيتِ (ع): كيفَ نُمارسُ التسامحَ دونَ تنازلٍ عنِ الحقِّ؟  

التسامحُ عندَ الإمامِ الحسنِ (ع) لم يكُنْ ضعفًا أو خضوعًا، بل كانَ إستراتيجيةً لإحياءِ القلوبِ قبلَ إصلاحِ الوقائع: 

- الرفضُ الهادئ: حينَ كانَ يُهاجمُهُ أحدٌ، لم يردَّ السبابَ بسباب، بل كانَ يقول: "إنْ كُنتَ صادقًا فغفرَ اللهُ لي، وإنْ كُنتَ كاذبًا فغفرَ اللهُ لك". 

- العطاءُ حتى لِمَنْ يبغضُك: تُحكى أنَّ رجلاً أَهانَهُ، فأرسلَ إليهِ هديّةً معَ رسولٍ قائلًا: "أرجو أنْ تقبلَها عِوَضًا عَمّا سلبَهُ غضبُكَ مِنْ أجرِك". 

- الحِفاظُ على الجَوهرِ الإلهيّ: كانَ يؤمنُ أنَّ العدلَ الإلهيَّ سينتصِر، فلا داعيَ لِأنْ يَحمِلَ القلبُ ثِقلَ الكراهية.

كيفَ نُحيي هذا النهجَ في عصرِ "البلوك" و"الكانسل كالتشر"؟  

- ابدأْ بخطوةٍ صغيرة: إذا أساءَ إليكَ أحدٌ، امنحهُ فرصةَ تفسيرٍ واحدة قبلَ أنْ تحذفَهُ. 

- تذكّرْ أنَّ الخِلافَ دليلُ حياة: كما يختلفُ ألوانُ الزهرِ لكنّها تُكوّنُ بستانًا، الاختلافُ قد يُنتجُ حكمةً جديدة. 

- لا تخلطْ بينَ الفكرةِ وصاحبِها: يمكنُ أنْ تحاربَ "الخطأ" دونَ أنْ تُهينَ مُرتكبَه. 

التسامحُ… شِفاءٌ لِجرحِ الغُربة  

الإمامُ الحسنُ (ع) لم ينتظرْ مِنْ أعدائِه اعتذارًا ليُسامح، بل جعلَ مِنْ قلبِه الكبيرِ مرآةً تعكسُ نورَ اللهِ حتى لِظالميه. 

اليومَ، ونحنُ نعيشُ في زمنِ "القطيعةِ السريعة"، نحتاجُ أنْ نُعيدَ اكتشافَ معنى أنْ تكونَ حسَنًا... 

أنْ ترفضَ أنْ يتحوّلَ قلبُك إلى ساحةِ حربٍ، أنْ تمنحَ مَنْ أخطأَ في حقِّك مساحةً لِيُصلحَ نفسَه، أنْ تُؤمنَ بأنَّ "الظلمَ" لنْ يمحوَ "العدلَ"، فكما أضاءَ الحسنُ (ع) عصرَهُ بِحلمِه، نستطيعُ بإرثِه أنْ نُضيءَ عالَمَنَا المُعاصر  

فـ "ميلادٌ مباركٌ"… لكلِّ مَنْ يختارُ أنْ يُولدَ "حسنًا" جديدًا في زمنِ العِطَب.

اضف تعليق