النفاق يقع ضمن القيم السلبية التي يهدف أصحابها الى تدمير القيم الجيدة في المجتمع، وتقع قيمة الإيمان بالضد منها تماما، لدرجة يمكن القول أن هناك منظومتين للقيم، واحدة يقودها النفاق، والاخرى يقودها الإيمان، ولهذا يحدث الصراع بينهما على نحو مستمر، لكونهما يمثلان قطبان متضادان هما الخير والشر، حيث تدخل هاتان القيمتان في أنشطة المجتمع المختلفة.
وتعني مفردة النفاق في اللغة العربية إظهار الإنسان غير ما يبطن، وأصل الكلمة من النفق الذي تحفره بعض الحيوانات كالأرانب وتجعل له فتحتين أو أكثر فإذا هاجمها عدوها ليفترسها خرجت من الجهة الأخرى، وسمي المنافق بهِ لأنه يجعل لنفسهِ وجهين يظهر أحدهما حسب الموقف الذي يواجهه. ويقسم النفاق كما يقول بعض المعنيين به الى نوعين:
الأول نفاق اعتقادي: وهو النفاق الأكبر الذي يظهر صاحبه الإسلام ويبطن الكفر. وهذا النوع مخرج من الإسلام وصاحبه مخلد في الدرك الأسفل من النار لقول القرآن: ﴿إنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً﴾ سورة النساء آية 145، ويقول عنهم القرآن أيضاً: ﴿يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ﴾ سورة البقرة آية 9.
الثاني نفاق عملي: وهو النفاق الأصغر، وهو عمل شيء من أعمال المنافقين مع بقاء الإيمان في القلب، وهذا لا يخرج صاحبهُ من الإسلام، وهو يكون فيه إيمان ونفاق وإذا كثر صار بسببه منافقاً خالصاً. لقول النبي محمد:أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها، إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر.
أما المفردة التي تقارع النفاق وهي كلمة الإيمان، فهي تعني لغوياً بحسب المختصين: الثقة الكاملة، الاعتقاد، الفضيلة. ولكلمة إيمان بحسب المختصين أكثر من استخدام، ومعناها قريب من معنى "الاعتقاد" في إطار الشك والظن. و"الثقة" والتأكد تقريباً من فكرة ما، لكن بخلاف هذه المصطلحات فإن كلمة "إيمان" تشير إلى علاقة متعدية للشخص - بدل أن تكون داخلية - مع الإله أو مع قوة علوية. وللايمان معنى فكري مرتبط بوجود الإنسان على الارض من حيث التطلع لتقدم البشرية نحو الأفضل، وهذا من خلال الارتباط بمجموعة من المبادئ التي تسعى لتوجيه تصرفات الفرد والجماعة ضمن المجتمعات البشرية المختلفة للوصول إلى الرقي الحضاري للإنسان والابتعاد عن التصرفات لسائر المخلوقات الحيوانية والتي يعتبر الإنسان جزءً لا يتجزأ منها.
كما يعرّف الايمان بأنه ما صدق به القلب ونطق به اللسان وعملت به الجوارح. وفي الإطار الديني يستخدم مصطلح الإيمان أحيانا للإشارة إلى الدين والمعتقد. ويمكن أن يكون الإيمان مجموعة من المقولات التي تعرف غالبا باسم عقيدة دينية، كذلك يمكن أن يكون مجموعة من الأفكار أو نسق فكري يشكل فلسفة أو حتى مجرد ممارسات حياتية انطلاقا من أفكار معينة قد تتعلق بالروح مثل المدراس الروحانية أو يمكن أن تكون مدرسة فلسفية مثالية.
ما هي الفوارق بين المنافق والمؤمن؟
وتبعا لما تقدم، نكون قد عرفنا بشيء من الوضوح ماذا يعني النفاق، والى أية منظومة من القيم ينتمي، وما هي مخاطره على الفرد والمجتمع، خصوصا ما يتعلق بحياكة وتشييد النسيج المجتمع، وترصين مؤسسات الدولة، ثم ما هي القيمة الراسخة التي يمكنها أن تقف بوجه النفاق والمنافقين بقوة، وهنا تبرز لنا قيمة الإيمان بقوة.
ويبرز معها مفهوم الانسان المؤمن، مقابل الإنسان المنافق، وتبعا لهاتين المفردتين او القيمتين، سيظهر الصراع بين الأفراد أو بين مكونات المجتمع المختلفة، وكلما كانت ثقافة الإيمان أقوى وأشد رسوخا في المجتمع، كلما كان ضمور النفاق اشد وضوحا، لدرجة أن هناك فوارق مهمة بين الانسان المؤمن والانسان المنافق، هذه الفوارق عبارة عن سمات أو خصال وربما تكون ملَكات ايضا، أي مخلوقة في شخصية الانسان وتكوينه.
فهناك انسان يميل الى الإيمان وفق سجيته، حتى يُقال أنه مجبول على الإيمان ويوجد العكس من ذلك تماما، وتبعا لتفوق أحدهما على الآخر، يتحدد نوع المجتمع، مهما كان حجمه، فإذا ساد الإيمان سيكون المجتمع مؤمنا قويا متفوقا على سواه في المجالات كافة، واذا كان عكس ذلك، أي اذا كان منافقا (لا سمح الله)، فإنه سوف يكون ضعيفا مشتتا متأخرا بسبب انتشار قيم الشر في نسيجه المجتمعي والسياسي وغيرهما.
ويضع الإمام علي (ع)، صفات ونقاط اختلاف نفرّق بين الانسان المؤمن ونقيضه الانسان المنافق، إذ نقرأ قول الامام (ع) في هذا الشأ، وكما ورد في كتاب (تحف العقول): (إن المؤمن اذا نظر اعتبر. وإذا سكت تفكّر. واذا تكلم ذكر. واذا استغنى شكر. واذا أصابته شدة صبر. فهو قريب الرضى، بعيد السخط، يرضيه عن الله اليسير ولا يسخطه الكثير ولا يبلغ بنيته إرادته في الخير، ينوي كثيرا من الخير ويعمل بطائفة منه ويتلهف على ما فاته من الخير كيف لم يعمل به.
والمنافق اذا نظر لها واذا سكت سها واذا تكلم لغا واذا استغنى طغا واذا أصابته شدة ضغا، فهو قريب السخط بعيد الرضى، يسخطه على الله اليسير ولا يرضيه الكثير، ينوي كثيرا من الشر ويعمل بطائفة منه وبتلهف على ما فاته من الشر كيف لم يعمل به).
معالجات للحد من النفاق
وفق السمات التي وضعها الامام علي (ع)، نستطيع أن نكتشف المنافق قي عالم اليوم، فهو ليس فردا فقط، ولا ينحصر بجماعة أو فئة، فقد تكون هناك أنظمة سياسية يعتريها النفاق ويصبغ مواقفها كافة، ومع ذلك لا بأس من الكفاح المستدام من أجل ترسيخ الإيمان والقيم التي تدعم انسانية الانسان، في مقابل مقارعة النفاق والقيم التي تسعى لتدمير الإنسانية.
ولعلنا نفهم ونعرف ان الصراع بين الايمان والنفاق لا يزال ضاريا ومستعرا على مستوى العالم أجمع، فهناك دول تمتطي النفاق لتحقيق مآربها، في المقابل تقف بالضد منها تسعى كي تركب الايمان مركبا لها في مواقفها وسعيها لمواجهة النفاق الدولي، وقد يهبط ويصغر حجم النفاق لنجده في شخصية فرد، ولكن مخاطره تبقى قائمة.
فالفرد المنافق قد يكون ذا منصب حساس ومؤثر في الدولة، وفي هذه الحالة لم يعد نفاقه ذا صبغة فردية، بل نتائجه تنعكس على سياسة دولة بأكملها، ولو أحصينا مجموع المسؤولين المنافقين نستطيع أن نعرف الأسباب التي تقف وراء تخلف العراق عن الركب العالمي، بل تأخر معظم الدول العربية والاسلامية، بسبب نفاق بعض الحكومات.
أما سبل العلاج فإنها في الحقيقة تبدأ بالانسان طفلا، حتى تتغير منظومة القيم نحو الأفضل مع مرور الزمن، لأننا في الواقع نعيش في مجتمعات كبيرة، يتصارع فيها النفاق مع الايمان، وطالما أننا نعيش في الدرك الأسفل من مدنية العصر الراهن، كما يؤكد ذلك واقعنا، فإننا لا نغالي اذا قلنا أن النفاق أخذ منا نحن المسلمين العراقيين والعرب مأخذا كبيرا، حتى نظهر وكأننا بحاجة قصوى للإيمان من اجل محاربة النفاق وأصحابة.
وعندما نتفحص بدقة الصفات التي وضعها الامام علي (ع) للمؤمن والمنافق، ونفهمها جيدا، يمكننا كسب الجولة في الصراع بين الايمان والنفاق، بعد أن نعتمد صفات الايمان ونغلّبها على صفات المنافق، وهذا يستدعي حملات تثقيفية تقوم بها المؤسسات والجهات المعنية كافة، عبر استخدام السبل المتاحة لمقارعة النفاق ونشر الايمان بين مكونات المجتمع كافة.
اضف تعليق