تتجسد علاقة المبادئ التي تتعلق بتنمية الثقة بالنفس والعزم في شخصية علي الأكبر بشكل لافت، فقد كان نموذجًا حقيقيًا لشاب حمل في قلبه قوة لا تنضب وإيمانًا عميقًا بالمبادئ السامية؛ ولقد كان علي الأكبر يتمتع بثقة كبيرة في نفسه رغم حداثة سنه، وهو ما تجلى في موقفه الحاسم يوم كربلاء...

ولد علي الأكبر في الحادي عشر من شعبان سنة 33 هجرية

الشباب هو ربيع الحياة وزهرتها، ولا توجد مرحلة في العمر تشبه أيام الشباب المليئة بالنشاط والحيوية؛ إنَّه موسم الازدهار الذي يحمل معه الفرح والطموح، حيث لا يمكن تحقيق الكثير من الانتصارات والإنجازات في الغالب إلَّا في هذه الفترة المفعمة بالحيوية. 

الشباب هو فرصة فريدة، لا تشبه أي فرصة أخرى، ولا تتكرر أبدًا في حياة الإنسان؛ إنَّها الفرصة الذهبية وأثمن النعم، التي يجب اغتنامها بكل ما فيها من إمكانيات؛ ولذلك لا يمكن للمرء أن يساوره شك في أن تضييع أيام الفرح وإهدار هذا الربيع سينتهي حتمًا إلى معاناة وتحديات يصعب تجاوزها في المستقبل.

لكن هذه الأيام تحمل متطلبات خاصة تُشكّل جزءًا أساسيًا من تعاملنا مع الشباب؛ فالشباب يتميَّزون بالحيوية والطموح والكرامة، ويبحثون دائمًا عن الكمال والمثالية في حياتهم؛ ولهذا، يحتاجون إلى مجموعة من المفاهيم التي تُسهم في صقل شخصياتهم، مثل العبادة والدعاء التي تهذب نفوسهم، والمعرفة التي توسع آفاقهم، والاعتدال الغريزي الذي يوازن بين احتياجاتهم، وتنقية الذات التي تساعدهم على التطور الروحي والنفسي، والنهوض بالمسؤولية التي تُعزز قدرتهم على مواجهة المصاعب واتخاذ القرارات الحكيمة.

مما لا شكَّ فيه أن التفاعل الصحيح مع الشاب يتطلب فهماً عميقاً ووعيًا حقيقيًا، إذ أن السلوك غير الواعي أو غير المناسب قد يدمر مواهبه المادية والمعنوية، ويجعله يعاني من الإحباط الدائم؛ فالشاب يحمل روحًا مرهفة وعواطف حساسة، مما يجعل التعامل معه يتطلب دقة وحنكة، وإذا أردنا تقديم المشورة له، يجب أن تكون مصحوبة بالأخلاق الحسنة والاحترام، وإذا ارتكب خطأ في بعض الأحيان، يجب أن نتصرف بحذر ولون من التسامح، كي نساعده على النهوض والتعلم من أخطائه بدلًا من دفعه نحو اليأس.

إنَّ مرحلة الشباب ربيع الحياة الغني بالحيوية والنشاط والطاقة، وفي نفس الوقت غنيٌّ بالتقلبات والعقبات النفسية، حيث يواجه الشخص صراعات داخلية تؤثر على توازنه الفكري والروحي، وتظهر في هذه الفترة حالات من الارتباك والاضطراب، مما يجعلها مرحلة غير مستقرة فكريًا وعاطفيًا، كما تتسم هذه المرحلة ببعض الاضطرابات التي قد تبدو للآخرين مثل نوع من الجنون أو السلوك المفرط.

"ويؤدّي هذا الاختلال الأخلاقي والسلوكي إلى اضطرابات تستدعي من الآباء والأمّهات والمعلّمين والشباب أنفسهم دقّة متناهية ومراقَبة صارمة ليتمّ تجاوز هذه المرحلة بسلام"(1)؛ قال الإمام الصادق عليه السلام: "بَادِرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالْحَدِيثِ قَبْلَ أَنْ يَسْبِقَكُمْ إِلَيْهِمُ الْمُرْجِئَة"(2). وقال عليه السلام أيضاً: "احذَروا على شبابكم الغُلاة لا يُفسدوهم؛ فإنَّ الغُلاة شرُّ خَلق الله، يُصغّرون عظمة الله، ويدَّعون الربوبيَّة لعباد الله"(3). 

وقال الإمام الصادق عليه السلام: "لَسْتُ أُحِبُّ أَنْ أَرَى الشَّابَّ مِنْكُمْ إِلَّا غَادِياً فِي حَالَيْنِ: إِمَّا عَالِماً أَوْ مُتَعَلِّماً، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَرَّطَ، فَإِنْ فَرَّطَ ضَيَّعَ، وَإِنْ ضَيَّعَ أَثِمَ، وَإِنْ أَثِمَ سَكَنَ النَّارَ، وَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّداً صلى الله عليه وآله بِالْحَقِّ"(4)؛ لذلك، نحتاج إلى التفاعل مع الشباب بطريقة مليئة بالإيجابية والفرح، وفي الوقت نفسه تكون مسؤولة ومبنية على المثابرة؛ وكل ما يتطلبه الأمر هو أن يتعرف الشاب على "احتياجاته" ويكون قادرًا على التصرف بطريقة عادلة ومدروسة، وذلك عن طريق اتباع عدة طرق وقواعد أساسية تساهم في تنمية شخصيته وتوجيهه بشكل سليم:

القاعدة الأولى: التَّعرّف على الشباب

لكي نكون منصفين مع الشاب، يجب أولاً أن نمتلك فهماً عميقاً لطباعه واحتياجاته، مع إدراك كامل لمرحلة شبابه وما تتطلب من تفاعلات واهتمام؛ ومن هنا تكمن أهمية مراقبة ميوله الفطرية والغريزية، والتي تشكل جزءاً أساسياً من تكوينه النفسي والعقلي في هذه المرحلة من حياته.

وكذلك نحتاج إلى التعامل مع الشاب بناءً على سمات شخصيته الخاصة، وليس وفقًا لعقليتنا أو حكم عمرنا؛ ومن هذا الفهم العميق، يمكننا أن نوفر له بيئة مناسبة تسهم في نمو مواهبه وازدهارها، مما يتيح له الفرصة للتطور والاستفادة من إمكانياته بشكل أفضل.

من القضايا التي يغفل عنها البعض؛ أن الشاب غالبًا ما يفضل عدم التعبير عن رغباته بشكل مباشر، بل يظهرها بطرق غير واضحة أو خفية، وعندما يواجه صعوبة في تحقيق أهدافه أو الحصول على حقوقه، قد يلجأ إلى التمرد، وإذا تجاهل الآباء والمربون هذه الاحتياجات أو الميول، فقد يؤدي ذلك إلى سوء فهم عميق، مما يخلق أجواء من القسوة والضغط والعنف والإهانة، كما أن التدخل المفرط أو التعامل مع الشاب كطفل قد يحقق نتائج عكسية تؤثر سلبًا على تطوره.

ويمكن إجمال أهم التغيرات النفسية والأخلاقية بما يلي:

1. بروز العاطفة. 

2. تخبّط الشباب في أحلام اليقظة. 

3. عدم الانسجام مع واقعية الحياة.

4. كتلة من المتطلّبات.

5. العُجب والاغترار المُخادع.

6. الوسوسة في انتخاب المِهن والأعمال.

7. سوء الظنّ حالة طبيعية في هذه المرحلة.

8. الاعتداد بالنفس، والشعور بالعظمة. 

9. الحاجةُ إلى المحبَّة.

10. التغيّر السلوكي والأخلاقي، واختلال الأعمال، وفوران الغريزة الجنسية (5). 

لذلك؛ ولكي نكون منصفين مع الشاب، يجب أولاً أن نمتلك فهماً لطباعه والتغيرات التي تطرأ عليه، وهذا درس يمكن أن نحصل عليه من سلوك الإمام الحسين عليه السلام مع ابنه علي الأكبر عليه السلام؛ فقد كان الإمام الحسين عليه السلام يعلم تماماً ما يمر به علي الأكبر عليه السلام في مرحلة شبابه، حيث تنمو عواطفه وحماسه، ورغم أنه كان شابًا، إلَّا أن الإمام الحسين تعامل مع طموحه بفهم ورؤية عميقة، وأدرك الإمام الحسين عليه السلام رغباته في الاستقلال والمشاركة في القضايا المصيرية، وعامله وفق هذه الاحتياجات؛ ولقد كان واضحًا في موقفه حين قرر أن يكون في مقدمة صفوف المعركة؛ ليفصح عن شجاعته وهويته في مواجهة تلك الأخطار، ما يعكس عظمة الإمام الحسين عليه السلام في تعامله مع الشباب على أساس من الحكمة والرؤية الثاقبة.

القاعدة الثانية: تنمية الثقة بالنفس 

إنَّ العمل على هذه النقطة يساهم بشكل كبير في الحفاظ على شخصية الشاب وتطورها، حيث يتيح له الفرصة لاكتساب مجموعة متنوعة من الفضائل والصفات النبيلة؛ ومن خلال هذا الدعم والتوجيه الصحيح، تصبح شخصية الشاب راسخة ومتينة، مما يجعلها عقبة أمام تحقيق الشرور ومساعدًا له في السعي نحو الخير؛ فبناء شخصية قوية ومستقلة لا يعمل فقط على تحصين الشاب من التأثيرات السلبية، بل يسهم أيضًا في توجيهه نحو تحقيق أهدافه السامية والمساهمة الفعَّالة في مجتمعه، و"الثقة بالنفس" و"العزم" من القوى الدافعة الأساسية التي تساعد الشباب على التقدم نحو القمة وتحقيق أهدافهم؛ فهذه الصفات تعد جزءًا مهمًا من بناء شخصية قوية ومستقلة للشاب.

"لقد كان الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وآله يختار الشباب المؤمنين الصالحين لتولي المناصب والوظائف الحساسة التي ترتبط بشؤون الأمة الإسلامية؛ وكان هذا الاختيار ينبع من فهمه العميق لأهمية دور الشباب في بناء الأمة وتطويرها؛ والسر في ذلك أنهم يتحلون بالعزيمة والإصرار، مما يجعلهم مؤهلين لتحقيق أهداف الأمة الإسلامية في تلك المرحلة الهامة؛ يضاف إلى ذلك أنَّ الشباب يتمتعون بوجود قابلية عالية للتفكير والعمل والإبداع، فهم يمتلكون استعدادًا دائمًا للتضحية من أجل أفكارهم وآرائهم، وهذه القابلية تجعلهم مستعدين للمخاطرة والالتزام بقيمهم ومبادئهم، حتى وإن تطلب الأمر التضحية بأنفسهم لإنجاز أهدافهم، وهذه الروح الفتية والإقدام على المخاطر هي ما يجعل الشباب قوة محورية في أي مجتمع، حيث يسعون دائماً لتحقيق التغيير الإيجابي وتقديم الحلول الناجحة للمشكلات التي تواجههم.

وإذا رجعنا إلى التاريخ متتبعين حياة الأنبياء عليهم السلام، نجد أن العديد من الرسالات السماوية قامت على أكتاف الشباب؛ ومثال على ذلك: عندما صدع رسول الله صلى الله عليه وآله بالدين الجديد والأفكار الإسلامية الجديدة، نرى أنَّ الذين سارعوا إلى الإيمان به صلى الله عليه وآله واعتنقوا الدين الجديد كان منهم ثلّة ومجموعة من الشباب؛ وأوّل من ناصره هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام والذي كان عمره لا يتجاوز العشر سنين"(6)، وكان منهم جعفر بن أبي طالب، وعمّـار بن ياسر، ومصعب بن عمير، وبلال الحبشي، ومعاذ بن جبل وزيد وغيرهم رضوان الله عليهم(7)، وهذا سبب من أسباب عديدة وقع بموجبها اهتمام الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله بالشباب وتحميلهم مسؤوليات كبيرة في أمور الدولة الإسلامية؛ والاهتمام بتربيتهم، وتأديبهم، قال أمير لمؤمنين عليه السلام: "وَإِنَّمَا قَلْبُ الْحَدَثِ كَالْأَرْضِ الْخَالِيَةِ مَا أُلْقِيَ فِيهَا مِنْ شَيْ‏ءٍ قَبِلَتْهُ فَبَادَرْتُكَ بِالْأَدَبِ قَبْلَ أَنْ يَقْسُوَ قَلْبُكَ وَيَشْتَغِلَ لُبُّكَ لِتَسْتَقْبِلَ بِجِدِّ رَأْيِكَ مِنَ الْأَمْرِ مَا قَدْ كَفَاكَ أَهْلُ التَّجَارِبِ بُغْيَتَهُ وَتَجْرِبَتَهُ فَتَكُونَ قَدْ كُفِيتَ مَئُونَةَ الطَّلَبِ وَعُوفِيتَ مِنْ عِلَاجِ التَّجْرِبَةِ فَأَتَاكَ مِنْ ذَلِكَ مَا قَدْ كُنَّا نَأْتِيهِ وَاسْتَبَانَ لَكَ مَا رُبَّمَا أَظْلَمَ عَلَيْنَا مِنْه‏"(8). 

وتتجسد علاقة المبادئ التي تتعلق بتنمية الثقة بالنفس والعزم في شخصية علي الأكبر عليه السلام بشكل لافت، فقد كان نموذجًا حقيقيًا لشاب حمل في قلبه قوة لا تنضب وإيمانًا عميقًا بالمبادئ السامية؛ ولقد كان علي الأكبر عليه السلام يتمتع بثقة كبيرة في نفسه رغم حداثة سنه، وهو ما تجلى في موقفه الحاسم يوم كربلاء، حين اختار أن يكون متحديًا الموت في سبيل القيم التي آمن بها، وأظهر للعالم كيف يمكن للشاب أن يكون ركيزة أساسية في مواجهة التحديات الكبرى عندما يكون لديه فهم راسخ لرسالته ومبادئه؛ وهذه الثقة بالنفس لم تكن نتيجة لحظية، بل كانت نتاج تربية إيمانية ومعنوية ساهمت في تكوين شخصيته الفذة.

ويمكن القول وبثقة: إنَّ وجود شباب يتخذون الأكبر عليه السلام أسوة لهم؛ لا يشكلون فقط قادة محتملين في المستقبل، بل هم أيضًا قوة دافعة للتغيير الإيجابي اليوم، من خلال تفانيهم في العمل وثقتهم بأنفسهم.

القاعدة الثالثة: التبادل العاطفي مع الشباب

يتسم البشر بوجود مشاعر وعواطف تُعدّ جزءًا أساسيًا من تكوينهم النفسي، وهذه المشاعر تدفعهم إلى البحث عن الحب والاهتمام من الآخرين، وتجدهم في حاجة دائمة للعاطفة والرعاية، وعندما يُحرم الإنسان من هذا الجانب العاطفي من حياته، فإنّه يواجه خطر الوحدة والعزلة عن محيطه الاجتماعي، وهو ما يمكن أن يصل في النهاية إلى الشعور بالاكتئاب؛ لذلك فإنَّ تفاعل الوالدين مع أبنائهم في مرحلة الشباب من الناحية العاطفية أمر بالغ الأهمية، إذ يُسهم في بناء علاقة مستقرة، تدعمهم نفسيًا وتوفر لهم البيئة المناسبة لتطوير شخصياتهم؛ وتوفير هذا النوع من العاطفة والاهتمام يساعد الشباب على التعامل والاندماج في المجتمع بشكل سليم.

وكما يضع الآباء خطّة اقتصادية منظمة لإدارة دخلهم ونفقاتهم، فإنه من الضروري أيضًا وجود خطة لتنظيم العلاقات العاطفية مع أبنائهم، وهذه الخطة يجب أن تركز على تحقيق توازن عاطفي بين الطرفين، مما يدعم الترابط الأسري ويُلبي الاحتياجات العاطفية لكلا الجانبين.

عندما يتعامل الآباء مع أبنائهم بروح من التفهم والاحترام العاطفي، فإن ذلك يُخلق شعور بالأمان والثقة الذي يعمِّق روح السعي لدى الشباب، ويدفعهم نحو التفوق والتقدم في حياتهم، وهذا التبادل العاطفي لا يُسهم فقط في شعورهم بالانتماء إلى الأسرة، بل يكرِّس أيضًا التفاؤل والمراهقة الإيجابية. إلَّا أن أحد الأخطاء الشائعة بين بعض الآباء هو اعتبار التبادل العاطفي أمرًا محصورًا في مرحلة الطفولة فقط، بينما يتجاهلون ضرورة هذا التفاعل العاطفي في مرحلة المراهقة والشباب، وعلى الرغم من أن الشباب يبدأون في البحث عن الاستقلالية، إلَّا أن حاجتهم للتعبير عن الحب والمودة تبقى قائمة، بل تتطلب طرقًا تعبيرية مختلفة تتناسب مع تطورهم النفسي والعقلي؛ إذ يتوقع الفرد، في جميع مراحل حياته، حتى في أوقات الشدة والموت، أن يشعر بمحبة الآخرين وتقديرهم.

لذلك نرى سيد الشهداء عليه السلام، كان يُعبر عن عاطفته ويشرك أولاده في أموره؛ ويُروى أنَّه لمّا ارتحل الإمام الحسين عليه السلام من قصر بني مقاتل، فقال عقبة بن سمعان: "سِرْنَا مَعَهُ سَاعَةً فَخَفَقَ وَهُوَ عَلَى ظَهْرِ فَرَسِهِ خَفْقَةً ثُمَّ انْتَبَهَ وَهُوَ يَقُولُ: (إِنَّا لِلهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) (وَالْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعالَمِينَ)، فَفَعَلَ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثاً فَأَقْبَلَ إِلَيْهِ ابْنُهُ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليه السلام عَلَى فَرَسٍ فَقَالَ: مِمَّ حَمِدْتَ اللهَ وَاسْتَرْجَعْتَ ‏فَقَالَ: يَا بُنَيَّ إِنِّي خَفَقْتُ خَفْقَةً فَعَنَّ لِي فَارِسٌ عَلَى فَرَسٍ وَهُوَ يَقُولُ: الْقَوْمُ يَسِيرُونَ وَالْمَنَايَا تَصِيرُ إِلَيْهِمْ فَعَلِمْتُ أَنَّهَا أَنْفُسُنَا نُعِيَتْ إِلَيْنَا. فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَتِ لَا أَرَاكَ اللهُ سُوءاً أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ؟ 

قَالَ: بَلَى وَالَّذِي إِلَيْهِ مَرْجِعُ الْعِبَادِ. قَالَ: فَإِنَّنَا إِذاً لَا نُبَالِي أَنْ نَمُوتَ مُحِقِّينَ. فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْنُ عليه السلام: جَزَاكَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ خَيْرَ مَا جَزَى وَلَداً عَنْ وَالِدِهِ"(9).

ومن النص الذي ورد، يمكن استنتاج عدة قواعد تربوية مهمة تتعلق بتربية الشباب، وتعزيز علاقتهم مع آبائهم:

1. يظهر في النص كيف أن الإمام الحسين عليه السلام يعبر عن عاطفته لابنه علي الأكبر عليه السلام، ويشركه في أفكاره ومشاعره، مما يزيد في العلاقة العاطفية بين الأب وابنه. 

2. يظهر الإمام الحسين عليه السلام بوضوح في هذا النص كيف أنه لم يخفِ مشاعره أو يخدع ابنه بشأن المستقبل القاسي الذي كان ينتظرهما؛ وهذا يعلمنا أهمية الصراحة والشفافية مع الأبناء، حتى في المواقف الصعبة، وهذا يساعدهم على التكيف مع الحقيقة والواقع.

3. في الحوار بين الإمام الحسين وابنه عليهما السلام، نجد أن علي بن الحسين عليه السلام يؤكد أن الموت لا يهم طالما أن الشخص يموت على الحق؛ وهذه رسالة تربوية مهمة: تعليم الشباب القيم العليا والمبادئ الراسخة التي يجب أن يبني عليها حياتهم، مع إظهار الثقة في أنفسهم وفي مصيرهم.

4. التحدّث مع الشاب وإشراكه في التشاور يحسِّن من ديناميكية تفكيره ويعطيه فرصة لتطوير نفسه بشكل مستمر؛ وعندما يُشعر الشاب بأن رأيه محل تقدير ويتم الاستماع إليه، فإن ذلك يفتح أمامه آفاقًا جديدة من التفكير والابداع، وهذا التواصل يمنح الشاب شعورًا بأهمية وجوده في محيطه، ويقوي لديه احترام الذات، كما أنّه يُرَسِّخ الرّوابط بين الوالدين والشباب، ويعزّز الشعور بالانتماء إلى الأسرة، فضلاً عن تنمية الهويّة وتطورها، والتشاور هو أحد العوامل التي ستكون لها تأثيرات جيّدة على شخصيّتهم؛ فهي تزيد من شعور الشّخص بالمسؤولية في مواجهة الحياة.

إنَّ حياة سيدنا علي الأكبر عليه السلام تجسِّد مثالاً فذًا للشاب الذي جمع بين الفكر والقوة والعزم، حيث أثبت من خلال مواقفه البطولية أن الشباب، عندما يُفهمون ويُرشدون برؤية عميقة، يمكنهم أن يكونوا قوة محورية في بناء المجتمعات، ومن خلال تعامل الإمام الحسين عليه السلام معه، نستلهم درسًا عظيمًا في كيفية تفهم احتياجات وطموحات الشباب، وكيفية توجيههم نحو الأهداف النبيلة؛ فالشاب في مرحلة شبابه يمثل طاقة هائلة يمكن استثمارها لصالح الأمة، إذا ما تم تزويده بالدعم العاطفي والفكري المناسب، وحينما نمنح الشباب الفرصة للنمو والابتكار، فإننا نفتح أمامهم أبواب العظمة والتغيير الإيجابي، ليكونوا هم رواد المستقبل وأساس التقدم في مجتمعهم.

.......................................

الهوامش:

1. ما يحتاجه الشباب: 22.

2. الكافي: 6/47. 

3. إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات: 5/386. 

4. الأمالي، للطوسي: 303. 

5. للمزيد راجع كتاب: ما يحتاجه الشباب؛ أحمد الصادقي.

6. راجع: شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار عليهم السلام: 1/179. 

7. ينظر: المصدر نفسه: 1/178. 

8. شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 16/66.

9. الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد: 2/82. 

اضف تعليق