في كل مرة نشعر باليأس، لنتذكر ثبات العباس. في كل مرة نشعر بالخوف، لنتذكر شجاعته. وفي كل مرة نواجه خيارًا بين الحق والباطل، لنستلهم من قراره الحاسم في كربلاء. بهذه الطريقة، سيكون العباس (عليه السلام) حاضرًا في واقعنا، ليس فقط كقصة تُروى، بل كنبراس يضيء دروبنا نحو العزة والكرامة...

في ظلمة الليالي التي كانت تنتظر نورًا يشع بالولاء والإيثار، بزغ نجم الإمام العباس بن علي (عليه السلام) ليكون قمر بني هاشم وسيف الحق الذي لا ينكسر. في الرابع من شعبان سنة 26 هـ، أنجبت أم البنين بطلاً نقش اسمه على صفحات التاريخ بمداد التضحية والفداء. لم يكن ميلاد العباس (عليه السلام) حدثًا عابرًا، بل كان انطلاقة لرسالة الوفاء والإيثار التي ما زالت تلهم الأجيال عبر الزمن. واليوم، ونحن نواجه تحديات مختلفة، يبقى الإمام العباس (عليه السلام) رمزًا نستمد منه القوة والعزيمة لمواجهة مصاعب الحياة والوقوف إلى جانب الحق مهما كان الثمن.

ميلاد فارس بني هاشم

ولد أبي الفضل العباس في بيت علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، البيت الذي كان عنوانًا للعدل والشجاعة والتقوى. كان مولده بشارةً للمستضعفين، إذ جاءت هذه الولادة في وقت كان الإسلام بحاجة إلى رجالٍ يحملون رايته ويدافعون عن مبادئه. نشأ الإمام في كنف أبيه أمير المؤمنين (عليه السلام)، فتشرب من علمه وحكمته، ونهل من بلاغته وشجاعته، كما تلقى من أمه أم البنين دروس الإيثار والوفاء.

منذ صغره، تجلت في الإمام العباس (عليه السلام) صفات القيادة والإقدام، فكان شابًا فارع الطول، قوي البنية، يمتلك شجاعة نادرة وذكاءً حادًا. لكنه لم يكن فارسًا يحمل السيف فحسب، بل كان رجلًا يحمل في قلبه حبًا عظيمًا لأخيه الإمام الحسين (عليه السلام)، حبًا بلغ قمته في كربلاء، حينما قدّم نفسه فداءً لأخيه وللقضية التي آمن بها.

القيم العباسية في واقعنا المعاصر

عند التأمل في شخصية الإمام العباس (عليه السلام)، نجد أنها ليست مجرد قصة تروى، بل منهج حياة يمكن أن يكون لنا نبراسًا في مواجهة التحديات. ففي عالمنا اليوم، حيث تتسارع الأحداث وتزداد الأزمات، نحتاج إلى استلهام دروس العباس في عدة مجالات:

١. الوفاء والإيثار في العلاقات الاجتماعية

الإمام العباس (عليه السلام) كان قمة في الوفاء، حيث ضحى بنفسه من أجل أخيه الحسين ومن أجل المبادئ التي تربى عليها. اليوم، في عالم يعاني من الأنانية وحب الذات، نحن بحاجة إلى أن نتعلم كيف نكون أوفياء لعائلاتنا، لمجتمعاتنا، وللحق في كل ميدان. الوفاء لا يعني مجرد الأقوال، بل يتجلى في الأفعال التي تبني الثقة وتعزز الروابط بين الأفراد.

٢. الشجاعة في مواجهة الظلم

الإمام العباس (عليه السلام) لم يكن محاربًا يبحث عن المجد الشخصي، بل كان يقاتل من أجل قضية عادلة. اليوم، في ظل انتشار الظلم والاستبداد، نحتاج إلى شجاعة العباس للوقوف في وجه الفساد، للدفاع عن حقوق المظلومين، ولمواجهة التحديات بشجاعة دون خوف أو تردد.

٣. التضحية من أجل المبادئ

عندما منع جيش يزيد الماء عن معسكر الحسين (عليه السلام)، لم يفكر الإمام في نفسه، بل حمل القربة وهو يعلم أن عودته شبه مستحيلة. التضحية من أجل القيم والمبادئ اليوم أصبحت نادرة، لكن أمامنا يعلمنا أن العظمة تكمن في تقديم الخير للآخرين، حتى لو كان ذلك على حساب راحتنا الشخصية.

٤. الإخلاص في العمل

لم يكن الإمام العباس (عليه السلام) يطلب الألقاب أو المناصب، بل كان همه الوحيد هو أداء واجبه بأفضل ما يمكن. في حياتنا اليومية، سواء في العمل أو الدراسة أو حتى في التعامل مع الآخرين، نحتاج إلى إخلاص العباس، حيث نؤدي واجباتنا بإتقان وصدق دون انتظار مقابل.

الإمام العباس (عليه السلام) قدوتنا الدائمة

إن ذكرى ميلاد أبي الفضل العباس (عليه السلام) ليست مجرد مناسبة تاريخية، بل هي فرصة لإعادة النظر في قيمنا ومبادئنا. لم يكن مجرد أخ للإمام الحسين (عليه السلام)، بل كان تجسيدًا للوفاء المطلق، وعنوانًا للشجاعة والتضحية. واليوم، إذا أردنا أن نكون رجالًا ونساءً يحملون نور الحق، فعلينا أن نتخذ الإمام قدوة في حياتنا، وأن نجعل قيمه واقعًا نعيشه في كل لحظة.

في كل مرة نشعر باليأس، لنتذكر ثبات العباس. في كل مرة نشعر بالخوف، لنتذكر شجاعته. وفي كل مرة نواجه خيارًا بين الحق والباطل، لنستلهم من قراره الحاسم في كربلاء. بهذه الطريقة، سيكون العباس (عليه السلام) حاضرًا في واقعنا، ليس فقط كقصة تُروى، بل كنبراس يضيء دروبنا نحو العزة والكرامة.

اضف تعليق