مواقفَ العباسِ وإخوَتِهِ كانت انعكاسًا واضحًا للقيمِ التي زرعَتْها أمُّ البنينِ في قلوبِهِمْ؛ إذ وقفَ العباسُ شامخًا في وجهِ الباطلِ، حاملًا رايةَ الحقِّ ومدافعًا عن عطاشى كربلاءَ، وكانَ يعبِّرُ عن عُمقِ ولائِهِ لسيدِهِ الحسينِ وعن أثرِ والدتِهِ التي علَّمتْهُ أنَّ الحقَّ لا يُتركُ مهما بلغتِ الصراعات...
إنَّ من أبرزِ خصائصِ أتباعِ مدرسةِ الوحيِ والإمامةِ هو موقفُهم الحاسمُ من الاستبدادِ؛ فهم يرفضونَ الخضوعَ لهُ أو الرضا بهِ، أو الانخداعَ بالإعلامِ المضللِ الذي يسعى لتشويهِ الحقائقِ، وهؤلاءِ المؤمنونَ يعيشونَ في يقينٍ تامٍ بحريةِ إرادتِهم، ويشعرونَ بأنَّهم غيرُ خاضعينَ لأيِّ سلطانٍ يمكنهُ استعبادَ نفوسِهم أو تقييدَ قلوبِهم، وهذا الشُّعورُ العميقُ لم يتشكلْ بشكلٍ عارضٍ، بل هو ثمرةٌ منطقيةٌ لثقافةٍ عميقةٍ وفكرٍ راسخٍ وعقيدةٍ ثابتةٍ غمرتْ كلَّ جوانب النَّفسِ لديهِم.
ومن الجديرِ بالذِّكرِ أنَّ القدوةَ تمثِّلُ ركيزةً أساسيةً في تشكيلِ شخصيةِ أتباعِ مدرسةِ الوحيِ والإمامةِ، إذ إنَّ العظمةَ التي يتسمُ بها القائدُ تؤثِّرُ في أتباعِه وتحددُ ميولَهم الثَّقافيةَ وطبيعتَهم الشَّخصيةَ، ولا شكَّ أنَّ أعظمَ قائدٍ في تاريخِ البشريةِ هو الرَّسولُ الأعظمُ محمَّدُ بنُ عبداللهِ -صلى الله عليه وآله-، الذي لا يُضاهيهِ أحدٌ في مكانتِه وسموهِ، والذي قالَ الله تعالى في حقَّه: (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)(سورة الأحزاب/ الآية: 21)، وبعدَهُ تأتي العترةُ الطَّاهرةُ؛ الأئمةُ الإثنا عشرُ -عليهم السلام-، وأوَّلهم أميرُ المؤمنينَ عليُّ بنُ أبي طالب -عليه السلام-، وآخرهم الإمام المهدي بن الإمام العسكري -عليهما السلام-؛ والذينَ أمرَ اللهُ -سبحانه وتعالى- بطاعتهم؛ فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا)(سورة النساء/ الآية: 59)، كما أمر بحبِّهم –عليهم السلام- فقال: (قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)(سورة الشورى/ الآية: 23)؛ فإنَّهم قدوةٌ مثاليةٌ في كافَّةِ المجالاتِ.
وفي سياقِ هذا التَّوجيهِ القياديِّ العظيمِ، تبرزُ شخصيةُ أمِّ البنينِ فاطمةَ بنتِ حزامٍ -عليها السلام-، التي نشأتْ في بيتِ الطُّهرِ والتَّقوى، وتزوَّجتْ من أميرِ المؤمنينَ علي بن أبي طالب -عليه السلام-، وأسهمتْ في استمرارِ النَّهضةِ الحسينية والنَّهضةِ العلمية بصورة عامَّة في المدينةِ المنورةِ جنبًا إلى جنبٍ مع السَّيدةِ زينبِ بنتِ أميرِ المؤمنينِ -عليهما السلام-؛ فكانت نموذجًا للمربيةِ الفاضلةِ التي رعتْ أبناءَ عليٍ -عليه السلام- وأحفادَهُ، وشاركت في تربيةِ جيلٍ ناصرِ للإمامِ عليٍ -عليه السلام- في حروبهِ ومعارك سبطيه الحسنِ والحسينِ -عليهما السلام- في ما بعدُ.
لقد كانت أمُّ البنينِ -عليها السلام- امرأةً ذاتَ بصيرةٍ عميقةٍ وإيمانٍ راسخٍ بإمامةِ أميرِ المؤمنينِ -عليه السلام- وأبناءِه، فكانت تسعى بكلِّ جهدٍ لرعايتهما وخدمتهما، وقد قدَّرَ لها أهلُ البيتِ -عليهم السلام- هذا الإحساس العميق بالمحبَّةِ والرِّعايةِ.
وعندَ النظرِ في سيرةِ أمِّ البنينِ -عليها السلام- ودورها المهمّ في نهضةِ كربلاء، نجدُ أنَّ المسؤوليةَ التي كانت على عاتقِها كانت ثقيلةً جدًا، فقد كانت تعملُ على إعدادِ مجموعة من القادةِ الذين سيحملونَ رايةَ النَّهضةِ الحسينيةِ ويدافعونَ عن قيمِ الإسلامِ الخالد، ولتأديةِ هذهِ المهمةِ الشَّاقةِ، لابدَّ من توفرِ مجموعةٍ من الصِّفاتِ والقدراتِ في المربيِّ، وأوَّلها العظمةُ ذاتُها؛ لأنَّ فاقدَ الشَّيءِ لا يعطيهِ، وهذا يوضِّحُ مدى عظمةِ أمِّ البنينِ -عليها السلام- التي استطاعتْ تربيةَ قادةٍ أصبحوا رمزًا تاريخيًا؛ ومَنْ يقرأُ سيرةَ كربلاءَ يعرفُ كيفَ أنَّ أبناءَ أمِّ البنينِ -عليها السلام- كانوا مصدرَ قوةٍ في مواجهةِ جيوش الطُّغاةِ، وقد شكَّلوا جزءًا أساسيًا من المعركةِ التي غيرتْ مجرى التَّاريخِ.
إنَّ السَّيدةَ أمَّ البنين -عليها السلام- تُمثِّل في تاريخِ الأمةِ الإسلاميةِ أحدَ أبرزِ نماذجِ الأمِّ العظيمةِ التي استطاعت أن تخرِّجَ للأمةِ قادةً أفذاذًا سَطَّرُوا بحروفٍ من نورٍ ملحمةَ كربلاء التي كشفت الزَّيف والضَّلالَ والانحرافَ، وقد ارتبطَ اسمُها بشجاعةِ أبنائِها وولائِهم العظيمِ لأهل البيتِ -عليهم السلام-، فكانوا بحقٍّ عنوانًا للفداءِ والتضحيةِ؛ ومن هنا سنتناولُ الأدوارَ المتعددةَ التي قامت بها السَّيدةُ أمُّ البنين –عليها السلام- حتَّى استطاعت أن تصنعَ قادةً مثل العبَّاسِ وإخوته -عليهم السلام- الذينَ أصبحوا قدوةً للأجيالِ.
أوَّلًا: الدَّور التَّربوي في بناءِ القيم
أولى المهامِّ التي قامتْ بها السَّيدةُ أمُّ البنين -سلام الله عليها- كانت التَّربيةَ السَّليمةَ التي تقومُ على بناءِ شخصيةٍ متوازنةٍ وقويةٍ؛ فالتَّربيةُ في جوٍّ من الإيمانِ والتَّقوى هي أساسُ أيِّ مشروعِ بناءٍ للقيادةِ، وقد أدركت السَّيدةُ أمُّ البنين -سلام الله عليها- أهميةَ هذا الدَّورِ، فكانت تربي أبناءها على الأخلاقِ العاليةِ، وتغرسُ في قلوبِهم حبَّ أهلِ البيتِ -عليهم السلام-، وتُعلِّمهم أنَّ العظمةَ لا تتحقَّقُ إلَّا من خلالِ الإيمانِ باللهِ تعالى ورسوله -صلى الله عليه وآله- وولاية وصية -عليه السلام-، وأنَّ الشَّجاعةَ والوفاءَ لا يأتيانِ إلَّا بالاستعدادِ للتضحيةِ في سبيلِ المبادئِ.
كان العباسُ -عليه السلام- وأخوته يتعلمون منها أنَّ العظمةَ تكمنُ في الصَّبرِ على الشَّدائدِ، وفي الوفاءِ بالعهدِ، وفي أن يكونَ الإنسانُ على استعدادٍ للتضحيةِ بكلِّ شيءٍ من أجلِ الحقِّ، وأنَّ قلوبَهم لا ينبغي أن تحيدَ عن الطَّريقِ الصَّحيحِ مهما كانت المغرياتُ أو المصاعبُ.
ثانيًا: القدوة الشَّخصية
لقد كانت السَّيدةُ أمُّ البنين -عليها السلام- قدوةً عمليةً لأبنائها في كلِّ جانبٍ من جوانب حياتِها، ولم تكن مجردَ امرأةٍ تقدِّم النُّصحَ والتَّوجيهَ، بل كانت تجسيدًا حيًّا للقيمِ التي تربيهم عليها، وقد كان موقفُها يتسمُ بالصَّبرِ والصَّلابةِ، وكانت ترى في كلِّ تحدٍّ فرصةً لتعليم أبنائها معاني الإيمانِ والوفاءِ.
وفي أصعبِ اللحظاتِ لم تهتزَّ أمامَ المصائبِ، بل كانت على يقينٍ بأنَّ التَّضحيةَ لأجلِ الحقِّ هي أعظمُ ما يمكنُ أن يقدِّمه الإنسانُ، وعندما تزوَّجتْ أميرَ المؤمنين -عليه السلام-، كانت سيدةَ بيتٍ تقيّةٍ، وتربَّت على يديه في مدرسةِ الفصاحةِ والحكمةِ، فكان لصبرِها وحسنِ تدبيرِها دورٌ كبيرٌ في دعمِ هذا البيتِ الكريمِ الذي أعطى للأمةِ قادةً لا يُضاهون، وحتَّى عندما تبلورت معالمُ معركةِ كربلاء كانت السَّيدةُ أمُّ البنين -عليها السلام- تعرفُ جيدًا ما يخبئه المستقبلُ، فلم تثنِها المصاعبُ عن تقديمِ أبنائِها فداءً للإمامِ الحسينِ -عليه السلام-.
ثالثًا: زرع حبِّ أهل البيت عليهم السلام
لقد فهمَتْ وعرفت السَّيدةُ أمُّ البنينَ -عليها السلام- أنَّ قيادةَ الأمةِ لا تتمُّ إلَّا عبرَ تربيةِ قادةٍ يحبون أهلَ البيتِ –عليهم السلام- حبًا صادقًا ويعيشونَ لأجلِ المبادئِ التي حملَها هذا البيتُ الطَّاهرُ؛ لذلك كانت تُعلِّمُ أبناءَها أنَّ الولاءَ لأهل البيتِ -عليهم السلام- ليس مجردَ شعورٍ عاطفيٍّ، بل هو التزامٌ عقائديٌّ وشرعيٌّ يوجبُ على المؤمنِ أن يُقدِّمَ كلَّ شيءٍ في سبيلِ اللهِ تعالى، وكان العباسُ بن عليٍّ -عليه السلام- خيرَ من تجسّدَ فيه هذا الولاءُ، فقد كان هو من أبرزِ القادةِ الذين أبلوا بلاءً حسنًا في كربلاء، وواجهوا الأعداءَ بصلابةٍ لم تهتزَّ أمامَ أيَّةِ قوةٍ، لكنَّ هذا الولاءَ العميقَ لم يكنْ ليتحققَ لولا التَّربيةُ التي تلَّقتها هذه القلوبُ الطَّاهرةُ من الوالدينِ العظيمينِ -عليهما السلام-، فلم يكنْ تعليمُهما لهم مقتصرًا على الكلماتِ فحسب، بل غرَسَا فيهم روحَ التَّضحيةِ والفداء.
رابعًا: الشَّجاعة والإيمان
إذا كانتِ الشَّجاعةُ هي إحدى أهمِّ صفاتِ القائدِ، فإنَّ السَّيدةَ أمَّ البنين كانت نموذجًا حيًّا لهذه الشَّجاعةِ، ولم تكنْ شجاعتُها في ساحاتِ الحربِ أو المعركةِ فحسب، بل تجلَّت في صبرِها وثباتِها أمامَ مصاعبِ الحياةِ، ووقوفِها الثَّابت إلى جانبِ الإمام عليٍّ -عليه السلام-، ومساندتها له في جميع المواقفِ الصَّعبةِ، وقد شهدتْ العديدَ من المصائب العظيمة، فقد رأت بعينيها مقتلَ أميرِ المؤمنينَ -عليه السلام-، وكذلكَ مقتلَ ولدِه الإمام الحسن -عليه السلام-؛ ومع ذلكَ صبرتْ وعلَّمت أبناءها درسًا عظيمًا، مفاده أنَّ القوةَ الحقيقيةَ لا تقتصر على السِّلاحِ، بل في الإيمانِ باللهِ تعالى وبالرِّسالةِ التي يحملُها الإنسانُ.
وفي الوقتِ الذي كان فيه العباسُ وأخوته يستعدون للذهابِ إلى كربلاء، كانت السَّيدةُ أمُّ البنين تعلمُ جيدًا ما يعنيه هذا القرارُ، لكنها لم تثنهم عن المضيِّ قدمًا، بل كانت تشجِّعهم وتحثهم على الوقوفِ بجانب الإمامِ الحسينِ -عليه السلام-، والتَّضحية في سبيلِ الحقِّ، وعندما جاءها الخبرُ المؤلمُ باستشهادِ أبنائها، لم تُظهر حزنًا أو استياءً، بل كانت فخورةً بهم وبموقفهم الذي سجَّله التَّاريخُ بأحرفٍ من نورٍ.
خامسًا: تحمّل المسؤولية
لم تكنْ السَّيدةُ أمُّ البنين -عليها السلام- تربي أبناءَها ليكونوا مجردَ مقاتلينِ أو رجالًا عاديينِ، بل كانت تربيهم ليكونوا قادةً يتحملون المسؤوليةَ الكبرى في الظُّروفِ الصَّعبةِ؛ فالتَّضحيةُ التي كانت تنتظرهم في كربلاء لم تكنْ مجردَ حدثٍ عارضٍ، بل كانت جزءًا من خطةٍ إلهيةٍ ليُظهرَ اللهُ تعالى الحقَّ على أيديهم، وكانت السَّيدةُ أمُّ البنين –عليها السلام- تعلِّمُ أبناءَها أنَّ البطولةَ الحقيقيةَ تتمركزُ في التَّضحيةِ بكلِّ غالٍ ونفيسٍ في سبيلِ إحقاقِ الحقِّ.
وعندما تمَّ إرسالهم للقتالِ في معركةِ كربلاء كان في قلوبِهم إيمانٌ لا يتزعزعُ، وكانت السيدةُ أمُّ البنين -عليها السلام- قد غرست فيهم الاستعدادَ للتضحيةِ بكلِّ ما لديهم من أجلِ المبادئِ الساميةِ، مع علمها بأنَّ هذا الطَّريقَ قد يؤدِّي إلى قتلهم واستشهادِهم -عليهم السلام-.
والخلاصة...
إنَّ مواقفَ العباسِ -عليهِ السلامُ- وإخوَتِهِ –عليهم السلام- كانت انعكاسًا واضحًا للقيمِ التي زرعَتْها أمُّ البنينِ في قلوبِهِمْ؛ إذ وقفَ العباسُ -عليه السلام- شامخًا في وجهِ الباطلِ، حاملًا رايةَ الحقِّ ومدافعًا عن عطاشى كربلاءَ، وكانَ يعبِّرُ عن عُمقِ ولائِهِ لسيدِهِ الحسينِ -عليه السلام- وعن أثرِ والدتِهِ التي علَّمتْهُ أنَّ الحقَّ لا يُتركُ مهما بلغتِ الصراعات؛ فشجاعتُهُ وتفانيهِ في خدمةِ الإمامِ الحسينِ وأهلِ البيتِ –عليهم السلام- هيَ صورةٌ ناصعة لما كانتْ تحملُهُ أمُّ البنينِ –عليها السلام- من إيمانٍ راسخٍ بقضيةِ آلِ محمدٍ -عليهم السلام-.
وكذلكَ الحالُ معَ باقي إخوةِ العباسِ، الذينَ سارُوا على نفسِ النهجِ، مقدِّمينَ أرواحَهُم في سبيلِ نصرةِ الحقِّ، ولا تستغربُ هذه المواقف من رجال كانتْ أمُّهم-عليها السلام- قدْ غرستْ فيهم حبَّ أهلِ البيتِ -عليهم السلام- والطَّاعةَ المطلقةَ لإمامِ زمانِهِمْ –عليه السلام-، ولمْ تكنْ مواقفُهُم يومَ عاشوراءَ مواقفَ فرديةً عابرةً، بلْ كانتْ صفحةً من كتابِ تضحياتِ أمِّهِمْ، تلكَ المرأةُ التي علَّمتْهُمْ أنَّ الكرامةَ لا تتحققُ إلَّا بالوقوفِ معَ الحقِّ، وأنَّ الشَّهادةَ في سبيلِ اللهِ تعالى هيَ أسمى درجاتِ العطاءِ.
إنَّ الحديثَ عنْ مواقفِ العباسِ وإخوَتِهِ هوَ في جوهرِهِ حديثٌ عنْ مدرسةِ أمِّ البنينَ -عليها السلام-، وكلُّ قطرةِ دمٍ سالتْ منهُم يومَ الطفِّ كانتْ شهادةً حيةً على عظمةِ تلكَ الأمِّ التي لمْ تعتبرْ أبناءَها ملكًا لها، بلْ أمانةً يجبُ أنْ توفِيَ بها في سبيلِ اللهِ سبحانه ونصرةِ إمامِ زمانِها –عليه السلام-، وهكذا، كانتْ أمُّ البنينِ رمزًا خالدًا للأمومةِ المخلصةِ التي تُخرجُ أجيالًا منَ الأبطالِ المدافعينَ عنِ القيمِ الإلهيةِ.
لذا، عندما نستذكرُ تضحياتِ العباسِ وإخوَتِهِ –عليهم السلام-، فإنَّنا لا نستطيعُ إلَّا أنْ نقفَ بإجلالٍ أمامَ عظمةِ أمِّ البنينَ، تلكَ المرأةُ التي صنعَتْ منْ أبنائِها أعمدةً خالدةً في صرحِ الولاءِ والفداءِ، ومواقفُهُم لمْ تكنْ إلَّا امتدادًا طبيعيًا لتلكَ الجذورِ الطاهرةِ التي نشأُوا عليها، والتي تجسدتْ في كلِّ كلمةٍ وكلِّ موقفٍ منْ مواقفِها-عليها السلام-.
اضف تعليق