ودعا الرسول الأعظم الى التوحيد والعدل والحرية والرحمة والأمانة، وترسيخ مكارم الأخلاق، والتعاون على البر والتقوى، والجنوح الى السلم، ونبذ العنف، والحفاظ على أمن الناس واستقرار النظام العام، وحماية فضيلة المجتمع بالكلمة الطيبة والحكمة والموعظة، وتأمين سلامة الناس وممتلكاتهم ورفاهههم. ولفت أنظار الناس وقلوبهم الى جمال أخلاقه...
في أيام العشرة الثانية من شهر ربيع الأول، من كل عام، يحتفي المسلمون بمولد نبي الإسلام محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله)، الذي أرسله الله سبحانه رحمة للبشرية، يقول (عز وجل): ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾(الأنبياء/107). وقال تعالى: ﴿لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾(التوبة/128).
لقد كرّم الله تعالى أمة الإسلام بخاتم الأنبياء (صلى الله عليه وآله)، وهو يحمل الرسالة الخاتمة الى البشرية (وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاّ رَحْمَةً لّلْعَالَمِينَ)(الأنبياء/107). وهو التكريم الأكبر والفضل الأعظم، من الله تعالى على أمة الإسلام.
في الموازاة، فرض الله سبحانه على المؤمنين الطاعة لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، والاقتداء به والامتثال لأوامره والسير على نهجه، وأيضاً السير على نهج من نصبَّه رسول الله (صلى الله عليه وآله) من بعده، فقال (عز وجل): (لقد كانَ لكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَة)(الأحزاب/21). وقال: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ)(النساء/59)،
ودعا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) الى التوحيد والعدل والحرية والرحمة والأمانة، وترسيخ مكارم الأخلاق، والتعاون على البر والتقوى، والجنوح الى السلم، ونبذ العنف، والحفاظ على أمن الناس واستقرار النظام العام، وحماية فضيلة المجتمع بالكلمة الطيبة والحكمة والموعظة، وتأمين سلامة الناس وممتلكاتهم ورفاهههم.
فكان (صلى الله عليه وآله) قبل بعثته وبعدها (الصادق الأمين)، ولفت أنظار الناس وقلوبهم الى جمال أخلاقه ونبلها، وكان (صلى الله عليه وآله) في جميع حالاته مثالاً أعلى للأمانة والإخلاص، والصدق والوفاء، وحسن الخلق، وكرم السجية، والعلم والحلم، والسماح والعفو، والكرم والشجاعة، والورع والتقوى، والزهد والفضيلة، والعدل والتواضع، والجهاد.
بالتالي، فإن الاحتفال بمولد النبي الخاتم والاحتفاء بشهادته لَهَي من الوسائل الفاعلة في نشر وترسيخ مبادئه (صلى الله عليه وآله) التي علينا الالتزام بها والعمل بموجبها. يقول الإمام المجدد الراحل السيد محمد الحسيني الشيرازي (قده): "إذا آمن المجتمع بالمثل الإسلامية العليا، التي تمثلت في الرسول وأهل بيته (عليهم السلام)، تتضاءل فيه المشاكل الفردية والنزاعات الشخصية، ويغلب على الناس روح الجماعة، والاتجاه إلى البذل والعطاء وتجنب الوقوع في المعاصي والجرائم والآثام."
لكن إلى اليوم، الاحتفال بمولد النبي الخاتم (صلى الله عليه وآله) لم يأخذ الشكل المطلوب، فمازالت الاحتفالات محدودة الكم والنوع، يقول الإمام الشيرازي الراحل (قده): "إن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف لا يعني توزيع الحلوى والمرطبات، ونصب أدوات الزينة في البيوت والشوارع في أيام الاحتفال فحسب، بل يجب أن يتعداه إلى أن يشمل أيضاً توزيع الكتب والنشرات الثقافية الإسلامية، وتقديم الخدمات للناس، وتكثيف الأعمال الخيرية للجميع، وإقامة المؤتمرات والمهرجانات، فالبلدان المسيحية مثلاً، في حركة دائبة، حيث تفتتح العديد من الكنائس في مولد السيد المسيح (عليه السلام)، بالإضافة إلى المستشفيات ومراكز الأمومة والطفولة، ومعاهد الصم والبكم، ودور الحضانة، وملاجئ الأيتام، ودور رعاية المسنين، ومراكز رعاية ذوي العاهات المستديمة".
وفي معرض هذا التناقض بين أمتين، أمة منتجة، وأمة متكاسلة، يقول الإمام الشيرازي الراحل (قده): “ألا يجدر بنا نحن المسلمين، أن نقوم بأكثر وأكثر من هذه الأعمال في مولد نبينا الأكرم (صلى الله عليه وآله)، وهو سيد الكائنات، ونبني المساجد والحسينيات والمكتبات والمؤسسات الخيرية، وكل ما يخدم الناس، تكريماً لهذه الذكرى العظيمة، لما لهذه الأعمال من أثر فاعل في النفس البشرية، ونشر الوعي الإيماني بين صفوف المسلمين، وزرع روح المحبة والتعاون بينهم، وفوق كل هذا رضا الخالق تعالى”.
التخلق بخلقه
ولأن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) هو القدوة والأسوة التي يجتمع حولها المسلمون بشتى مذاهبهم الفقهية والفكرية، حريٌ بالمسلمين أن يستحضروا أولاً أخلاقه (صلى الله عليه وآله) التي بنى عليها تعامله في كافّة المجالات، السياسية والحربية والحكومية والاقتصادية والمجتمعية والأسرية، فكانت مكارم الأخلاق معيار منهجه وأسلوبه.
فإن إهمال السياسي لمصالح البلد والشعب، وتقاعس الموظف عن أداء حقوق الناس، وتجاوز الزوج على زوجته بالقول أو اليد، وتقصير الوالدين في تربية أولادهم، والإساءة إلى الجار وعدم الصبر على أذاه، ومد اليد على أموال الدولة والحقوق العامة، والتنازع بين الجماعات أو الأحزاب، والاقتتال بين العشائر وعدم التورع عن إراقة دماء أو إشعال فتنة، كل ذلك بعيد كل البعد عن القيم والأخلاق التي دعا إليها نبي الرحمة والخير والفضيلة والمحبة.
لقد أصلح النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) بين قبيلتي الأوس والخزرج، من بعد اقتتال دام ثلاثمائة عام، وغرس الأخوّة والألفة فيما بينهم. وقال (صلى الله عليه وآله): (الخَلْقُ عيال الله، وأحبّ الخلق إلى الله مَن نَفع عيالَ الله، وأدخل على بيتٍ سروراً). وقال (صلى الله عليه وآله): "مَن أصبح لا يهتمّ بأمور المسلمين فليس بمسلم" (وسائل الشيعة (آل البيت). الحر العاملي، ج16، ص337).
إن الواقع المثخن بالظلم والعنف والكراهية والبغضاء والفقر والتخلف، في العديد من دول المسلمين، قطعاً، ليست من الإسلام، ولا من القرآن، ولا من عمل ولا من سيرة النبيّ (صلى الله عليه وآله)، بل هي بعيدة عن ذلك كلّه، ففي حكومة رسول الله (صلى الله عليه وآله) التي امتدّت لعشر سنين، وأيضاً في فترة حكومة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) التي لم تدم سوى أربع سنوات وبضعة أشهر، ومع كثرة المشاكل التي واجهتهما، لم يعد من بين المسلمين من هو فقير أو جائع أو مظلوم أو خائف رغم أن الدولة الإسلامية كانت واسعة الأرجاء، حتى قال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام):
"وإنما هي نفسي أروضها بالتقوى لتأتي آمنة يوم الخوف الأكبر، وتثبت على جوانب المزلق. ولو شئت لاهتديت الطريق إلى مصفى هذا العسل ولباب هذا القمح ونسائج هذا القز، ولكن هيهات أن يغلبني هواي ويقودني جشعي إلى تخير الأطعمة. ولعل بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له في القرص ولا عهد له بالشبع، أو أبيت مبطانا وحولي بطون غرثى وأكباد حرى؟ أو أكون كما قال القائل - وحسبك داء أن تبيت ببطنة/ وحولك أكباد تحن إلى القد! أأقنع من نفسي بأن يقال أمير المؤمنين ولا أشاركهم في مكاره الدهر، أو أكون أسوة لهم في جشوبة العيش. فما خلقت ليشغلني أكل الطيبات كالبهيمة المربوطة همها علفها، أو المرسلة شغلها تقممها، تكترش من أعلافها وتلهو عما يراد بها. أو أترك سدى أو أهمل عابثا، أو أجر حبل الضلالة، أو أعتسف طريق المتاهة" (نهج البلاغة. خطب الإمام، ج3، ص72).
ومع كثرة أعداء الإمام علي بن أبي طالب – تلميذ نبي الإسلام - لم يجرؤ أحد منهم ليقول لا، هناك جائع! لأنه لم يكن هناك جائع، وحاشا لأمير المؤمنين أن يقول غير الحق، في الوقت، أن الجميع يعلم جيّداً بأن الناس - المسلمون وغير المسلمين - في ظل حكومة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) عاشوا برفاه ورخاء، على العكس من هذا الزمن المتخم بأزمات متعددة حيث يكابد كثير من الناس – ومنهم معظم المسلمين – الفقر والخوف والقمع والبطالة والمرض، ما يتطلب من الجميع الحث على التعاون من أجل خير الناس؛ كل الناس، تعاون ليس بين المسلمين وحدهم بل تعاون بين سائر البشر، فالاستبداد والظلم والقمع والعنف والكراهية والبغضاء لا تجلب سوى الخراب والدمار؛ خراب الإيمان ودمار البلدان.
يقول الإمام المجدد الراحل السيد محمد الحسيني الشيرازي (قده): "إذا آمن المجتمع بالمثل الإسلامية العليا، التي تمثلت في الرسول وأهل بيته (عليهم السلام)، تتضاءل فيه المشاكل الفردية والنزاعات الشخصية، ويغلب على الناس روح الجماعة، والاتجاه إلى البذل والعطاء وتجنب الوقوع في المعاصي والجرائم والآثام."
اضف تعليق