الرسوم الجمركية سيكون لها تأثير: فهي ستساعد بايدن على خسارة الانتخابات. وبصرف النظر عن مدى ارتفاع الرسوم التي تفرضها الإدارة الحالية، فسوف يكون ترمب قادرا دائما على الادعاء بأنه سيرفعها إلى مستوى أعلى. وسوف يظل بايدن يبدو وكأنه يستجيب فقط لتحدي ترمب ــ وبطريقة هَـرِمة فاترة...
بقلم: هارولد جيمس
برينستون- في مختلف أنحاء العالم، تبدو الديمقراطيات هشة وفي موقف دفاعي. وتكثر المقارنات مع سبعينيات القرن العشرين وفترة ما بين الحربين العالميتين. في الولايات المتحدة، أشعل أداء دونالد ترمب القوي في استطلاعات الرأي الأخيرة شرارة موجة أخرى من الخوف من القومية الاستبدادية. من منظور كثيرين من أولئك الذين تابعوا عن كثب الانتخابات الرئاسية الأميركية في عامي 2016 و2020، كان تقدمه في الولايات المتأرجحة الرئيسية مثيرا للقلق والانزعاج.
الواقع أن أسوأ استراتيجية ينتهجها الديمقراطيون في مختلف أنحاء العالم، والديمقراطيون في الولايات المتحدة، تتمثل في تقليد خصومهم. فهذه مباراة لا يمكنهم الفوز بها. ومع ذلك، هذا هو على وجه التحديد ما يفعله كثيرون منهم. لنتأمل هنا الحزمة الجديدة من التعريفات الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي جو بايدن على الصين، والتي تمثل انقلابا أكثر تطرفا على السياسة التجارية الأميركية التقليدية من أي شيء تبناه ترمب ذاته خلال رئاسته.
في حين أَكَّـدَت العناوين الرئيسية على التعريفات الجمركية بنسبة 100% على المركبات الكهربائية الصينية، فإن القصة الحقيقية تتعلق بالبطاريات، والصلب، والألمنيوم، وأشباه الموصلات. وبرغم أن الجمهور لا يشتري هذه السلع بشكل مباشر، فأنها مدخلات في كثير من المنتجات والأجهزة المصنعة في الولايات المتحدة. المفترض أن إدارة بايدن تأمل ألا يشعر الأميركيون بأي تأثير اقتصادي تقريبا، وأن يروا فقط أن الأمور ستصبح عصيبة مع الصين.
نحن نعلم ما لن تفعله التعريفات الجمركية. فهي لن تخلق (أو "تعيد") وظائف وفيرة في الولايات المتحدة، لأن أميركا إذا كان لها أن تصنع المركبات الكهربائية أو الألواح الشمسية على نطاق كبير، فإنها ستعتمد بالكامل تقريبا على مصانع آلية. ولن تعمل التعريفات الجمركية أيضا على تحسين العلاقات مع حلفاء الولايات المتحدة، من خلال تشجيع "دعم الأصدقاء" على سبيل المثال. بل من المرجح أن يخسر المنتجون الأوروبيون أسواق المنتجات الهندسية المباعة للصين، مع زيادة الإنتاج الصناعي المحلي الصيني.
لن تعمل التعريفات الجمركية أيضا على التعجيل بإزالة الكربون. بل على العكس من ذلك، من خلال جعل التكنولوجيات الخضراء الأساسية أكثر تكلفة (وبالتالي تأخير استيعابها على نطاق واسع)، سيجعل بايدن العالم أكثر سخونة. علاوة على ذلك، كما يظهر تقرير حديث صادر عن البنك الأوروبي لإعادة البناء والتنمية، تظل المعادن والعناصر الأرضية النادرة (الجاليوم والجرمانيوم) اللازمة لتصنيع الأجزاء المكلفة من تكنولوجيا البطاريات تُـسـتَـجـلَـب في الأغلب الأعم من الصين.
أخيرا، لن تعمل التعريفات الجمركية على تحسين سجل الصين في مجال حقوق الإنسان. بل لن تؤدي إلا إلى تشجيع أولئك الذين يعتقدون بالفعل أن الخطاب الأمريكي بشأن حقوق الإنسان نفاق محض ويمكن تجاهله بأمان.
لكن الرسوم الجمركية سيكون لها تأثير: فهي ستساعد بايدن على خسارة الانتخابات. وبصرف النظر عن مدى ارتفاع الرسوم التي تفرضها الإدارة الحالية، فسوف يكون ترمب قادرا دائما على الادعاء بأنه سيرفعها إلى مستوى أعلى. وسوف يظل بايدن يبدو وكأنه يستجيب فقط لتحدي ترمب ــ وبطريقة هَـرِمة فاترة.
علاوة على ذلك، أثبتت الرسوم الجمركية صحة الحجج التي يسوقها الرئيس الصيني شي جين بينج والرئيس الروسي فلاديمير بوتن للتدليل على أن النظام الدولي القديم مُـعَـطَّـل لأن أمريكا تتعامل باستخفاف ومراوغة مع القواعد. والأمر الأكثر أهمية (في سياق الانتخابات) هو أن الرسوم الجمركية ستؤدي إلى تفاقم مشكلة زيادة التكاليف التي يتحملها الأميركيون العاديون. لقد جعلت حملة ترمب الانتخابية مسألة التضخم بالفعل واحدة من قضاياها الرئيسية. وفي مهرجاناته الانتخابية، يزعم ترمب (كاذبا بكل تأكيد) أنه لم يعد بإمكانه تناول لحم الخنزير المقدد على شطائره، لأن تكلفته باهظة.
الواقع أن الحوار الدائر حول التضخم يُساء فهمه على نطاق واسع. ومثلها كمثل كل الحكومات الغربية، تستطيع إدارة بايدن أن تشير إلى أن التضخم انخفض بسرعة وأصبح في نطاق الهدف القديم المحدد عند مستوى2%. لكن هذا لا يهم الناس العاديين. فهم يرون أن التكاليف ارتفعت بشكل حاد منذ جائحة كوفيد-19، لتنهي بذلك فترة طويلة من استقرار الأسعار.
في حين قد يبلغ التضخم التراكمي منذ عام 2020 نحو 20%، فإن التصورات بشأنه أسوأ، بسبب ميل المستهلكين ووسائل الإعلام إلى التركيز على عدد قليل فقط من العناصر التضخمية الإضافية، مثل لحم خنزير ترمب المقدد. فقد أصبح السكن والغذاء أكثر تكلفة بدرجة كبيرة. فجالون الحليب الذي كان يكلف 3.25 دولارا في بداية عام 2020 أصبح سعره أكثر من 4 دولارات بحلول عام 2022؛ وارتفع سعر اثنتي عشرة بيضة من 1.45 دولارا عند بداية الجائحة إلى 4.82 دولارا في يناير 2023، قبل أن ينخفض إلى 2.86 دولارا. في الوقت ذاته، لا يفكر الناخبون في الملابس وغيرها من البنود التي ظلت أسعارها مستقرة نسبيا ــ أو حتى انخفضت، كما في حالة المركبات الكهربائية. لكنهم من المحتمل أن يلاحظوا زيادة في أسعار مجموعة واسعة من المنتجات الاستهلاكية نتيجة للتعريفات الجديدة.
هنا، تقدم لنا سبعينيات القرن العشرين بعض الدروس. في ذلك الوقت، حاولت الولايات المتحدة استبعاد السيارات اليابانية وغيرها من السلع المصنعة الأرخص والأكثر كفاءة. وكانت النتيجة مفيدة بشكل مؤقت فقط للمنتجين الأميركيين. ففي الأمد المتوسط، خسروا الأسواق والمصداقية؛ وفي الأمد البعيد، كان عليهم التكيف متأخرين مع تقنيات جديدة. لقد كلفت سياسات الحماية شركات صناعة السيارات الأميركية وقتا ثمينا في إجراء التغييرات، وفي نهاية المطاف دمرت الوظائف بدلا من خلقها. كما أدت إلى نفور المستهلكين الذين ساورهم القلق بشأن التضخم، مما ساهم في نهاية المطاف في هزيمة الرئيس جيمي كارتر في انتخابات عام 1980.
في عام 2023، بذلت إدارة بايدن قصارى جهدها لتشرح للناس أنها لم تكن تنفصل عن الصين، بل كانت تعمل على "إزالة المخاطر" فحسب. لكنها الآن، في نوبة ذعر، تبنت سياسة عدوانية للانفصال الواعي.
الواقع أن أي حكومة لن تلهم الناخبين فجأة لأنها قررت "الانفصال"، ولن تحقق أي تقدم حقيقي في مكافحة تغير المناخ من خلال تحويل التكاليف إلى آخرين. في عام 1944، لاحظ وزير الخزانة الأميركي هنري مورجنثاو أن "الرخاء، مثله كمثل السلام، لا يتجزأ. ولا نملك ترف السماح بتناثره هنا أو هناك بين المحظوظين أو التمتع به على حساب آخرين".
كانت هذه الرسالة صحيحة آنذاك، وهي صحيحة الآن. فالزعماء السياسيون يلهمون الثقة عندما يتمكنون من إثبات أن سياساتهم تعود بالنفع على الناس العاديين، وتخفض الأسعار، وتجعل المنتجات الأفضل متاحة. هذه هي الهيئة التي ينبغي للحكومات المقتدرة أن تبدو عليها، ومن الواضح أن كثيرا من الديمقراطيات حاليا لا تفي بالتزاماتها بتوفير المنافع العامة.
اضف تعليق