لقد تهدمت والله أركان الهدى.. لقد قتلت الصلاة في محرابها، لقد قتلت العدالة والحكمة والشجاعة، لقد قتل إمام المتقين وسيد الحكمة والبلاغة والخطابة، لقد قتل ضمير الإنسانية، وصاحب القلب الكبير ابو الأيتام والمساكين.. ومنذ شهادة أمير المؤمنين، والجرح الذي أصابه جرح قلب كل من يحمل قلبا وضميرا حيا...
شهر رمضان أيامه ولياليه خير وبركة وطاعة..، وليلة 19 رمضان الفضيل هي إحدى الليالي المتوقعة إنها ليلة القدر الشريفة العظيمة التي هي خير من ألف شهر، ويتم احياء هذه الليلة بالصلوات والادعية..، وهناك أعمال روحية كثيرة، فالمؤمن لا ينام في هذه الليلة المباركة التي هي خير من ألف شهر؛ طلبا في الآجر والثواب العظيم.
فكيف كانت تلك الليلة العظيمة عند أمير المؤمنين الإمام علي ابن ابي طالب (عليه السلام)، وهو خير العباد؟.
حيث لم تعرف الدنيا عابد لله جمع كل الفضائل بعد الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله) كالإمام علي أمير المؤمنين(ع)، الذي نشأ وتربى في أحضان الرسالة المحمدية، وكل من يريد معرفة حقيقة وأصول وأدب الروحانية والعبادة والتقرب إلى الله والدعاء.. يجدها في سيرة وعبادة وأدعية ومناجاة الإمام علي -ع- الذي قال: "إلهي ما عبدتك خوفاً من عقابك ولا طمعاً في ثوابك، ولكن وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك".
ومعظم الأدعية التي لدى مدرسة أهل البيت -عليهم السلام- ومنها دعاء كميل منقول عن الإمام علي المرتضى (ع)، وهناك الكثير من الأدعية ومنها المناجات الروحانية لأمير المؤمنين (عليه السلام).
اغتيال امير المؤمنين!
في الساعات الأولى من يوم 19 شهر رمضان المبارك وعند وقت صلاة الفجر وفي مسجد الكوفة وبالتحديد في محراب الصلاة تعرض، أمير المؤمنين، ولي الله -سبحانه وتعالى- ووصي رسول الله (ص)، إمام المتقين …، الإمام علي ابن ابي طالب (ع) لجريمة اعتداء إرهابية وعملية اغتيال على يد عدو الله ابن ملجم أشقى الأولين والآخرين، شقيق عاقر ناقة صالح، الذي أعد الجريمة مع أعداء الرسالة المحمدية، والاديان السماوية، وأعداء العدالة والإنسانية، الذي ضربه بسيف مسموم على هامة رأسه الشريف ووصلت الضربة إلى موقع السجود في جبهته وإلى الدماغ، وتحول محراب الصلاة إلى بركة من دماء سيد الاوصياء أفضل الخلق بعد رسول الله (ص) على وجه الأرض والأفضل في زمانه (ع).
وأول كلمة للإمام علي (ع) بعد الضربة قوله عليه السلام: "فزت ورب الكعبة".
كان الإمام علي (ع) ينتظر هذه اللحظة لينال الفوز؛ شرف الشهادة وهو في ضيافة الله في شهر رمضان المبارك، وفي ليلة القدر العظيمة الشريفة، وهو صائم وهو يصلي وفي حالة سجود في محراب الصلاة، انه شرف وفخر وعظمة وفوز مبين لا ينالها إلا أمير المؤمنين الإمام علي المرتضى (ع) ولي الله (عز وجل) ووصي واخو رسول (صلى الله عليه واله).
وروي إن أمير المؤمنين -عليه السلام- قد سهر تلك الليلة، فأكثر الخروج والنظر إلى السماء وهو يقول (ع): "والله ما كذبت ولا كذبت، وإنها الليلة التي وعدت فيها،..".
وروي انه (ع) قال في تلك الليلة: ".. أرى رسول الله صلّى الله عليه وآله يُشير إليّ بكفّه: يا عليّ، هَلُمَّ إلينا، فإنّ ما عندنا هو خير لك".
رُوي عنه (ع) انه قال قُبيل استشهاده: "اَللَّهُمَّ إِنَّي سِرْتُ فِيهُمْ بِمَا أمَرَني رَسُولُكَ وَصَفِيُّك فَظَلَمُونِي، وَقَتَلْتُ المُنَافِقِينَ كَمَا أَمَرْتَنِي فَجَهِلُونِي.. وَقَدْ مَلَلْتُهم وَمَلُّوني وَأَبْغضْتُهُمْ وَأَبْغَضُونِي، وَلَمْ تَبْقَ خَلَّةُ أنْتَظِرُهَا إِلَّا المُرادِيّ، اَللَّهُمَّ فَعَجَّلْ لَهُ الشَّقَاءَ وَتَغَمَّدْنِي بِالسَّعَادَةِ".
وقد تحدث النبي محمد (ص) حول المصيبة والجريمة المفجعة اغتيال الإمام علي (ع).
روي عن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) في نهاية خطبته المشهورة بالشعبانية حول استقبال شهر رمضان المبارك وفضله وبركاته، انه بكى (ص).
وحول ذلك نقل عن الإمام علي (ع) قال: "ثُمَّ بَكى فَقُلْتُ يا رَسُولَ اللَّهِ (صلی الله عليه وآله وسلم) مَا يبْكيك؟ فَقَالَ: يا عَلِي (عليه السلام) أَبْكي لِمَا يسْتَحِلُّ مِنْك فِي هَذَا الشَّهْرِ كأَنِّي بِك وَأَنْتَ تُصَلِّي لِرَبِّك وَقَدِ انْبَعَثَ أَشْقَى الْأَوَّلِينَ شَقِيقُ عَاقِرِ نَاقَةِ ثَمُودَ فَضَرَبَك ضَرْبَةً عَلَى قَرْنِك فَخَضَبَ مِنْهَا لِحْيتَك.
قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع) فَقُلْتُ يا رَسُولَ اللَّهِ صلی الله عليه وآله وسلم وَذَلِك فِي سَلَامَةٍ مِنْ دِينِي؟ فَقَالَ صلی الله عليه وآله وسلم فِي سَلَامَةٍ مِنْ دِينِك.
ثُمَّ قَالَ: يا عَلِي -عليه السلام-، مَنْ قَتَلَك فَقَدْ قَتَلَنِي وَمَنْ أَبْغَضَك فَقَدْ أَبْغَضَنِي وَمَنْ سَبَّك فَقَدْ سَبَّنِي لِأَنَّك مِنِّي كنَفْسِي رُوحُك مِنْ رُوحِي وَطِينَتُك مِنْ طِينَتِي إِنَّ اللَّهَ تَبَارَك وَتَعَالَى خَلَقَنِي وَإِياك وَاصْطَفَانِي وَإِياك وَاخْتَارَنِي لِلنُّبُوَّةِ وَاخْتَارَك لِلْإِمَامَةِ وَمَنْ أَنْكرَ إِمَامَتَك فَقَدْ أَنْكرَ نُبُوَّتِي يا عَلِي أَنْتَ وَصِيي وَأَبُو وُلْدِي وَزَوْجُ ابْنَتِي وَخَلِيفَتِي عَلَى أُمَّتِي فِي حَياتِي وَبَعْدَ مَوْتِي أَمْرُك أَمْرِي وَنَهْيك نَهْيي أُقْسِمُ بِالَّذِي بَعَثَنِي بِالنُّبُوَّةِ وَجَعَلَنِي خَيرَ الْبَرِيةِ إِنَّك لَحُجَّةُ اللَّهِ -عز وجل- عَلَى خَلْقِهِ وَأَمِينُهُ عَلَى سِرِّهِ وَخَلِيفَتُهُ عَلَى عِبَادِهِ".
لقد تهدمت والله أركان الهدى
"لقد تهدمت والله أركان الهدى.."، لقد قتلت الصلاة في محرابها، لقد قتلت العدالة والحكمة والشجاعة، لقد قتل إمام المتقين وسيد الحكمة والبلاغة والخطابة، لقد قتل ضمير الإنسانية، وصاحب القلب الكبير ابو الأيتام والمساكين والعباد،.. ومنذ شهادة أمير المؤمنين (ع)، والجرح الذي أصابه (ع) جرح قلب كل من يحمل قلبا وضميرا حيا ينبض بالمحبة والعدالة والإنسانية مهما كان دينه ولونه، وعند العباد وخاصة عشاق علي (ع) يشعرون بمرارة الحزن واليتم إلى غاية اليوم لفقدان إمام العدالة والإنسانية والأب الحنون.
جرح الإمام علي المرتضى (عليه السلام) الذي وقع في فجر يوم 19 شهر رمضان … مازال ينزف، ودماء الإمام علي (ع) الطاهرة التي ملئت محراب الصلاة، قد تسربت الى أعماق قلب كل مؤمن وكل إنسان يحمل ضميرا حيا، تلك الدماء مازالت بنفس اللون والحرارة والتأثير.. لغاية اليوم!.
سلام الله عليك يا أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) واللعنة على قَتَلَةَ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ.
دعاء اليوم التاسع عشر:
اَللّـهُمَّ وَفِّرْ فيهِ حَظّي مِنْ بَرَكاتِهِ، وَسَهِّلْ سَبيلي اِلى خَيْراتِهِ، وَلا تَحْرِمْني قَبُولَ حَسَناتِهِ، يا هادِياً اِلَى الْحَقِّ الْمُبينِ.
اضف تعليق