q
إسلاميات - اهل البيت

كيف تربح مع الامام علي (ع)؟

مفهوم العمل في نهج الامام علي (ع) (7)

نحن نتمسك بالغدير لأنه منهج يقود الإنسان نحو المعرفة، وبالنتيجة يؤشّر على القيم التقدمية لبناء المجتمع، وهي قيم العمل الصالح التي تعطي للمجتمع البناء الصحيح، فإذا عرف الإنسان قيمة الاتقان فسوف يصبح قيمة ثابتة في سلوكه فينبعث العمل الصالح من الاتقان.وكذلك معرفة القيم المعرفية التقدمية الأخرى مثل الأمانة...

(وَلَا تِجَارَةَ كَالْعَمَلِ الصَّالِحِ)

لفهم العمل الصالح طرحنا بعض الصفات التي يتسم بها مثل، ان تكون نتائجه واسعة تشمل الجميع، كما يتبين العمل الصالح من قيمة النتائج التي يصل إليها، كذلك سهولة الحياة بالعمل الصالح، وأيضا فإن عواقب العمل الصالح عظيمة ومديدة.

ان الغدير منهج لبرمجة الإنسان، برمجةً فكرية وثقافية وسلوكية، لذلك فهو نعمة (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا) المائدة 3، فإذا أراد الإنسان أن يصل إلى هذه النعمة، عليه أن يبرمج نفسه نحو منهج الغدير، حيث قال الإمام علي (عليه السلام): (شَتَّانَ مَا بَيْنَ عَمَلَيْنِ عَمَلٍ تَذْهَبُ لَذَّتُهُ وَتَبْقَى تَبِعَتُهُ وَعَمَلٍ تَذْهَبُ مَئُونَتُهُ ويَبْقَى أَجْرُهُ)، حيث يبرمج نفسه في التعامل الواقعي مع القضايا الخارجية فلايغرق في عمل فيه لذة قصيرة ولكن فيه أيضا عواقب سيئة، بل يسعى نحو عمل عندما تنتهي صعوباته يبقى جزاءه الطيب، مثل الذي يدرس استعدادا لخوض الامتحانات، هناك من لا يدرس جيدا فيلعب ويلهو ويتكاسل وينشغل باللذات القصيرة المدى، وتظهر النتائج بعدها إنه فاشل في الامتحانات.

بينما الإنسان الذي يدرس ويجتهد بشكل جيد، وعندما يدخل الامتحان وتظهر النتائج فتأتي نتيجته عالية، فالحياة كذلك، لأنها امتحان للعمل الصالح، والتفكير الصحيح للبرمجة السلوكية، لذا على الإنسان أن لا يذهب وراء اللذات والمتع القصيرة، بل يذهب وراء الأعمال الجيدة والصالحة حتى يحصل على أجر كبير، (أجر غير ممنون) وهو العمل الصالح.

مثال عن برمجة الإنسان لنفسه بادراك مفهوم اللذات، إذا أكل أحدهم طعاما لا يصلح له، مثلا مصاب بالسكّري ويتناول السكريات والحلويات الدسمة، سوف يلتذّ بها لثوانٍ ولكن تبعة هذا الطعام تبقى تهدد حياته وقد يموت بسبب تناوله السكريات ولذّتها، لذلك لابد أن يبرمج الإنسان نفسه لكي تصبح عنده إرادة جيدة في اختيار العمل الصالح.

هذه هي نعمة الغدير، فهي تبرمج الإنسان برمجة جسدية ونفسية واجتماعية وسلوكية ومعرفية من أجل تحقيق العواقب الجيدة لبناء الحياة الصالحة.

اكتناز العمل الصالح

ومن صفات العمل الصالح اكتناز العمل الصالح، إن الاكتناز هو مفهوم سلبي عندما يتعلق الامر بالأشياء (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) التوبة 34)، ولكن إذا ربطناه بالعمل الصالح يصبح مفهوما إيجابيا، حيث يكتنز الإنسان ويذخر لنفسه ولآخرته من خلال العمل الصالح أكبر مخزون وأفضل خزين، حتى يستثمر لنفسه الحياة الصالحة في الدنيا، والعاقبة الحسنة في الآخرة.

فعنه (عليه السلام): (فليكن أحب الذخائر إليك ذخيرة العمل الصالح بالقصد فيما تجمع وما ترعى به رعيتك).

وعنه (عليه السلام): (رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ حُكْماً فَوَعَى وَدُعِيَ إِلَى رَشَادٍ فَدَنَا وَأَخَذَ بِحُجْزَةِ هَادٍ فَنَجَا رَاقَبَ رَبَّهُ وَخَافَ ذَنْبَهُ قَدَّمَ خَالِصاً وَعَمِلَ صَالِحاً اكْتَسَبَ مَذْخُوراً وَاجْتَنَبَ مَحْذُوراً) حيث يكتسب الإنسان العمل الصالح، فيتحول في داخله إلى خزين يدعم الجهاز المناعي الذي يحميه من الوقوع في المخاطر، (واجتنب محذورا) بمعنى يحميه.

تقديم الأهم على المهم

ومقدمة العمل الصالح هو في وعي الإنسان، حيث يجب أن يمتلك الذكاء والإدراك حتى يصل إلى النتيجة الطيبة.

إن العمل الصالح يحتاج إلى الوعي، لأنه يجب أن يهدف إلى تقديم الأهم على المهم واختيار الأولويات، وتنظيم المسؤوليات والرغبات، لذلك يحتاج إلى وعي وفهم حتى يتعظ ويتأنى في الاختيار.

فالإنسان الغارق في الملذات الدنيوية ينسى ويغفل فيحتاج إلى التذكير، (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) الذاريات 55، والتحذير من نفسه ومن غيره حتى يستطيع أن يتذكر طريقة الحياة ولا تأخذه الدنيا أخذة جبار.

لذا يجب أن يكون ذكيا وفاهما وواعظا لنفسه، بأن يحاسب نفسه في كل يوم، ولا يكون متكبرا ومجادلا عندما ينصحه الآخرون، بل يكون مستمعا بقلبه وعقله ونفسه وروحه حتى يُصلح نفسه.

الرصيد الحقيقي هو العمل الصالح

وعندما يصلح الإنسان نفسه سوف يكون قادرا على الإتيان بالعمل الصالح الذكي والجيد، لذلك يكون هذا العمل ذخرا له، لأن العمل الصالح تكون فيه بركة ويثبت ويبقى له رصيدا هائلا، كالشخص الذي يمتلك رصيدا في البنك، فيكون مطمئنا ومرتاحا، لكن الرصيد الحقيقي للإنسان هو العمل الصالح.

يحتاج العمل الصالح للاستقامة، العمل (العمل العمل، ثم النهاية النهاية، والاستقامة الاستقامة، ثم الصبر الصبر، والورع الورع، إن لكم نهاية فانتهوا إلى نهايتكم)، العمل الصالح عمل مستدام وإلا يصبح عمل منقطع، يجب أن يداوم عليه الإنسان باستمرار ولا ينقطع عنه.

أما من يقطع عمله فهو صاحب مزاج، والمزاج يخرّب العمل الصالح، والمزاجي تتلاعب به الأهواء ويكون لديه غرور وتجبّر وينظر إلى نفسه بتفاخر وتكبر. بينما يحتاج العمل الصالح إلى تواضع وتنازل ومحاسبة للذات وموعظة واستقامة واستدامة وورع وصبر، حتى يذخر الإنسان لنفسه ذلك الذخر الكبير في الدنيا والآخرة.

الإعمار بالعمل الصالح

من مواصفات العمل الصالح، الإعمار بالعمل الصالح، وليس هناك إعمار إلا بالعمل الصالح، وإذا أخبرك أحد بأنه يمكن أن يعمّر بغير العمل الصالح، فهو إعمار فاشل، لأن هناك مقاييس معروفة للإعمار، ونقصد بالإعمار هنا البناء الخارجي، مثل بناء الأمم والحضارات، والبناء التعليمي، وتشييد البنايات، وكل ما يفيد حياة الإنسان، حتى الأبنية المادية كالعمارات والبيوت والمنازل، هذا كله يدخل في الإعمار.

إن العمل الصالح الذي أوردناه له أوجه متعددة، وسوف أذكر هذا الحديث لكي نعرف ما هو معنى الإعمار بالعمل الصالح.

يقول الإمام علي (عليه السلام): (يَا ابْنَ آدَمَ كُنْ وَصِيَّ نَفْسِكَ فِي مَالِكَ وَاعْمَلْ فِيهِ مَا تُؤْثِرُ أَنْ يُعْمَلَ فِيهِ مِنْ بَعْدِكَ)، معنى ذلك أن يعمل الإنسان ما يبقى للآخرين، وما يفيدهم، وأن يستثمر أمواله وأعماله استثمارا صالحا، ولا يبدد هذا المال، باكتنازه ووضعه في البنك، لابد أن يؤسس بهذا المال إلى حياة للآخرين، فالإنسان مؤتَمن على هذا المال وعليه أن ينفع به الآخرين.

أحيانا يفكر الإنسان إن الذين يأتون من بعده سوف يعمّرون بأمواله، أي الذين يرثونه يعمرون له حياته، كلا لابد للإنسان أن يعمرّ في حياته هو ولا ينتظر الآخرين يعمرون له بعد رحيله، هناك أناس يحبون المال فيكتنزونه، وينتظرون من يعمر لهم لاحقا، لكن هذا لا ينفعه، فلابد أن يقوم بعمل يدوم لغيره ويبقى له، وهذا المقصود من الآية القرآنية: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) النحل 97. وهذا هو الإعمار للمستقبل، بأن يستخدم أمواله الآن في بناء الإعمار المستقبلي ولا ينتظر أن يأتيه المستقبل.

وقد روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له).

البناء السليم بالعمل الصالح

وعن الإمام علي (عليه السلام): (وَاحْذَرْ كُلَّ عَمَلٍ يَرْضَاهُ صَاحِبُهُ لِنَفْسِهِ وَيُكْرَهُ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ)، وهذا هو معنى البناء السليم، فإذا بنى لك أحدهم بيتا وكان البناء ليس جيدا، سوف تضجر وتصيبك الكآبة والحزن بسبب هذا البناء، فعليك أنت أيضا أن تفعل عكس ما فعله بك ذلك الشخص، فكما كرهت ما فعله لك، عليك أن لا تفعله للآخرين بل تفعل العمل الشيء الجيد لهم.

النجاح بالعمل الصالح

النجاح بالعمل الصالح من صفات العمل الصالح، (إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ، لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ) الصافات 61. فالعمل الصالح هو طريق الفلاح والنجاح.

وكذلك: (فَأَمَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَىٰ أَن يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ) القصص 67. لذلك فإن عبقرية النجاح والفوز تكمن في سلوك طريق العمل الصالح.

(إِلَيُهِ يَصُعَدُ الُكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالُعَمَلُ الصَّالِحُ يَرُفَعُهُ) فاطر 10.

والعمل الصالح يرفعه، أي يجعله في القمة، فكلما وضع الإنسان لبنة من العمل الصالح ارتقى واستمر بالارتقاء إلى أن يصل إلى مراتب عالية، فكلما قدم الإنسان أعمالا صالحة يشعر بالارتقاء في نفسه وإنسانيته، لذا لابد أن يستمر بذلك في كل لحظة وثانية من حياته، ويستثمرها في الأعمال الصالحة.

في بعض الأحيان ترى الإنسان حزينا، وحين تتكلم معه بكلمات طيبة سوف ترفع من معنوياته، وهذه صدقة كبيرة وعمل صالح، حيث جعلته يفكر بطريقة أخرى وتغيّرت نفسيّته وحسَّنت من مزاجه، وعندما يذهب إلى بيته فهذا المزاج سوف ينعكس على عائلته، لذلك على الإنسان أن لا يبخل بالكلمة الطيبة، ولا يبخل بالعمل الصالح، ولا يفكّر بأن كلّ شيء له ثمن، ولابد أن يحصل على ثمن مادي مقابل العمل الذي يؤديه فقط، لأن ثمن العمل الصالح كبير جدا ويأتي للقائم به من حيث لا يتوقع.

الاتقان بالعمل الصالح اخلاص

إن النزاهة والاتقان تنبعث من الإخلاص، وهذا من صفات العمل الصالح ، فالإنسان المخلص في عمله يكون نزيها ومؤتمّن في عمله، فالإخلاص من الصفات الأساسية للإنسان كالتقوى في التقرّب لله تعالى وأول شيء هو الإخلاص لله في عمل الإنسان وثقافته وسلوكه، وهذا الإخلاص ينعكس على الإنسان فينبعث في أعماله وفي معاملاته وسلوكياته، فيكون عمله متقنا.

فالعمل المتقن هو نتيجة لتفكير الإنسان بإنسانيته وتمسكه بها، لأن الإنسان الذي لا يتقن في عمله فهو بالنتيجة يؤذي نفسه، ويؤذي ضميره، ولا يفكر بالعواقب أيضا، لأنه إذا لم يتقن الأمور في عمله ويتضرّر الآخرون، فإن هؤلاء الآخرين لا يتقنون في عملهم فهو يتضرّر أيضا، لأن الاتقان ثقافة عامة مشتركة.

فالمجتمع الذي فيه اتقان فهو مجتمع جيد، حيث يوجد فيه ثقة وترابط ومعاملات جيدة في مجال السلع التجارية، والاقتصادية، والاجتماعية، فيكون مجتمعا مترابطا، ومتماسكا وملتزما بنظام واضح، لكن المجتمع الذي يخلو من النظام، تجد فيه الغش أو التقصير، وعدم أداء العمل بشكل جيد، وغياب النزاهة.

الاتقان يؤسس لنظام اجتماعي

هناك بعض الناس لديهم نوع من اللامبالاة تجاه أعمالهم، فليس مهما أن يتقن عمله، والمهم بالنسبة له أن يؤدي عمله بأي شكل من الأشكال وهذا خطأ كبير، وإذا أصبحت هذه الثقافة رائجة في المجتمع فسوف تقضي على الثقة بين أفراده، لذلك فإن العمل الصالح يبني الاتقان، ويبني الثقة والترابط الاجتماعي، ويؤسس لنظام اجتماعي جيد، ويؤسس لاقتصاد سليم في المجتمع أيضا.

الاقتصاد السليم قائم على الثقة بين الأفراد والمجتمع، وقائم على الأعمال الصالحة أيضا، لذلك فإن العمل الصالح واسع في نتائجه، وفي تأثيراته، وفي كونه خزينا لحماية المجتمع، لذلك إذا لاحظنا الفوضى والأزمات في مجتمع ما، فإن هذا يأتي كنتيجة لفقدان الثقة بين الناس، وغياب الترابط فيما بينهم، وغياب الاتقان في العمل.

المفارقة العجيبة أن الإنسان الذي لا يتقن العمل يكون هو أكثر الخاسرين، لأنه يخسر نفسه ويخسر غيره، وعندما يخسر غيره فهو يخسر أكثر، فهذه عملية ترابطية متسلسلة في المجتمع.

الغدير منهجٌ معرفيّ

نحن نتمسك بالغدير لأنه منهج يقود الإنسان نحو المعرفة، وبالنتيجة يؤشّر على القيم التقدمية لبناء المجتمع، وهي قيم العمل الصالح التي تعطي للمجتمع البناء الصحيح، فإذا عرف الإنسان قيمة الاتقان فسوف يصبح قيمة ثابتة في سلوكه فينبعث العمل الصالح من الاتقان.

وكذلك معرفة القيم المعرفية التقدمية الأخرى مثل الأمانة، فإن التمسك بالأمانة يؤدي إلى العمل الصالح أيضا. لأن العمل الصالح هو نتيجة لهذه القيم، لذا يجب اختزان هذه القيم في فكر الإنسان لأنه إذا تعلّم على الخيانة فإنه بالنتيجة يصبح خائنا، والخيانة نوع من التدمير، كالخيانة في الثقة والعمل والمال، أما الأمانة عملية بناءة تنبثق من العمل الصالح.

(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) الأحزاب، الآية 21. وقد وُصف رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالصادق الأمين، فالناس عرفوا بأنه رسول نتيجة لصدقه وأمانته، لأن الصدق والأمانة قيم حقيقية واقعية في الحياة، فعندما نتمسك بمنهج الغدير فإنه ينضّج هذه القيم فينا لأن منهج الغدير منهج واقعي مبدئي وليس منهجا انتهازيا لا يلتزم بالقيم الفطرية.

منهج الغدير هو نعمة إلهية كبيرة تجعلنا نرتبط بالله سبحانه وتعالى، لذلك يصدر من هذا المنهج الصدق والأمانة والاتقان والعمل الصالح، والإصلاح، والبناء، والإعمار والتقدم في الحياة.

القرين الناصح

من صفات العمل الصالح أيضا، النصيحة بالعمل الصالح، بمعنى على الإنسان أن ينصح الآخرين، وأن يعمل بالنصيحة.

فعن الإمام علي (عليه السلام): (القرين الناصح هو العمل الصالح)، لاحظ كيف يتم الربط بين الناصح والصالح، فالقرين يعني الصديق أو الرفيق أو أي شيء يقترن بالإنسان، فالقرين الناصح هو العمل الصالح، أما القرين غير الناصح أو كما يُقال عنه (المتملق) فهو يقود الإنسان نحو العمل الفاسد والسيّئ.

لابد أن يكون عند الإنسان قرين ناصح، فإذا رأيت أي إنسان يمتلك قرينا أو صديقا ناصحا ينصحه فاعرف أن طريق هذا الإنسان هو العمل الصالح، وعلى العكس من ذلك، إذا لم ترَ قرينا ناصحا مع الإنسان فاعرف أن عمله سيّئ لأن الإنسان خطّاء، ويأخذه الغرور والتجبّر والاستبداد وأشياء أخرى كثيرة، فالقرين الناصح يمنعه أو يحجزه عن السقوط.

فالقرين الناصح هو العاقل الحكيم، وهذا ما يجب أن يعرفه الإنسان نفسه ولا يذهب مع شخص ليس لديه معرفة ولا يمتلك تلك السمات التي ينصحه بها، لأنه أصلا لا معرفة لديه فلا يكون ناصحا، لذا يجب أن اختيار القرين الناصح الحقيقي، لأنه هو الذي يقود إلى العمل الصالح ولابد للإنسان أن يبحث عن مثل هذا القرين، وهو الشخص الذي يقوده نحو عمل الخير، خصوصا القيادات والمسؤولين.

وعن الإمام علي (عليه السلام): (مناصحك مشفق عليك، محسن إليك، ناظر في عواقبك، مستدرك فوارطك، ففي طاعته رشادك، وفي مخالفته فسادك).

على المسؤول أن لا يُصاب بالغرور بسبب سلطته، لأن هذه السلطة كما ترفعه سوف تسقطه، فعنه (عليه السلام): (من استبد برأيه هلك، ومن شاور الرجال شاركها في عقولها)، عليك أن تجمع حولك دائرة مستشارين، ناصحين حقيقيين، لأن بعض الناصحين ليسوا كذلك، بل هم متملقين.

فكلما يتفوه به المسؤول يصفقون له من أجل تمشية مصالحهم، فهؤلاء مصفّقون، لذلك فإن القرين الناصح مهم جدا في عملية أداء المسؤولية، ويكمن تقدم الأمم الحقيقية في وجود الأشخاص المنتقدين نقدا حقيقيا، وهؤلاء هم المصلحون المراقبون الناقدون الذين يقدمون النصيحة للأمة، فلابد للأمة أن تستمع لهم.

وعنه (عليه السلام): (طوبى لمن أطاع ناصحا يهديه، وتجنب غاويا يرديه).

لذا يجب أن تكون هناك قيمة حقيقية يذخرها الإنسان في ذاته، لتكون حياته جيدة، فإذا كان لكل واحد منا ناصح ينصحه ويتكلم معه وينبّهه، فمعنى ذلك أنه لا يخطئ كثيرا.

التجارة بالعمل الصالح

من الصفات الأخرى، التجارة الناجحة بالعمل الصالح، فعنه (عليه السلام): (وَلَا تِجَارَةَ كَالْعَمَلِ الصَّالِحِ)، وهنا يوجد في هذا القول معنيان:

المعنى الأول: هو المعنى التجاري، فالتجارة الناجحة هي التجارة التي تلتزم بالعمل الصالح، والتجارة التي لا تلتزم بالعمل الصالح فهي تجارة فاشلة أو مضرِّة أو مؤذية أو مهلكة، فالعالم كله يعيش اليوم اقتصادا سيئا بسبب التجارة السيئة، لأن هؤلاء الذين يعملون بالتجارة (الدول، التجار، الأغنياء والشركات والمؤسسات) يبتغون الربح لأنفسهم فقط، ولا يعملون في الإطار العام لخدمة الإنسانية وخدمة الصالح العام، لذلك أصبحت التجارة فاشلة.

لقد أصبح التضخم في الاقتصاد العالمي اليوم هائلا، بسبب التجارة السيئة التي لا إنصاف فيها، وليس فيها احترام للإنسان ولحقوقه ولمصالحه، فكل تاجر يفكر في الربح فقط من دون أن يفكر هل هذه التجارة صالحة أم لا، فهو تاجر فاشل وإنْ حقق ربحا فإن ربحه هذا ليس فيه بركة، فالبركة الحقيقية في التجارة يعكسها العمل الصالح.

فإذا برمجَ التاجر نفسه ووضع شعار (العمل الصالح) على جدرانه وعمل به، سوف يكون تاجرا ناجحا بل من أنجح التجار لأن الله سبحانه وتعالى يبارك في عمله، وهذا هو منهج الغدير.

المعنى الثاني: إن العمل الصالح نفسه بحد ذاته هو تجارة، فهو تجارة مع الله سبحانه وتعالى، وتجارة مع الخير والعمل الصالح، والعمل الحسن، وهذه أفضل بركة للإنسان، في بعض الأحيان يصبح أمام الإنسان طريقان كلاهما حلال، طريق العمل في الأمور المادية لكي يعيش، وقد يساعد الناس أيضا، وهناك طريق آخر حيث العمل في الأعمال الخيرية والمعنوية التي تخدم الناس، وليس فيها ربحا ماديا وإنما أرباح معنوية، وأرباح إلهية، وبركة من الله سبحانه وتعالى، هذه هي التجارة الحقيقية.

كلا المفهومين أو المعنيين ينطبقان على هذا الحديث، فعن الإمام علي (عليه السلام): (إِنَّ الُماَلَ وَالُبَنِينَ حَرُثُ الدُّنُيَا، وَالُعَمَلُ الصَّالِحَ حَرُثُ الآخِرَةِ، وَقَدُ يَجُمَعُهُمَا اللّهُ تَعَالَى لأِقُوَامٍ، فَاَحُذَرُوا مِنَ اللّهِ ما حذَّركم من نَفُسِهِ، وَاخُشَوُهُ خَشُيَةً لَيُسَتُ بِتَعُذِيرٍ)، فالمال والبنون حرث الدنيا والعمل الصالح حرث الآخرة، والله يجمعهما للذين يتاجرون بالعمل الصالح.

الربح الأكبر والتجارة الاعظم

إذا أحسن الإنسان تجارته مع الله سوف يجمع له المال والبنين والآخرة، وهذا أكبر انتصار وفوز ونجاح للإنسان وهو أن يجمع كل شيء، لكن بشرط أن يكون عمله عملا صالحا وحرثا للآخرة. فتكون الدنيا طائعة له، وتكون له البركة في أمواله، وفي أولاده من بعده.

إن الإنسان يجب أن ينظر في عمله إلى الله، فحرث الآخرة يعني ان الذي يعمل في التجارة ويربح فيها، فإن هدفه هو استثمار الأموال في الأعمال الخيرية، وفي خدمة الناس (وخير الناس من نفع الناس)، هذا هو السؤال، فكيف يبيّن الإنسان بأنه يقوم بالعمل الصالح؟، إنه يعمله من خلال التأثير في الآخرين من خلال علاقته بهم، أي في المعاملة معهم، فإذا أراد أحدهم أن يعمل عملا صالحا مع الله وحده هذا لا يسمّى عمل صالح، لأن العمل الصالح يجب أن يكون مع الآخرين.

يجب أن يتفاعل مع المجتمع، وأن تكون عنده حالة من المشاركة والتعاون والحوار، وحالة من التأثير الجيد في المجتمع بالكلمة الطيبة، وبالمال الذي يستثمره في الأعمال الخيِّرة، أي في نفع الناس، فيزرعُ لنفسه في الدنيا والآخرة، هذه هي التجارة الحقيقية للإنسان في الحياة من خلال التجارة مع الله والتجارة في نفع الناس التي سوف تؤدي إلى التجارة مع الله سبحانه وتعالى.

منهج الغدير تجارة مع الله

فكيف لا يكون الإنسان رابحا؟، وكيف لا تنجح هذه التجارة؟، بالتأكيد سوف تنجح هذه التجارة، لأنها قائمة على الخير والحق والتقوى والورع، ومحبة الله سبحانه وتعالى وطلب رضاه، فالعمل الصالح يجود بروحه، وهذا معنى الذخيرة التي تزيد من رصيد الإنسان، حيث نجد ذلك في منهج الغدير الذي هو منهج للتجارة مع الله سبحانه وتعالى، فمنهج الغدير لا يخسر ابدا.

وعندما ندخل في منهج الغدير بعمق وفهم ووعي وإخلاص، سوف ندخل في تجارة مع الله سبحانه وتعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ) البقرة، 207. الإمام علي تاجر مع الله سبحانه وتعالى، في معاملة وفي صفقة لاتخسر ابدا، وهذا هو معنى التجارة الحقيقية.

لذلك نحن نعتبر منهج الغدير هو منهج تجارة مع الله سبحانه وتعالى، وفيه كل الربح وليس فيه أية خسارة، وفيه كل الزيادة وليس فيه نقصان، وهذا هو معنى الخزين والذخر الحقيقي للإنسان في حياته في الدنيا والآخرة، وفي أمواله وفي أولاده.

* سلسلة حوارات بثت على قناة المرجعية تحت عنوان (جواهر الأفكار)

اضف تعليق