من الفوائد العظيمة لمثل هذه المناسبات، كمناسبة الغدير، أنها تهب المسلمين فرصا جديدة للتقدم، فهذه الثقافة ذات المبادئ العادلة تحضّ المسلمين على تصحيح منهجهم في إدارة أنفسهم ودولهم وثرواتهم وتدعوهم الى تعديل سياساتهم، بالإضافة الى تكون ثروة فكرية تزيد من نواصي العلم وترفع من مستويات التفكير والابتكار لدى شباب المسلمين...
ليس هناك أفضل من التاريخ كشاهد إثبات يمكن الاعتماد عليه في إحقاق الحق، خصوصا عندما يكون رصينا صادقا ومدعوما بالوثائق أو الأدلة التي لا تقبل الخطأ، وهناك نوعان من التدوين التاريخي، نوع يكتبه مؤرخون أمناء لهم مكانتهم العلمية الكبيرة، وغالبا ما يكون هذا النوع مدعوما بالحقائق والإثباتات، ويوجد نوع آخر يدوّنه كتَبَة السلاطين، وهؤلاء هم رؤوس الأفاعي التي تلدغ (وتخفي رأسها) لكي تبعد الشبهات عنها، لكن الحقائق الكبرى لا يمكن أن تُحجَب بغربال.
ندلي بهذه الكلمات التمهيدية ونحن نعيش ذكرى عيد الغدير، وتنصيب أمير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع)، خليفة على المسلمين من قبل الرسول الكريم (ص) بأمر من الله تعالى، لكننا للأسف كثيرا ما نلاحظ نوعاً من التجاهل الظالم (للغدير)، على الرغم من أنها (منظومة ثقافية متكاملة)، كان يمكن للمسلمين لو أنهم استغلوها على الوجه الأمثل أن يصبحوا من أعظم أمم العالم إن لم يكونوا أعظمها قاطبة، نعم فالغدير ثقافة متكاملة تقوم على الأركان الإنسانية التي تحترم كينونة البشر وتحميه من الانتهاك وتضمن حقوقه وحرياته المدنية وسواها.
هذه الثقافة تم تجسيدها عمليا إبّان قيادة الإمام علي (ع) للأمة، ففي مفاصل هذه القيادة ومحطاتها المعروفة، رسخت ثقافة الغدير من ملهمها الأول وقائدها الأعظم، وهي الثقافة القائمة على قواعد العدل السياسي والاجتماعي والحقوقي والمالي والصحي والتعليمي، بالنهاية هي ثقافة الإنسان المُصان من الخوف والامتهان والعوز والإذلال، وهي ثقافة حرية الرأي وحماية المعارضة، وهي ثقافة العدل بأبهى صوره، وهي أولا وأخيرا ثقافة السلام التي أثبتتها مواقف أمير المؤمنين الرافضة للحرب إلا عندما تكون دفاعا عن النفس، وبهذا يقول المنصفون من مؤرخي (الإستشراق، ومنهم روجيه غارودي) أن كل ما يتبجح به الغرب اليوم سبقهم إليه أمير المؤمنين (بثقافة الغدير)، التي قامت أساسا على مبدأ عدم سفك الدماء، ونبذ القتال والحرب إلا عندما يكون دفاعا عن النفس.
وقد أخذ بهذه الثقافة وأركانها عدد من مراجع التقليد الأعلام الشيعة ورجالات الدين وجعلوا من منهج الإمام علي عليه السلام طريقا لهم، ونشطوا في نشر وتثبيت أركان هذه الثقافة، خصوصا بين الشباب، وحدث نتيجة لذلك حملات متواصلة لترصين العقائد وحماية العقول من الثقافات الوافدة، كما أن هذه الثقافة ساعدت قادة الجماهير من المراجع العظام على مقارعة الاستعمار الانكليزي في العراق كما حدث في زمن قائد ثورة العشرين الميرزا محمد تقي الشيرازي الذي ألحق هزيمة نكراء بالمستعمر الانكليزي.
ومن الفوائد العظيمة لمثل هذه المناسبات، كمناسبة الغدير، أنها تهب المسلمين فرصا جديدة للتقدم، فهذه الثقافة ذات المبادئ العادلة تحضّ المسلمين على تصحيح منهجهم في إدارة أنفسهم ودولهم وثرواتهم وتدعوهم الى تعديل سياساتهم، بالإضافة الى تكون ثروة فكرية تزيد من نواصي العلم وترفع من مستويات التفكير والابتكار لدى شباب المسلمين، يحدث هذا في حالة حفظ ثقافة الغدير كمنظومة فكرية ثقافية مبدئية متكاملة، يتصدى لمسؤولية نشرها جميع القادرين على المضيّ قُدُماً في هذا الدرب الشاق والطويل والذي يستدعي صبرا وجهودا لا مفرّ من تقديمها في هذا المضمار المهم.
وهناك خلل في التوصيل، هو الذي جعل من ثقافة الغدير غير معروفة كما يجب، فالعلماء يجب أن يسعوا بكل ما يمتلكون من طاقة على توصيل هذه الثقافة ونشرها وتسهيل عملية تطبيقها، وعلى الشباب أيضا أن يستوعبوا هذه الثقافة ويعملوا في ضوئها، كذلك هناك مسؤولية قصوى تقع على عاتق الأثرياء، فعلى هذه الجهات الثلاث أن تبتعد عن الخذلان الذي حذر منه الرسول الكريم (ص).
اضف تعليق