الإمام (ع) هو أحد العشرة، الذين هم على حد تعبير الجاحظ: كل واحد منهم: عالم، زاهد، ناسك، شجاع، جواد، طاهر، زاك، والذين هم بين خليفة، أو مرشح لها..وهو سيد بني هاشم في زمانه، وأجلهم. وكان المأمون يعظمه، ويجله، ويخضع له، ويتفانى فيه.. يعتبر من الأئمة الذين لعبوا دورا كبيرا...
بقلم: السيد جعفر مرتضى العاملي
الإمام الرضا (ع)، هو ثامن الأئمة الاثني عشر، الذين نص عليهم النبي (ص): علي بن موسى، بن جعفر، بن محمد، بن علي، ابن الحسين، بن علي، بن أبي طالب، صلوات الله عليهم أجمعين..
ستة آباؤه من هم
أفضل من يشرب صوب الغمام
كنيته: أبو الحسن..
ومن ألقابه: الرضا، والصابر، والزكي، والولي..
نقش خاتمه: حسبي الله..
وقيل: بل نقشه: ما شاء الله، لا قوة إلا بالله (1)..
ولد في المدينة سنة 148 ه. أي: في نفس السنة التي توفي فيها جده الإمام الصادق (ع) على قول أكثر العلماء والمؤرخين.. وكان عتاب بن أسد يقول: إنه سمع جماعة من أهل المدينة يقولون ذلك، وغير هؤلاء كثير وذهب آخرون ـ وهم الأقل ـ إلى أن ولادته (ع)، كانت سنة 153 ه. منهم: الاربلي في كشف الغمة، وابن شهر اشوب في المناقب، والصدوق في عيون الأخبار، وإن كان في كلامه اضطراب، والمسعودي في إثبات الوصية، وابن خلكان في وفيات الأعيان، وابن عبد الوهاب في عيون المعجزات، واليافعي في مرآة الجنان..
وقيل: إن ولادته كانت سنة 151 ه.
والقول الأول هو الأقوى والأشهر.. ولم يذهب إلى القولين الأخيرين إلا قلة..
وتوفي (ع) في طوس سنة 203 ه. على قول معظم العلماء، والمؤرخين، والشاذ النادر لا يلتفت إليه..
وبعد:
فأما علمه، وورعه وتقواه:
فذلك مما اتفق عليه المؤرخون أجمع، يعلم ذلك بأدنى مراجعة للكتب التاريخية؛ ويكفي هنا أن نذكر أن نفس المأمون قد اعترف بذلك، أكثر من مرة، وفي أكثر من مناسبة.. بل في كلامه: أن الرضا (ع) أعلم أهل الأرض، وأعبدهم.. ولقد قال لرجاء بن أبي الضحاك:
«.. بلى يا ابن أبي الضحاك؛ هذا خير أهل الأرض، وأعلمهم، وأعبدهم.. » (2).
وقد قال أيضا للعباسيين، عند ما جمعهم، في سنة 200 ه. وهم أكثر من ثلاثة وثلاثين ألفا (3):
«إنه نظر في ولد العباس، وولد علي رضي الله عنهم، فلم يجد أحدا أفضل، ولا أورع، ولا أدين، ولا أصلح، ولا أحق بهذا الأمر من علي بن موسى الرضا (4)»..
قال عبد الله بن المبارك:
هذا علي والهدى يقوده
من خير فتيان قريش عوده (5)
ولوضوح هذا الأمر نكتفي هنا بهذا المقدار، وننتقل إلى الحديث عن امور هامة اخرى، وما يهمنا في المقام هو إعطاء لمحة سريعة عن مكانته، وشخصيته (ع)، فنقول:
وأما مركزه وشخصيته (ع):
فهو من الامور البديهية، التي لا يكاد يجهلها أحد، وقد ساعده سوء الأحوال بين الأمين والمأمون على القيام بأعباء الرسالة، وعلى زيادة جهوده، ومضاعفة نشاطاته؛ حيث قد فسح المجال لشيعته للاتصال به، والاستفادة من توجيهاته؛ مما أدى بالتالي ـ مع ما كان يتمتع به (ع) من مزايا فريدة، وما كان ينتهجه من سلوك مثالي ـ إلى تحكيم مركزه، وبسط نفوذه في مختلف أرجاء الدولة الإسلامية، يقول الصولي:
ألا إن خير الناس نفسا ووالدا
ورهطا وأجدادا علي المعظم
اتينا به للحلم والعلم ثامنا
إماما يؤدي حجة الله يكتم (6)
بل لقد قال هو نفسه (ع) مرة للمأمون. وهو يتحدث عن ولاية العهد: «.. وما زادني هذا الأمر، الذي دخلت فيه في النعمة عندي شيئا، ولقد كنت في المدينة، وكتابي ينفذ في المشرق والمغرب، ولقد كنت أركب حماري، وأمر في سكك المدينة، وما بها أعز مني..» (7).
ويكفي أن نذكر هنا قول ابن مؤنس ـ عدوّ الإمام (ع)، وقد أسّر (ع) للمأمون بشيء، قال ابن مؤنس:
«.. يا أمير المؤمنين، هذا الذي بجنبك والله صنم يعبد دون الله » (8).. وفي الكتاب الذي طلب المأمون فيه من الرضا أن يجمع له أصول الدين، وفروعه، قال المأمون: إن الإمام: «حجة الله على خلقه، ومعدن العلم، ومفترض الطاعة.. » (9). كما أن المأمون كان يعبر عن الرضا (ع) بـ: « أخيه »، ويخاطبه بـ « يا سيدي ».
وكتب للعباسيين يصف الرضا، ويقول: «.. وأما ما كنت أردته من البيعة لعلي بن موسى، بعد استحقاق منه لها في نفسه، واختيار مني له.. إلى أن قال: وأما ما ذكرتم من استبصار المأمون في البيعة لأبي الحسن، فما بايع له إلا مستبصرا في أمره، عالما بأنه لم يبق على ظهرها أبين فضلا، ولا أظهر عفة، ولا أورع ورعا، ولا أزهد زهدا في الدنيا، ولا أطلق نفسا، ولا أرضى في الخاصة والعامة، ولا أشد في ذات الله منه.. » (10).
وفي كل ما قدمناه دلالة واضحة على سجايا الإمام، ومركزه، وشخصيته. وكما يقولون: «والفضل ما شهدت به الأعداء»..
ومما يدل على مكانته وهيبته ما ورد في رواية أخرى، يقول فيها المتحدث: «.. دخلنا (أي هو والرضا « ع ») على المأمون، فإذا المجلس غاص بأهله، ومحمد بن جعفر في جماعة الطالبيين والهاشميين، والقواد حضور. فلما دخلنا قام المأمون، وقام محمد بن جعفر، وجميع بني هاشم، فما زالوا وقوفا والرضا جالس مع المأمون، حتى أمرهم بالجلوس؛ فجلسوا؛ فلم يزل المأمون مقبلا عليه ساعة الخ (11)».
وأما ما جرى في نيسابور:
فلا يكاد يخلو منه كتاب يتعرض لأحوال الرضا (ع)، ومسيره إلى مرو، فإنه عند ما دخل نيسابور تعرض له الحافظان: أبو زرعة الرازي، ومحمد بن أسلم الطوسي، ومعهما من طلبة العلم ما لا يحصى، وتضرعوا إليه أن يريهم وجهه؛ فأقرّ عيون الخلائق بطلعته، والناس على طبقاتهم قيام كلهم. وكانوا بين صارخ، وباك، وممزق ثوبه، ومتمرغ في التراب، ومقبل لحافر بغلته، ومطول عنقه الى مظلة المهد، إلى أن انتصف النهار، وجرت الدموع كالأنهار، وصاحت الأئمة:
«معاشر الناس، أنصتوا، وعوا، ولا تؤذوا رسول الله (ص) في عترته.. »
فأملى صلوات الله عليه، عليهم، بعد أن ذكر السلسلة الذهبية الشهيرة للسند، قوله: « لا إله إلا الله حصني؛ فمن دخل حصني أمن من عذابي.. »
فلما مرت الراحلة أخرج رأسه مرة ثانية إليهم، وقال: «بشروطها، وأنا من شروطها».
فعد أهل المحابر والدوى، فأنافوا على العشرين ألفا. كذلك وصف المؤرخون هذه الحادثة الشهيرة(12).. ولسوف نتحدث عن هذه القضية بالتفصيل في فصل: « خطة الإمام » إن شاء الله تعالى..
وعن أسناد هذه الرواية، الذي أورده الإمام (ع)، يقول الإمام أحمد بن حنبل: « لو قرأت هذا الاسناد على مجنون لبرئ من جنته ».
على ما في الصواعق المحرقة، ونزهة المجالس (13)، وغير ذلك..
ونقل أن بعض أمراء السامانية بلغه هذا الحديث بسنده؛ فكتبه بالذهب، وأوصى أن يدفن معه.
وها نحن أمام نصوص اخرى:
وكذلك نرى هيبة الإمام (ع)، وقوة شخصيته، في موقفه مع الفضل ابن سهل ـ أعظم رجل في البلاط العباسي ـ وذلك عند ما طلب منه الفضل كتاب الضمان، والأمان؛ حيث أوقفه ساعة، ثم رفع رأسه إليه، وسأله عن حاجته؛ فقال: « يا سيدي.. إلى أن قال الراوي: ثم أمره بقراءة الكتاب ـ وكان كتابا في أكبر جلد ـ فلم يزل قائما حتى قرأه!! الخ.. » (14).
ثم رأينا المأمون عند ما قتل الفضل بن سهل ذا الرئاستين، وشغب عليه القواد والجند، ومن كان من رجال ذي الرئاستين. وقد جاءوا بالنيران ليحرقوا الباب عليه، ليصلوا إليه ـ قد رأينا ـ كيف هرع إلى الإمام، يطلب منه أن يتدخل لإنقاذه؛ فخرج (ع) إليهم، وأمرهم بالتفرق؛ فتفرقوا.. يقول ياسر الخادم: «فأقبل الناس والله، يقع بعضهم على بعض، وما أشار لأحد إلا ركض، ومر، ولم يقف.. » (15). ونجا المأمون بذلك بجلده، واحتفظ بحياته..
وفي كتاب العهد الذي كتبه المأمون بخط يده ـ كما صرح به كل من تعرض له ـ فقرات تدل على سجايا الإمام، وعلى مركزه، وشخصيته، يقول المأمون عنه: «.. لما رأى من فضله البارع، وعلمه الناصع، وورعه الظاهر، وزهده الخالص، وتخليه من الدنيا، وتسلمه من الناس.
وقد استبان له ما لم تزل الأخبار عليه متواطية، والألسن عليه متفقة، والكلمة فيه جامعة، ولما لم يزل يعرفه به من الفضل يافعا، وناشيا، وحدثا، ومكتهلا الخ.. » وكتاب العهد مذكور في أواخر هذا الكتاب..
وفي نهاية المطاف:
فإن الإمام (ع) هو أحد العشرة، الذين هم على حد تعبير الجاحظ: « كل واحد منهم: عالم، زاهد، ناسك، شجاع، جواد، طاهر، زاك، والذين هم بين خليفة، أو مرشح لها.. » (16).
وهو على ما في النجوم الزاهرة: « سيد بني هاشم في زمانه، وأجلهم. وكان المأمون يعظمه، ويجله، ويخضع له، ويتفانى فيه.. » (17).
ومثله ما عن سنن ابن ماجة، على في خلاصة تذهيب تهذيب الكمال ص 278..
وقال عنه (ع) عارف تامر: « يعتبر من الأئمة الذين لعبوا دورا كبيرا على مسرح الأحداث الإسلامية في عصره.. » (18).
وأخيرا.. فقد وصفه أبو الصلت، ورجاء بن أبي الضحاك، وإبراهيم ابن العباس، وغيرهم، وغيرهم.. بما لو أردنا نقله لطال بنا المقام..
وحسبنا ما ذكرنا؛ فإننا إذا أردنا أن نلم بما قيل في حق الإمام (ع) لاحتجنا إلى تأليف خاص، ووقت طويل..
اضف تعليق