الأحاديث المروية عن رسول اللّه حول الإمام المهدي تشكّل أكبر طائفة وأكثر كميّة من مجموع الأحاديث والبشائر بالإمام المهدي ومن العجيب أنّ أكثر الأحاديث الموجودة في كتب أهل السنّة حول الإمام المهدي مرويّة عن رسول اللّه فتارة يبشّر رسول اللّه المسلمين بالإمام المهدي في ضمن الأئمة الإثني عشر...
بقلم: السيد محمد كاظم القزويني
إنّ الأحاديث المروية عن رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) حول الإمام المهدي (عليه السلام) تشكّل أكبر طائفة وأكثر كميّة من مجموع الأحاديث والبشائر بالإمام المهدي (عليه السلام) وقد ذكرنا بعضها -فيما مضى- ونذكر بعضها في المستقبل.
ومن العجيب أنّ أكثر الأحاديث الموجودة في كتب أهل السنّة حول الإمام المهدي (عليه السلام) مرويّة عن رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) بأسانيد متعدّدة ومضامين متنوّعة
فتارة يبشّر رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) المسلمين بالإمام المهدي (عليه السلام) في ضمن الأئمة الإثني عشر، وأنه هو الثاني عشر، وتارة أخرى يخبر عنه أنه من ولد فاطمة الزهراء (سلام اللّه عليها)، وأنه من صلب الحسين، وأنه الإمام التاسع من ولد الحسين (عليه السلام).
وستعرف في هذا الفصل والفصول الآتية أنّ الرسول (صلى اللّه عليه وآله وسلم) كان يخبر عن الإمام المهدي (عليه السلام) في مناسبات عديدة ومواقف كثيرة ومواطن حسّاسة جدا، مما يدل على أهمية الموضوع غاية الأهمية، وإلاّ فما الداعي الى هذا الإهتمام والى هذه العناية بالموضوع، والإلحاح والتكرار والتركيز في الإخبار عن الإمام المهدي (عليه السلام).
الأحاديث المروية عن رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) حول الإمام كثيرة جدا، ونقتطف بعضها رعاية لأسلوب الكتاب:
1- عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم): إنّ خلفائي وأوصيائي وحجج اللّه على الخلق بعدي لإثنا عشر، أوّلهم أخي وآخرهم ولدي. قيل: يا رسول اللّه ومن أخوك؟ قال: علي بن أبي طالب. قيل: ومن ولدك؟ قال: المهدي الذي يملؤها -أي يملأ الأرض- قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما، والذي بعثني بالحق بشيرا لولم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل اللّه ذلك اليوم حتى يخرج فيه ولدي المهدي، فينزل روح اللّه عيسى بن مريم فيصلي خلفه، وتشرق الأرض بنور ربها، ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب (١).
2- عن حذيفة قال: قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم):
المهدي رجل من ولدي، وجهه كالكوكب الدرّي (٢).
3- عن حذيفة أيضا قال: قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) المهدي رجل من ولدي، وجهه كالكوكب الدرّي، اللون لون عربي، والجسم جسم إسرائيلي، يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا، يرضى في خلافته أهل السماء، والطير في الجو، يملك عشرين سنة (٣).
4- عن الإمام محمد بن علي الباقر عن آبائه عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (صلوات اللّه عليهم اجمعين) قال: قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم): المهدي من ولدي، يكون له غيبة، وحيرة تضل فيها الأمم، يأتي بذخيرة الأنبياء (عليهم السلام) فيملؤها عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما (4).
5- روى القندوزي الحنفي عن أبي بصير عن الصادق جعفر بن محمد عن آبائه عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليهم السلام) قال: قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم): المهدي من ولدي، إسمه إسمي، وكنيته كنيتي، وهوأشبه الناس بي خلقا وخلقا، يكون له غيبة وحيرة في الأمم حتى تضل الخلق عن أديانهم، فعند ذلك يقبل كالشهاب الثاقب، فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا (5).
6- روى المجلسي عن الشيخ المفيد عن أبي أيوب الانصاري قال: قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) -لفاطمة- (في مرضه): والذي نفسي بيده لا بدّ لهذه الأمة من مهدي، وهو واللّه من ولدك (6).
7- عن مكحول عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: قلت يا رسول اللّه أمنّا -آل محمد-المهدي أم من غيرنا؟ فقال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم): لا، بل منّا، بنا يختم اللّه الدين كما فتح اللّه بنا، وبنا ينقذون عن الفتنة كما أنقذوا من الشرك، وبنا يؤلّف اللّه بين قلوبهم بعد عداوة الفتنة إخوانا كما ألّف بين قلوبهم بعد عداوة الشرك، وبنا يصبحون بعد عداوة الفتنة إخوانا كما اصبحوا بعد عداوة الشرك إخوانا (7).
إنّ سؤال الإمام أمير المؤمنين من رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) من قبيل تجاهل العارف، فهو يسأل عما يعلم وكأنّه لا يعلم وذلك لغرض يقصده، وهذا النوع من الكلام وارد في القرآن والأحاديث بل وفي العرف أيضا قال تعالى: ومَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسى.
8- عن هشام بن سالم عن الإمام الصادق جعفر بن محمد عن أبيه عن جدّه (عليهم السلام) قال: قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم):
القائم من ولدي، إسمه إسمي، وكنيته كنيتي، وشمائله شمائلي (8)، وسنّته سنّتي، يقيم الناس على ملّتي وشريعتي، ويدعوهم الى كتاب اللّه عزّ وجل، من أطاعه أطاعني، ومن عصاه عصاني، ومن أنكره في غيبته فقد أنكرني، ومن كذّبه فقد كذّبني، ومن صدّقه فقد صدقني، الى اللّه أشكو المكذّبين لي في أمره، والجاحدين لقولي في شأنه، والمضلّين لأمتّي عن طريقته، وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون (9).
9- عن إبن عباس قال: قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم): علي بن أبي طالب إمام أمتّي، وخليفتي عليهم بعدي، ومن ولده القائم المنتظر الذي يملأ اللّه (عزّ وجل) به الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما، والذي بعثني بالحق بشيرا: إنّ الثابتين على القول به -في زمان غيبته- لأعزّ -أيّ أقلّ وأندر- من الكبريت الأحمر. فقام اليه جابر بن عبد اللّه الأنصاري فقال: يا رسول اللّه وللقائم من ولدك غيبة؟ فقال: إي وربيّ ولِيُمَحِّصَ اَللَّهُ اَلَّذِينَ آمَنُوا ويَمْحَقَ اَلْكَافِرِينَ يا جابر إنّ هذا لأمر من أمر اللّه، وسرّ من سرّ اللّه، مطوي-أي مستور-عن عباده، فإياك والشك في أمر اللّه فهو كفر (10).
10- عن أبي سعيد الخدري-في حديث طويل-قال: قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) -لفاطمة-: يا بنيّة: إنا أعطينا -أهل البيت- سبعا لم يعطها أحد قبلنا:
١- نبيّنا خير الأنبياء، وهوأبوك.
٢- ووصيّنا خير الأوصياء وهو بعلك.
٣- وشهيدنا خير الشهداء وهو عمّ أبيك حمزة.
٤- ومنّا من له جناحان خضيبان يطير بهما في الجنة وهو إبن عمّك جعفر.
٥ و٦- ومنّا سبطا هذه الأمة وهما إبناك الحسن والحسين.
٧- ومنّا -واللّه الذي لا إله إلاّ هو- مهدي هذه الأمة، الذي يصلّي خلفه عيسى بن مريم، ثم ضرب بيده على منكب الحسين (عليه السلام) فقال:
من هذا، ثلاثا (11). أي قال (صلى اللّه عليه وآله وسلم): «من هذا» ثلاث مرات. وفي كتاب (البيان) للشافعي الكنجي،: قال (صلى اللّه عليه وآله وسلم): من هذا مهدي هذه الأمّة.
11- عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري قال: قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم): ينزل عيسى بن مريم (عليه السلام) فيقول أميرهم المهدي: تعال صلّ بنا، فيقول: ألا: إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة من اللّه عزّ وجلّ لهذه الأمّة (12).
12- في كتاب فرائد السمطين، عن الإمام علي بن موسى الرضا عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم): «من أحبّ أن يتمسّك بديني ويركب سفينة النجاة بعدي فليقتد بعلي بن أبي طالب، وليعاد عدوّه، وليوال وليّه، فإنه وصيّي وخليفتي على أمتّي، في حياتي وبعد وفاتي، وهو إمام كل مسلم، وأمير كل مؤمن بعدي، قوله قولي، وأمره أمري، ونهيه نهيي، وتابعه تابعي، وناصره ناصري، وخاذله خاذلي؛ ثم قال (صلى اللّه عليه وآله وسلم): من فارق عليا بعدي لم يرني ولم أره يوم القيامة، ومن خالف عليا حرّم اللّه عليه الجنة وجعل مأواه النار، ومن خذل عليا خذله اللّه يوم يعرض عليه، ومن نصر عليا نصره اللّه يوم يلقاه، ولقّنه حجّته عند المسألة.
ثم قال (صلى اللّه عليه وآله وسلم): الحسن والحسين إماما أمتّي بعد أبيهما، وسيّدا شباب أهل الجنة، أمّهما سيدة نساء العالمين، وأبوهما سيد الوصيّين، ومن ولد الحسين تسعة أئمة، تاسعهم القائم من ولدي، طاعتهم طاعتي، ومعصيتهم معصيتي، الى اللّه أشكو المنكرين لفضلهم، والمضيّعين لحرمتهم بعدي، وكفى باللّه وليا وناصرا لعترتي وأئمة أمتي، ومنتقما من الجاحدين حقّهم، وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون».
13- وقال (صلى اللّه عليه وآله وسلم) -في خطبة يوم الغدير وبحضور ١٢٠ ألف مسلم-: «... معاشر الناس: النور من اللّه عز وجل، فيّ مسلوك، ثمّ في علي، ثم في النسل منه الى القائم المهدي، الذي يأخذ بحقّ اللّه وبكلّ حق هولنا... الى آخر الخطبة الشريفة (13).
لقد مرّ عليك-في الأحاديث النبوية-أنّ الرسول (صلى اللّه عليه وآله وسلم) يحلف باللّه، ويقول: «والذي بعثني بالحق بشيرا» أو «والذي نفسي بيده» أو«منّا -واللّه الذي لا إله إلاّ هو- مهدي هذه الأمّة» كل ذلك تأكيدا لهذه الحقيقة، وتثبيتا للموضوع، ولا يكتفي الرسول الصادق الأمين (صلى اللّه عليه وآله وسلم) بهذا حتى يقول: لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد... ويقصد (صلى اللّه عليه وآله وسلم) أنّ هذا الأمر كائن قطعا وبلا شك، وحتى إذا طالت الأزمنة، بل وحتى لولم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد فلا بدّ وأن يظهر الإمام المهدي (عليه السلام) وهذا منتهى المبالغة في التأكيد والتحقيق.
وقد سمعت وقرأت أنّ الرسول (صلى اللّه عليه وآله وسلم) يتحدّث عن الإمام المهدي بأنه يملأ الأرض قسطا وعدلا، بعد ما ملئت ظلما وجورا.
ولهذه الكلمة تحقيق وشرح يأتيك في المستقبل القريب.
وأما ذكر الظلم والجور معا، والقسط والعدل معا-كما مرّ عليك في الأحاديث-فمن الممكن أن يكون المقصود من قوله: «تملأ ظلما وجورا» إنتشار الظلم من عامة الناس، وإنتشار الجور من الحكّام. وأن يكون المقصود من قوله: «يملؤها قسطا وعدلا» القسط من الحكّام والعدل من عامة الناس، وسيأتيك مزيد من التفصيل في فصل: حياة المجتمع في عصره.
وقد مرّ عليك كلام رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) حول الإمام المهدي (عليه السلام): «اللون لون عربي والجسم جسم إسرائيلي» أي أنه مثل بني إسرائيل في طول القامة، فإن الكثير من الساكنين في بلاد الأردن وفلسطين طوال القامة وهم من بقايا بني إسرائيل، أي من ذرية يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن (عليهم السلام) وليس جسمه (عليه السلام) كأجسام اليابانيين أو أهل الصين أو ساكني بلاد شرق آسيا، فإنّ أجسامهم-على الأغلب-قصيرة أو متوسطة.
اضف تعليق