يحث الإمام علي عليه السلام الناس جميعا إلى المشاركة السياسية في بناء الدولة ومؤسساتها، فكما أن الدولة ملك للجميع فان إصلاحها واعمارها واجب على الجميع أيضا، ولا ينبغي ترك مؤسسات الدولة ومرافقها لفئة من دون فئة، بل لكل فئة من فئات المجتمع لها حق في...
تعني الحقوق السياسية من منظور حقوق الإنسان هي (الحقوق التي تمنح للشخص باعتباره عضوا في المجتمع السياسي بهدف إدارة شؤون بلده والمشاركة في حكمه والدفاع عنه) مثل حق التعبير، وحق الترشيح للمناصب، وحق الانتخاب المباشر أو غير المباشر، وحق الاجتماع، وحق تأليف الأحزاب، وحق وتكوين الجمعيات والانتماء لها، والحق في المشاركة في أخذ القرارات التي تصدر عن الأجهزة والسلطات الحكومية، وسائر ضروب الاحتجاج والضغط السلمي.
وأما الحريات السياسية؛ فتعني (قدرة الفرد على ممارسة سلوكه السياسي دونما قيود تحد من إرادته السياسية، فهي الأنماط والمسلكيات التي يمارسها الفرد لتحقيق خياراته السياسية كحق من حقوقه وتحقيق أهدافه السياسية كفرد من أفراد المجتمع) ومؤشر الحريات السياسية -في العادة- هو ما ترصده المنظمات العالمية والمحلية المعنية بالحقوق والحريات السياسية من ممارسات دالة على قدرة المواطنين على المشاركة الحرة في إدارة شؤون بلدانهم، وذلك من خلال معرفة مدى حرية المواطن في الاشتراك في الانتخابات، ومدى نزاهتها، ومدى شمولها للأحزاب والفعاليات السياسية المختلفة، وقدرة المعارضة السياسية في ممارسة دورها الرقابي وغيرها من المؤشرات التي باتت أساس في تقيم الأنظمة السياسية الحرة من تلك غير الحرة.
وبهذا تعني الحقوق والحريات السياسية المقررة للإنسان أن يكون للإنسان -كونه عضوا في مجتمع ما - حق إدارة بلاده أو المشاركة في هذه الإدارة بأشكالها كافة، من جهة. كما تعني أن له الحرية في ممارسة هذه الحقوق أو عدم ممارستها من دون قسرا أو إجبار، فله أن يستعمل هذه الحقوق، وله ألا يستعملها، من جهة ثانية.
وتعد الحقوق والحريات السياسية أساس الممارسة الفعلية لكافة الحقوق والحريات، فالعلاقة وثيقة بين ممارسة الحقـوق السياسية والتمتـع بالحريات العامـة الأخـرى، فـلا يمكن للمواطنين التمتـع بالحريات العامـة إلا فـي ظـل الحقـوق والحريات السياسية، كمـا أن هـذه الأخيرة لا يمكن أن تتحقـق إلا فـي ظـل الحريات العامـة، فمثلا ينبغي تحقيق حرية الفكـر والتعبير لأنهمـا أسـاس حـق الانتخـاب، وهـذه الأخيرة هي أساس حرية البرلمان، وحرية البرلمان هي الضمان للحريات الأخرى.
الحقوق والحريات في ثلاثة أفكار
يقوم مبدأ الحقوق والحريات السياسية في الإسلام على ثلاثة أفكار:
الفكرة الأولى؛ وهي إن الله عز وجل خلق الإنسان مجبولا على الحرية، وحق الإنسان في الحرية حق مقدس، لأن الله عز وجل هو الذي منحه هذا الحق، ولا يملك أحد من البشر نزعه أو إعدامه.
والحرية في الإسلام تعني (أن يكون الجوّ الاجتماعي بنحوٍ يستطيع كل فردٍ من أفراد المجتمع إخراج مواهبه وقابليّاته إلى منصَّة الظهور من دون أن يمنعهُ مانع، أو يحجزهُ حاجز يقف دون ظهور المواهب ويمنع من نموّ الاستعدادات) وقد جاء الأنبياء والمرسلون لمثل هذه المهمة الكبرى، فهم جاءوا ليرفعوا جميع الموانع والحواجز من بين أيدي البشرية، ويخلقوا بيئة حرّة لا مكان فيها للسدود والقيود حتى يستطيع كلّ فرد أن يصل إلى كماله المنشود ويُنمّي مواهبه.
وقد استنبط الفقهاء من الآيات والروايات القاعدة الفقهية المشهورة: (الناس مسلطون على أموالهم وأنفسهم)، وهذه القاعدة تعطي شتى أصناف الحريات للإنسان، وخاصة في المجال السياسي، فهو حر أن ينتخب رئيس دولته، وهو حر في أن ينتخب نواب مجلسه، وهو حر في أن ينتخب قاضيه أو المحامي الذي يدافع عنه أمام القضاء، ويسافر ويزرع ويتاجر وغيرها.
والفكرة الثانية؛ إن الله عز وجل جعل الناس يعيشون على شكل جماعات، لقوله سبحانه (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)، وقد اقتضت ضرورة التجمع البشري وجود أنظمة وقوانين تعالج الآثار المترتبة على هذا التجمع من التزاحم والتنافس والتخاصم الذي يقتضي وجود سلطة تأمر وتنهى وتزجر وتحاسب وتعاقب، وتملك قوة التنفيذ والفصل.
والفكرة الثالثة؛ هي عملية التوفيق بين الحقوق والحريات المقررة شرعا، وبين الحكومة التي يمكن أن تطلق هذه الحقوق والحريات أو التي يمكن أن تقيدها أو تحد منها. فالمشكلة الأساس للأنظمة السياسية في تاريخ البشرية، تتمثل في إيجاد الموازنة بين قدرة الدولة وحقوق الأمة، فكان المفكرون وعلماء السياسة والحقوق في التاريخ، يبحثون عن معادلة من شأنها عقد المصالحة بين القدرة المطلقة للدولة، والصلاحيات والحريات والحقوق الفردية المطلقة. وإذا دققنا النظر في هذا التعبير، سنجد التناقض فيه واضحاً، فالقدرة والصلاحيات اللامحدودة للدولة من جهة تتناقض مع الحقوق والحريات الفردية اللامحدودة من جهة أخرى. وهذا التناقض الذي يعني التضاد بين اقتدار الدولة والحقوق الفردية، يعد المشكلة الأساس للهيكل السياسي للدولة.
فالعبرة هنا ليس في تشريع الحقوق والحريات فحسب، بل في ممارستها على الوجه الصحيح. والحكم على النتائج والآثار، وليس على النصوص والأقوال. أي ما لم تتحول الحقوق والحريات إلى ثقافة عامة يؤمن بها أفراد المجتمع والسلطة معا، ويطبقونها معا، سواء حرية التعبير، أم حرية الاختيار أم المشاركة في الإدارة العامة، فلا يمكن القول بوجود حقوق وحريات سياسية لا في المجتمع الإسلامي ولا في غيرها والاحتجاج بوجود نصوص تدل على الحقوق والحريات السياسية لا يصلح لوحده دليلا على وجودها بالفعل؛ وهو من قبيل الدساتير الدول التي تنص على هذه الحقوق ولكن حكامها مستبدون ظالمون متعدون لا يطبقون حرفا منها.
ولا خلاف بين المسلمين خاصة، وغير المسلمين عامة، لاسيما من قرأ تاريخ الإسلام، وسير الشخصيات الإسلامية، أن علي بن أبي طالب أمير المؤمنين (ع) هو المثل الآخر الصحيح الذي عكس سياسة الإسلام بكل دقة وروعة واستيعاب، بعد رسول الله (ص) ويدل على ذلك المئات من آيات القرآن الحكيم التي نزلت؛ أو أولت؛ أو فسرت بعلي بن أبي طالب، وكذلك آلاف الأحاديث النبوية الشريفة التي قالها النبي (ص) في حق علي من قبيل: (علي مع الحق والحق مع علي) وقوله صلى الله عليه وآله وسلم (أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فإليتها من بابها) فكان الإمام عليه نعمة كبيرة من الله تعالى للمسلمين وللإنسانية جمعاء، للإرث الإنساني الكبير الذي تركه لنا لا سيما سياسته في إدارة الدولة، وإشراك الرعية في حكمه، ومحاسبة ولاته، وإتاحة حرية التعبير والرأي لمن يحالفونه العقيدة، ويعارضونه الرأي.
وفي الواقع؛ أن المتتبع لحياة الإمام علي (ع) في إدارته للحكومة الإسلامية آنذاك، يجد أنه أول القادة السياسيين بعد رسول الله (ص) حاول أن يجسد من الناحية العملية القيم والمبادئ التي جاء بها الإسلام كدين سماوي، وعلى وفق ما يأتي:
1. الحرية العنوان الأول للإنسان: يقرر الإمام علي (ع) أن هناك عنوانين بارزين للإنسان، هما الحرية والعبودية، والحرية هي الأصل، والعبودية فعل طارئ، ولا يتمكن الإنسان أن يجمع بينهما في حياته، فهو إما أن يختار الأصل الذي أوجده الله عز وجل له، وإما أن يختار العبودية التي نهى الله عز وجل عنها. فالأمام على (ع) يؤمن أن الأصل في الإنسان الحرية، ويدعو الإنسان إلى التمسك بها، ورفض العبودية لغير الله عز وجل، فيقول (لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرا).
وقد نهض الإمام علي عليه السلام بهذه المسؤولية بعد خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله، وجاء جانب من ذلك في بيانه لحقيقة مفهوم الحرية والعبودية من خلال خطبه وحكمه الرائعة، وذلك في التفاتة شمولية لمفهوم الحرية، خلاصتها أن الحرية الحقيقية لا تأتي إلا من خلال العبودية الحقيقية لله وحده. فبمقدار ما تتقدم في هذا الاتجاه، بمقدار ما تحرر نفسك من كل ما يستعبدك.
2. الشعب عماد السلطة: صنف الإمام علي (ع) المجتمع المسلم إلى صنفن هما عامة أفراد الأمة، وخاص من أصحاب المناصب والثروات والامتدادات العائلية والقبلية وما شابه من أصحاب الوضع المميز داخل المجتمع، وقد وضع الإمام عامة الناس أي الأمة في مكانة أسمى من الخاصة، وجعل العامة من الشعب هم عماد الأمة، ومصدر قوته، حيث يقول: (إن سخط الخاصة يغتفر مع رضا العامة، وليس أحد من الرعية أثقل على الوالي مؤنة في الرخاء، وأقل معونة له في البلاء، وأكره للانتصاف، وأسال بالإلحاف، وأقل شكرا عند الأكفاء، وأبطأ عذرا عند المنع، وأضعف صبرا عند ملمات الدهر من أهل الخاصة، وإنما عماد الدين، وجماع المسلمين، والعدة للأعداء العامة من الأمة، فليكن صغوك إليهم وميلك معهم).
3. لابد من حكومة تسيس أمور البلاد: إن الإمام علي عليه السلام بين أنه لا بد من وجود أمير تناط به مصالح البلاد والعباد، ولا يشترط فيه كونه معصوماً، كما جاء في نهج البلاغة، حيث قال: (لا بد للناس من أمير برٍ أو فاجر يعمل في إمرته المؤمن، ويجمع به الفيء، ويقاتل به العدو، وتأمن به السبل، ويؤخذ به للضعيف من القوي) وفي رواية أخرى أنه عليه السلام لما سمع تحكيمهم قال (حكم الله أنتظر فيكم...أما الإمرة البررة فيعمل فيها التقي. وأما الإمرة الفاجرة فيتمتع فيها الشقي إلى أن تنقطع مدته وتدركه منيته).
وذلك لأن العنصر الأساس في مجال الحكم هو توفر قوة قادرة على استقرار الأمن والتوازن الاجتماعي، يعني متى ما توفرت قوة قادرة على حفظ الأمن والاستقرار والتوازن الاجتماعية بين المصالح الفردية والمصالح الاجتماعية فلها عرش الحكم وحكمها نافذ وصلاحيتها مشروعة،
4. نظام الحكم نظام دستوري: الحكومة الإسلامية لا تشبه الأشكال الحكومية المعروفة، فليست هي حكومة مطلقة يستبد فيها رئيس الدولة برايه، عابئا بأموال الناس ورقابهم، فالرسول (ص) وامير المؤمنين علي (ع) وسائر الأئمة ما كانوا يملكون العبث بأموال الناس ولا برقابهم، فحكومة الإسلام ليس مطلقة إنما هي حكومة دستورية بمعنى أن القائمين بالأمر يتقدون بمجموعة الشروط والقواعد المبينة في القران والسنة، أي أن يكون الحكم على طبق دستور معين، وهو دستور القرآن الكريم والسنة النبوية. وأن يكون للحاكم أوصاف منسجمة مع كونه مطبقًا للدستور الإسلامي.
5. الحقوق السياسية حقوق متبادلة: تعد العلاقة بين الحاكم والمحكوم من أعقد العلاقات بين بني البشر؛ فالحاكم بيده أمور الناس ومقدرات البلاد، والمحكوم له حقوق وحريات ينبغي أن يحصل عليها، كما أن الحاكم كحاكم له حقوق على المحكوم، والمحكوم عليه واجبات ينبغي أن يؤديها للحاكم، فإذا لم يحصل هناك التزام بالحقوق المتبادلة، وكان هناك جور على الحقوق فإن أوضاع المجتمع والبلاد تصبح في خطر كبير، ولهذا تتأكد أهمية إصلاح هذه العلاقة بين الحاكم والمحكوم، فإذا صلحت هذه العلاقة عاش الناس حالة الأمن والرضا والاستقرار، ومتى ما اختلت سلب الأمن وتلاشى الاستقرار، فالناس يكونون غاضبين، والحاكم يكون شاكًا في ولاء الشعب له، وفي التفافهم حوله.
ومن هذا المنطلق؛ يدعو الإمام الوالي (الحاكم) إلى حفظ حقوق الرعية (الشعب) كما يدعو الشعب إلى حفظ حقوق الحاكم، وأن يؤدي كل منهما حق الآخر، فان في ذلك صلاح الوالي والرعية، فيقول عليه السلام: (حقّ الوالي على الرّعيّة، وحقّ الرّعيّة على الوالي فريضة فرضها الله سبحانه لكلّ على كلّ، فجعلها نظاما لألفتهم، وعزّا لدينهم، فليست تصلح الرّعيّة إلاّ بصلاح الولاة، ولا تصلح الولاة إلاّ باستقامة الرّعيّة؛ فإذا أدّت الرّعيّة إلى الوالي حقّه، وأدّى الوالي إليها حقّها عزّ الحقّ بينهم، وقامت مناهج الدّين، واعتدلت معالم العدل، وجرت على إذلالها السّنن، فصلح بذلك الزّمان، وطمع في بقاء الدّولة، ويئست مطامع الأعداء؛ وإذا غلبت الرّعيّة واليها أو أجحف الوالي برعيّته اختلفت هنالك الكلمة وظهرت معالم الجور وكثر الأدغال في الدّين، وتركت محاجّ السّنن، فعمل بالهوى، وعطّلت الأحكام، وكثرت علل النّفوس، فلا يستوحش لعظيم حقّ عطّل، ولا لعظيم باطل فعل! فهنالك تذلّ الأبرار وتعزّ الأشرار).
6. المشاركة السياسية واجب على الجميع: يحث الإمام علي عليه السلام الناس جميعا إلى المشاركة السياسية في بناء الدولة ومؤسساتها، فكما أن الدولة ملك للجميع فان إصلاحها واعمارها واجب على الجميع أيضا، ولا ينبغي ترك مؤسسات الدولة ومرافقها لفئة من دون فئة، بل لكل فئة من فئات المجتمع لها حق في المشاركة من جهة. وعليها واجب المشاركة، بحسب قدرة ومكنة كل فئة، فلا تستقيم البلاد ولا يستقر العباد إلا بذلك، من جهة ثانية. ولذلك يقول الإمام علي (ع) لأحد عماله لما ولاه: (وأكثر مُدارسة العلماء، ومناقشة الحُكماء في تثبيت ما صَلَحَ عليه أمرُ بلادِكَ، وإقامة ما استقام به الناسُ قبلَك، واعلم أنّ الرعيّة طبقات لا يَصْلحُ بعضُها إلاّ ببعض، ولا غِنى ببعضِها عن بعض؛ فمنها جُنود الله، ومنها كُتابُ العامّة والخاصّة، ومنها قُضاة العَدْلِ، ومنها عُمّالُ الإنصافِ، والرِّفقِ، ومنها أهْلُ الجزية والخراد من أهْل الذِّمَّة ومُسْلِمة الناس؛ ومنها التجارُ وأهل الصناعاتِ، ومنها الطبقة السُّفلى من ذوي الحاجة والمسكنة، وكُلٌّ قد سمَّى الله له سَهْمَهُ، ووضع على حدِّه، فريضةً في كتابهِ أو سُنَّةِ نبيّه، عهداً فيه عِندنا محفوظاً).
7. الأحزاب السياسية والمعارضة السلمية: أتاح الإمام علي عليه السلام حرية التعبير السياسي لجميع أبناء المجتمع الإسلامي، سواء الذين أيدوا حكمه أم الذين رفضوه، وامتنعوا عن بيعته، ولم يشهد التاريخ الإسلامي معارضة قوية إلى حد الخروج عن الدين كما شهد عهد الإمام علي عليه السلام. كما فعل مع عبد الله بن عمر حينما دخل ليبايعه في المسجد الجامع، فقال عبد الله بن عمر: لا أبايع حتى يبايع الناس، ثم قال: أئتوني بحميل (أي: كفيل) فقال مالك الأشتر: خلّ عنك يا أمير المؤمنين أقطع رأسه، فقال (عليه السلام) دعوه فأنا كفيله، أي: إننا لا نستطيع أن نجبره على أخذ البيعة منه؛ لأنه حرٌ بحسب رأيه. وقد ورد عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال للخوارج: (لن نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسم الله، ولم نمنعكم الفيء مادامت أيديكم مع أيدينا، ولن نقاتلكم حتى تقاتلونا).
يقول المرجع الديني السيد صادق الشيرازي: (إن الإمام علي (ع) كان يستحضر سياسية منح الحريات السياسية مع المعارضة ويقدم عليها مبدأ العفو والسماحة، عندما تستوجب المصلحة الإنسانية التي هي أهم من غيرها، فإن العفو وإطلاق الحريات السياسية من حكم الله تعالى والضرب والإقصاء من حكم الله، وحكم الله يقتضي حكم الله الأهم. وبهذا التعامل السياسي بإطلاق الحريات وبهذا التعامل الإنساني بتقديم العفو والصفح، يستبقي الإسلام على المسلمين ويؤلف قلوب غير المسلمين ويستقطبهم إلى الإسلام ويعرفهم بمبادئه).
8. إقرار حقوق الأقليات الدينية: المشمولون بهذا الحقّ هم المعاهدون من أهل الذمّة، فهؤلاء هم من رعايا الدولة الإسلامية، وهم سواسية لا يختلفون عن المسلمين في الحقوق الاقتصادية والحقوق الشخصية، لكنّهم يختلفون معهم في بعض الحقوق السياسية. وقد نظّم الحكم الإسلامي -على طول التاريخ الإسلامي- علاقة إيجابية بين المجتمع الإسلامي وبين أهل الذمّة لم يشهد التاريخ لها مثيلاً في التسامح الديني. وكان أهل الذمّة يحظون برعاية أمير المؤمنين (عليه السلام) في فترة حكمه، ولم ينسَ أمير المؤمنين (عليه السلام) أن يُوصي عامله على الخراج: (ولا تمسّنَّ مال أحدٍ من الناس، مُصَلٍّ ولا معاهدٍ، إلاّ أن تجدوا فرساً أو سلاحاً يُعدى به على أهل الإسلام) فالمعاهد الملتزم بقوانين الدولة الإسلامية هو بحكم المُسلم في ضمان حقوقه وممتلكاته وصيانتها. أمّا حقّهم الديني في ممارسة طقوسهم، فكانوا يجرونها وفق تعاليمهم الدينية، فقد ورد أن عليّاً (عليه السلام) كان يستحلف النصارى واليهود في بيعهم وكنائسهم، والمجوس في بيوت نيرانهم).
اضف تعليق