الفطرة الإلهية اقتضت ان يكون الرجل هو الذي يعطف بمشاعره نحو المرأة، ويعمل جاهداً على إظهار الايجابيات والمثيرات لكسب ودّ المرأة بهدف الزواج، هذا من الناحية النفسية؛ ومن الناحية الشرعية يكون منه الإيجاب وينتظر منها القبول لاجراء عقد الزواج، واجتماعياً، يتحمل هو مسؤولية زوجته وأسرته...
الفطرة الإلهية اقتضت ان يكون الرجل هو الذي يعطف بمشاعره نحو المرأة، ويعمل جاهداً على إظهار الايجابيات والمثيرات لكسب ودّ المرأة بهدف الزواج، هذا من الناحية النفسية؛ ومن الناحية الشرعية يكون منه الإيجاب وينتظر منها القبول لاجراء عقد الزواج، واجتماعياً، يتحمل هو مسؤولية زوجته وأسرته وبيته وفق قاعدة "القيمومة" وتكون منها الاستجابة لما يريد وفق قاعدة "الحقوق الزوجية"، والثمرة من كل ذلك؛ الحب والحنان والإنجاب وبناء الأسرة المتماسكة والمجتمع السليم وصولاً الى نشوء أمة متحضرة ومتقدمة.
وهكذا كان التقدير للإمام الحسن المجتبى، عليه السلام، وهو الابن البكر لأمير المؤمنين، عليه السلام، وفي مجتمع مكون من خليط غير متجانس من الاقوام والقبائل، مثل مجتمع الكوفة، وفضلاً عن هذه الميزة غير الايجابية اجتماعياً، فقد كان سياسياً يعاني الاضطراب الشديد في الولاء والانتماء، وهذا لا يمنع –بأي حال من الاحوال- من أن يؤدي الامام الحسن، دوره الاجتماعي والسياسي في آن، ليكون عضيد أبيه والركن الاول الذي يعتمد عليه الى جانب الركن الثاني؛ أخيه الامام الحسين، عليه السلام، ومما كان يحتاجه الامام علي، عليه السلام؛ كسب ولاءات القبائل العربية في الكوفة لمواجهة عدوه اللدود؛ معاوية، وفي بعض المصادر، أنه، عليه السلام، كان يخطط لدرء مخاطر وشرور بعض القبائل المعروفة بالازدواجية مثل قبيلة كندة، ذات الكثافة السكانية العالية في الكوفة، ومن الخطوات المتبعة في هذا الطريق؛ المصاهرة.
وقد عرفت العرب هذا التقليد منذ زمن كأحد عوامل تعزيز العلاقات الايجابية بين القبائل، وهو ما فعله أمير المؤمنين، عليه السلام، عندما تقدم لخطبة جعدة بنت الأشعث الكندي، لابنه الحسن، وكان الاشعب رئيس قبيلة كندة، ومن الشخصيات المعروفة والمطاعة، والمؤرخون يشيرون الى معرفة الامام بحقيقة الاشعث وما تنطوي عليه نفسه من خبث وازدواجية وحتى كره لأهل البيت، عليهم السلام، منذ عهد النبي الاكرم، وكان من بين شريحة المنافقين الذين أظهروا اسلامهم بين يدي النبي، صلى الله عليه وآله.
الودّ هدية لاختبار الايمان
عندما نسمع بما جرى على الامام الحسن المجتبى على يد زوجته الغادرة، علينا ان نتذكر ما جرى على جدّه المصطفى، وهو خاتم الانبياء والمرسلين، وأشرف الخلق اجمعين، من قبل زوجتين عاشتا معه لفترة من الزمن، ولسنا بوارد الخوض في تفاصيل التجاوزات والانتهاكات التي ارتكبتها هاتان الزوجتان، بما لا يخفى على معظم القراء الكرام، وقد أجاب العلماء والباحثين في السيرة النبوية، عن اسباب إبقاء هاتين المرأتين في بيت النبي، منها؛ ان النبي الاكرم لا يريد ان يتحمّل وصمة القائد الذي يَنهى عن أمر ويفعله، وهو؛ "الطلاق"، بيد ان السبب الآخر له جنبة تربوية، فهو يقدم لزوجاته جميعاً، كل الود والحب والاحترام، ثم ينظر كيف يتعاملن مع هذا العطاء، ونحن ننظر ايضاً والاجيال عبر التاريخ، لنأخذ الدروس والعبر، فاذا كانت عائشة –مثلاً- غير قادرة على رد الجميل، لأي سبب كان، فان زوجات أخريات تمكنّ من تنمية صفات؛ العرفان، والتقدير، لكل ما حَظين به من مكارم على يد النبي الاكرم، ليبلغن درجة عالية من الايمان والنقاء والولاء، مثل؛ أم سلمة التي كانت محل إئتمان من رسول الله ويسلمها تلك القارورة التي فيها تراب يتحول الى دم عبيط تعرف من خلاله أن سبطه الحسين قتل في كربلاء.
ان وجود نموذج مثل عائشة، ونموذج مغاير مثل؛ أم سلمة، هو الذي يخلق الحوار التاريخي الفاصل بينهما لدى تعبئة القوى والجيوش للتوجه الى البصرة وإشعال تلك الحرب الطاحنة ضد أمير المؤمنين، فما كان جواب عائشة عندما ذكرتها أم سلمة بوصايا رسول الله لزوجاته بأن إلزمن ظهر الحصيرة"؟ قطعاً لا جواب سوى الصمت، وهذا الصمت هو دليل إدانة وفشل لها ولمثيلاتها عبر الاجيال.
لذا فان هذا الموقف والقرار من عائشة، ومواقف اخرى، هو الذي عاقبها تاريخياً من لدن علماء ومؤرخين من المذاهب الاسلامية عندما تساءلوا عن سبب تلك المواقف، حتى بات من الصعب جداً الدفاع عن قرار مشاركتها في حرب الجمل –مثلاً- عندما أزهقت أرواح حوالي عشرين ألف مسلم لتنتصر القيم والفضائل، وتهزم الخديعة والحسد، ثم يسجل الامام علي موقفه التاريخي امام المسلمين بانه على هدي رسول الله في طريقة التعامل مع النساء، وتحديداً؛ عائشة، بأن أعادها الى المدينة مكرمة معززة، كما لو انها لم تعد من حرب خاسرة.
الى جانب الزوجات السيئات، كُنّ الى جانب النبي الأكرم، وسبطه الحسن المجتبى، صلوات الله عليهم، زوجات صالحات، بل كُنّ الاكثرية مقابل أقلية السوء، فالامام الحسن، الذي نعيش هذه الايام ذكرى استشهاده الأليمة، تزوج سبع نساء، - وعلى رواية خمس- معظمهنّ كن صالحات، وعشن حياة طبعية معه، ومنهنّ؛ رملة، أم القاسم، الشهيد في كربلاء، وايضاً أم الحسن المثنى الذي اصيب بجراح وهو يدافع عن عمه الامام الحسين، عليه السلام، وقد خرج من نسله الحسنيون الثائرون في العهد العباسي.
العقاب قبل الجناية
على خطى أبيه امير المؤمنين، يلتزم الامام الحسن، بمبدأ الجناية والقصاص، فقد كشف الامام علي للجميع بان قاتله هو عبد الرحمن بن ملجم، فثاروا مستغربين عن سبب الابقاء عليه، وكان الجواب: "لا يجوز القصاص قبل الجناية"، وهكذا تعامل الامام الحسن مع زوجته جعدة التي يعرف انها هي التي تسممه وتقتله، وفي رواية عن امام الصادق، عليه السلام عن، آبائه عليهم السلام :أن الامام الحسن، قال لأهل بيته إني أموت بالسم كما مات رسول الله، صلى الله عليه وآله، قالوا: ومن يفعل ذلك؟ قال: امرأتي جعده بنت الأشعث بن قيس، فإن معاوية يدس إليها ويأمرها بذلك. قالوا: أخرجها من منزلك وباعدها من نفسك، فقال، عليه السلام: كيف أخرجها وما تفعل بعد شيئا، ولو أخرجتها ما قتلني غيرها وكان لها عذر عند الناس. (بحار الانوار، ج43-ب12 ص198)
نعم؛ لم يحافظ الامام الحسن، عليه السلام، على حياته، كما يفعل معظم الرجال اليوم في موقف كهذا –وربما جميعهم- بيد انه ضحّى بنفسه وبتلك الصورة المؤلمة ليحفظ لنا: أولاً؛ قدسية العلاقة الزوجية، والامر الثاني؛ تعزيز روح الثقة بين الزوج والزوجة، وأن لا يُتهم الامام الحسن، بانه سنّ سوء الظن بالمرأة والزوجة، ويحصي زلاتها واخطائها، فان مجرد تفكير من هذا النوع من أي رجل، كفيل بان يزعزع كيان الأسرة والمجتمع.
اضف تعليق