١/ أَن نمتلِكَ الامام محمَّد بن عليٍّ بن الحُسين الباقر (ع) أَو ننتمي إِليهِ [تُصادفُ اليوم ذِكْرى إِستشهادهِ عام (١١٤ هـ)] ثمَّ يكونُ نِصف المجتمع جاهلٌ أَو أُميٌّ لا يقرأ ولا يكتُب! أَو يكون المصدر الوحيد للمعرفةِ لجُلِّ النَّشء الجديد هي وسائل التَّواصل الاجتماعي! أَو ينهارُ ويتدهور التَّعليم بمختلفِ مراحلهِ لِهذهِ الدَّرجةِ من الخطورةِ! فهذا يعني أَنَّ الامام (ع) ونهجهُ ليسا حاضِرَين في حياتِنا اليوميَّة وفِي وعيِنا الحقيقي!.
إِنَّ الامام الباقر (ع) الذي يعني إِسمهُ [المتوسِّع في العِلم] كما وردَ في معاجِم اللُّغة [بَقَرَ الحَديثَ: أَوْضَحَهُ وَكَشَفَ عَنْهُ] يعودُ إِليه الفَضْل في نشرِ العِلم والتوسُّع فيهِ وتعليمهِ من العلومِ العظيمةِ التي قال عنها أَميرُ المؤمنين (ع) {علَّمني حبيبي رَسُولُ الله (ص) أَلف بابٍ مِن العلمِ، يُفتَحُ لي في كلِّ بابٍ أَلف بابٍ} ليس علومُ الدِّين فحسْب وإِنّما في مُختلفِ العلومِ التي يصنِّفها أَميرُ المؤمنين (ع) إِلى صنفَينِ بقولهِ {العلم عِلمانِ؛ عِلْمُ الأَديان وعِلْمُ الأَبدان} فلماذا لا نسير على خطاهُ في هذا المجالِ تحديداً والذي يُعتبَر [التَّعليم] حجر الزَّاوية في كلِّ عمليَّة بناء وإِعمار سواء على صعيد الفرد أَو المجتمع، وسواء على الصَّعيد المادِّي [المدنيَّة] أَو المعنوي [الفكر والثَّقافة والوعي وحرِّيَّة الرَّأي لبناءِ الشَّخصيَّة وتقويم السُّلوكِ].
إِنَّ التَّعليم في بلادِنا بحاجةٍ إِلى مشروعٍ وطنيٍّ شاملٍ ينهض بهِ على مُختلفِ المستوياتِ! فأَين مثلاً دَورُ المكتبات العامَّة والخاصَّة؟! لماذا لا يرتادُها إِلّا النُّزر اليسير من المواطنين وتحديداً من النَّشء الجديد؟! لماذا غابَ الكتابُ عن حياتِنا؟! لنكتفي بوسائل التَّواصل الاجتماعي التي خلقت للمجتمعِ كلَّ هذا التَّسطيح والسَّذاجة في الوعي والثَّقافة والتلقِّي والوعي والفَهم؟! لماذا لا يجدُ التِّلميذ في مُختلفِ المراحل التَّعليمية الظُّروف المُناسبة والطبيعيَّة للدِّراسة والتَّعليم؟! إِلى متى يظلُّ القطَّاع التَّعليمي يأخذ بالطُّرق والوسائِل التَّعليميَّة القديمة والبالية؟! ولماذا تُعاني جامعاتِنا من هبوطٍ مستمرٍّ في مجال التَّعليم والبحثِ والأَدوات والوسائِل؟! ولماذا لا يجد الخرِّيجون فُرصهُم الطبيعيَّة في سوقِ العملِ وفِي سوق البِناء الحضاري الشَّامل الذي تحتاجهُ البلاد؟!.
إِنَّ سيرة الامام الباقِر (ع) منهجٌ متكاملٌ في مجالاتٍ عدَّة وعلى رأسِها التَّعليم الذي اهتمّ به أهلُ البيتِ عليهِم السَّلام بشَكلٍ كبير جدّاً إِنطلاقاً من إِهتمام الاسلام بهِ والذي نزلَ على صدرِ رَسُولِ الله (ص) بقولهِ تعالى {اقْرَأْ} فبالقراءة تنهض الأُمم وبالعلمِ والمعرفةِ تتقدَّم! فلماذا لا نعيد قراءة سيرة الامام بما يُساعدنا في إِكتشاف منهج التَّربية والتَّعليم الذي نحتاجهُ وينسجم مع حاجاتِنا التَّعليميَّة والتَّربويَّة؟!.
٢/ إِنَّ إِنتشار الأَفكار الضالَّة والمُنحرفة أَحياناً في المجتمعِ سببهُ أَمرانِ؛
أَلأَوَّل؛ هو الفراغُ الذي يعيشهُ المجتمع وخاصّةً النَّشء الجديد، سواء على صعيد الفِكر والرُّوح أَو على الصَّعيد المادِّي إِذا ما انشغلت الدَّولة عنهُ ولم تهيِّء لَهُ مجالات التَّرفيه الجسدي كالرِّياضةِ وغيرِها!.
الثَّاني؛ تقصيرُ العُلماء والمفكِّرين وأَصحاب القلم الحرِّ النَّزيه في تبليغِ الرِّسالات بشَكلٍ سليمٍ وعلى مُستويَين؛
أَلف؛ عندما ينشغلونَ بالتَّوافه من الأُمور كتبنِّيهم للنِّقاشات العقيمة والسَّفسطائيَّة التي لا تُغني ولا تُسمن من جوعٍ، وهي بعيدةٌ عن إِهتمامات النَّاس!.
باء؛ وعندما ينشغلونَ بثقافةِ الأَحلام والخُرافة والغيبيَّات وتناقل الرِّوايات الضَّعيفة أَو التي تحمِلُ الفَ وجهٍ ووجه من دون شرحِها بالشَّكل الصَّحيح فيتركونها كالمعلَّقةِ في الأَذهانِ ما يُثيرُ الشُّبهات عند النَّشء الجديد الذي رُبما لا يجدُ الوقت الكافي للتثبُّت لفهمِها ووعيِها واستيعابِها بشَكلٍ صحيحٍ!.
نحنُ الآن على أَعتابِ شهر محرَّم الحرام الذي يُمثّلُ جامعةً تعليميَّةً لكلِّ الأَعمارِ والمستوياتِ، ينبغي أَن يتهيَّأَ لَهُ خُطباء المِنبر الحُسيني على أَحسنِ ما يُرام للردِّ على الشُّبهات الحقيقيِّة التي تُثار في السَّاحةِ ولمناقشةِ القضايا الاستراتيجيَّة التي تمثِّلُ تحدِّياتٍ حقيقيَّةٍ للمجتمعِ، خاصَّةً النَّشء الجديد، ولطرحِ الفِكر الرِّسالي النَّقي الخالص بِلا شوائب وبِلا إِثارات سلبيَّة تضرُّ ولا تنفع.
لقد واجهَ الامامُ الباقر (ع) كلَّ المناهِج الفكريَّة والثَّقافيَّة المُغايرة بما فيها المُنحرِفة وذلك بطريقَينِ إِستراتيجيَّينِ؛
أَلأَوَّل؛ هو نشر الفِكر السَّليم وعدم الانشغالِ بالردِّ على الأَفكار المنحرِفة والثَّقافة المسمومةِ فعنِ الامام جعفر بن محمَّد الصَّادق (ع) أَنَّهُ قال {لَو عَلِمَ النَّاسُ مَحاسِنَ عُلومِنا لاتَّبَعُونا}!.
إِنَّ مُهمَّتنا الأُولى هي نشر علوم أَهل البيت (ع) ونقلِها من بُطُونِ الكُتُبِ إِلى السَّاحةِ وإِلى الواقعِ وإِلى المجتمعِ!.
إِنَّ قلبي ليعتَصرُ أَلماً عندما أَسالُ شيعيّاً ما إِذا كان يقرأ [نهج البلاغة] فيجيبُ بالنَّفي! وكذا [الصَّحيفة السجاديَّة] زبور آل محمَّد [ورسالة الحقوق] للامامِ السَّجَّاد (ع) وغيرِها من التُّراث العلمي العظيم الذي تركهُ لنا أَهل البيت (ع)!.
لماذا ينشغلُ شبابنا بوسائلِ التَّواصل الاجتماعي التي لا تحمِلُ لهم إِلَّا الأَكاذيب والفبركات والاثارات السَّخيفة وقليلٌ جدّاً ممَّا هو نافعٌ ويتركونَ [نهج البلاغة] خلفَ ظُهورهِم؟!.
لماذا تنشغل قنواتنا الفضائيَّة [الشيعيَّة] تحديداً بالاثاراتِ التَّاريخيَّة وتترك الصَّحيفة السجاديَّة خلفَ ظهرِها؟!.
الثَّاني؛ هو الحوارُ ثمَّ الحوارُ ثمَّ الحوارُ وتوظيف قوَّة المنطق وعدم اللُّجوء إِلى منطق القوَّة أَبداً!.
لقد كان الامامُ (ع) يقضي شطراً طويلاً من اللَّيلِ يجلسُ فيه للنَّاس يُجيبُ على أَسئلتهِم ويحاورهُم ويناقشهُم بِلا عصبيَّةٍ أَو تعصُّبٍ مهما اختلفوا معهُ ومهما خرجوا عن الجادَّةِ حدِّ الكُفرِ والزَّندقةِ! فالنَّاسُ تُحِبُّ أَن تسمعَ جواباً على أَسئلتهِم وشُبهاتهِم بما يُقنعهُم وليس صفعاتٍ على الوجهِ أَو نقراً على الرُّؤُوسِ بالعصا كُلَّما سأَلوا خاصَّةً النَّشء الجديد الذي يجب أَن نتسلَّح بالصَّبر والأَناة وسِعة الصَّدر معهُم وهم يطرحونَ أَسئِلةً تَكُونُ في بعضِ الأَحيانِ خارجةً عن المألوفِ أَو تتجاوز الخُطوط الحمراء التي رسمَها العرفُ مثلاً أَو الماضي أَو ما أَشبه!.
دعوهم يسأَلون كلَّ شيءٍ وعلينا واجب الإجابةِ عليها، طبعاً مع الأَخذِ بنظرِ الاعتبار سُنَّة السَّائِل!.
دعوهم يسألونَ صِغاراً ليتعلَّموا في مُقتبلِ العُمُرِ! ولقد فلسفَ أَميرُ المؤمنينَ (ع) ذلك في وصيَّتهِ لولدهِ الحَسن السِّبط (ع) بقولهِ {وَإِنَّمَا قَلْبُ الْحَدَثِ كَالاَرْضِ الْخَالِيَةِ مَا ألْقِيَ فِيهَا مِنْ شَيء قَبِلَتْهُ، فَبَادَرْتُكَ بِالاَدَبِ قَبْلَ أَنْ يَقْسُو قَلْبُكَ، وَيَشْتَغِلَ لُبُّكَ}.
إِذا طردَ الأَبُ إِبنهُ حين يسألهُ وإِذا أَسكَتَ المُعلِّمُ تلميذهُ حين يسألهُ فسيلجأ إِلى الشَّارع ليأخُذ مِنْهُ الجواب وهو الأَمرُ الخطيرُ الذي يُعتبر بمثابةِ لحظةِ التحوُّل السَّلبي في حياة الشَّاب!.
ملاحظةٌ مهمَّةٌ أَخيرةٌ ينبغي الانتباه لها وهي؛
إِنَّ حجم إِنتشار الأَفكار الضالَّة في المجتمعِ، وأَغلبها ردَّة فِعل، يتناسب طرديّاً مع ظاهرة الاتِّجار بالدِّين والمذهبِ، فكُلَّما زادَ عدد المتاجرونَ بالدِّين إِتَّسعت رُقعة إِنتشار الأَفكار الضالَّة والعكسُ هو الصَّحيح! ولذلك فمِن الطَّبيعي جدّاً أَن نلحَظ اليوم ظاهرة إِنتشار مثلِ هذه الأَفكار بسببِ الازدياد المُضطرد بعددِ المُتاجرينَ بالدِّين والمذهبِ خاصَّةً [العمائِم الفاسِدة] التي تُوظِّف الدِّين والمذهبِ والشَّعائر الحسينيَّة والتَّاريخ والرمزيَّة الدِّينيَّة لتحقيقِ أَجنداتٍ سياسيَّةٍ وشرعنةِ فسادهِم وفشلهِم ولُصوصيَّتهم!.
يجب فضحهُم وتعريتهُم لعزلهِم من أَجْلِ حمايةِ الدِّين والمذهبِ ومن أَجْلِ حماية النَّشء الجديد من خطرِ الانحرافِ!.
اضف تعليق