q

امتدت الغيبة الصغرى للإمام المهدي المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف) قرابة سبعين عاماً، اقتصر فيها واجب المكلف على اتباع النائب المُعَيّن من قبل الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، وكان النواب يلي أحدهم الآخر، بحسب توصية الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) بذلك من خلال النائب نفسه، وهذا يعني أن تعيين النائب كان يستلزم ثقة المكلف بالنائب الذي سبقه، وهذا أمر يسير انطلاقاً من ثقة الإمام العسكري (عليه السلام) بالنائب الأول، ثم يكون الأمر بعدها تلقائياً، لكن الأمور لم تستمر على ذلك المنوال، وانتقل المكلف إلى مرحلة جديدة ذات مسؤولية أكبر.

بعد اشتداد المرض على النائب الرابع (علي بن محمد السمري)، قيل له:

(مَنْ وصيك مِنْ بعدك؟).

فقال:

(لله أمر هو بالغه).

وكانت هذه الجملة إيذاناً ببداية عصر جديد، إذ كيف للمكلف أن يعلم بأمر الله الذي لم يصرّح به النائب الرابع، لكن تلك الكلمات حملت في ثناياها، أن الأمة انتقلت إلى مرحلة تحمل المسؤولية واختيار الأصلح، وأن الثقة بقدرة الناس على معرفة الطريق، توثقت بما خبروه من تجارب عاشتها الأجيال قرناً بعد قرن، وترسخ ذلك بفضل الأحاديث الواردة في تحريم توقيت ظهور الإمام.

روي أن الفُضيل سأل الإمام الباقر (عليه السلام):

لهذا الأمر وقت؟

فقال (عليه السلام):

"كذب الوقّاتون، كذب الوقّاتون، كذب الوقّاتون".

في زمن انتظار الظهور المبارك، ينبغي على المؤمن والمؤمنة، السعي لإصلاح النفس والمجتمع بالقدر الممكن، وذلك من باب وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يقول الإمام الشيرازي الراحل (أعلى الله مقامه):

"لا يكون التكليف ساقطاً في زمن الغَيْبَة، بحجة أن الإمام سيظهر ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت ظلما وجوراً. فإنه لا شك في ظهوره، وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد، لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج فيه فيملأها عدلاً وقسطا كما ملئت جوراً وظلماً). لكن الكلام في أنه هل يجوز للإنسان عقلاً وشرعاً أن يترك ما ندب الله إليه، في مختلف شؤون الحياة، إلى ذلك اليوم، أم يلزم العمل بالتكليف الذي أمر به (عزّ وجلّ)؟ لا شك في لزوم السعي لإصلاح المجتمع ونشر الخير والفضيلة، وهداية الناس الى الإسلام".

من كتابات الإمام الشيرازي الراحل

من أهم التكاليف، في أيام غيبة الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، الثبات على موالاة آل محمد (عليهم السلام)، ففي الحديث عن الإمام علي زين العابدين (عليه السلام): "من ثبت على موالاتنا، في غيبة قائمنا، أعطاه الله أجر ألف شهيد مثل شهداء بدر وأحد".

ومن أهم التكاليف أيضاً (انتظار الفرج)، فإنها من أعظم العبادات، علماً بأن انتظار الفرج ليس بمعنى الانتظار القلبي فحسب، وإنْ كان الانتظار القلبي منه، لكن بمعنى العمل أيضاً لأجل الإمام المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، ولأجل أن يعجل الله تبارك وتعالى ظهوره (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، فكما أن الانتظار بالنسبة إلى الزارع أن يهيّأ الأرض وسائر الشؤون المرتبطة بالزرع، علينا في غيبة الإمام (عليه السلام) أن نهيء أنفسنا ومجتمعاتنا بالعمل الصالح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

إن انتظار الفرج بهذا المعنى مما ورد تأكيده في الروايات، روي عن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) أنه قال:

"المنتظر لأمرنا كالمتشحط بدمه في سبيل الله". فإن المنتظر يلاقي صعوبات كثيرة، حيث يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، في زمان أصبح المعروف منكراً والمنكر معروفاً، فحينئذ يكون كالمتشحط بدمه في سبيل الله، أما الجالس المتفرج الذي لا يعمل بواجباته فهل هو كالمتشحط بدمه!

وفي رواية عن أبي عبد الله (عليه السلام) لأحد أصحابه:

"من مات منتظراً لهذا الأمر، كان كمن هو مع القائم (عجل الله تعالى فرجه الشريف) في فسطاطه"، ثم قال: "لا بل كان كالضارب بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالسيف".

ومن تكاليفنا في زمن الغيبة: الدعاء للإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، ففي التوقيع الشريف عن صاحب الأمر، خرج على يد محمد بن عثمان، قوله:

"وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج فان ذلك فرجكم".

وعن يونس بن عبد الرحمن، أن الإمام الرضا (عليه السلام) كان يأمر للقائم بالدعاء: (اللهم ادفع عن وليك وخليفتك وحجتك على خلقك..) المذكور في (مصباح المتهجد) لشيخ الطائفة.

وفي رواية الدعاء: (اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن المهدي صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة، ولياً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعيناً، حتى تسكنه أرضك طوعاً وتمتعه فيها طويلاً).

اضف تعليق