|
|||||
|
|||||
رؤية مقترحة للتعاطي مع نزعة التجاوز على المقدس الإسلامي |
|||||
علي حسين عبيد |
|||||
(ليست هناك نوايا مثالية بل ثمة كلمات مثالية فقط) هذه الجملة ترسخت في حافظتي منذ أمد بعيد وهي لأحد الكتاب الغربيين حيث يحاول ان يبدو للآخرين على قدر من الواقعية والصدق وصحة تأشير الحقائق التي تنطوي عليها طبيعة العلاقات بين المجتمعات التي تناثرت في ارجاء المعمورة. وبذلك يمكن ان يكون للكلمة فعل السحر أحيانا على الرغم من أنها قد لا تقدم لنا فعلا ملموسا يعبر عن النوايا الحقيقية أو العملية. من هنا قد تثير مفردة (التعاطي) الواردة في عنوان هذا المقال شيئا من الالتباس لدى القارئ الكريم، فالغالبية ربما ترى وجوب التعامل بحزم مع نزعة التجاوز على المقدسات المستشرية هذه الايام على المستوى العالمي عامة والعراقي على وجه الخصوص ولا يُسمح لتوجه ما يتخذ من التعاطي المتعقل طريقا للبحث في اسباب وسبل معالجة هذه النزعة، بيد ان الرؤية الواقعية لهذه الاشكالية المتجذرة في السلوك البشري تدفع الى الرويَّة وأهمية التعامل المدروس مع الآخر في الجدل الانساني المتبادل والمثار حول قضية التجاوز على المقدس البشري إجمالا. وبداية نقول، لم يذكر لنا التأريخ الانساني القريب أو البعيد أفعالا مكرسة لاستهداف المقدسين الاسلامي أو الانساني عامةً، كالأفعال والافكار المتطرفة التي نواجهها اليوم، وليس ثمة مغالاة في قولنا هذا إستنادا الى ما تؤشره الوقائع المتواترة التي تحدث على الأرض. وهذا الامر يدعونا الى التعامل مع نزعة التجاوز والاستهداف المشار إليها على وفق طرائق تتميز بالطابع الاجرائي المقرون بالتعقل وتبتعد عن التنظير والرسائل او الاشارات التي تعتمد الكلام وحده كوسيلة مثلى لمعالجة مثل هذه الموجات الفكرية او المعتقدية المتطرفة وسبل التعاطي معها كواقع حال يفرض نفسه بطريقة او اخرى، وقبل ان نطرح رؤيتنا التي تنطوي على جوانب عملية تأخذ في حساباتها معطيات المرحلة الراهنة، يتوجب علينا النظر في الظروف والملابسات التي أسهمت بصورة او اخرى في تأثيث الفكر والفعل الإنسانيين بأسباب التطرف ومعاداة الآخر والنظر إليه من زاوية الشك وصولا الى تكفيره وحصره في خانة من لا يستحق الحياة. ولعل الداء الاكثر تعميقا لهوة الخلاف بين الاضداد والمتضادين في آن واحد، هو داء الكراهية الذي يفتك بالعلاقات الانسانية ويسمم أجواءها ويجعلها ذات نزعة عدائية ترفض الآخر من دون ادنى فرصة للحوار او بيان الرأي او المناقشات بكافة صورها واشكالها، ولكن ما هي جذور الكراهية وما طبيعة التربة التي نبتت وتنامت فيها ؟. بمعنى آخر كيف تولدت الكراهية كشعور مقرون بالفعل لدى الانسان؟. تذكر لنا البحوث والدراسات النفسية والتربوية والدينية السالفة، ان التركيب السايكولوجي للانسان ينطوي على نسبة ما من الكره القابع في الاعماق، وستأتي لاحقا وسائل التحضر الانساني تباعا لتشذب روح الانسان وسلوكه وتحاول ان تقتلع الكره او تحد من سطوته لدرجة الترويض القابل للتهدئة، فالفلسفة الاغريقة مضت بصورة حثيثة بهذا الاتجاه وجاءت الآيات القرآنية الكريمة لتحض المسلم والانسان بصورة عامة على نبذ الكراهية والتآخي ونشر المحبة والتسامح والعيش بسلام، ثم برز دور التربويين والفلاسفة الايجابيين والادباء ودعاة الخير والتحرر في تقديم المعالجات التي تدخل في مضمار كبح جماح الكراهية واشاعة روح المحبة والألفة بين بني البشر، غير اننا نتفق على ان الكلام وحده برغم (سلطته المتنامية وخياراته المفتوحة) سيعجز عن اطفاء حالات الشعور بالغبن ما لم تدعمه الافعال عندما تطبق بصورة ملموسة على أرض الواقع، ومن هنا تبدأ إشكالية الكره الذي يتولد عن مسببات تقع في الصدارة منها النظر للإنسان من لدن الانسان الآخر بمناظير مختلفة تؤدي الى خلق حالات من الازدراء والشعور بالدونية ومن ثم البحث عن متنفس من خلال شحنات الكراهية المتنامية في أعماق الإنسان المغبون. ولعل عالمنا يحفل اليوم بالكثير مما يولد هذه المشاعر المغالية والتي بدورها تتحول الى أفعال تتخذ طابع العنف كرد فعل متوقع، غير ان ما يثير الدهشة حقا ان الامر يتجاوز الحدود المألوفة ليصل الى التجاوز على المقدس الاسلامي وغيره، كما حدث مع الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة للرسول الاكرم (ص) من قبل بعض الصحف الأوربية التي أثارت موجة من السخط الاسلامي المتولد من حالة الشعور بالازدراء من قبل الطرف المسيء، لكن الامر مع واقعة تفجير قبة الامامين العسكريين (ع) في مدينة سامراء يتخذ مسارا آخر، حيث لا يشي هذا التصرف برد فعل متولد عن حالة غبن او ازدراء او ما شابه ذلك، ان الاقطاب المتصارعة في سلوك كهذا تتقارب من حيث التوازن الطبقي والانحدار السلالي كما هو الحال مع العرب مثلا، بمعنى آخر ان الصراع لم يحدث بين غني وفقير او بين مسلم وكافر اذا جاز هذا التوصيف، اننا قد نستطيع أن نرجع ما حدث من احداث عنف بين شرائح المجتمع الفرنسي في العام الفائت الى معيار الازدواجية في التعامل وفي عدم تكافؤ الفرص وما الى ذلك، لكن الامر مع تفجير المراقد الاسلامية المقدسة يأخذ مسارا آخر يدخل في صلب إشكالية الكراهية البشرية التي تتأتى من حالة انغلاق وتحجر فكري شديدين، الامر الذي ينم عن درجة تشبث مستميت بالرؤية والرأي مهما كانت نسب الشطط في توجهاته ومساراته عالية بسبب المغالاة الكبيرة في رفض الآخر ومعتقداته ومقدساته، في هذه النقطة بالذات تكمن خطورة المأزق الذي تواجهه البشرية من دون استثناء، أي عندما يتحجر العقل البشري ويصل درجة الانغلاق التام والتباعد الفاصل عن الفكر البشري المقابل، هنا ستتشكل خطورة التطرف، الامر الذي يستلزم التعامل مع هذه القضية على وفق جهود جمعية مدروسة مسبقا تميل الى العنصر الاجرائي أكثر من ترجيحها لكفة الكلام او الفكر وما الى ذلك من توجهات تنظيرية قد لا تسعف الموقف بالدرجة المطلوبة. فالحوار وحده في مثل هذه الحالة لا يكفي، ودور الاعلام على أهميته سيقف عاجزا كمن يصفق بيد واحدة، ثمة الجانب الاجرائي المتمثل بعقد لقاءات مباشرة بين الاطراف المتنازعة فكريا ومعتقديا، وعدم الركون الى اليأس او التسليم بأن أحد الطرفين لا يملك الاستعداد الكافي لمواجهة الامر بصورة مباشرة، ان الفشل لمرة أو اثنتين او ثلاثا لا يعني نهاية المطاف، وان الانغلاق المعتقدي التام قد يبقي ثغرة وان كانت بحجم سم الخياط، وان الوصول الى آلية اجرائية تحمي المقدسات الاسلامية الانسانية عامة هو جهد بشري جمعي يقع على عاتق الانسان المنغلق والمستعد لحلبة الحوار المفتوح على مصراعيه. ليس ثمة من يستثنى من الاسهام الجدي في هذه المهمة. ولعل ما حدث لمرقد الامام الهادي والامام العسكري (ع) الشريف يدفع باتجاه البداية الصحيحة بالاتفاق بين المتشدد والمتفهم وبالعكس على ان حدود هذه المراقد هي من حدود الله، ومثلما ترغب بالحفاظ على مقدساتك ورعايتها وحمايتها، فإن الطرف الآخر يرغب في المحصلة نفسها، وحري بالمسلمين قبل غيرهم وبشتى مذاهبهم ان يقدموا صورة مشرقة للاسلام عن طريق الكف عن التجاوز على المقدس الاسلامي وزيادة لحمة المسلمين ورص صفوفهم بما يخدم الاسلام والمجتمع الانساني على وجه العموم. |
رؤية مقترحة للتعاطي مع نزعة التجاوز لمحات من سيرة الامامين العسكريين (ع) التنوير العراقي بين جدلية الدولة مفهومية التنوير في فكر الامام الشيرازي الأ بعاد الروحية للشعائر الإسلامية محمد علي شمس الدّين وألـفـة المكان الشّعري |
||||
|