(رويترز) - في ليلة الثاني من يونيو حزيران 2015 أغلق مسلحون طريقا سريعا على الساحل الشمالي لليبيا وأوقفوا شاحنة بيضاء كانت متجهة إلى العاصمة طرابلس، صوب الرجال بنادقهم إلى السائق وصعد ثلاثة إلى الشاحنة لتفتيشها.
كانت الإريترية روتا فيسهاي (24 عاما) راقدة في عربة المقطورة الأولى من الشاحنة. يرقد إلى جوارها 85 رجلا وامرأة من إريتريا بينهم امرأة حامل. اختبأ بضع عشرات من المصريين في عربة المقطورة الثانية. يجمعهم حلم واحد هو الوصول إلى أوروبا.
أمر المسلحون المهاجرين بالنزول من الشاحنة. فصلوا المسلمين عن المسيحيين ثم الرجال عن النساء. طلبوا ممن قالوا إنهم مسلمون تلاوة الشهادة. تلا المصريون الشهادة في صوت واحد.
"أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله"، فرد المسلحون بالتكبير.
أدركت فيسهاي أنها أصبحت في أيدي تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا. ارتدى خاطفوها جلبابا مموها وهي ملابس لم ترها على أي رجال غيرهم في ليبيا. اختبأ معظمهم وراء أقنعة. رفرف علم أسود من إحدى شاحناتهم الصغيرة.
تتذكر فيسهاي وهي مسيحية ترتدي قلادة من الخيط الأسود ترمز لعقيدتها الأرثوذكسية "كنا متأكدين أنهم سيأخذوننا إلى حتفنا... بكينا يائسين، لكن خاطفيها حضروا لغاية أخرى، بينما يحارب تنظيم الدولة الإسلامية للتوسع في ليبيا فإنه يكافئ مقاتليه من خلال استغلال الأعداد الكبيرة من المهاجرين الأفارقة الذين يتدفقون على البلاد سعيا للوصول إلى أوروبا.
منذ ظهور التنظيم في ليبيا في أواخر عام 2014 عبر نحو 240 ألف مهاجر ولاجئ البلد الذي تمزقه الحرب. وقال 14 مهاجرا شهدوا عمليات الخطف وفروا منذ ذلك الحين إلى أوروبا إن في الأشهر الثمانية عشر الأخيرة خطفت عناصر الدولة الإسلامية ما لا يقل عن 540 لاجئا في ستة كمائن منفصلة.
ثم سبى المقاتلون أو اغتصبوا أو باعوا أو بادلوا ما لا يقل عن 63 امرأة مخطوفة وصفت تسع منهن معاناتهن بالتفصيل لرويترز. تمثل حكاياتهن أول رواية موثقة عن استعباد تنظيم الدولة الإسلامية للاجئات جنسيا واستخدامه لهن كعملة بشرية لاستقطاب أو مكافأة المقاتلين في ليبيا. إنها نفس الانتهاكات التي مارستها مع النساء اليزيديات في سوريا والعراق.
ولقربها من جنوب أوروبا وحدودها المشتركة مع ست دول أفريقية أصبحت ليبيا أهم موقع للدولة الإسلامية خارج سوريا والعراق. إنها أرض يحارب التنظيم المتشدد باستماتة للدفاع عنها، في أغسطس آب قصفت مقاتلات أمريكية سرت معقل تنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا في محاولة لانتزاع المدينة من قبضته. أعادت الضربات الجوية إحياء حملة عسكرية كانت توقفت بدأتها كتائب ليبية هذا الصيف.
تمثل سرت أهمية استراتيجية للدولة الإسلامية فهي تقع على طريق سريع يربط مركزين لتهريب البشر في ليبيا هما أجدابيا في الشمال الشرقي حيث يتوقف المهاجرون لتسوية الأمور المالية مع المهربين وموانئ الصيد في الغرب حيث تبحر القوارب إلى أوروبا كل أسبوع.
من هذا المعقل وجد تنظيم الدولة الإسلامية عدة سبل لتحقيق مكاسب من أزمة اللاجئين على الرغم من إعلانه في عدد سبتمبر أيلول من مجلة (دابق) التي يصدرها أن الهجرة "كبيرة من الكبائر"، وقال سكان ليبيون أجرت رويترز مقابلات معهم ومسؤول أمريكي كبير وتقرير لمجلس الأمن الدولي نشر في يوليو تموز إن التنظيم حصل ضرائب من المهاجرين مقابل المرور الآمن واستخدم طرقا غير مألوفة لإدخال مقاتلين جدد.
يقول العميد محمد جنيدي الضابط بالمخابرات الذي يعمل مع القوات المحلية التي تتكون من عناصر من مدينة مصراتة المجاورة إن الدولة الإسلامية جندت مهاجرين لينضموا إلى صفوفها وقدمت لهم المال ووفرت لهم الزواج من ليبيات.
ووفقا لروايات فيسهاي وناجين آخرين أجريت معهم مقابلات فإن التنظيم اتخذ عبيدا من الأعداد الكبيرة من اللاجئين الذين يمرون عبر الأراضي الخاضعة لسيطرته. وجرت خمس من ست عمليات خطف جماعي تحققت منها رويترز على شريط من الأرض يبلغ طوله 160 كيلومترا قرب سرت في مارس آذار ويونيو حزيران ويوليو تموز وأغسطس آب وسبتمبر أيلول من العام الماضي. وقعت عملية الخطف السادسة قرب حدود ليبيا مع السودان في يناير كانون الثاني هذا العام، تستند هذه الرواية إلى مقابلات مع فيسهاي وثماني نساء أخريات استرقهن تنظيم الدولة الإسلامية بالإضافة إلى خمسة رجال اختطفوا أيضا. وتحدثت رويترز إلى لاجئين في ثلاث دول أوروبية على مدار أربعة أشهر. وافقت امرأتان على نشر اسميهما مجازفتين بأن تعانيا من الوصمة التي تلاحق الناجيات من العنف الجنسي. ولم يتسن لرويترز الوصول إلى مقاتلين من الدولة الإسلامية في ليبيا أو التحقق من جوانب معينة من روايات النساء من مصادر مستقلة.
الموت بالرصاص أفضل من حد السيف
قبل أن تغادر إريتريا شعرت فيسهاي بأنها سجينة عملها بائعة في مزرعة مملوكة للحكومة. على غرار معظم الشباب في إريتريا كانت مجندة في الخدمة الوطنية طويلة الأمد التي تفرضها الدولة التي تمتد لما بعد الأشهر الثمانية عشر التي ينص عليها القانون بكثير. تعيش بالكاد من راتبها الضئيل الذي يبلغ 36 دولارا شهريا. لكنها شعرت أيضا بأنها لا تستطيع الاستقالة والمجازفة بإغضاب الحكومة التي تتهم عادة بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان.
قررت فيسهاي وهي امرأة ضئيلة البنية تملأ ابتسامتها وجهها خوض المجازفة. في يناير كانون الثاني 2015 عبرت الحدود إلى السودان مع قريب وصديقين وقد تعلق قلبها بأوروبا، في العاصمة السودانية الخرطوم قضت فيسهاي أربعة أشهر لجمع مبلغ 1400 دولار الذي تحتاجه لسداد الرسوم لمهرب من أجل القيام بالرحلة إلى ليبيا. حاولت العثور على عمل مربح دون جدوى. على غرار آلاف اللاجئين الذين سبقوها اتصلت بأقارب في الخارج لمساعدتها. تحدثت إلى بعض من هاجروا قبل وقت قريب وعثرت على مهرب إريتري أشاد به عملاؤه، قبل أن تنطلق عبر الصحراء استمعت إلى قصص عن مجرمين مسلحين يغتصبون النساء في ليبيا. سددت مبلغا لطبيب ليحقنها بعقار لمنع الحمل يستمر مفعوله لثلاثة أشهر، وقالت "حين تترك إريتريا يستحيل أن تعود. فعلت ما ستفعله أي امرأة".
بدأت المحطة الأولى من رحلتها بلا عقبات. في مايو أيار عبرت قافلتها الصحراء الكبرى ووصلت إلى أجدابيا بشمال شرق ليبيا. اعتقدت فيسهاي أنها اجتازت المرحلة الصعبة من الرحلة. وعلى الرغم من أنه لا توجد جهة تحصي أعداد المهاجرين الذين يموتون من المرض أو الجوع والعنف في الصحراء فإن جماعات معنية بشؤون اللاجئين تقول إن أعداد من يفقدون حياتهم في الصحراء ربما تزيد على أعداد من يغرقون بالبحر المتوسط.
وقالت "لم يوقفنا أحد في الصحراء... والمهربون قالوا لنا إننا يجب ألا نقلق بشأن داعش (الدولة الإسلامية)... لم أتوقع أن أرى ولاية منظمة مثل ولايتهم في ليبيا"، لكنها كانت مخطئة"، في الليلة التي اختطفت فيها أمر مسلحو الدولة الإسلامية فيسهاي وغيرها من المسيحيين بالعودة إلى الشاحنة. صعد الرجال إلى عربة المقطورة الأمامية بينما صعدت النساء وعددهن الإجمالي 22 إلى العربة الخلفية.
تحركت الشاحنة باتجاه الشرق على نفس الطريق الذي سلكوه قبل ذلك بساعات. تبعتهم شاحنة صغيرة مزودة بمدفع رشاش، بعد ذلك بنصف ساعة استدارت الشاحنة إلى طريق ترابي ولاحت أنوار البلدة في الأفق. شاهد بعض من الأسرى الرجال مقاطع فيديو لعمليات قطع الرأس بحد السيف التي ينفذها التنظيم المتشدد. حين أدركوا أن المسلحين ينتمون لهذه الجماعة قفز الرجال وفروا في الصحراء. اندلع إطلاق نار. البعض قتلوا بينما أسر البعض الآخر. لم ينجح في الهرب سوى عدد قليل.
قال هاجوس هاجدو وهو أحد الرجال الذين قفزوا من الشاحنة في مقابلة في هالستا بالسويد "فكرنا أن قتلنا بالرصاص أفضل من قطع رؤوسنا بحد السيف." لم يؤسر في تلك الليلة ونجح في الوصول إلى أوروبا بعد ذلك بشهرين. وقال "لم نرد أن نموت وأيدينا وأرجلنا مقيدة. حتى الحيوان يحتاج إلى أن يتلوى في ساعة الموت"، وضع المقاتلون المهاجرين في مستشفى مهجور بمنطقة وعرة قرب بلدة النوفلية الصحراوية. فتشوا النساء بحثا عن مصوغات فكانوا يرفعون أكمامهن باستخدام قضيب. نقلوهن إلى حجرة صغيرة كانت بها امرأة نيجيرية محتجزة، في الصباح التالي قام أحد قادة المقاتلين وهو من غرب أفريقيا بزيارة النساء. أحضر صبيا صغيرا هو واحد من سبعة أطفال إريتريين على الأقل اختطفتهم الدولة الإسلامية في مارس آذار ليترجم له، سأل الرجل "هل تعلمن من نكون؟"، التزمت النساء الصمت، قال الرجل "نحن الدولة الإسلامية"، ذكر النساء بأن الدولة الإسلامية هي الجماعة التي ذبحت 30 مسيحيا من إريتريا وإثيوبيا في أبريل نيسان وصورت المذبحة ونشرت الفيديو على الإنترنت. وطمأنهن إلى أن دولة الخلافة لن تعدمهن لأنهم نساء لكن في حالة واحدة فقط وهي إذا اعتنقن الإسلام، وحذر "وإلا سنتركن لتتعفن هنا".
وجدت فيسهاي أن اعتناق ديانة أخرى إثم. انهالت هي والنساء الأخريات بالأسئلة على الرجل: هل نستطيع أن نتصل بعائلاتنا ونخبرهم أين نحن؟ هل يمكنهم دفع فدية لإطلاق سراحنا؟ هل تستطيع أن تخبرنا ماذا فعلتم بإخوتنا؟ بأزواجنا؟
لم يقدم الرجل سوى بضع إجابات لم يجدن فيها عزاء، بعد ذلك بثلاثة أسابيع في الأسبوع الأول من شهر رمضان في يونيو حزيران قصفت مقاتلات مجمع المستشفى المهجور وانهارت بعض المباني. من الصعب تحديد من يقف وراء الهجوم. أعلن كل من الجيش الأمريكي وجماعات غرب ليبيا تنفيذ غارات على بلدات قريبة في نفس التوقيت تقريبا.
خلال الفوضى التي أعقبت ذلك ركضت فيسهاي والنساء الأخريات بين الأنقاض حافيات الأقدام في الصحراء. أحرقت سخونة الأرض أقدامهن. ركض الرجال الأسرى الذين كانوا محتجزين في نفس المجمع طيلة هذه الفترة أمامهن، سريعا رأى الأسرى أمامهم ظل شاحنة صغيرة ورجالا يحملون بنادق. لوح المسلحون للمهاجرين ليتوقفوا ثم فتحوا النار. توقفت النساء. فر معظم المهاجرين من الرجال لكن تم القبض على 11 منهم وجلدهم. مكانهم غير معروف، استمرت الضربات الجوية خلال الأسبوع. في نهاية المطاف نقل مقاتلو الدولة الإسلامية النساء إلى المقر المهجور لشركة مقاولات تركية في النوفلية على بعد ساعتين.
ضم السجن المؤقت آلات لتمهيد الأرض وجرافات استخدمت في مشاريع لمد الطرق في منتصف العقد الأول من الألفية الجديدة يغطيها الصدأ تحت حرارة الشمس الشديدة. حفر العمال المؤقتون أسماءهم وأسماء دولهم على جدران المجمع. مكثت فيسهاي والنساء الأخريات في حجرة صغيرة حيث كانت الحوائط الجاهزة المقامة منها الحجرة تتفصد عند ارتفاع درجات الحرارة. سجنت أسرة كورية مكونة من طبيب أطفال وزوجته وأخيها في حجرة أخرى.
استغرقت فيسهاي والنساء الأخريات أسبوعا فقط لتقمن بمحاولة أخرى للهروب. فرت تسع ليست بينهن فيسهاي. بل إنها أعيدت إلى السجن المؤقت وجلدت لأيام. اعتنى الطبيب الكوري بجراحها، بعد ذلك ببضعة أسابيع في أوائل أغسطس آب انضمت 21 إريترية أخرى إلى مجموعة فيسهاي. اختطفن أيضا على طريق سريع في وسط ليبيا. جاءت امرأة بصحبة أطفالها الثلاثة وأعمارهم خمسة وسبعة أعوام و11 عاما.
اعتناق الإسلام
خلال فصل الصيف عززت الدولة الإسلامية سيطرتها في وسط ليبيا. في سرت سحق مقاتلو الدولة الإسلامية انتفاضة للسلفيين فأعدموا معارضيهم وعلقوا جثثهم على أعمدة النور. في النوفلية قاموا بعرض للرؤوس المقطوعة لإسكات المعارضة.
ثم في سبتمبر أيلول أعلن أبو المغيرة القحطاني الشهير باسم أبو نبيل عن حاجة الجماعة الماسة لكل مسلم يستطيع الحضور. استدعى المقاتلين والأطباء والخبراء القانونيين والإداريين الذين يمكنهم مساعدته في بناء دولة. فرض ضرائب باهظة على الأعمال التجارية وصادر ممتلكات الأعداء على غرار ما فعله التنظيم في سوريا والعراق.
تضخمت أعداد أعضاء الدولة الإسلامية ووفقا لتقديرات الجيش الأمريكي فربما تكون الأعداد قد وصلت في ذروتها إلى ستة آلاف مقاتل في ليبيا وإن كانت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) قد خفضت هذه التقديرات بشدة في الشهر الحالي إلى ألف مقاتل في سرت.
يحتاج الرجال العزاب الذين فر معظمهم من أجزاء أخرى من أفريقيا إلى من يؤنس وحدتهم وقد استعانت الدولة الإسلامية بالنساء المتقدمات في العمر في سرت للمساعدة. يقول العميد جنيدي من قوات مصراتة إن النساء اللاتي أطلق عليهن "الغربان" لاتشاحهن بالسواد قمن بزيارة منازل أهل البلدة وسجلن أسماء الفتيات غير المتزوجات فوق 15 عاما بوصفهن زوجات مستقبليات محتملات.
ومع تزايد طموحات الجماعة في ذلك الصيف زادت الحاجة للنساء أيضا. يسمح تفسير تنظيم الدولة الإسلامية للشريعة للرجال باتخاذ إماء. أصبحت النساء المخطوفات اللاتي لا يتمتعن بحماية البعيدات عن ديارهن أهدافا سهلة. في منتصف أغسطس آب بعد خطف فيسهاي بأكثر من شهرين نقل مقاتلو الدولة الإسلامية النساء الست وثلاثين المحتجزات إلى هراوة الخاضعة لسيطرتهم وهي بلدة صغيرة على بعد 75 كيلومترا من سرت.
تصف فيسهاي والنساء السبع الأخريات اللاتي أجرت رويترز مقابلات معهن الحياة في هراوة في البداية بأنها كانت شبه طبيعية، لم تكن هناك ضربات جوية أو ضرب أو تهديد بالعنف الجنسي. شملت السبايا الإريتريات اللاتي اختطفن في يونيو حزيران وأغسطس آب بمن فيهن فيسهاي ونيجيريتان والزوجان الكوريان وقريبهما وكانوا يقيمون في مجمع كبير قرب السد بالبلدة. في الأسابيع القليلة التالية انضمت لهن عشر عاملات بالمجال الطبي من الفلبين اختطفن من مستشفى في سرت ومحاضرة من بنجلادش اختطفت من جامعة سرت وامرأة حامل من غانا اختطفت في سرت وإريترية اختطفت هي وطفلها الذي لا يتجاوز عمره أربعة أعوام من على الطريق السريع إلى طرابلس.
في تلك المرحلة نشأت صداقة بين فيسهاي وسمرت كيدان (29 عاما) التي تركت أبناءها الثلاثة مع والديها في إريتريا بحثا عن حياة أفضل في أوروبا. كانت ضمن مجموعة النساء اللاتي اختطفن في أغسطس آب، صادقت كيدان حارسا يدعى حفيظو وهو ميكانيكي تونسي تحول إلى التشدد في أوائل الثلاثينيات من عمره. ساعد حفيظو النساء على ممارسة حياتهن الجديدة في الأسر. كان يحضر لهن البقالة وينقل طلباتهن لرؤسائه في سرت. كان يواسيهن حين يبكين. وينصحهن بأن ينسين حياتهن السابقة ويعتنقن الإسلام. وعدهن بأن بهذه الطريقة يمكن إطلاق سراحهن ليعثرن على زوج من المقاتلين. بل ربما يسمح لهن بالاتصال بذويهن في الديار، طلبت النساء تلقي دروس دينية وأحضر لهن نسخة من القرآن مترجمة للغتهن الأولى التيجرينية. كما أحضر جهاز كمبيوتر محمول وذاكرة خارجية حمل عليها نصوصا دينية ودروسا عن حياة المتشددين الذين لاقوا حتفهم.
كانت فيسهاي أول من رضخت. في سبتمبر أيلول بعد أن قضت ثلاثة أشهر في الأسر اعتنقت الإسلام وغيرت اسمها إلى ريما. حذت كيدان والأخريات حذوها بعد ذلك بشهر، قال فيسهاي "لم أستطع أن أرى مخرجا آخر. الإسلام كان خطوة أخرى نحو حريتي. أخبرونا بأننا ستكون لنا بعض الحقوق باعتبارنا مسلمات.
بعد اعتناقهن الإسلام أحضر لهن حفيظو العباءات والنقاب الأسود. كان يتعامل معهن عن بعد ويغض البصر. كان يشرف على ممارستهن للشعائر الدينية من على بعد، علمهن حارس آخر هو مقاتل سوداني أكبر سنا الصلاة. كان يتلو آيات من القرآن ويطلب من النساء كتابة كلماته وترديدها. حين انتقل الحارس إلى وظيفة جديدة في سرت أحضر حفيظو شاشة تلفزيون وكان يعرض عليها بعض مقاطع الفيديو للدروس الدينية والمهام الانتحارية. وكما وعد سمح حفيظو للنساء بالاتصال بأسرهن.
في ديسمبر كانون الأول اخترق إطلاق النار المتكرر الهدوء النسبي للحياة في هراوة. أصبح الطعام شحيحا. كثيرا ما كان حفيظو يستدعى لجبهة القتال ويختفي لأيام. ذات يوم انفرد بكيدان وأبلغها بأن تستعد لما هو آت. لقد تغيرت القيادة إذ مات أمير الدولة الإسلامية في ليبيا في ضربة جوية أمريكية قبل ذلك بشهر ومعه مصير النساء، قال حفيظو لكيدان "أنتن الآن سبايا." شرح لها أنها تواجه هي والنساء الأخريات أربع احتمالات. قد يتخذهن ملاكهن سبايا أو يقدموهن هدايا أو يبيعهن لفصائل أخرى أو يطلقون سراحهن.
ذكرت كيدان أن حفيظو قال لها "لا تقلقي بشأن ما سيحدث لك على أيدي الرجال... اجعلي كل همك علاقتك بالله"، لم تذكر كيدان هذه التفصيلة لفيسهاي والنساء الأخريات حتى لا يصيبهن اليأس، فيما بعد جاء أحد رؤساء حفيظو إلى المجمع لإحصاء أعداد المحتجزين. كتب أسماء وأعمار النساء في دفتر. طلب منهن إزالة النقاب وفحص وجوههن. عاد بعد أسبوع وأخذ اثنتين تبلغان من العمر 15 و18 عاما معه. في 17 ديسمبر كانون الأول طلب كيدان. في ذلك اليوم أعطاها لعضو ليبي بكتيبة للدولة الإسلامية في سرت. وعلى الرغم من توسلاتها المتكررة رفض مالكها الجديد أن يجمعها بصديقتها فيسهاي، فرت كيدان والفتاتان المراهقتان ويطلبن الآن اللجوء في ألمانيا.
سبايا
في نهاية يناير كانون الثاني أصيبت فيسهاي بقرحة في المعدة ألزمتها الفراش. وزاد التوتر الأمور سوءا. فأثناء عودتها من زيارة للمستشفى بعد ظهر أحد الأيام شاهدت طفلا لا يتجاوز عمره تسع سنوات وهو يطلق الرصاص على رجل في ساحة المدينة.
وبعد ذلك بفترة وجيرة نقلت مع بقية النساء المحتجزات إلى مستودع في سرت يستخدمه تنظيم الدولة الإسلامية في تخزين المعدات والوقود والسبايا. وفي نفس الأسبوع لحقت بهن مجموعة تضم 15 امرأة إريترية خطفن في يوليو تموز وثلاث إثيوبيات خطفن في يناير كانون الثاني، وأصبح المستودع بالنسبة للنساء آخر جبهة لإظهار التحدي. فبوصفهن مسلمات جدد طالبن بتوفير رعاية صحية أفصل وبتحريرهن من الرق. وكان الرد هو الضرب، ولم تثبت المقاومة جدواها. واشترى مقاتل إريتري يدعى محمد فيسهاي في فبراير شباط وكان دائما ما يزور المكان ليلقي نظرة على النساء.
ولم يذكر أبدا كم دفع ليشتريها وكان يبدو لطيفا في البداية ويسأل عن صحتها الواهنة وحياتها السابقة في إريتريا، وقالت فيسهاي "كنت حائرة. اعتقدت أنه سيساعدني. ربما تسلل إلى داعش. وربما هو واحد منهم حقا. بدأت أتشبث بالأمل".
لكن على العكس مما اعتقدت فقد اغتصبها مرارا على مدى أسابيع، وقالت فيسهاي "لم يطلعنا أحد مطلقا على آية في القرآن تقول إن بمقدورهم استعبادنا... كانوا يريدون تدميرنا... الكثير جدا من الشر في قلوبهم"، وفكرت فيسهاي في الهرب لكنها لم تجد سبيلا إلى ذلك، وأعارها مالكها لرجل آخر وهو مقاتل سنغالي يكنى باسم أبو حمزة. وجلب أبو حمزة زوجته وأطفاله الثلاثة إلى الجبهة في ليبيا وكانت فيسهاي تعمل بلا مقابل في مطبخ منزله.
وكان العمل كثيرا لكن يمكن أن يطاق حتى جاءت ليلة في منتصف فبراير شباط عندما أحضر أبو حمزة امرأة إريترية أخرى من المستودع واغتصبها طوال الليل، وتذكرت فيسهاي ما حدث في تلك الليلة وقالت "كانت تصرخ وتصرخ. انفطر قلبي... وكانت زوجته تقف بجوار الباب وتبكي"، في الصباح التالي أقنعت فيسهاي الضحية الجديدة بالهرب سويا. وغادرتا المدينة وهربتا إلى الصحراء، لم يتوقف أحد لمساعدتهما وألقت الشرطة الدينية القبض عليهما خارج المدنية، وعادتا مرة أخرى إلى الأسر. واستعاد أبو حمزة أمته وأخذ محمد فيسهاي إلى مبنى من ثلاثة طوابق في سرت كان يعيش فيه مع مقاتلين آخرين.
وهناك كانت تعيش فيسهاي مع امرأة إريترية أخرى تبلغ من العمر 22 عاما وطفلها ذي السنوات الأربع وهما ملك قائد تونسي يدعى صالح. وكانت تعيش امرأة إريترية أخرى عمرها 23 عاما في الطابق السفلي مع طفلها البالغ عامين وطفلتها التي أنجبتها وهي في الأسر. ويمتلك مقاتل نيجيري يطلق على نفسه اسم البغدادي المرأة وطفليها.
وأبلغت المرأتين فيسهاي إنهما تعرضتا للاغتصاب في مناسبات عدة. وتحدثتا عن قصتيهما شريطة عدم نشر اسميهما، وقالت الإريترية والدة الطفلين في وقت لاحق "لم يكن هناك أحد ليساعدني. لذا التزمت الهدوء واستسلمت للانتهاكات... توقفت عن المقاومة. كان يفعل ما يشاء معي".
الهرب
في أبريل نيسان هذا العام اتخذت حكومة الوفاق الليبية الجديدة قاعدة بحرية في طرابلس مقرا لها. وعلى نحو منفصل خططت فصائل متنافسة وهي حرس المنشآت النفطية في الشرق وكتائب أمنية في مدن الغرب لمهاجمة تنظيم الدولة الإسلامية من اتجاهين مختلفين.
وفي هذه الأثناء في سرت علمت فيسهاي وصديقتاها إن أحداهن وهي المرأة أم الطفلين ستباع لرجل آخر، دفعهم هذا الأمر للتخطيط للهرب. تظاهرن بالحديث إلى عائلاتهن لكن في الحقيقة كن يتحدثن إلى مهربين إريتريين في طرابلس.
قمن بدراسة مواعيد الخاطفين واستطلعن الأماكن المحيطة بهن عندما كان يمزح معهن التونسي صالح بقسوة بترك مفاتيح المنزل مع أمته بعد أن يصطحب طفلها معه، وفي النهاية وفي الصباح الباكر يوم 14 أبريل نيسان استولت النساء على 60 دينارا ليبيا (نحو 40 دولارا) من حقيبة صالح وهربن من المنزل عبر باب خلفي لكن بدت سرت وكأنها مدينة مهجورة وخشين من إلقاء القبض عليهن وعدن مرة أخرى إلى المنزل.
وغامرن بالخروج مرة أخرى بعد ساعات عندما عادت الحياة إلى المدينة. وسرن على أقدامهن لساعات حتى توقفت سيارة أجرة لهن.
تفاوضت فيسهاي مع السائق بلغة عربية ركيكة. أبلغته أنهن خادمات تعرضن للخداع من رب العمل. وأعطته رقم مهرب إريتري في طرابلس، وتفاوض السائق مع المهرب عبر الهاتف. واتفق على توصيلهن مقابل 750 دينارا (540 دولارا) سيمنحها المهرب له بعد وصول النساء إلى بني وليد على بعد خمس ساعات بالسيارة، لكن الرحلة إلى بني وليد استغرقت 12 ساعة، ودفع المهرب الإريتري بحسب الاتفاق المبلغ للسائق ونقلهن إلى مكان للاختباء فيه، وهناك خلعن النقاب وبكين من الفرحة. وصلين من أجل العشرات اللاتي لا زلن في الأسر.
واستعارت فيسهاي هاتف المهرب واتصلت بوالدها في إريتريا. وبعد قليل انتشر خبر هروبها بين الأصدقاء والأقارب وسددوا دينها ودفعوا ألفي دولار أخرى للمهرب ليضعها في قارب متجه إلى أوروبا، وفي مايو أيار عندما غرق 1133 مهاجرا في البحر عبرت فيسهاي البحر المتوسط. لقد انتهى أسرها الذي استمر لعشرة أشهر، اجتازت طريقا سلكه الكثير من اللاجئين عبر إيطاليا والنمسا ووصلت إلى ألمانيا بعد شهر من هروبها، وتسعى حاليا للحصول على حق اللجوء في ألمانيا.
اضف تعليق