القارة الاوربية التي كانت جنة الامن والرفاه الاقتصادي، كحالة استثنائية في ظل عالم تشوبه الصراعات والهجمات الارهابية، لم تعد استثنائية كما في السابق فالتفجيرات الاخيرة التي ضربت بعض الدول الاوربية قد فسرها الاوربيون على انها جاءت بسبب عنف المسلمين بخطاب يميل للتعميم السلبي وتصعيد لغة الاسلاموفوبيا، فيما فسرها اخرون بانها الدليل القاطع على عقوق الابن غير الشرعي (داعش) كرد فعل مناقض لمن ينسب هذا الغول المشاكس الى اب عربي كمحاولة لتوجيه الانظار نحو الدين الاسلامي على انه دين العنف والقتل والقائمة تطول بالاتهامات آخرها عدو الحياة.
في كلا الاتهامين قد تكون وجهة النظر صحيحة لكن اللغة التعميمية هي الخطا في نهاية المطاف، فداعش وتنظيم القاعدة وغيرها من فروع الارهاب الوهابي كانت ولا زالت تتغذى من المال والفتاوى السعودية، هذه الدولة التي ارهقت الاسلام والمسلمين وسحبتهم الى عمق الصراعات التي لم يتضح افق نهايتها لحد الان، لكن في المقابل نجد ان السعودية هي الابن الشرعي للاستعمار البريطاني الذي كان يصارع العثمانيين على مناطق النفوذ في البلدان العربية، وحتى الان لا تزال الدول الغربية تحرض على عدم المساس بالمصالح الصعودية او اي محاولة لتشويه صورتها رغم سجلها الحافل بالجرائم، فالصفحات الـ28 التي تتهم السعودية بالضلوع بتفجيرات الحادي عشر من سبتمبر قد تم حجبها حتى بعد ان ادى الامريكيون كشفها، اما قضية رفع اسم السعودية من القائمة السوداء للدول التي تنتهك حقوق الاطفال فهي المثال الابرز لانحياز الدول الغربية للنظام السعودي الحاكم والمتهم الرئيس في دعم الارهاب ماليا وفكريا. وهذا يعطي الدليل الابرز لرعاية الدول الغربية للارهاب تحت المسميات الاسلامية لضرب المسلمين وابعاد الشبهة عن الاخرين.
من جهة اخرى فان ما يحدث في الدول الغربية يحمل بين ثناياه ابعادا اخرى بعضها خشية تلك الدول من تنامي الحركة الاسلامية في الآونة الاخيرة، التي باتت تمثل تهديدا واضحا وهذا مادفع بعض الانظمة الغربية الوقوف وقفة مستميتة في وجه هذا التدفق المخيف، فكانت نقطة البداية من اجراءات الحكومة الفرنسية عندما قامت بمنع ارتداء الحجاب في الاماكن العامة وحتى المؤسسات الحكومية الرسمية كونه تلميحا للدين الاسلامي. وآخر الغيث في مضمار التضييق على المسلمين ما صدر من تصريحات على لسان المرشح الجمهوري للرئاسة الامريكية دونالد ترامب حيث دعا إلى منع دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة بشكل شامل حتى يتمكن المشرّعون من فهم ما يحدث واصفا ما حصل جراء الارهاب الاسلامي.
هذه التصريحات وغيرها اثارت غضب منافسي ترامب على الضفة الاخرى بقيادة هيلاري كيلنتون وقد تخدمهم في حصد الكثير من التأييد من خلال استثارة العاطفة الجامحة التي يتمتع بها المسلمون المهاجرون فقد برزت تصريحات تحاول طمئنة المسلمين المقيمين على الأراضي الاوربية عادينها متنافية مع المبادى العامة للقارة. وهذه الاجواء قد تجعل الاوضاع بصورة عامة بين شد وجذب فقد يستخدمها البعض اداة لتضييق الخناق على الجالية المسلمة التي عانت ولاتزال تعاني من قيود كبيرة وكثيرة من جهة، ومن اخرى قد يتعكز عليها غرماء ترامب في حصد المزيد من الاصوات في المعركة الانتخابية التي عادة ما يستخدم بها السلاح الابيض (التصريحات).
هنا نود الاشارة الى نتائج دراسة اجريت في الولايات المتحدة الامريكية تصرح بأن الاسلام سيكون في غضون عام 2030 يوازي الديانات الاخرى المسيحية واليهودية وبطبيعة الحال مثل هذا الأمر قد لا يروق للكثيرين ممن يخشون تعدي الحركة الاسلامية التوقعات وتصبح هي الصبغة الاولى في بلدانهم.
تخشى الدول الاوربية الابن "الارهاب المدعوم سعوديا وخليجيا" الذي اشتد عضده واكتسى لحما مما اغدقه عليه الآباء (امريكا – اسرائيل – بريطانيا – فرنسا - المانيا) من كرم الابوة ليصبح قادرا على خلق الرعب ونشر الدمار في منازل الحلفاء العرب الذي لم يسلموا من شقاوة هذا الابن العنيد وبالفعل حصل ما خطط له من قبل الاقطاب التي تتولى توجيه العلم حيث تريد. فقد قام بقتل وانتهاك كل الحرمات عابرا جميع التصورات في الوحشية والدموية التي اتخذها منهجا لحياته المجهولة الهوية وعديمة الاتجاه مستخدما بعض العناصر العربية في تنفيذ مخططه الخبيث.
ما يثير التساؤل هو السبب الذي دفع هذا الارهاب (الذي يستمد وجوده من فتاوى تكفر المسلمين قبل غيرهم) في ان يقدم على مثل هذه التصرفات اللاخلاقية ويرتكب عدد من الاعمال الارهابية في عواصم أبرز من كان سبب وجوده في الحياة قد يكون حرمانه من بعض مستحقاته المالية التي يحصل عليها بشكل هدايا على افعاله، او اصابه الغرور بعد ان عثر على مؤيدين كثيرين ممن يطلق عليهم متطرفين. لتنقلب الدول الاوربية وتتخذ من هذه الاحداث ذريعة لمنع توسع للمسلمين داعمين توجههم بشواهد حية وحقيقية للخروج بالوجه الابيض امام شعوبهم، لكن هذا المنع قد يكون عامل آخر من عوامل عدم الاستقرار في القارة التي لم تدفع ثمن اخطاء ابنها الذي خرج عن سيطرتها.
سياسة النظر بعين واحدة التي طالما عرفت بها الدول الاوربية خصوصا في التعامل مع جميع الملفات التي لاتهم سوى الشعوب العربية وقليل من الشعوب التي هي الاخرى تعاني الامرّين نتيجة السياسة الحمقاء لقيادات يزعمون بأنهم عظماء، ادى وبشكل مباشر الى بروز خروقات امنية هنا وهناك واصبح امر يأرق الطبقة السياسية قبل العامة التي ايضا تخشى على حياتها من رعونة ذلك التنظيم غير واضح المعالم والتصرف. لم تتخيل تلك الانظمة الاوربية يوماً ما ان يحدث ما قام به الكيان الداعشي فهو حقا ناكرا للجميل ناسفا واجبات الولد تجاه الوالد فهو حقا ابنا عاقا.
اضف تعليق