إن من القواعد المهمة في الإسلام عصمة الدماء والأموال والأعراض بغض النظر عن انتماء الإنسان المذهبي والديني والعرقي واللغوي؛ لأن الحفاظ عليها من أهم المقاصد الكبرى في الإسلام، ولأن إراقة الدماء، وسلب الأموال، وهتك الأعراض قبيح في نفسه، ومضر لنفسه وغيره، ويعد من أهم مصاديق الظلم والعدوان الذي نهى عنه الشرع كما العقل.
وإن أي قتل للأنفس البريئة واستهداف المصلين في المساجد وأماكن العبادة والتعدي على الحسينيات والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة من أعظم المحرمات وأكبر الموبقات وأشد المنكرات في الإسلام.
وقد اعتبر القرآن الكريم أن قتل نفس واحدة تعادل قتل الناس جميعاً، وأن إحياءها تعادل إحياءهم كلهم، يقول تعالى: ﴿مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً﴾[1].
ولم تقيد الآية الشريفة جريمة قتل النفس بأي قيد إضافي كالإسلام والإيمان، فالإنسان محترم ما لم يكن مهدور الدم، فالآية الشريفة تدل بوضوح على أهمية احترام النفس الإنسانية، وعدم جواز الاعتداء على الإنسان -أي إنسان- بغض النظر عن دينه أو مذهبه أو عرقه أو لغته، فالآية أشارت بوضوح إلى قتل النفس ﴿مَن قَتَلَ نَفْساً﴾ ولم تقل من قتل نفساً مسلمة، وفي هذا دلالة على العموم والإطلاق إلى وجوب احترام النفس الإنسانية، وأن قتل أي إنسان -بغير حق- هو بمثابة قتل الناس جميعاً.
يقول الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله): «كلُّ المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه»[2] وقال (صلى الله عليه وآله): « الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ»[ 3]، فلا يجوز لأحد أن يتعدى بقول أو فعل على المسلم الآخر؛ لأنه يخالفه في المذهب أو الرأي أو المنهج الفكري.
الإرهاب والمحرمات الثلاث
إن أي عمل انتحاري أو إجرامي يستهدف المصلين أو الأبرياء أو دور العبادة يعد من الإرهاب؛ كما حدث في مسجد الإمام الرضا (عليه السلام) بحي محاسن بالأحساء، وفي عدة مساجد أخرى في مناطق متعددة، وأن من قام بذلك الفعل الإرهابي والإجرامي يرتكب ثلاثة محرمات من أعظم المحرمات والذنوب الكبيرة في الإسلام:
فالمحرم الأول هو: قتله لنفسه، وقد حرمه الله تعالى بنص القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ﴾[ 4]. فكما حرم الإسلام قتل الآخرين، فقد حرم على الإنسان أن يقتل نفسه أيضاً، فلا يجوز للإنسان أن ينتحر، أو يقوم بأي عمل يؤدي بنفسه للقتل؛ بل لا يجوز للإنسان أن يبتر عضواً من أعضائه كقطع يده أو أذنه أو جذع أنفه أو فقء عينيه، أو أن يذهب بقوة من قواه كقوة عينه فلا يبصر أو أذنه فلا يسمع؛ إذ أن هذه الأعمال تعد من إرهاب الإنسان ضد نفسه وحياته، وهو تعدٍ على حقه في الحياة، فلا يجوز له أن يقضي على نفسه بالانتحار أو التعدي على أحد أعضائه وقواه الرئيسة.
والمحرم الثاني: قتله للمصلين من أهل القبلة، وقد حرمه الله تعالى في قوله عز وجل: ﴿وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ﴾[ 5] فقتل الأبرياء من غير حق من أشد المحرمات والكبائر في الإسلام.
والمحرم الثالث: انتهاك حرمة المساجد والسعي في خرابها، يقول تعالى: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَـئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَآئِفِينَ لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾[ 6].
وفاعل ذلك يستحق العذاب العظيم في الآخرة، والخلود في جهنم، والقصاص منه في الدنيا، يقول تعالى: ﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً ﴾[ 7]. وقال الإمام الصادق (عليه السلام): «من قتل نفسه متعمداً فهو في نار جهنم خالداً فيها»[ 8].
ومن الضروري معالجة هذه الظاهرة الإرهابية الخطيرة التي تستهدف المصلين في المساجد أو غيرها من خلال: نشر العلم والمعرفة الدينية الصحيحة، ومواجهة الغلو والتشدد والتكفير والتعصب المذموم، وبيان حرمة الإرهاب وبشاعته، وحرمة انتهاك المساجد وقدسيتها، وتبيين مشروعية الاختلاف في الآراء والقضايا الاجتهادية، وشرعية التعدد المذهبي والفكري، وتفنيد الشبهات والإشكاليات التي يتمسك بها التكفيريون والإرهابيون.
ومن أجل بناء مجتمع متماسك وقوي يلزم نشر ثقافة التسامح والمحبة والتعايش بين الناس على اختلاف مذاهبهم وطوائفهم ومدارسهم الفكرية والفقهية، وتجريم نشر ثقافة الكراهية والتكفير والتشدد والتطرف والعنصرية وازدراء واحتقار المذاهب والأديان والتي تؤدي في نهاية المطاف إلى صناعة العنف والإرهاب الأسود، ووجوب حماية وحفظ الأنفس والأموال والأعراض من أي تعدٍ أو عدوان أو تجاوز أو إرهاب.
اضف تعليق