جورج سوروس
نيويورك ــ إن المجتمعات المفتوحة عُرضة للخطر دائما. ويصدق هذا بشكل خاص في حالة أميركا وأوروبا اليوم، وذلك نتيجة للهجمات الإرهابية في باريس وأماكن أخرى، والطريقة التي تفاعلت بها أميركا وأوروبا، وخاصة فرنسا، مع هذه الهجمات.
لقد اكتشفت التنظيمات الإرهابية الجهادية، مثل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) والقاعدة، نقطة الضعف التي تعيب مجتمعاتنا الغربية: الخوف من الموت. وبتأجيج هذا الخوف عن طريق شن الهجمات المروعة ونشر مقاطع الفيديو الرهيبة المفزعة، توقظ آلة داعش الدعائية هذا الخوف وتضخمه، وتدفع حتى العقلاء في المجتمعات المفتوحة إلى التخلي عن عقلهم.
اكتشف علماء الدماغ أن العواطف تشكل عنصراً أساسياً في عمليات التفكير والاستنتاج بين البشر. ويفسر هذا الاكتشاف لماذا يشكل الإرهاب الجهادي مثل هذا التهديد القوي لمجتمعاتنا: فالخوف من الموت يدفعنا وقادتنا إلى التفكير ــ ثم التصرف ــ بحماقة.
الواقع أن علم الدماغ يؤكد ما أثبتته التجربة منذ أمد بعيد: فعندما نخشى على حياتنا، تسيطر العواطف على تفكيرنا وتصرفاتنا، ونجد صعوبة في إصدار أحكام عقلانية. فالخوف يعمل على تنشيط جزء من الدماغ أقدم وأكثر بدائية من ذلك الذي يصوغ القيم والمبادئ المجردة للمجتمع المفتوح ويحافظ عليها.
وبالتالي، يصبح المجتمع المفتوح دائماً عُرضة للخطر بسبب التهديد الذي تفرضه استجابتنا للخوف. فالجيل الذي ورث مجتمعاً مفتوحاً عن آبائه لن يفهم ما هو المطلوب للحفاظ عليه إلى أن يجتاز الاختبار ويتعلم كيف يمنع الخوف من إفساد العقل. والإرهاب الجهادي ليس سوى المثال الأحدث. فكان الخوف من الحرب النووية اختباراً للجيل الماضي، وكان الخوف من الشيوعية والفاشية اختباراً للجيل الذي أنتمي إليه.
يتخلص الهدف النهائي للإرهابيين الجهاديين في إقناع الشباب المسلمين في مختلف أنحاء العالم بأنه لا يوجد بديل للإرهاب. والهجمات الإرهابية هي الوسيلة لتحقيق هذه الغاية، لأن الخوف من الموت سوف يوقظ ويضخم المشاعر الكامنة المعادية للإسلام في أوروبا وأميركا، ويحمل السكان من غير المسلمين على التعامل مع كل المسلمين باعتبارهم مهاجمين محتملين.
وهذا هو ما يحدث الآن على وجه التحديد. إذ تعمل ردود الفِعل الهستيرية المعادية للمسلمين في مواجهة الإرهاب على توليد الخوف والاستياء بين المسلمين الذين يعيشون في أوروبا وأميركا. فيغلب الخوف على استجابة أبناء الجيل الأكبر سنا، في حين يغلب السخط والاستياء على استجابة أبناء الجيل الأكثر شبابا؛ والنتيجة هي أرض خصبة لتوليد إرهابيين محتملين. وهي عملية انعكاسية تبادلية ذاتية التعزيز.
كيف يمكن إذن وقف هذه العملية وعكس اتجاهها؟ من المؤكد أن هجر القيم والمبادئ المؤسِّسة للمجتمعات المفتوحة والاستسلام لنزوة معادية للمسلمين يمليها الخوف ليس الإجابة على هذا التساؤل، وإن كان من الصعب مقاومة الإغراء. الواقع أنني جربت هذا شخصياً عندما شاهدت المناظرة الرئاسية الجمهورية الأخيرة؛ ولم أتمكن من السيطرة على مشاعري إلا عندما تذكرت أنه من غير المنطقي بلا أدنى شك أن ينفذ المرء رغبات أعدائه.
بطبيعة الحال، لا تكفي الحجج المجردة لإزالة الخطر الذي يفرضه الإرهاب الجهادي؛ فنحن في احتياج إلى استراتيجية للتغلب عليه وإلحاق الهزيمة به. وما يؤكد على هذا التحدي حقيقة مفادها أن الظاهرة الجهادية صاحبتنا لأكثر من جيل كامل. وقد يكون من المستحيل اكتساب الفهم الصحيح لهذه الظاهرة. ولكن المحاولة أمر لا مناص منه.
ولنتأمل هنا الصراع السوري، الذي يُعَد السبب الأساسي وراء مشكلة الهجرة التي تفرض تهديداً وجودياً على الاتحاد الأوروبي كما نعرفه. إذا حُلَّت هذه المشكلة فسوف يكون العالم في حال أفضل.
ومن الأهمية بمكان أن ندرك أن تنظيم داعش يعمل من موقف ضعف. ففي حين ينشر الخوف في أرجاء العالم، يتمكن الضعف من قبضته على موطنه الأصلي. فقد اعتمد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قراراً بالإجماع ضد التنظيم، ويدرك قادة داعش أن أيامهم في العراق وسوريا باتت معدودة.
لا شك أن آفاق المستقبل في سوريا تظل غير مؤكدة إلى حد كبير، ومن غير الممكن أن نتوصل إلى فهم واضح للصراع الدائر هناك ونتعامل معه في معزل. ولكن هناك فكرة واحدة تطل علينا واضحة وساطعة كالشمس: من الخطأ الفادح أن نفعل ما يريد الإرهابيون منا أن نفعل. لهذا السبب، ومع قدوم عام 2016، يتعين علينا أن نعيد التأكيد على التزامنا بمبادئ المجتمع المفتوح ومقاومة دعاوى الهلاك التي يطلقها أمثال دونالد ترامب وتِد كروز، مهما بلغ ذلك من صعوبة.
اضف تعليق