إن كان الانسحاب الأميركي من أفغانستان يجري بسرعة خاطفة باغتت الكثيرين، فالواقع أن واشنطن قررت قبل أربع سنوات أنها سئمت "الحروب بلا نهاية"، محولة اهتمامها إلى مجال المنافسة مع دول كبرى مثل الصين وروسيا، فالحملة ضد مجموعات إرهابية خارجة عن نطاق أي دولة مثل القاعدة وتنظيم داعش استهلكت...
إن كان الانسحاب الأميركي من أفغانستان يجري بسرعة خاطفة باغتت الكثيرين، فالواقع أن واشنطن قررت قبل أربع سنوات أنها سئمت "الحروب بلا نهاية"، محولة اهتمامها إلى مجال المنافسة مع دول كبرى مثل الصين وروسيا.
فالحملة ضد مجموعات إرهابية خارجة عن نطاق أي دولة مثل القاعدة وتنظيم داعش استهلكت كل إمكانات المؤسسة الأمنية الأميركية والتهمت تريليونات الدولارات منذ اعتداءات 11 أيلول/سبتمبر 2001. بحسب فرانس برس.
وصل الرئيس السابق دونالد ترامب إلى السلطة عام 2017 على وعد بالخروج من أفغانستان، واصفا الحرب في هذا البلد بأنها مجرد "فوضى" و"إهدار"، فالحرب في أفغانستان كما في العراق تحولت إلى انتشار عسكري لا يمكن توقع نهاية له، وعنف متواصل وعجز عن إلحاق هزيمة حاسمة بالعدو.
وبحلول العام 2000، كان ترامب تغلب على الآراء المعارضة ومهّد لسحب القوات من البلدين، تاركا في كل منهما 2500 عسكري فقط عند انتهاء ولايته في كانون الثاني/يناير. ومع انتقال السلطة إلى جو بايدن، واصل المسار نفسه فأعلن الخميس أن القوات الأميركية ستستكمل انسحابها من أفغانستان بحلول 31 آب/أغسطس، وقال "إننا ننهي أطول حرب خاضتها أميركا" مضيفا أن "الولايات المتحدة لا تحتمل أن تبقى مكبّلة بسياسات وضعت للاستجابة للعالم كما كان قبل عشرين عاما".
تحدٍّ من بوتين وشي
شكلت اعتداءات 11 أيلول/سبتمبر 2001 صدمة للمؤسسة الأمنية الأميركية وأرغمت الإدارة على إطلاق "الحرب على الإرهاب" مركزة كل جهودها على هذا الصعيد، واجتاحت الولايات المتحدة على رأس قوة تابعة للحلف الأطلسي أفغانستان لطرد نظام طالبان الذي كان يؤوي تنظيم القاعدة وزعيمه آنذاك أسامة بن لادن.
وفي السياق نفسه، اجتاح الرئيس الأسبق جورج بوش العراق أيضا لإطاحة الرئيس صدام حسين، سعيا لإعادة خلط الأوراق في الشرق الأوسط وإبعاد أي خطر عن الولايات المتحدة، وحققت الحملتان العسكريتان نجاحا سريعا، إذ تفكك تنظيم القاعدة في أفغانستان وفر قادته، كما سقط صدام حسين وقُبض عليه في العراق.
لكن الولايات المتحدة أبقت قواتها على الأرض في البلدين على أمل إعادة بناء الدولة فيهما، ولا سيما أن انسحابها كان يثير مخاوف من عودة الوضع إلى ما كان عليه قبل اعتداءات 11 أيلول/سبتمبر.
لكن اعتبارا من العام 2013، راجع القادة الأمنيون الأميركيون سياستهم حين باشر الرئيس الصيني الجديد شي جينبينغ عملية مكثفة لتعزيز القوات العسكرية الصينية، وفي مسعى للتصدي للقوة العسكرية الأميركية بل حتى التفوق عليها، بدأت الصين إقامة قواعد عسكرية في جزر صغيرة متنازع عليها في بحر الصين الجنوبي، كما أقامت قاعدة في جيبوتي وخططت لإقامة قواعد أخرى في آسيا والشرق الأوسط.
في هذه الأثناء، اجتاح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شبه جزيرة القرم الأوكرانية عام 2014 ودعم حركة انفصالية تقاتل قوات كييف في شرق البلاد، وبعد عامين، شنت موسكو حملة شديدة للتدخل في الانتخابات الرئاسية الأميركية، وخلال الفترة ذاتها، باشر الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون خطة طموحة لتطوير صواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية يمكنها تهديد الولايات المتحدة، وأكد ترامب هذا المنعطف في استراتيجيته للأمن القومي عام 2017، وجاء فيها أن "الصين وروسيا تتحديان القوة والنفوذ والمصالح الأميركية، محاولتين إضعاف الأمن والازدهار الأميركيين"، وأكدت أن البلدين "مصممان على جعل الاقتصادات أقل حرية ونزاهة، وتطوير قواتهما العسكرية، والسيطرة على الأخبار والمعلومات لقمع مجتمعيهما وتوسيع نفوذهما".
نقطتان ساخنتان جديدتان: أوكرانيا وتايوان
وعملا بهذا الخط الجديد الذي يذكر بحقبة الحرب الباردة، دفع البنتاغون في اتجاه توسيع قوته البحرية وبناء قاذفات صواريخ بعيدة المدى وغواصات هجومية أقوى، وتحديث أسلحته النووية، كما تحتّم التصدي للتحدي الصيني والروسي في مجالات جديدة، مع استحداث قيادة فضائية وقيادة إلكترونية، وترسخت الأولويات الجديدة في عهد ترامب، وأكدها بايدن في آذار/مارس عند إصدار سياسته للأمن القومي، وجاء فيها أن "توزيع القوة عبر العالم يتبدّل، مولّدا تهديدات جديدة. الصين بصورة خاصة ازدادت تصميما بشكل سريع".
وتابعت أن "كلا من بكين وموسكو استثمر بقوة في جهود هدفها التصدي للقوة الأميركية ومنعنا من الدفاع عن مصالحنا وعن حلفائنا عبر العالم"، وباتت أوكرانيا وتايوان نقطتي الارتكاز الجديدتين بدل أفغانستان ومنطقة سوريا والعراق، وتلقى كلاهما أسلحة أميركية أكثر تطورا للتصدي لروسيا والصين على التوالي.
وأنشأ البنتاغون مكتبا جديدا يتركّز عمله على الصين، كما ترسل واشنطن بانتظام سفنا إلى المياه المحيطة بتايوان وبحر الصين الجنوبي، في تحد ضمني لتأكيدات الصين بشأن السيطرة على هذه المناطق البحرية، أما بالنسبة لروسيا، فعمد بايدن إلى توطيد العلاقات مع الحلفاء الأطلسيين، وشاركت سفن حربية أميركية خلال الأسبوعين الماضيين في تدريبات في البحر الأسود حيث تقوم القوات الروسية بمناورات عسكرية.
ويشدد البنتاغون على أن مكافحة الإرهاب لا تنتهي بالانسحاب من أفغانستان، غير أنها تتخذ منحى مختلفا يعتمد على الضربات الجوية والصاروخية من قواعد بعيدة وعلى أطراف حليفة تتحرك في أفغانستان حيث لا يزال تنظيم القاعدة ينشط، وقال بايدن "إننا نعيد نشر مواردنا ونكيّف وضعيتنا في مكافحة الإرهاب للتصدي للتهديدات حيث تكمن الآن".
اضف تعليق