q
الاغتيال بكل اشكاله وطرق تنفيذه تعتبر من الجرائم البشعة التي لا تمت للإنسانية بصلة او وشيجة، لكن الأكثر قسوة منها هو اغتيال المفكر او الاديب او المثقف او العالم حياً نعم هناك طرق أكثر قسوة ووحشية من القتل بالرصاص او السم او التعذيب، فالتشهير والكذب...

لا أحد يملك الحق في منع الآخر من حرية التفكير والتعبير عن آرائه او مصادرة حقوقه وما يعتقد به او فرض أفكار وتوجهات خاصة عليه بالإكراه والتهديد، هذه وغيرها من ابسط الحقوق التي من المفترض ان يتساوى بها الانسان مع نظيره من الخلق او أخيه في الدين، وهي ما فطر الخالق (عز وجل) البشرية والمجتمعات الإنسانية عليه، لكن في حقيقة التطبيق تجد ان الواقع يختلف كثيراً عما ارادت السماء لأهل الأرض.

ان مصاديق ما تقدم أكثر من ان تحصى، ولعل من الأمثلة عليها هو (الاغتيال) بصورته العامة و(الاغتيال السياسي) بصورته الخاصة، والذي يلجأ اليه أصحاب الغدر والجهل والتطرف في تصفية خصومهم بالقتل او الاعتقال والتعذيب او بالكذب والتشهير وغيرها من مسالك الشر التي تهدف الى تسقيط وإلغاء الاخر عن طريق العنف.

وقد عرف الاغتيال بمعناه العام بانه "مصطلح يستعمل لوصف عملية قتل منظمة ومتعمدة تستهدف شخصية مهمة ذات تأثير فكري أو سياسي أو عسكري أو قيادي ويكون مرتكز عملية الاغتيال عادة أسباب عقائدية أو سياسية أو اقتصادية أو انتقامية تستهدف شخصاً معيناً يعتبره منظمو عملية الاغتيال عائقاً لهم في طريق انتشار أوسع لأفكارهم أو أهدافهم".

حكم الاغتيال في الاسلام

جاء الدين الإسلامي الحنيف ليخلص الناس من التعصب والتطرف والعنف والجاهلية وكل الأعراف والتقاليد البالية التي تتنافى وفطرة الانسان السليمة في حب الخير والدعوة للسلم والسلام والحرية، وقد نهى الإسلام الغيلة او الغدر في مواجهة الخصوم او من يختلف معك في أي جانب من جوانب الحياة، لان العنف لا يولد سوى المزيد من العنف والكراهية، ولا بد للإنسان ان يبحث عن بدائل أخرى لحل الخلافات بدلاً من سفك الدماء او الغدر او التسقيط.

وقد بين المرجع الديني الكبير، اية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي، في معرض سؤاله عن حكم الاغتيال من وجهة نظر الإسلام، والنظم الأخرى، بأن "الغدر منهي عنه في الإسلام، وقد ورد عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه كلمته المعروفة: (يا أيها الناس لولا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس، ألا أن لكل غدرة فجرة، ولكل فجرة كفرة، ألا وأن الغدر الفجور والخيانة في النار)، ونجد في التاريخ أن الفرصة أتيحت لـ(مسلم بن عقيل) - رسول الإمام الحسين (ع) إلى الكوفة - للغدر بـ(عبيد الله بن زياد) إلا أنه امتنع من ذلك وقال: (المؤمن لا يغدر)".

الاغتيال المعنوي

الاغتيال بكل اشكاله وطرق تنفيذه تعتبر من الجرائم البشعة التي لا تمت للإنسانية بصلة او وشيجة، لكن الأكثر قسوة منها هو اغتيال المفكر او الاديب او المثقف او العالم حياً!

نعم هناك طرق أكثر قسوة ووحشية من القتل بالرصاص او السم او التعذيب، فالتشهير والكذب والتدليس وتشويه السمعة وقلب الحقائق التي تستهدف العظماء في أي امة من الأمم، خصوصاً في حياتهم، قد تقتل هذا العالم او المفكر الاف المرات قبل ان يموت هماً وحسرة مما تعرض له من تشويه مستمر قد يستمر لما بعد مماته وتصبح هذه الأكاذيب حقائق ومن المسلمات بمرور بتقادم الزمن.

ويعرف هذا النوع من الاغتيال بـ"اغتيال الشخصية (Character assassination) ويعرف بانه "عملية متعمدة ومستمرة تهدف لتدمير مصداقية وسمعة شخص أو مؤسسة أو منظمة أو مجموعة اجتماعية أو أمة، ويستخدم وكلاء أو عملاء اغتيال الشخصية مزيج من الطرق المفتوحة والخفيفة لتحقيق أهدافهم، مثل رفع الاتهامات الكاذبة، وزرع الشائعات وتعزيزها، والتلاعب بالمعلومات".

اغتيال الشخصية هو محاولة لتشويه سمعة الشخص، وقد ينطوي على المبالغة أو تضليل نصف الحقائق أو التلاعب بالحقائق لتقديم صورة غير صحيحة للشخص المستهدف، بل هو شكل من أشكال التشهير ويمكن أن يكون شكلا من أشكال الشخصنة.

أما بالنسبة للأفراد الذين يتم استهدافهم في محاولات اغتيال الشخصية، فقد يؤدي ذلك إلى رفضهم من قبل مجتمعهم أو أسرهم أو أفراد في حياتهم أو بيئة عملهم، وكثيرا ما يصعب عكس أو تصحيح هذه الأعمال، وتشبه العملية عملية الاغتيال الاحترافي للحياة البشرية، ويمكن أن تستمر الأضرار لآخر العمر، أو للرموز التاريخية، لعدة قرون بعد وفاتهم.

الخلاصة

لا يمكن ان يكون الاغتيال (سياسي، ديني، معنوي، اقتصادي، ثقافي..الخ) هو المفتاح لحل القضايا الخلافية او الفيصل بين المتخاصمين على الاطلاق، الحل يكمن فقط في تطبيق ثقافة الحوار والبحث عن النقاط المشتركة بين المختلفين فكرياً او عقائدياً او سياسياً او اجتماعياً او اقتصادياً بدلاً من البحث عن الصدام والصراع واللجوء الى العنف والاغتيال للتخلص من الخصوم، وهذا العمل لا يقتصر في معناه وتطبيقه على الفرد بل يشمل الجميع بما فيها الحكومات والمؤسسات والمنظمات بمختلف توجهاتها وتسمياتها.

وعليه نعتقد ان الجميع تقع عليه مسؤولية محاربة هذا الفكر المتطرف الذي يقوم على إلغاء الآخر وحرمانه من حق التفكير والعمل بما يعتقد، بل وحرمانه من حق الحياة التي وهبها له الخالق من دون وجه حق افساداً في الأرض وتخريباً للقيم الإنسانية السامية التي جبل عليها بني البشر، ولا يتحقق ذلك إلا من خلال:

1. اعتماد الحوار كثقافة عالمية يمكن الركون اليها في حل جميع الخلافات والخصومات مهما كانت كبيرة وعميقة.

2. محاربة مسببات اللجوء الى التصفية والاغتيال، ومنها التخلف والجهل والتعصب والتطرف وغيرها من المغذيات للعنف.

3. تفعيل دور منظمات المجتمع المدني في نشر ثقافة السلام والحوار ومكافحة الاغتيال بكل اشكاله من خلال تعريف المجتمعات بمخاطرة وما يؤدي اليه من انهيار القيم الأخلاقية والإنسانية داخل هذه المجتمعات.

4. تشريع قوانين أكثر صرامة في التصدي لهذه العمليات التي من شأنها تدمير المجتمعات وقتل الابداع وحرية التفكير فيها.

5. ابعاد الخصومات السياسية للأحزاب او الحركات او أصحاب القرار السياسي عن اللجوء الى أساليب العنف والاغتيال في تصفية من يعارضهم او يخالفهم في التوجه.

6. توفير حماية قانونية ومعنوية للنشطاء والمفكرين والادباء والمثقفين وغيرهم حتى لا يكونوا هدفاً سهلاً للمتنفذين للتخلص منهم والافلات من العقاب.

* باحث في مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث/2002–2019Ⓒ
http://shrsc.com

................................
المصادر: 1. ويكيبيديا، 2. مجلة النبأ (العدد 67 - 68).

اضف تعليق