q
{ }
مفهوم وممارسة التسامح تاريخيا مرتبط بقدم وجود التجمعات الانسانية منذ سالف العصور، فكما عرف الانسان الحروب والاعتداء والاختلاف والتعصب فقد عرف التسامح ايضا، وان تنوعت اشكال التعبير عنها بحسب العادات والموروث الفكري والثقافي للإنسان ضمن هذه المجتمعات، وقد تعاطف الكثير من الحضارات القديمة مع قيم التسامح...

ناقش مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث، الورقة النقاشية الموسومة (التسامح وحق الاختلاف)، بمشاركة عدد من مدراء المراكز البحثية، وبعض الشخصيات الحقوقية والاكاديمية والاعلامية والصحفية، وذلك في ملتقى النبأ الأسبوعي.

هذا وقد بين الباحث في المركز باسم الزيدي: "إن مفهوم وممارسة التسامح تاريخيا مرتبط بقدم وجود التجمعات الانسانية منذ سالف العصور، فكما عرف الانسان الحروب والاعتداء والاختلاف والتعصب فقد عرف التسامح ايضا، وان تنوعت اشكال التعبير عنها بحسب العادات والموروث الفكري والثقافي للإنسان ضمن هذه المجتمعات، وقد تعاطف الكثير من الحضارات القديمة مع قيم التسامح وتطبيقه من خلال تشريعات كشريعة حمورابي المعروفة اضافة إلى الديانات السماوية كالإسلام، مثلما تناولته (الفنون / الشعر/ الادب) ونحوهما".

"وهو ما دعا إلى تطور مفهوم التسامح من اطار ضيق ومحدود إلى مفهوم شمولي، يمتد إلى اوجه النشاط البشري جمعاء، حتى اعتبر وجود التسامح في عالمنا اليوم، هو الضامن الاهم لاستمرار التواصل الايجابي بين البشر جميعا مع وجود الاختلاف والتباين، حسب اعلان اليونسكو فالتسامح يعني (الاحترام والقبول والتقدير للتنوع الثري لثقافات عالمنا ولأشكال التعبير وللصفات الانسانية لدينا)، فالتسامح يعني السلام والسلام يعني التنمية والتقدم والحرية للمجتمعات الانسانية".

 "وبالتالي تحقيق السعادة والرخاء للجميع، كان للإعلان العالمي لحقوق الانسان في (10/كانون الاول/1948)، اثر كبير في تعزيز رصيد ثقافة التسامح وانتشارها كثقافة عالمية ولغة للتواصل بين مختلف المجتمعات الانسانية، كطريق بديل عن اعلان الحروب والدمار والاستعمار، خصوصا بعد تأثير الحرب العالمية الثانية المدمر، وما خلفه من ضحايا بشرية وخسائر مادية مرعبة، هو ما توج بصدور اعلان اليونسكو بشان التسامح لعام (1995) والدعوة للاحتفال باليوم العالمي للتسامح يوم (16/ تشرين الثاني) من كل عام.

 في المقابل ما زال تأثير ثقافة التسامح محدود الانتشار في العالم العربي على وجه العموم وفي العراق على وجه الخصوص، خصوصا ما بعد (2003) وصعودا، والتي اختزلت ممارستها بدراسات خجولة وانشطة ثقافية اقتصر مداها تأثيراتها الفكرية والثقافية على نخب قليلة، ناهيك عن ضعف مفاعيلها على الصعيد الاجتماعي والديني، بحكم ضعف البيئة القانونية والتربوية والتعليمية سواء على صعيد الدولة أو المجتمع أو الفرد، بحسب ما شخصه اهل العلم والبحث، ولعل الوصول إلى التسامح في مجتمعاتنا، يستلزم امرين مهمين..

 الامر الاول: الاعتراف بالآخر، على اعتبار أن العلاقة بين الانا والاخر، هي علاقة تكامل وليست التعارض إلى درجة النفي المطلق بينهما.

 الامر الثاني: التواصل مع الاخر لا يتم الا بلغة الحوار، ان كان هذا الاخر يحمل رايا مناقضا أو فكرا معارضا، بغض النظر عن شكل الحوار سواء كان الحوار سياسي أم دينيا أم ثقافيا.

"اما حق الاختلاف فيقسم العلماء الاختلاف بين بني البشر، على مستوى الافكار والتوجهات والآراء والمواقف، إلى عدة اسباب يمكن جمعها في موردين رئيسيين:

الاول: الاختلاف العلمي، ويعود الاختلاف في الرأي أو وجهة النظر العقلية أو العلمية، سواء كان خلافا فلسفيا أو فقهيا أو نحوهما، ويعد امرا طبيعيا بل وسبيلا لتقدم العلوم ونشأة الحضارات.

الثاني: الاختلاف المصلحي وهو حب الذات والمصالح الشخصية حيث الانا الفردية او المؤسسية، وهذا النوع من الاختلاف ينشا عادة بسبب تضارب المصلحة الشخصية أو مصلحة المؤسسة مع المصلحة القيمية أو العامة.

"وعلى هذا الاساس فالاختلاف امر طبيعي حاله حال التسامح، بل يمكن تحويله إلى ثقافة منتجة وايجابية، اذا انطلق الحوار من الثوابت المشتركة لا من نقاط الخلاف، وعلى قاعدة تقول (كلامنا صواب يحتمل الخطأ وكلام غيرنا خطأ يحتمل الصواب)، والتي تعني قبول الأخر مهما كانت درجة الخلاف والاختلاف، ولعل القران الكريم بيّن في العديد من آياته المباركة هذا المعنى بالقول(لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)، وقوله تعالى (لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ)، وقوله تعالى (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ)".

"وحتى نصل إلى فهم قبول الاخر المختلف معنا، وعدم اجباره على الاعتقاد بما نعتقد به أو اعتناق ما نعتقد به بالإكراه او القوة، ينبغي مراعاة الاختلاف وعدم خروجه عن ضوابطه الاخلاقية أو العلمية أو الاجتماعية.

بالتالي يمكن طرح العديد من علامات الاستفهام حول هذين الموضوعين المهمين ويمكن حصرهما بهذين السؤالين التاليين:

السؤال الاول: ما هو السبيل إلى بناء وترسيخ ثقافة التسامح وتحويلها إلى حالة اجتماعية عامة؟

الركيزة الاولى هي التعارف

- الدكتور مصطفى الوائلي مختص في علم الاقتصاد "يعتقد أن الركيزة الاولى هي التعارف، بالتالي هذا التعارف وهذا البناء أي بناء جسور الثقة بين جميع مكونات الطيف العراقي، هذه بمثابة الخطوة الاولى للوصول إلى ثقافة التسامح، مع شرط أن نتبنى نظاما تربويا يقدم الحالة العامة على الحالة الخاصة بطريقة صحيحة، فاذا تم تنفيذ هذا المنهج سنصل إلى ثقافة تسامح ممكنة.

الاختلاف هي حقيقة انسانية

- محمد علي جواد مدير تحرير مجلة الهدى "يرى أن الاختلاف هو حقيقة انسانية موجودة وطالما اكدها القران الكريم وأقرها الاسلام، لكن عندما نتكلم عن البعد الاجتماعي وتحديدا في العراق، فهذا لا يشكل حيزا كبيرا في قاموس ووجدان المجتمع العراقي، وبجميع مناحيه الاجتماعية والدينية والثقافية والفكرية وحتى العقائدية، ولابد أن نعود للنموذج الامثل في التسامح والتقارب، وهذا ما نلمسه من خلال سيرة النبي الاكرم(ص) وسيرة المعصومين عليهم السلام وكيف كانوا يقدمون صور مشرقة للتسامح وللتقارب".

يضيف على جواد "بالإضافة إلى ذلك أن التسامح هو مفهوم اخلاقي جميل، لكن بحدود هذا المعنى لابد أن نحدد انواع الاختلاف وحجم ذلك الاختلاف، وسواء كان في العقيدة أو الفكر أو في القضايا الاجتماعية، التي هي جزء من مخطط سياسي يهدف إلى تقسيم الواقع العراقي على شكل قومي وطائفي".

اصلاح مؤسسات الدولة

- الدكتور ايهاب علي، اكاديمي وباحث في مؤسسة النبأ "يؤطر اجابته بأربعة نقاط، الاولى يجب تعديل المناهج التربوية والتعليمية، ثانيا نحن بحاجة إلى تعديل وسن تشريعات من اجل نشر ثقافة التسامح والتمدن، ثالثا نحن بحاجة إلى اصلاح في مؤسسات الدولة، خاصة تلك المؤسسات التي كانت سببا في ضياع فرص التسامح كالمؤسسات العشائرية والدينية، رابعا نحن نحتاج إلى بناء قيادات اصلاح مجتمعي كي تبنى روح التمدن".

الجهل بقراءة النصوص السماوية

- حامد الجبوري باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية "يستفسر اولا عن اسباب عدم التسامح، عند ذاك لابد من القضاء عليها كي نوفر مناخات طيبة لوجود التسامح، ولابد من العودة إلى احترام الانسان كانسان وبالتالي يذوب كل التمايز الجنسي والعرقي والثقافي".

العفو العام من التسامح

- الدكتور علاء إبراهيم الحسيني، التدريسي في كلية القانون بجامعة كربلاء، والباحث في مركز آدم "يؤكد أن الاختلاف هو امر طبيعي والتسامح هو شيء مكتسب، وذلك باعتبار أن التسامح يأتي من بعد حق الاختلاف، لذا ينبغي علينا كأمة مسلمة ولنا جذور ضاربة في العمق لابد أن نوظفها ونستفيد منها، فالرسول الكريم (ص) يوم فتح مكة قال لخصومه (اذهبوا انتم الطلقاء) وهذا قمة التسامح، ولعل في قول القران (لكم دينكم ولي دين) قمة في التسامح، هذه روايات لزاما أن نبرزها للآخر وهذه هي ثقافتنا".

اضاف الحسيني "ايضا امير المؤمنين(ع) لم يبدأ بقتال طيلة الفترة التي حكم فيها العالم الاسلامي وهو دائما ما كان في موقع الدفاع، وحتى في موقع الدفاع هو كان في قمة التسامح ولم يمنع عنهم شيئا من النصيحة، لذا نحن لدينا ارث حضاري يجب التركيز عليه اكثر ما نركز على مقولات غربيين متأخرين، وربما هم انفسهم تأثروا من ارثنا الحضاري والانساني، اضف إلى ذلك هذا هو ديدن جميع الرسل والانبياء فقد كانوا دائما متسامحين، من جانب عندما نريد أن نقارن هذا المسار على الواقع العراقي فهل لدينا تسامح، نعم لابد أن يكون لدينا تسامح ما بين (الحاكم والمحكوم) وبين (المحكوم والحاكم) وبين المسلمين انفسهم".

يكمل الحسيني "قانون العفو العام هو شيء من التسامح، كذلك العفو الخاص هو ايضا نوع من التسامح، لذا ينبغي أن نكون متسامحين ومتصالحين وأن نسير بمفهوم قبول الآخر، ايضا نحن نحتاج لبعض الأعراف العشائرية التي نتقاطع معها في بعض الاحيان وندعمها في مواطن معينة من مثل دفع الدية عن القاتل مقابل مبلغ مالي معين، هذا من شأنه يعلي ثقافة التعايش".

التسامح مفردة انسانية عظيمة جدا

 الحقوقي احمد جويد مدير مركز ادم للدفاع عن الحقوق والحريات "يعتقد أن مفردة التسامح هي مفردة انسانية عظيمة جدا، افضل من جسدها رسول الله(ص) واهل البيت عليهم السلام، فكان حري بنا أن نعود إلى سيرة وتراث اهل البيت عليهم السلام لمعرفة كيف تم تجسيد هذه المفردة قولا وفعلا، الاختلاف هو شيء مفروض على الانسان، ولكن الاختلاف بعنوانه المعرفي نحن بحاجة اليه، الشيء الاخر أن مفردة التسامح تأتي عكس مفردة الانتقام، قال تعالى (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)، بالتالي عندما تقابل الاساءة بالإحسان والتسامح، تجد حتى عدوك يأتي ليكون إلى جنبك وتزول العداوة والكراهية، وهذه هي غاية الاديان السماوية كي تعيش متحابة وفي امان".

حق الاختلاف ثقافة يتربى عليها المجتمع

- عدنان الصالحي، مدير مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية "تمنى أن يكون الموضوع هو حق الاختلاف وأن يكون التسامح موضوعا اخرا، فالتسامح نحتاج اليه عندما يكون الشخص قد اخطأ بحقنا، اما الاختلاف فهو حالة موجودة يوميا باستمرار في داخل العائلة الصغيرة وإلى المجتمع الاكبر، بشكل عام التسامح وحق الاختلاف هي ثقافة يتربى عليها المجتمع، وهي ليست قانون يسن ومن ثم تأتي الجهات التنفيذية كي تطبقه، أو هو شعار يرفع ونقيس مدى تنفيذه، اذا هي نفس قضية الاديان والعشيرة والثقافة واللغة والتوجه، وبالتالي يستطيع الانسان أن يتقن ثقافة التسامح".

اضاف الصالحي "ثقافة التسامح ممكن أن تأتي مكتسبة ولكن بصعوبة، خاصة عندما تأتي في مجتمعات متشددة، لذا هذه الثقافة تحتاج إلى سيل من العمل وأن يكون عامل بها (فمعلم الناس بأفعاله خير من معلم الناس بأقواله".

احترام ثقافة التنوع

- الشيخ مرتضى معاش، المشرف العام على مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام "عندما نتحدث عن التسامح وحق الاختلاف كأننا نتحدث عن طرفين، فبعض الاحيان التعسف بحق الاختلاف يؤدي إلى عدم التسامح، فعندما اطالب انا شخصيا بالتسامح مع الآخرين لي، ماذا افعل؟ اتعسّف بحقي ولا اسمح للآخر أن يمارس حقه في الاختلاف، فنحن دائما ما نطالب الاخر بالتسامح واعطاء الحق بالاختلاف، فيمارس البعض الحق بعنف وتعسف واضرار بالآخر بهذا العنوان".

اضاف معاش "وهذا هو الذي يحصل في الكثير من الاحيان، مما يؤدي إلى الاخلال بالتسامح، خاصة وأن التسامح يعني المصالحة بين طرفين، فحالة التسامح هي ضرورة من الطرفين، من اجل الحفاظ على السلم والامن الاجتماعي ولا تنبع من الذات، فالمجتمعات دائما ما تعيش حالة الاختلاف في السلم الاجتماعي وفي المصالحة الوطنية، فكل شخص يرى حقه في الاختلاف مما يؤدي إلى الصدام والصراع وإلى تفجر الوضع".

يكمل معاش "لذا فلإن التسامح مفهوم يحتاج إلى دراسة اعمق، والإسلام اراد أن يحل هذه القضية وذلك من خلال طرح فكرة التسامح من نفسه ومن ذاته، من خلال طرح مفاهيم عظيمة مثل (سياسة العفو / كظم الغيظ / سعة الصدر) فالأمام علي (ع) يقول (إن لم تكن حليما فتحلم)، التسامح يحتاج ايضا إلى أن تكون ثقافة الاختلاف محترمة، ايضا احترام التنوع وهو يأتي من احترام الارض واحترام الزرع واحترام الشجرة واحترام الحيوان واحترام حق الاخرين في الشارع، وكذلك نحتاج من الانسان أن يكون منصفا من نفسه، اضافة إلى تكافؤ الفرص، والتربية باللاعنف، والشيء الاخر هو الثقة وحسن الظن بالآخر، فنحن لدينا قاعدة اسلامية مهمة جدا وهي (اصالة فعل الانسان وحمل فعل المسلم على الصحة)، وهذه هي قمة التسامح في السلوك البشري".

تطوير المناهج العلمية

- حيدر الاجودي، باحث في مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية "يجد أن مبدأ التسامح هو مبدا صعب التطبيق في مجتمعاتنا، بل على العكس اصبح الانسان اليوم هو اكثر تشددا رغم وجود التطور التكنولوجي، الذي من المفترض أن يقرب ما بين الافراد، السبل الكفيلة لتطبيق هذا المفهوم بالإضافة إلى ما ذكره الاخوة الحضور، فهناك تطوير المناهج العلمية حتى تنمي حالة الوعي الانساني لدى الفرد العراقي، وهذا النموذج لابد أن يتشكل من الاسرة اولا ومن ثم إلى المجتمع".

السؤال الثاني: كيف يمكم الاستفادة من حق الاختلاف كفاعل لتغيير مجتمعاتنا من كونه معيقا لهذا التغيير؟

- محمد علي جواد "يدعو إلى تحديد المعايير وهو الذي يحول الاختلاف إلى عامل فاعل، بالتالي نجعل من المجتمع بدل أن يكون متصارع ومتضاد إلى مختلف ايجابيا، الشيء الاخر أن المعايير مفقودة فلكل شخص معايره الخاصة به، عند ذاك يصبح الفرد يعتمد على قراءته الفكرية وعلى مزاجه الخاص ليعممها على الاخر".

- الدكتور ايهاب علي "نحن نحتاج لقوانين ضامنة للاختلاف، الشيء الاخر الاختلاف ما هو، فهل وضعنا له حدود معينة، وهل نؤمن بالاختلاف حقا، بالتالي يكون لدينا ايمان بحق الاختلاف، فضلا عن ذلك المجتمع العراقي لا يعيش حالة تسامح، فالمجتمع عنيف ويعيش حالة غضب حتى في الحوار، لذلك نحن عندما نتكلم عن التسامح دائما ما نجترح الامثلة من الارث التاريخي".

- الدكتور علاء إبراهيم الحسيني "يدعو إلى تفعيل حق الاختلاف والسير به نحو الجانب الايجابي، فاليوم مثلا لدينا في العراق تعددية حزبية وهذا هو حق الاختلاف السياسي، فنسعى إلى أن نصلحه بالجانب الايجابي، بدل أن ينحرف نحو الجانب السلبي، فلدينا احزاب اسلامية وعلمانية ويسارية وليبرالية، هذه حالة ايجابية وهي الطريق الامثل للوصول إلى الديمقراطية الحقيقية، اذا ما كنا ننشد الديمقراطية والدولة المدنية، المتدين فليذهب إلى تدينه والسياسي فليذهب إلى حزبه".

اضاف الحسيني "فنحن ننشد ثقافة التسامح، وأن الخلاف ينبغي أن يكون ايجابيا وأن لا يكون سلبيا، أن يكون هناك نظام حزبي وأن نعمل على اصلاح القانون بما يؤمن لنا نظاما حزبيا متزنا وتمثيلا حقيقيا فيه بعض العناصر التي من خلالها أن نصل إلى نتيجة وأن نغرس الديمقراطية في الحزب، ومن الحزب تبدأ تنمو شيئا فشيئا حتى تصب إلى المجتمع، أما ان نقفز على النتيجة وان لا نستحضر امثال الكاظم (ع)، الذي اعطانا صورة جميلة في المعارضة من خلال بعض الادعية والمناجاة، التي تمثل حالة المعارضة السياسية الاجتماعية الاقتصادية الثقافية للوضع السائد آنذاك".

يكمل الحسيني "وهذا هو التسامح الحقيقي الذي يمكن من خلاله أن نؤثر بالغير تأثيرا ايجابيا، وهكذا مع واقعنا اليوم السياسي والاقتصادي والثقافي، فكيف نصل بالمجتمع إلى أفضل حالاته نصل به من خلال توظيف الاختلاف، وكيف نذيب هذه الانتماءات العشائرية ونجعل منها نقطة قوة، كيف نجعل الانسان يفتخر كونه عراقيا، وانه انسان قبل أن يكون منتمي للحزب الفلاني، هذه كله مرتبط بالإيجابية وترك السلبية".

 - الحقوقي احمد جويد "التسامح هو الذي عزز اللقاء بين الرئيس الكوري الشمالي والجنوبي، فبينما شهدت العلاقات الكورية الكثير من التوتر النووي ولسنوات طويلة لكنهم اليوم يعيشون حالة سلام، لكن بطبيعة الحال أن افضل من جسد ثقافة التسامح هو رسول الله(ص) واهل بيته عليهم السلام، والسبب لان هؤلاء الافراد لا يعانون من امراض نفسية، اليوم نحن لسنا اصحاء نفسيا، بالتالي الانسان عندما يكون بلا عقد ولا ازمات نفسية يستطيع أن يكون متسامحا، فالظلم تجده عن الدكتاتوريات وعند الاشخاص المستبدين ولا تجده عند الشخص العادل".

- عدنان الصالحي "يعتقد أن الاحكام واغلب القرارات التي نتخذها، هي ناتجة عن ارث في افكارنا، فننشأ عن الاخرين صور، وهذه الصور نؤطرها ضمن تخيلات وتطورات ونضع الافراد فيها، الان قد يكون للمجتمع وللجو الذي نعيش فيه لا تكون عندنا احكاما مسبقة عن الاخرين ارث في افكارنا ضمن تخيلات وتطورات من ازمات ومن حروب في بناء هكذا وضع، ولكن بالنتيجة العامة الطبيعة العربية هي طبيعة قاسية وشديدة في التعامل مع الاخرين، فاغلب التصرفات ناتجة عن احكام مسبقة أو من تصور سريع لبناء فكرة سيئة".

اضاف الصالحي "لذا فالقضية ليست خالية من المحددات، فالأمام امير المؤمنين(ع) كان يتعامل مع الناس على اعتبار أن المصلحة العامة هي الاساس، هذا المقياس إذا تم وضعه رغم انه يحتاج الى سمو نفسي عالي جدا، وترك كل ما في تصوراتنا والنظرة إلى قضيتين مرضاة الله سبحانه وتعالى ومصلحة الاخرين، عندها يصبح التسامح ملكة نتعامل معها في كل يوم".

- الدكتور خالد عليوي العرداوي "يرى أن الاختلاف هو حقيقة، بالتالي يجب علينا أن نتعامل مع هذا الاختلاف كحقيقة واقعة، لكن متى يكون التعامل مع هذه الحقيقة ايجابيا ومتى يكون سلبيا، فالتعامل معها بطريق يكون ايجابي عندما يوظف هذا الاختلاف ليكمل بعضنا بعض، بالنتيجة من خلال الاختلاف نحن نستطيع أن نحقق السعادة الاجتماعية ونبني دولنا واسرنا وذاتنا بشكل صحيح، فهذا الاختلاف هو اختلاف ايجابي".

اضاف العرداوي "متى يكون الاختلاف اختلافا سلبيا ولا يمكن التسامح معه، (شخص مثلي الجنس) يعتقد عنده ظروف خاصة، بالتالي رايه محترم ما دام في اطاره الخاص، لكنه عندما يريد أن يبشر بهذا المبدأ ويهدد المجتمع ويهدد الاسر عندها لن اسمح له بممارسة هذا السلوك وسأحاربه، دكتاتور يعتقد انه هو يريد أن يحكم العالم، هذا الرأي محترم لكنه في حال توظيف هذه الفكرة لاستعباد البشر وتهديدهم سوف لن نسمح له بإتمام تلك المهمة ومحاربته، وهابي يناصب اهل بيت الرحمة العداء، نقول له هذا رايك ونحترمه، لكن أن توظف هذا العنوان حتى تبيح طائفة اخرى وتعتدي عليهم وعلى اعراضهم وأملاكهم ومستقبلهم، لا والله لن اسمح لك بهذا النوع من التبشير وسأحاربك".

يكمل العراوي "والسبب لان الناس مختلفين معك، فانت لابد أن تحترم حقوق الناس بهذه الحدود، فطالما هم يحترمونك ويسمحون لك بالتعبير عن ذاتك وعن هويتك، هذا الامر شكل من بداية الخليقة، الله سبحانه وتعالى سمح للشيطان أن يختلف معه، وهو يعرف أن الشيطان على باطل والشيطان يعرف أن الله على حق، ولكن اختلف مع الله سبحانه وتعالى لأسباب اخرى".

اضاف ايضا "لكنه متى أصبح الشيطان رجيم وطرد من رحمة الله تبارك وتعالى، عندما الشيطان أصبح يشكل خطرا على مخلوق اخر واصبح يهدد وجوده ومساره المستقبلي، عند ذاك اصبح مطرودا من رحمة الله سبحانه وتعالى، اما لو بقي الشيطان على خياره الاساس وهو عدم الاطاعة والامتثال لأمر الله سبحانه وتعالى، بالتالي فإن الاختلاف لا يكون على حساب المصالح المشتركة وعلى حساب الحق".

- الشيخ مرتضى معاش "يتصور أن تحول التسامح إلى فاعل وأن الاختلاف ليس معيق، يمكن أن نضع ميزان محدد نعمل عليه وهو أن نؤمن باللاعنف المطلق، وهو يشمل العنف الجسدي واللفظي والفكري، بالتالي نستطيع التعامل مع كل الاختلافات بطريقة جيدة وطريقة ايجابية، فهذا اللاعنف المطلق سوف يسمح بوجود الهدوء والصبر في التعامل مع الاخر، وهذه نقطة مهمة وقاعدة اساسية في عملية ادارة الاختلاف، البعض يدعو ومن خلال المدنية بعنوان العلمانية أو الليبرالية، يدعون إلى (الغاء العشائر/ الغاء الاديان / الغاء التاريخ / الغاء كل الهويات)، التي يعتبرونها فاعلة في عملية عدم التسامح".

اضاف معاش "هذا هو قمة عدم التسامح ان نطالب بإلغاء العشائر والغاء الدين والغاء التاريخ، انت عندما تطالب بالمصالحة مع التاريخ تلغي عقيدتي، التسامح أن نقبل بالآخر، اليوم مثلا تأتي فرنسا وتدعو إلى الغاء آيات من القران الكريم وهي الرائدة في العلمانية، هذا واقعا يعتبر تدخل في عقائد الاخرين، اليوم مثلا انا لا اطالب الهندوسي بإلغاء عبادته في عبادة البقر، ولا اطالب البوذي بأن لا يعبد بوذي، ولا اطالب من المسيحي بأن يؤمن بما أومن به (لكم دينكم ولي دين)، فلكل شخص طريقته وتفكيره الخاص".

يكمل معاش "فالتسامح أن تجعل الشخص يؤمن بعشيرته ما دام لم يذهب نحو العنف، اليوم بعض الناس لا زالوا يعيشون في عصر البداوة، هل نطلب منهم العيش في المدينة وأن يركب سيارة، فلا يمكن، كل انسان له طريقته الخاصة في الحياة، فالتسامح لا يعني الغاء التاريخ وأن المصالحة مع التاريخ هي مغالطة وهي قمة عدم التسامح، للأسف الشديد أن الليبرالية والعلمانية والسلوك القسري الذي يمارسه الغرب بعنوان المدنية، تؤدي إلى عملية صدام الحضارات وتأجيج الصراعات وعنف الهويات التي تريد أن تحمي نفسها من تأثيرات العلمانية القسرية، التي بعنوان الاندماج تحاول ان تلغي دينك".

يضيف ايضا "فهذا خطأ كبير جدا، فالتسامح يعني احترام الهويات وان نسعى إلى فتح قنوات الحوار، ولكن أن تأتي وتفرض قوانينك وعقائدك وأفكارك الخاصة هذا هو قمة عدم التسامح، لذلك لابد أن نكون دقيقين في استخدام تلك المصطلحات وأن نحترم السلم الاجتماعي العام، ايضا أن القرآن الكريم ذكر التاريخ بعنوان الاعتبار (فاعتبروا يا أولي الألباب)، والامام علي(ع) قال (ما أكثر العبر وأقل الاعتبار)، و(ان يكون لكم معتبرا خير من أن يكون مفتخرا)، فالقراءة للتاريخ في ثقافة اهل البيت عليهم السلام قائمة على العبرة والاعتبار".

اضف تعليق