أصبح موت المدنيين العزل من أبناء العراق مشهدا متكررا بين حين وآخر دون معالجات فعالة تحد من نزيف الدم المستمر والانتهاكات الصارخة للحد من تسونامي العنف ضد الشعب العراقي، تارة بالحرب مع مجرمي داعش، وتارة أخرى بالتفخيخ والاغتيال مع تكرار الانتكاسات الأمنية، كما حصل في مجزرة ساحة الطيران اليوم، حيث أعلنت وزارة الداخلية العراقية عن وقوع تفجير مزدوج صباح اليوم الإثنين في ساحة الطيران وسط العاصمة العراقية، من جهته، الناطق باسم الداخلية اللواء سعد معن قال إنه "وبعد تدقيق المعلومات عن الاعتداء المزدوج في ساحة الطيران وسط بغداد تبين أنه كان بواسطة انتحاريين اثنين ما أدّى الى استشهاد 26 شخصاً وإصابة 90، والحصيلة مرشحة للارتفاع"، وأظهرت إحدى كاميرات المراقبة الموجودة في المكان لحظة حدوث التفجير، لتكشف هذه المجزرة الدموية واقعاً قاسياً ووضعا حياتيا وأمنيا يزداد سوءا مسببا معاناة مستمرة لكل العراقيين.
فيما يرى المحللون إن تنظيم داعش الاجرامي يكافح بعد هزيمته في العراق وسوريا، ويرى هؤلاء المحللون انه على الرغم من تحسين التعاون في مكافحة الإرهاب الداعشي وانحدار مستوى هجماته، الا ان تنظيم داعش يبقى قادرا على التكيف مع مثل هكذا ظروف وانه مازال يمثل تهديدا مستمرا وخطيرا بسبب ذئابه المنفردة.
بينما يعتقد المتخصصون في شؤون الارهاب ان تصاعد العنف مجرد تحديات يسعى من خلالها داعش وبعض الأطراف الإقليمي الى استعادت هيمنتهم مجددا، بعد ما فقدوا حلمهم الاستعماري، فقد عمد الارهابيون على استغلال الذئاب المنفردة، مما سهل تنفيذ الهجوم الاجرامي واعتبره هؤلاء المتخصصون استراتيجية داعش الجديدة.
على صعيد ذي صلة، يرى مراقبون إن الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره يشكل واحدا من أشد الأخطار التي تهدد السلم والأمن الدوليين، ومن الضروري، بل الواجب تقديم مرتكبي هذه الأعمال الإرهابية الشنيعة ومنظميها ومموليها وداعميها إلى العدالة، وان الحواضن التي توفر الملاذات الآمنة للتنظيمات الإرهابية وبعض الأجهزة الأمنية المتراخية في أداء واجباتها والتي لا تزال تعمل بالطرق التقليدية في مجابهة الإرهاب والتعامل مع الحدث بعد وقوعه وتجاهل المعلومة الاستخابرية أو عدم تفعيل الجانب الاستخباري.
كما عبرت منظمات حكومية وغير حكومية معنية بحقوق الإنسان عن قلقها من العنف الدموي الذي يستهدف المدنيين في العراق، ويعد الهجوم الذي تعرض له المدنيون الأبرياء في قلب بغداد يٌعدّ من أبشع صور الجرائم الإرهابية ضد الإنسانية والذي أدى إلى إزهاق أرواح الأبرياء وانتهاك حرمة النفس البشرية المحترمة، هذا يكشف للعالم كله إن من يقف خلف تلك العصابات الإرهابية هي أنظمة دول ودوائر مخابرات ومؤسسات دينية توفر المناخ اللازم لتلك العصابات من أفكار وأموال وتسهيل مهام، وليس عبارة عن أشخاص مراهقين أو مغرر بهم كما تدعي بعض وسائل الإعلام.
السؤال المهم الان هو كيف يخرج العراق من دوامة العنف وسط اعتداءات سافرة باتت تشكل هاجسا مرعبا لكل العراقيين، الجواب هو العمل بجهد جهيد لبناء مؤسسة امنية رصينة والمجتمع يقتات على التعايش والتعددية من خلال نبذ العنف والتطرف والقبول بالاخر واحترام الراي والتعدد والاختلاف وما شابه، من أجل بناء دولة مؤسسات قوية تحترم القانون من لدن الجميع وأولهم كبار القوم.
فكما يبدو أن الوضع السياسي والامني في العراق صعب جدا لكن الخروج من هذا المأزق يحتاج أولاً إلى رؤية، ثم سياسات وآليات تنفيذية، وأن هذه المرحلة من تاريخ العراق تحتاج إلى شخوص غير تقليديين لأننا في مرحلة غير تقليدية.
ويبقى صراع الإرادات بين السياسيين والقادة له مكامن ومقاصد متعددة ومختلفة ولكنها تكشف عن الخوف مما يجيء في المستقبل، وعليه فان صراع المصالح والتمسك بها الى هروب من المسؤولية قد لا تتم المحاسبة عليها الآن لكن التأريخ – كما اثبتت التجارب- لا يتساهل مع المخطئين بحق شعوبهم.
اضف تعليق