لوسي بي. ماركوس
لندن - في عهد الرئيس دونالد ترامب، يبدو أن الولايات المتحدة تواجه حكومة يحركها الغرور بشكل غير عاد. بل أسوأ من ذلك: في الشهر الأول من ولايته، يظهر أن ترامب يعمل على تعزيز الحكم عن طريق التركيز على الهوية.
وتعكس الفوضى السائدة الآن على الساحة السياسية الأمريكية ذلك. كما تستند السياسات إلى "حقائق بديلة" وإلى أساطير ترامب الخاصة باعتباره مليارديرا ورجل أعمال صريح (على الرغم من أن قصته السابقة مليئة بالثغرات). وأصبح الجهل بالقانون عذرا لخرقه ولتبني سلوك مشكوك فيه أخلاقيا، مثل دعوة ترامب للرئيس الوزراء الياباني شينزو آبي إلى منتجعه مارا لاغو، أو مهاجمة سلسلة المتاجر نوردستروم لإيقافها عرض منتجات الموضة الخاصة بابنته إيفانكا. (أعاد ترامب هجومه بالتغريد عبر تويتر على الشركة من حساب بوتوس الرسمي، وقام مستشاره كيليان كونواي ببث عرض إيفانكا على التلفزيون الوطني).
ليس من المستغرب أن الأعمال التجارية، التي عادة ما تكون محكومة بالغرور المطلق، تُعِد استراتيجيات للتعامل مع حاجز التغاريد الرئاسية. في كل الأحوال، لم يكن نوردستروم هدف ترامب الأول (على الرغم من أنه كان أول المجمعات التجارية الكبرى التي ارتفعت أسهمها ذلك اليوم). في الواقع، تُجبَر العديد من الشركات على اتخاذ موقف حازم من ترامب، ومن أوامره التنفيذية اللامحدودة والمثيرة للجدل، ومن السياسيين الذين يساندونه في كل شيء. هذا يؤشر أن السلوكات والأعمال لن تبق كالمعتاد.
ومن المفارقات أن هذه البيئة الجديدة الغريبة تعكس جزئيا خلفية الأعمال الخاصة بترامب. اعتاد ترامب تشغيل شركته الخاصة بواسطة فريق صغير، تم اختيارهم بناء على معايير خاصة به. كانت نجاحاته وإخفاقاته خاصة به. فقد تمكن من اختيار ما ينبغي حجبه عن الرأي العام، وتمكن من بيع ما يحب الناس شراءه، على مسؤولية المشتري.
أما وظيفته الحالية فهي قصة مختلفة. بقدر ما يرغب ترامب في الادعاء بأنه وحده يمكنه إصلاح الولايات المتحدة، لكن الحقيقة هي أن الحكومة معقدة للغاية فهي مؤسسة لا يستطيع شخص واحد إدارتها بإصدار الأوامر. كما لا يستطيع أن يخترع معايير أدائه الخاصة -لاسيما إذا كان ترامب يفضل الولاء الشخصي على المعرفة والخبرة. وستكون لإخفاقاته انعكاسا سيئا ليس عليه وحده: بل على البلاد بأكملها- كما سيعاني منها معظم العالم.
لكن هناك بعض القواسم المشتركة بين إدارة الأعمال وإدارة البلاد. في كل من المجالين، يتعين على القادة أن يعملوا لمصلحة المجتمع ككل، وليس فقط لدوائرهم الخاصة، سواء الناخبين أو المساهمين. فالمبادئ الأساسية لإدارة العمل جيدا -بما في ذلك الشفافية والنزاهة والموثوقية والثقة والشرعية– تنطبق أيضا على القيادة السياسية.
ما لا يستطيع ترامب تجاهله هو مبدأ محاسبة السلطة الرئاسية. ومن المؤكد أن الكونجرس الذي يقوده الجمهوريون (حتى الآن) لا يرغب بالوفاء بمسؤوليته بتقييد ترامب. لم يرفض مجلس الشيوخ أي من المسؤولين المعينين الذين اختارهم ترامب، على الرغم من افتقارهم للخبرة وعدم كفاية التدقيق (عضوين جمهوريين فقط صوتا ضد وزيرة التربية والتعليم بيتسي ديفوس).
ومع ذلك، قاومت السلطة القضائية إرهاب ترامب. فقد تم رفض أمر ترامب التنفيذي بمنع مواطني سبعة بلدان مسلمة من دخول الولايات المتحدة ثلاث مرات في المحكمة، ويقول البيت الأبيض الآن إنه لن يستأنف القضية إلى المحكمة العليا.
لكن أكبر مراقب للسلطة في الديمقراطية هو الشعب. وفي الولايات المتحدة، يبدو أن الناس قد خرجوا للتعبير عن آرائهم- بشكل سلمي ولكن بكل حزم.
بعد يوم من تنصيب ترامب، قادت النساء أكبر احتجاج في يوم واحد في تاريخ الولايات المتحدة. وقام المواطنون بالاتصال بمحاميهم أو مشرعيهم للمطالبة بتمثيل أفضل لمصالحهم. في الآونة الأخيرة واجه مُمثل ولاية يوتا الجمهوري جيسون شافيتز، الآلاف من ناخبيه وهم يهتفون "قم بعملك!" خلال اجتماع في دار البلدية كان من المفترض أن يكون اجتماعا عاديا.
ليس فقط المنتخبون من تتم مراقبتهم. منذ وقت ليس ببعيد، اشترك المستهلكون والعمال وأفراد المجتمع في الربيع العالمي للمساهمين، والذي استهدف الشركات التي كانت تتصرف بسوء نية، من خلال مكافأة المديرين التنفيذيين الفاشلين، الذين استهانوا بالأنظمة البيئية، أو الذين لم يحترموا حقوق العمال. نحن نشهد الآن حركة مماثلة، مع رد فعل المستهلكين ضد الشركات التي تدعم إدارة تتبنى قيما يرفضونها.
ربما ساهمت حملة #أمسك محفظة نقودك في انخفاض مبيعات ملابس إيفانكا، ابنة ترامب (السبب الذي استشهد به المجمع التجاري نوردستروم وغيره و ساهم في تبرير قراره لإسقاط صف هذه الملابس). عاقبت حركة #حذف أوبر الشركة التي ساهمت في تقويض إضراب سيارات الأجرة في مطار كينيدي بمدينة نيويورك لدعم المحاصرين في حظر السفر الذي فرضه ترامب، وساعدت في الضغط على الرئيس التنفيذي للشركة، ترافيس كالانيك، باستقالته من المجلس الاستشاري الاقتصادي لترامب. عندما أعرب الرئيس التنفيذي لشركة أرمور، كيفن بلانك، عن دعمه لترامب، أعلن الرياضيون المرتبطون بالعلامة التجارية عن معارضتهم، وأجبروا الشركة على إصدار بيان تتبرأ فيه من تصريحات بلانك.
ترامب هو دراسة لحالة عدم القيادة، سواء في العمل أو في الحكومة. مع شوفينيته وتسريحة شعره، يبدو أن انتخاب ترامب كان نتيجة التفكير بالتمني والسلبية العنيدة للعديد من الناخبين.
وربما كان هذا هو الدرس الحقيقي من رئاسة ترامب حتى الآن. ما لا يمكن تصوره يمكن أن يحدث - كما حدث في المملكة المتحدة، مع تصويت بريكست، وربما سيحدث نفس الشيء في فرنسا، إذا فازت اليمينية المتطرفة مارين لوبان بالرئاسة. لكن ما يحدث في الديمقراطية هو فقط ما يسمح به الشعب.
اضف تعليق