داني كواه، كيشور محبوباني
سنغافورة- إن السؤال الكبير في الدول الآسيوية هذه الإيام هو ما هو الدرس المستفاد من إنتصار دونالد ترمب في الإنتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأمريكية ومن إستفتاء "بريكست " حيث اختار الناخبون البريطانيون الخروج من الإتحاد الأوروبي. للإسف فإن التركيز ليس في محله: التغيير الجيوسياسي.
عوضا عن التركيز على التغيير الجيوسياسي فإن الطرح الإقتصادي أصبح هو السائد وهو أنه بينما العولمة تحسن الرفاهية بشكل عام فإنها أيضا تؤدي إلى تشريد العمال والصناعات وتؤدي للمزيد من التفاوت في الدخول مما يخلق قاعدة إنتخابية قلقة وهذه القاعدة هي التي دعمت بريكست وترمب. إن الطرح البديل يؤكد أن التقدم التقني وبشكل أكبر من العولمة هو الذي أدى إلى تفاقم إنعدام المساواة الإقتصادية مما مهد الطريق لحصول إضطرابات السياسية في الدول المتقدمة.
في كلتا الحالتين فإن صناع السياسات في الدول الناشئة قد حددوا إنعدام المساواة كمشكلة رئيسية ودعموا الجهود المبذولة لتحسين قدرة الناس على الإرتقاء طبقيا خوفا من قيام العولمة والتقنيات الجديدة بتشريد الطبقات المتوسطة والعمالية فيها مما يمهد الطريق لما يشبه بريكست وفوز ترمب في بلدانهم. بالنسبة للدول الآسيوية فإن وصفة السياسات واضحة: الإعتناء بالناس المحرومين وتوفير إعادة التدريب والوظائف الجديدة للعمال المشردين.
بالطبع فإن على جميع المجتمعات الإعتناء بالناس الأكثر فقرا فيها وتحسين القدرة على الإرتقاء الطبقي بينما في الوقت نفسه تكافىء ريادة الإعمال وتحث الناس على تحسين حظوظهم وقدرهم ولكن التركيز على تلك السياسات لن يتعامل مع السخط الشعبي الكامن في هذه الإنتفاضة الشعبوية وذلك نظرا لإن إنعدام المساواة ليس هو السبب الأساسي بل هو الشعور بفقدان السيطرة.
حتى لو تمكنت البلدان من جسر الهوة في الدخل والثروة وضمنت قدرة جميع مواطنيها على الإرتقاء طبقيا فإن القوى الموجودة حول العالم والتي تشعل السخط الشعبي سوف تبقى فلو نظرنا للولايات المتحدة الأمريكية لوجدنا أن الطفل المدلل للطرح المتعلق بإنعدام المساواة هو عبارة عن الذكور البيض المشردين الأكبر سنا والأقل تعليما والذين ينتمون للطبقة العاملة والكثير من الناس يرون أن الفضل يعود لهؤلاء في إنتصار ترمب ولكن هذه المجموعة لم يكن لها في واقع الأمر أكبر تأثير على نتيجة الإنتخابات.
فطبقا لإستطلاعات الرأي فإن ترمب فاز بنسبة 53% من أصوات الذكور البيض من خريجي الجامعات و52% من أصوات النساء البيض (43% فقط من المجموعة الأخيرة دعمت كلينتون) كما فاز بأصوات 47% من الأمريكان البيض بين عمر 18 و29 مقارنة بنسبة 43% لكلينتون كما انتصر على كلينتون بنسبة 48% مقابل 45% بين إجمالي خريجي الجامعات من البيض مما يعني أن أنصار ترمب لا يتناسبون مع الصورة النمطية التي هي في قلب هذا الطرح الإقتصادي.
في الوقت نفسه فإن أكثر من نصف ما نسبته 36% من الإمريكان الذين يجنون أقل من 50 ألف دولار أمريكي سنويا صوتوا لكلينتون وبقية النسبة أي 64% من الناخبين صوتوا بنسبة 49% لترامب و47% لكلينتون مما يعني أن الفقراء فضلوا كلينتون والإغنياء فضلوا ترامب وبعكس الطرح السائد بين الناس فإن ترامب لا يدين بفوزه للناس الأكثر قلقا من إحتمالية تدني مستواهم الإقتصادي.
لقد تكشفت قصة مماثلة فيما يتعلق بتصويت بريكست في بريطانيا حيث أكدت حملة "الخروج" أن أحكام وقوانين الإتحاد الأوروبي التي من المفترض أنها تشكل عبئا ورسوم العضوية الباهظة الثمن تؤثر سلبا على الإقتصاد البريطاني وهذا الطرح لا يعتبر جزء من أجنده لمكافحة إنعدام المساواة والإقصاء فيما يتعلق بالإقتصاد علما أن رجال الأعمال الإغنياء هم الذين قدموا أكبر الشيكات من أجل دعم حملة الخروج البريطاني من الإتحاد الأوروبي.
بالإضافة إلى ذلك فإن المشاعر على مستوى الشارع التي ساهمت في إنتصار حملة الخروج لم تكن قائمة على أساس إنعدام المساواة أو "نسبة 1%": لقد صب الناخبون من الفقراء المهمشين جام غضبهم على الفقراء المهمشين الآخرين –وخاصة المهاجرين- وليس الأغنياء. لقد أشار مكتب عمدة لندن إلى زيادة مقدارها 64% في جرائم الكراهية خلال ستة أسابيع من الإستفتاء مقارنة بالأسابيع الستة التي سبقت الإستفتاء وعليه بينما إنعدام المساواة في الدخل يمكن أن يكون جزء من الضجيج في خلفية حملة بريكست، فإنه لم يكن القضية الأولى بالنسبة للناخبين الذين صوتوا لمصلحة الخروج البريطاني من الإتحاد الأوروبي.
إن الذي يجمع أنصار ترمب وبريكست ليس الغضب من استثناءهم من فوائد العولمة بل من الشعور المشترك بالإنزعاج لإنهم لم يعودوا قادرين على التحكم بمصائرهم. إن إتساع هوة إنعدام المساواة قد يزيد من هذا الإنزعاج والقلق ولكن هناك عوامل أخرى قد تزيد من ذلك الإنزعاج والقلق كذلك مما يفسر لماذا الناس من جميع مستويات توزيع الدخل يشعرون بالقلق وفي واقع الأمر فإن العديد من الناس في شرق أوروبا شعروا بفقدان السيطرة خلال التجارب الإشتراكية القاسية خلال حقبة ما بعد الحرب وهو نفس الشعور الذي أحس به الصينيون خلال الثورة الثقافية وهذه المجتمعات فيها ظاهريا الحد الأدنى من إنعدام المستوى في الدخل.
على النقيض من ذلك فإن من الممكن أن أنصار بريكست وترامب قد شعروا بأثار العولمة لأن إنعدام المساواة بشكل عام قد تناقص فعليا. إن أكبر تأثير للعولمة هو إنتشال مئات الملايين من البشر من براثن الفقر في الإقتصادات الناشئة وخلال التسعينات وصل الناتج المحلي المشترك الإجمالي للبلدان الناشئة (بسعر الصرف في السوق) بالكاد إلى ثلث الناتج المحلي الإجمالي المشترك لدول مجموعة السبعة العظام وبحلول سنة 2016 فإن هذه الهوة قد إختفت فعليا.
إن إنعدام المساواة في الدخل المنخفض عالميا عوضا عن زيادة إنعدام المساواة في الدخل ضمن الدول هي التي تضع ضغوطات غير مسبوقة على النظام العالمي فهناك عدم تطابق متزايد بين ما يمكن أن توفره الدول الغربية وما تطلبه الإقتصادات الناشئة. إن قوة محور عبر الأطلسي والذي كان يدير العالم ينزلق حيث يعم الشعور بخسارة التحكم والسيطرة بين النخب السياسية والمواطنين العاديين على حد سواء في تلك البلدان.
لقد نجح ترامب وحملة الخروج البريطاني من الإتحاد الأوروبي في إرضاء الناخبين وذلك بزيادة إحتمالية أن تتمكن القوى عبر الأطلسي من إعادة فرض سيطرتها ضمن نظام عالمي يتغير بسرعة ولكن مع الصعود الجيوسياسي للدول الناشئة وخاصة في آسيا فإنه ستوجب على هذا النظام تحقيق توازن جديد أو سيستمر إنعدام الإستقرار عالميا. إن جسر الهوة في الدخل يمكن أن يساعد الفقراء ولكن في الدول المتقدمة فإن ذلك لن يخفف من شعورهم بالقلق.
اضف تعليق