باول ميكلري/فورين بوليسي/ترجمة: هبه عباس
عرض وتحليل: مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية
نشرت مجلة الفورين بوليسي الامريكية الشهيرة في التاسع من حزيران-يونيو الجاري مقالة لافتة للنظر للكاتب التابع للبنتاغون (باول ميكلري) حملت عنوان (هل يمكن للولايات المتحدة السيطرة على الفصائل المدعومة من إيران في حرب الفلوجة؟)، وهذه المقالة تمثل الهواجس الامريكية في محاربة الارهاب في العراق التي يحكمها صراع النفوذ الامريكي–الايراني في هذا البلد.
وقد بدأ الكاتب مقاله بالقول: كما اسماها القادة الامريكيين بـ"قوانين تكريت" وهي الاتفاق غير الرسمي على عدم دخول الفصائل الشيعية المدعومة من ايران الى المدن السنية لاستعادتها من سيطرة تنظيم" داعش" خوفا من اثارة توترات طائفية هناك. لكن تواجه هذه القوانين اختبارا خطيرا في مدينة الفلوجة، اذ تستعد القوات العراقية مدعومة بالجماعات الشيعية المسلحة لاسترجاع المدينة من حوزة التنظيم المتطرف. وان الوضع الذي تشهده مدينة الفلوجة الان يشبه بعض الشيء الازمة التي اندلعت في العام الماضي في مدينة تكريت، اذ شن المقاتلون الشيعة الذين تدعمهم إيران هجوما لاستعادة السيطرة على المدينة السنية التي تقع الى الشمال من مدينة بغداد دون الرجوع والتشاور مع قادة الجيش العراقي، وكانت هذه حيلة يراد بها التملص من وزارة الدفاع العراقية والمستشارين العسكريين الامريكيين الذين شكل هذا الامر صدمة بالنسبة لهم. لكن سرعان ما تعثر الهجوم وطلبت الحكومة المساعدة الجوية الامريكية لكسر الجمود في ارض المعركة، فرفض القادة والمسؤولون الامريكيون هذا الامر، وأخبروا الحكومة العراقية بعدم تنفيذ طائرات حربية امريكية او طائرات استطلاع ضربات جوية مالم تنسحب الفصائل الشيعية او ما يسمى بـ (الحشد الشعبي) من المدينة، لذلك نفذت وزارة الدفاع العراقية العملية بشكل كامل وقادت وحدات الجيش العراقي التي دربتها الولايات المتحدة الهجوم الى المدينة.
ويذكر الكاتب نقلا عن مسؤول كبير في الادارة الامريكية" يمكننا القيام بهذا الامر في حال مغادرة الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران لمدينة الفلوجة". واضاف المسؤول الذي فضل عدم ذكر هويته " في مدينة الفلوجة التي نُشر الآلاف من رجال الفصائل الشيعية على المداخل الشمالية لها، وضعت الولايات المتحدة شروطا كتلك التي تم وضعها في مدينة تكريت عام ٢٠١٥ وسيتم تطبيقها في مدينة الفلوجة الان". لكن تكمن المشكلة في عدم التزام الفصائل الشيعية بهذه القوانين، فقد عانى السنة الذين لم يتمكنوا من الفرار من مدينة الفلوجة من الضرب والاقصاء وحتى عمليات الاعدام على يد الفصائل الشيعية المدعومة من إيران على مدى الاسبوعين الماضيين، وفقا لمصادر موثوقة من منظمة حقوق الانسان " هيومن رايتش ووتش" في تقرير نشر لها. (حسب رأي الكاتب)
وقال برونو جيدو رئيس بعثة وكالة اللاجئين التابعة للامم المتحدة في العراق "ان سلوك الفصائل الشيعية في العراق غير مقبول تماماً، وتفيد التقارير التي حصلنا عليها بتنفيذ الميليشيات عدة انتهاكات، وقد زادت هذه الانتهاكات من حدة المخاوف الامنية والانسانية لانها ربما تقود السنة الخائفين الى الرد بالمثل او اللجوء الى تنظيم " داعش" او جماعات اسلامية اخرى لغرض حمايتهم.
ويربط الكاتب بطريقة لا لبس فيها بين ما يحصل من تفجيرات في العراق وما يجري في مدينة الفلوجة فيقول: اوقعت التفجيرات الانتحارية الاخيرة لتنظيم " داعش" في بغداد والاحياء الشيعية عدد كبير من القتلى، كما دفعت الهجمات الاخيرة الحكومة العراقية الى تركيز اهتمامها على تأمين الفلوجة التي تقع على بعد ٤٠ ميلا غرب العاصمة وتمثل نقطة انطلاق الهجمات على بغداد من قبل المتطرفين السنة. وقد اثار الاضطهاد الذي حدث بالقرب من مدينة الفلوجة القلق في واشنطن التي طالما كان يخشى القادة العسكريين والمدنيين فيها من دور الفصائل وقدرتها على تأجيج العنف الطائفي.
ليس من الواضح ان يكون تأثير الولايات المتحدة على الحكومة العراقية -بما في ذلك التهديد بسحب القوة الجوية الامريكية- كافيا لكبح جماح الفصائل الشيعية القوية. ووفقا لتقارير اضطهاد السنة التي حصلت عليها ابلغت الادارة الامريكية الحكومة العراقية بأن التجاوز امر غير مقبول، فيما شجعت ادانة رئيس الوزراء حيدر العبادي لهذه التجاوزات ووعوده بمعاقبة مرتكبيها. وقال المسؤول نفسه" من اجل اثبات صحة هذه المزاعم على العبادي اظهار ادانته بالفعل وليس بالقول فقط وذلك من خلال اعتقال المسؤولين ومحاسبتهم، وعلى الرغم من قلق واشنطن من التقارير التي تفيد بإساءة معاملة الفصائل الشيعية للسنة لكنها لم توقف عملياتها الجوية العسكرية في الفلوجة، ويرجع سبب ذلك بشكل جزئي الى وعود رئيس الوزراء حيدر العبادي بأن الجيش العراقي هو من سيكون رأس الحربة في الهجوم على المدينة وليس الفصائل". وعندما سُئل عما اذا كانت واشنطن تفكر بالفعل بحجب الدعم الجوي اجاب المسؤول "نحن لسنا بصدد اتخاذ مثل هكذا قرار، ولا يمكننا ان نكون اكثر تركيزا في التأكيد على مدى اهمية هذا الامر وكيف سيشكل قدرة الولايات المتحدة على دعم هذه الحملة، وقد كثفت الولايات المتحدة الحملة التي تقودها حول مدينة الفلوجة في الايام الاخيرة، لكن اصر المسؤولون على ان تلك الغارات كانت لدعم عمليات الجيش العراقي في الجنوب وليس لدعم الفصائل الشيعية في الضواحي الشمالية، وقال الكولونيل كريس جارفر المتحدث باسم التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في بغداد ان الطائرات الحربية الامريكية شنت اكثر من ٣٠ غارة جوية خلال الاسبوع الماضي في جميع انحاء الفلوجة، وازداد بعد ذلك عدد الضربات الجوية فضلا على تدمير طائرات التحالف لحوالي ٢٣ موقع قتالي يعود لتنظيم " داعش" وفقا لإحصاءات القيادة المركزية الامريكية.
وقال ماثيو مسينيس محلل الاستخبارات السابق وزميل مقيم في معهد أميركان إنتربرايز" لا ترغب الفصائل الشيعية وداعميها الايرانيين بتكرار ما حدث في مدينة تكريت، اي غياب دورهم واتخاذ القوات الجوية الامريكية دور البطولة، اذ كان ذلك امرا محرجا بالنسبة لهم". فمنذ بدء عمليات تكريت تلقت الفصائل المزيد من التدريب وحصلت على اسلحة جديدة، بما فيها الاسلحة الروسية المضادة للدبابات، وقد أمضى الايرانيون وقتا كبير من اجل تحسين قدراتهم".
واعتمدت ايران على ثلاث فصائل لممارسة نفوذها في العراق، ويدعم كل منها علنا الزعيم الايراني الاعلى فضلاً على ايديولوجيتها الثورية، وينسب الى اثنين منها تنفيذ التفجيرات القاتلة على القوات الامريكية خلال الفترة الممتدة بين عامي٢٠٠٣-٢٠١١ من الاحتلال الامريكي. وقد بلغت اخر حصيلة لعدد اللاجئين حوالي ١٦٠٠٠ لاجئ منذ شهر ايار، بما في ذلك الاسر التي استخدمت الاطارات كوسيلة للهروب عبر نهر الفرات، اما من بقي منهم في المناطق التي يسيطر عليها " داعش" فقد عانى من الجوع وصعوبة الحصول على الغذاء. لذا دعا رجل الدين الشيعي اية الله السيد علي السيستاني من خلال ممثله الشيخ عبد المهدي الكربلائي مؤخرا الى ضبط النفس في الهجوم على مدينة الفلوجة والتحلي بالهدوء، داعيا القوات الامنية الى حماية المدنيين وعدم ممارسة القتل العشوائي. وانتقد بعض قادة الفصائل المعاملة السيئة للسنة، فيما قدم عضو تابع لكتائب حزب الله مبررات دعتهم الى القيام بهذا الامر الا وهي ان٨٠٪ من سكان الفلوجة كانوا متحالفين مع " داعش".
ويشير محللون الى اعتراف قادة الفصائل المدعومة من إيران بعدم قدرتهم على استعادة مدينة الفلوجة لوحدهم ولا يحبذون فكرة احتلال المدينة التي تم دحر التنظيم المتطرف منها سابقا، كما ترغب الفصائل في ان يكون لها دور رئيس في الهجوم ووجود دائم على الطرق الرئيسة المؤدية الى مدينة الفلوجة. وبعد انطلاق الهجوم على المدينة في ٢٣ ايار، دقت القوات العراقية ابواب مدينة الفلوجة من عدة اتجاهات حتى لو لم يكن بمقدورها اختراق المناطق العميقة من المدينة، اذ تمكنت الفرقة ١٤ من الجيش العراقي من تطهير الاجزاء الشمالية من المدينة، وقامت الفرقة ١ و١٧ و٨ في جنوب المدينة بإزالة العبوات وغيرها من العوائق بالقرب من نهر الفرات. واشار كارفر الى انضمام عدد من مقاتلي عشائر الانبار الذين عادوا لتطهير المدينة من جيوب مقاتلي " داعش" الى صفوف القوات الامنية". وحسب قول المتحدث باسم التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة كان القتال في المناطق الجنوبية مهما جدا اذ استخدم مقاتلي " داعش" الانفاق والسواتر والعقبات والعبوات الناسفة كوسيلة للدفاع كما فعلوا في شهر كانون الاول في دفاعهم عن مدينة الرمادي. كما نفذت القوة الخاصة لمكافحة الإرهاب -التي كان لها دور حاسم في معارك الرمادي وبيجي وتكريت العام الماضي- عمليات في جنوب مدينة الفلوجة وسوف تنطلق لتوجيه ضربة قوية لمقاتلي " داعش" في المدينة. وقد تلقت القوة المعروفة باسم قوة مكافحة الارهاب التدريب على يد مستشارين عسكريين امريكيين، وعلى الرغم من بطء التقدم لكن اشادت حكومة بغداد بتقدم قوات مكافحة الارهاب العراقية الى المشارف الجنوبية للمدينة وبالتحديد على شارع حي الشهداء في المدينة."
نظرة تحليلية
ان هذا المقال لكاتب مهم في البنتاغون الامريكي من الضروري التأمل فيه، للاستفادة منه في تحديد طريقة تفكير صانع القرار الامريكي، فالغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الامريكية حريص على ضمان مصالحه في العراق وغير مستعد للتنازل عن هذه المصالح لصالح قوة ما، كما انه حريص على ان مساحة نفوذه في عراق ما بعد داعش لن يتم ملئها من قوة اقليمية كايران، وهذا الامر من المفيد أخذه على محمل الجد من صانع القرار العراقي في رسمه لملامح المرحلة القادمة بعد زوال داعش اذا ما اراد ان لا يتكرر سيناريو تصفية الحسابات على ارضه من جديد، هذا من جانب.
ومن جانب آخر، تشكل تقارير المنظمات الدولية المعنية بحقوق الانسان مصدرا مهما من مصادر تقييم الرأي العام وصانع القرار الغربي لأداء الحكومات والقوى السياسية، ومنها منظمة هيومن رايتس ووتش، وليس من المفيد تجاهل هذه التقارير او اهمالها، او ارتكاب افعال وممارسات تجرمها، لذا يتطلب الوضع من الحكومة العراقية وفصائل المقاومة الشعبية في هذا البلد أن تكون حريصة كل الحرص في عدم ارتكاب أي افعال تشكل انتهاكا لحقوق الانسان ولنصوص القانون الدولي الانساني، بل وتجريم الافعال التي يمكن ان تحصل فرديا، والاسراع بتقديم مرتكبيها الى العدالة، والتعامل معهم كمعتدين على الامن الوطني للدولة العراقية من اجل ردع غيرهم، ومنع الاساءة لسمعة البلد في المحافل الدولية.
فضلا على ما تقدم فان تحليل المقال، يعكس رغبة دولية في ان يكون للعراق قراره الوطني المستقل بعيدا عن التبعية لهذا الطرف الاقليمي او ذاك، وتأكيد هذه الاستقلالية العراقية ستكون مفيدة جدا لتعزيز وحماية المصالح الوطنية العليا، وجلب الدعم الدولي والاقليمي، لذا من الضروري ان يبذل صانع القرار العراقي جهدا مضاعفا من اجل اقناع الشركاء الدوليين والاقليميين، ناهيك عن الخصوم بجدية العمل على ترسيخ استقلالية القرار الوطني. ان تحليل وجهات النظر الغربية، وطريقة تفكير مراكز صنع القرار لديه مهم جدا لاتخاذ الخطوات الصحيحة في تحرك السياسة الخارجية العراقية، وفي رسم ملامح السياسة العامة للدولة، ومصلحة البلد تقتضي فهم كل ذلك قبل اتخاذ أي مواقف تكون نتائجها سلبية اتجاه حماية المصالح الوطنية.
اضف تعليق