كريستوفر هيل
دنفر ــ عندما يبدأ رئيس الولايات المتحدة الجديد عمله في يناير/كانون الثاني 2017، سوف يجد في انتظاره بعض قضايا السياسة الخارجية الواضحة ــ وبعضها أقل إلحاحاً من غيرها. وسوف يكون بعضها من المشاكل المزمنة التي لا تحتاج إلى تقديم أو تعريف: كوريا الشمالية وطموحاتها النووية، والصين وطموحاتها العالمية، وروسيا وطموحاتها الناقمة، وبالطبع الشرق الأوسط وطموحاته المختلة.
ولكن في كثير من الأحيان، تكون الأزمات التي تنتظر الرئيس الجديد مختلفة تماماً عن تلك التي قد يتوقعها أي شخص. فعندما تولى جورج دبليو بوش منصبه في عام 2001، كان يتوقع زيادة الإنفاق الدفاعي، ونشر الأنظمة المضادة للصواريخ، وتفكيك العديد من التزامات الحد من التسلح المتعددة الاطراف والمعلقة منذ فترة طويلة. ولكن بدلاً من ذلك، وجدت إدارته نفسها في مواجهة قضايا غير متوقعة على الإطلاق، بما في ذلك أفغانستان والعراق، والتي استهلكتها على مدار السنوات الثماني التالية.
وقد يحدث نفس الشيء مرة أخرى عندما تتولى الإدارة المقبلة السلطة. وهنا تبرز بعض الاحتمالات.
ولنبدأ بالمملكة العربية السعودية. كل من يراقب عن كَثَب الاضطرابات الجارية في الشرق الأوسط، وخاصة الضعف الذي تمكن من العديد من الدول القومية الرئيسية في المنطقة وتصاعد عنف المتطرفين، يدرك أن اندلاع أزمة حادة في المملكة لم يعد احتمالاً مستبعدا. لقد أظهرت المملكة العربية السعودية قدراً لافتاً للنظر من الصمود والمرونة في التغلب على الضعف السياسي، وغالباً باستخدام عائدات النفط لتخليص نفسها من المتاعب والحفاظ على عائلة مالكة ضخمة كانت مصدراً أساسياً للاستقرار.
وقد يستمر هذا الاستقرار، ولكن الرهان على استمراره بات الآن أقل من مؤكد. ففي ظل الركود الذي تشهده أسعار النفط منذ فترة طويلة، والمصادر الجديدة (إيران على سبيل المثال) التي دخلت إلى تيار الإنتاج، لن يجد السعوديون الاغتراف من الاحتياطيات المالية أمراً يسيراً هيناً كما كان في الماضي.
من المؤكد أن الاحتياطيات المالية السعودية هائلة وفقاً لمعايير أغلب البلدان؛ ولكن تطلعات شعبها المستاء أيضاً هائلة؛ ناهيك عن المشاكل الإقليمية المتنامية وشعور النظام بضرورة تكثيف جهوده ــ المالية غالبا ــ لمواجهة النفوذ الإيراني الإقليمي المتزايد. وفي وجود عاهل آخر مُسِن، الملك سلمان، ربما اقترب يوم الحساب للسعوديين في عالَم الشرق الأوسط المستقطب الذي يغلب عليه التطرف.
ثم هناك تركيا. في الماضي كان هذا الطرف الفاعل الإقليمي الرئيسي يعاني من أزمات اقتصادية مزمنة، ونوبات من التضخم المفرط، فضلاً عن الانقلابات العسكرية العَرَضية التي بدت، برغم وحشية بعضها، كفترات استراحة مرحب بها من حكومات يسار الوسط ويمين الوسط الضعيفة في نظر كثيرين من الأتراك. وبرغم اختلالها الاقتصادي والسياسي، تمكنت تركيا من الحفاظ على صورة إيجابية، ويرجع هذا جزئياً إلى طموحها إلى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. ودائما، كانت الآمال تفوق الإنجازات الفعلية لتركيا، ولكنها كانت دوماً في نظر الدوائر الغربية شريكاً وحليفاً جديراً بالثقة.
واليوم، سواء بسبب "العثمانية الجديدة" أو مجرد الحكم الرديء العتيق الطراز الذي يمارسه حاكم مستبد رقيق الإحساس ذو توجهات إسلامية (الرئيس رجب طيب أردوغان)، أصبحت تركيا على العديد من قوائم الرصد. وكان تدخلها في سياسات الشرق الأوسط خبيثاً ماكراً ويفتقر إلى الاتساق أو الوضوح.
في مستهل الأمر، بدت تركيا وكأنها تدعم الزعامة السورية العلوية بقيادة الرئيس بشار الأسد، ثم غيرت اتجاهها، فانضمت إلى تحالف من الدول العربية السُنّية في المحاولة التي كانت مأساوية حتى الآن لإسقاط بشار الأسد. ومن ناحية أخرى، عادت مشاكل تركيا القديمة مع الأقلية الكردية المتوترة بكل قوة مع لجوء أردوغان إلى إرغام الأكراد على الخضوع، وهو النهج الذي استخدمه مع العديد من المعارضين المحليين، فضلاً عن وسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني.
وبمرور كل يوم، ساءت أحوال السياسة الداخلية في تركيا، ولا تُظهِر الانقسامات العميقة التي تعيشها البلاد، والتي تعكس خطوط صدع تاريخية واجتماعية راسخة، أي علامة تدل على احتمال التئامها في ظل رئيس يبدو عاجزاً بطبيعته عن الفوز بتأييد أي شخص من خارج دائرة الأتباع. ومن المؤكد أن التوصل إلى حل للأزمة في سوريا من شأنه أن يساعد تركيا، وخاصة في ضوء الدور الذي تلعبه باعتبارها المقصد الرئيسي للاجئين الفارين من الفوضى هناك؛ ولكن أوجه القصور التي تعيب الحكم والتي يتعين على تركيا أن تتعامل معها شديدة العمق. وربما تتمكن تركيا من الخروج متخبطة من مأزقها الحالي (كما فعلت عِدة مرات من قبل)، والحفاظ على وحدتها وغرضها. أو ربما تعجز عن ذلك.
وقد تعود هذه المشاكل المستعصية المزمنة أيضا. ولكن الأزمات التي تحدثها ربما تكون مختلفة في حدتها وجوهرها.
وتُعَد كوريا الشمالية واحدة من هذه الحالات. فيبدو أن زعيمها الحالي كيم جونج أون أشد خطورة من والده كيم جونج إل، أو جده كيم إل سونج. لا شك أن ميل النظام إلى التهديد بشن الحرب ضد جيرانه لم يبدأ مع كيم الثالث. فقد بدأ جده في واقع الأمر الحرب الكورية في عام 1950. ولكن تهور كيم، مقترناً بجهوده الدءوبة لبناء أسلحة نووية يمكن حملها إلى أهداف محددة، ربما يدفع مشكلة كوريا الشمالية إلى صدارة أجندة الرئيس الجديد.
وأخيراً هناك الصين. يرى العديد من الأميركيين أن المخاطر التي تفرضها الصين تكمن في قوتها. والواقع أن السبب الحقيقي وراء هذه التخوفات ليس قوة الصين، بل ضعفها البادئ، والذي قد يدفع بالبلاد ــ وغيرها من البلدان التي تعتمد على أدائها الاقتصادي ــ إلى الأزمة.
ولا يملك المرء إلا أن يأمل أن يكون المرشحون الحاليون المتنافسون على رئاسة الولايات المتحدة على قدر المسؤولية ومستوى التحديات ــ سواء المزمنة أو غير المتوقعة ــ التي سوف يواجهونها. والحق أن هذه الآمال في بعض الحالات ربما تكون غير واقعية على الإطلاق. ولكن في كل الأحوال لن يكون الحيز المتاح للخطأ كبيرا.
اضف تعليق