كويتشي حمادة
طوكيو ــ في محاولة جريئة لإنعاش الاقتصاد الياباني، دفع بنك اليابان الآن أسعار الفائدة على الودائع إلى المنطقة السلبية. ورغم أن هذه السياسة ليست جديدة ــ إذ ينتهجها بالفِعل البنك المركزي الأوروبي، وبنك السويد، والبنك الوطني السويسري، وغيرها من البنوك المركزية ــ فإنها منطقة مجهولة بالنسبة لبنك اليابان. ومن المؤسف أن الأسواق لم تستجب كما كان متوقعا.
من الناحية النظرية، ينبغي لأسعار الفائدة السلبية أن تعمل (من خلال إجبار البنوك التجارية في الأساس على الدفع للبنك المركزي في مقابل تمكينها من إيداع أموالها مؤقتا) على حفز زيادة الإقراض للشركات، والتي بدورها تزيد من الإنفاق على استئجار المزيد من الموظفين بين أمور أخرى. وينبغي لهذا أن يساعد في تحفيز انتعاش سوق الأوراق المالية، وتعزيز الاستهلاك الأسري، وإضعاف سِعر صرف الين، ووقف الانكماش. ولكن النظرية لا تترجم دائماً إلى ممارسة؛ ففي حين تسبب تقديم بنك اليابان لأسعار الفائدة السلبية على الفور تقريباً في دفع بنية أسعار الفائدة إلى المزيد من الانخفاض كما كان متوقعا، فإن تأثير هذه السياسة على الين وسوق الأوراق المالية كان مفاجأة غير سارة.
وأحد الأسباب وراء هذا هو التشاؤم الواسع النطاق بشأن الاقتصاد الياباني، والذي يتعزز بفِعل التقلبات في الصين، وتشديد السياسة النقدية في الولايات المتحدة، وانهيار أسعار النفط العالمية. ولكن كما ذَكَر محافظ بنك اليابان هاروهيكو كورودا مؤخراً في تقريره لمجلس المستشارين، فإن الأسس التي يقوم عليها الاقتصاد الياباني سليمة عموما، والتوقعات المتشائمة مبالغ فيها إلى حد كبير.
الواقع أن الاستراتيجية الاقتصادية التي يتبناها رئيس الوزراء شينزو آبي ــ أو ما يسمى "اقتصاد آبي" ــ مكنت اليابان من البقاء على مسار إيجابي معقول في أوقات تتسم بعدم اليقين الشديد، مع إظهار الاقتصاد علامات التعافي المضطرد بعد عقود من الركود. فمنذ تولي آبي السلطة في عام 2012، تم إنشاء 1.5 مليون وظيفة، وانخفض معدل البطالة من 4.6% إلى 3.3%. وعلاوة على ذلك، شهدت السياحة طفرة كبيرة، وكانت عائدات الشركات والحكومة في ارتفاع سريع.
وحتى التحديات الخارجية التي تواجهها اليابان قد لا تكون شديدة السوء. فبادئ ذي بدء، ربما تستفيد اليابان، مثلها في ذلك كمثل الاقتصادات الناشئة التي تطبق أنظمة مرنة في التعامل مع سِعر الصرف، من تشديد السياسة النقدية في الولايات المتحدة، مع تسبب ارتفاع سعر الدولار في جعل الصادرات اليابانية أكثر قدرة على المنافسة. على نحو مماثل، ولأن اليابان تستطيع تلبية 6% فقط من احتياجاتها من الطاقة في أقصى تقدير، فإن أسعار النفط الرخيصة تشكل نعمة حقيقية ــ وربما تدوم لبعض الوقت.
أما عن الوضع الاقتصادي في الصين، فهناك بكل تأكيد من الأسباب ما يدعو للقلق. فالمشكلة هي أنه برغم تقدم "أجهزة" الاقتصاد الصيني بشكل كبير منذ أطلق دينج شياو بينج سياسة "الإصلاح والانفتاح" قبل أربعين عاماً تقريبا، فإن "برمجيات" صنع السياسات الاقتصادية تظل مقيدة بفِعل الإدارة المفرطة من قِبَل الدولة. ونتيجة لهذا، تواجه البلاد صعوبة كبيرة في التحول إلى نموذج نمو أكثر استدامة ويتركز على قطاع خدمات مزدهر واستهلاك محلي قوي.
وإلى أن تتعامل الصين مع قبضة الحزب الشيوعي الحاكم القوية على مقاليد الاقتصاد، فسوف تظل تشكل مصدراً لعدم اليقين في السوق تتردد أصداؤه في مختلف أنحاء الاقتصاد العالمي. ولكن حتى في هذا السياق لا يُعَد وضع اليابان سيئاً للغاية كما يتصور كثيرون، وذلك نظراً لتعرضها المحدود للصين؛ فعلى سبيل المثال، تعادل الصادات اليابانية إلى الصين نحو 3% فقط من الناتج المحلي الإجمالي الياباني.
ونظراً لهذا، ليس هناك من سبب يفسر تذبذب بورصة طوكيو كلما اهتزت سوق شنغهاي. وينبغي لاستراتيجية صناديق التحوط التقليدية أن تقوم على بيع أسهم شنغهاي بانتظار هبوط أسعارها وشراء أسهم طوكيو بانتظار ارتفاع أسعارها.
ولكن برغم أن الوضع الاقتصادي في اليابان ليس بالغ السوء فإن فرض أسعار الفائدة السلبية لم يتم التعامل معه باعتباره مجرد مناورة لتخفيف قيود السياسة النقدية؛ بل اعتبرت سوق الأوراق المالية في اليابان أسعار الفائدة السلبية نذيراً بمخاطر مالية أعظم، وظل المضاربون يراهنون على صعود الين.
وقد أخبرني الخبير الإحصائي والاقتصادي يوتشي تاكاهاشي أن ارتفاع قيمة الين بنحو 8% على مدى عشرة أيام فقط في فبراير/شباط أمر غير طبيعي، وربما كان مدفوعاً بهجمات المضاربة. وهو يرى أن بعض التدخلات في سوق الصرف من قِبَل وزارة المالية ربما تكون ضرورية لاحتواء التقلبات غير العادية.
في الفترة من عام 2003 إلى 2004، اشترت الخزانة اليابانية كميات ضخمة من الدولارات، فعملت بالتالي على تخفيف القيود النقدية في وقت عندما كان بنك اليابان عازفاً عن مواصلة عمليات السوق المفتوحة. ولكن في السنوات الأخيرة، كان تحديد سعر صرف الين الياباني يجري من خلال السياسة النقدية، وليس بالتلاعب بها عن طريق التدخل. وأنا أرحب في عموم الأمر بهذا النهج الجديد، وبالتالي فأنا لا أنصح بتدخلات كبرى لتغيير اتجاه سعر صرف الين. ولكني أعتقد رغم ذلك أن التدخلات المتفرقة ربما تكون مطلوبة لمعاقبة المضاربين الذين يستغلون سيكولوجية السوق المؤقتة للإبقاء على سِعر الين عند مستوى أعلى كثيراً من قيمته السوقية.
* المستشار الاقتصادي الخاص لرئيس الوزراء الياباني شينزو آبي وأستاذ فخري في علم الاقتصاد في جامعة ييل وفي جامعة طوكيو
...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية
الباب: وجهات نظر
وسوم: اليابان، الاقتصاد، الفائدة، عملات
أقل من الصِفر في اليابان
كويتشي حمادة
طوكيو ــ في محاولة جريئة لإنعاش الاقتصاد الياباني، دفع بنك اليابان الآن أسعار الفائدة على الودائع إلى المنطقة السلبية. ورغم أن هذه السياسة ليست جديدة ــ إذ ينتهجها بالفِعل البنك المركزي الأوروبي، وبنك السويد، والبنك الوطني السويسري، وغيرها من البنوك المركزية ــ فإنها منطقة مجهولة بالنسبة لبنك اليابان. ومن المؤسف أن الأسواق لم تستجب كما كان متوقعا.
من الناحية النظرية، ينبغي لأسعار الفائدة السلبية أن تعمل (من خلال إجبار البنوك التجارية في الأساس على الدفع للبنك المركزي في مقابل تمكينها من إيداع أموالها مؤقتا) على حفز زيادة الإقراض للشركات، والتي بدورها تزيد من الإنفاق على استئجار المزيد من الموظفين بين أمور أخرى. وينبغي لهذا أن يساعد في تحفيز انتعاش سوق الأوراق المالية، وتعزيز الاستهلاك الأسري، وإضعاف سِعر صرف الين، ووقف الانكماش. ولكن النظرية لا تترجم دائماً إلى ممارسة؛ ففي حين تسبب تقديم بنك اليابان لأسعار الفائدة السلبية على الفور تقريباً في دفع بنية أسعار الفائدة إلى المزيد من الانخفاض كما كان متوقعا، فإن تأثير هذه السياسة على الين وسوق الأوراق المالية كان مفاجأة غير سارة.
وأحد الأسباب وراء هذا هو التشاؤم الواسع النطاق بشأن الاقتصاد الياباني، والذي يتعزز بفِعل التقلبات في الصين، وتشديد السياسة النقدية في الولايات المتحدة، وانهيار أسعار النفط العالمية. ولكن كما ذَكَر محافظ بنك اليابان هاروهيكو كورودا مؤخراً في تقريره لمجلس المستشارين، فإن الأسس التي يقوم عليها الاقتصاد الياباني سليمة عموما، والتوقعات المتشائمة مبالغ فيها إلى حد كبير.
الواقع أن الاستراتيجية الاقتصادية التي يتبناها رئيس الوزراء شينزو آبي ــ أو ما يسمى "اقتصاد آبي" ــ مكنت اليابان من البقاء على مسار إيجابي معقول في أوقات تتسم بعدم اليقين الشديد، مع إظهار الاقتصاد علامات التعافي المضطرد بعد عقود من الركود. فمنذ تولي آبي السلطة في عام 2012، تم إنشاء 1.5 مليون وظيفة، وانخفض معدل البطالة من 4.6% إلى 3.3%. وعلاوة على ذلك، شهدت السياحة طفرة كبيرة، وكانت عائدات الشركات والحكومة في ارتفاع سريع.
وحتى التحديات الخارجية التي تواجهها اليابان قد لا تكون شديدة السوء. فبادئ ذي بدء، ربما تستفيد اليابان، مثلها في ذلك كمثل الاقتصادات الناشئة التي تطبق أنظمة مرنة في التعامل مع سِعر الصرف، من تشديد السياسة النقدية في الولايات المتحدة، مع تسبب ارتفاع سعر الدولار في جعل الصادرات اليابانية أكثر قدرة على المنافسة. على نحو مماثل، ولأن اليابان تستطيع تلبية 6% فقط من احتياجاتها من الطاقة في أقصى تقدير، فإن أسعار النفط الرخيصة تشكل نعمة حقيقية ــ وربما تدوم لبعض الوقت.
أما عن الوضع الاقتصادي في الصين، فهناك بكل تأكيد من الأسباب ما يدعو للقلق. فالمشكلة هي أنه برغم تقدم "أجهزة" الاقتصاد الصيني بشكل كبير منذ أطلق دينج شياو بينج سياسة "الإصلاح والانفتاح" قبل أربعين عاماً تقريبا، فإن "برمجيات" صنع السياسات الاقتصادية تظل مقيدة بفِعل الإدارة المفرطة من قِبَل الدولة. ونتيجة لهذا، تواجه البلاد صعوبة كبيرة في التحول إلى نموذج نمو أكثر استدامة ويتركز على قطاع خدمات مزدهر واستهلاك محلي قوي.
وإلى أن تتعامل الصين مع قبضة الحزب الشيوعي الحاكم القوية على مقاليد الاقتصاد، فسوف تظل تشكل مصدراً لعدم اليقين في السوق تتردد أصداؤه في مختلف أنحاء الاقتصاد العالمي. ولكن حتى في هذا السياق لا يُعَد وضع اليابان سيئاً للغاية كما يتصور كثيرون، وذلك نظراً لتعرضها المحدود للصين؛ فعلى سبيل المثال، تعادل الصادات اليابانية إلى الصين نحو 3% فقط من الناتج المحلي الإجمالي الياباني.
ونظراً لهذا، ليس هناك من سبب يفسر تذبذب بورصة طوكيو كلما اهتزت سوق شنغهاي. وينبغي لاستراتيجية صناديق التحوط التقليدية أن تقوم على بيع أسهم شنغهاي بانتظار هبوط أسعارها وشراء أسهم طوكيو بانتظار ارتفاع أسعارها.
ولكن برغم أن الوضع الاقتصادي في اليابان ليس بالغ السوء فإن فرض أسعار الفائدة السلبية لم يتم التعامل معه باعتباره مجرد مناورة لتخفيف قيود السياسة النقدية؛ بل اعتبرت سوق الأوراق المالية في اليابان أسعار الفائدة السلبية نذيراً بمخاطر مالية أعظم، وظل المضاربون يراهنون على صعود الين.
وقد أخبرني الخبير الإحصائي والاقتصادي يوتشي تاكاهاشي أن ارتفاع قيمة الين بنحو 8% على مدى عشرة أيام فقط في فبراير/شباط أمر غير طبيعي، وربما كان مدفوعاً بهجمات المضاربة. وهو يرى أن بعض التدخلات في سوق الصرف من قِبَل وزارة المالية ربما تكون ضرورية لاحتواء التقلبات غير العادية.
في الفترة من عام 2003 إلى 2004، اشترت الخزانة اليابانية كميات ضخمة من الدولارات، فعملت بالتالي على تخفيف القيود النقدية في وقت عندما كان بنك اليابان عازفاً عن مواصلة عمليات السوق المفتوحة. ولكن في السنوات الأخيرة، كان تحديد سعر صرف الين الياباني يجري من خلال السياسة النقدية، وليس بالتلاعب بها عن طريق التدخل. وأنا أرحب في عموم الأمر بهذا النهج الجديد، وبالتالي فأنا لا أنصح بتدخلات كبرى لتغيير اتجاه سعر صرف الين. ولكني أعتقد رغم ذلك أن التدخلات المتفرقة ربما تكون مطلوبة لمعاقبة المضاربين الذين يستغلون سيكولوجية السوق المؤقتة للإبقاء على سِعر الين عند مستوى أعلى كثيراً من قيمته السوقية.
* المستشار الاقتصادي الخاص لرئيس الوزراء الياباني شينزو آبي وأستاذ فخري في علم الاقتصاد في جامعة ييل وفي جامعة طوكيو
https://www.project-syndicate.org /
...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية
كويتشي حمادة
طوكيو ــ في محاولة جريئة لإنعاش الاقتصاد الياباني، دفع بنك اليابان الآن أسعار الفائدة على الودائع إلى المنطقة السلبية. ورغم أن هذه السياسة ليست جديدة ــ إذ ينتهجها بالفِعل البنك المركزي الأوروبي، وبنك السويد، والبنك الوطني السويسري، وغيرها من البنوك المركزية ــ فإنها منطقة مجهولة بالنسبة لبنك اليابان. ومن المؤسف أن الأسواق لم تستجب كما كان متوقعا.
من الناحية النظرية، ينبغي لأسعار الفائدة السلبية أن تعمل (من خلال إجبار البنوك التجارية في الأساس على الدفع للبنك المركزي في مقابل تمكينها من إيداع أموالها مؤقتا) على حفز زيادة الإقراض للشركات، والتي بدورها تزيد من الإنفاق على استئجار المزيد من الموظفين بين أمور أخرى. وينبغي لهذا أن يساعد في تحفيز انتعاش سوق الأوراق المالية، وتعزيز الاستهلاك الأسري، وإضعاف سِعر صرف الين، ووقف الانكماش. ولكن النظرية لا تترجم دائماً إلى ممارسة؛ ففي حين تسبب تقديم بنك اليابان لأسعار الفائدة السلبية على الفور تقريباً في دفع بنية أسعار الفائدة إلى المزيد من الانخفاض كما كان متوقعا، فإن تأثير هذه السياسة على الين وسوق الأوراق المالية كان مفاجأة غير سارة.
وأحد الأسباب وراء هذا هو التشاؤم الواسع النطاق بشأن الاقتصاد الياباني، والذي يتعزز بفِعل التقلبات في الصين، وتشديد السياسة النقدية في الولايات المتحدة، وانهيار أسعار النفط العالمية. ولكن كما ذَكَر محافظ بنك اليابان هاروهيكو كورودا مؤخراً في تقريره لمجلس المستشارين، فإن الأسس التي يقوم عليها الاقتصاد الياباني سليمة عموما، والتوقعات المتشائمة مبالغ فيها إلى حد كبير.
الواقع أن الاستراتيجية الاقتصادية التي يتبناها رئيس الوزراء شينزو آبي ــ أو ما يسمى "اقتصاد آبي" ــ مكنت اليابان من البقاء على مسار إيجابي معقول في أوقات تتسم بعدم اليقين الشديد، مع إظهار الاقتصاد علامات التعافي المضطرد بعد عقود من الركود. فمنذ تولي آبي السلطة في عام 2012، تم إنشاء 1.5 مليون وظيفة، وانخفض معدل البطالة من 4.6% إلى 3.3%. وعلاوة على ذلك، شهدت السياحة طفرة كبيرة، وكانت عائدات الشركات والحكومة في ارتفاع سريع.
وحتى التحديات الخارجية التي تواجهها اليابان قد لا تكون شديدة السوء. فبادئ ذي بدء، ربما تستفيد اليابان، مثلها في ذلك كمثل الاقتصادات الناشئة التي تطبق أنظمة مرنة في التعامل مع سِعر الصرف، من تشديد السياسة النقدية في الولايات المتحدة، مع تسبب ارتفاع سعر الدولار في جعل الصادرات اليابانية أكثر قدرة على المنافسة. على نحو مماثل، ولأن اليابان تستطيع تلبية 6% فقط من احتياجاتها من الطاقة في أقصى تقدير، فإن أسعار النفط الرخيصة تشكل نعمة حقيقية ــ وربما تدوم لبعض الوقت.
أما عن الوضع الاقتصادي في الصين، فهناك بكل تأكيد من الأسباب ما يدعو للقلق. فالمشكلة هي أنه برغم تقدم "أجهزة" الاقتصاد الصيني بشكل كبير منذ أطلق دينج شياو بينج سياسة "الإصلاح والانفتاح" قبل أربعين عاماً تقريبا، فإن "برمجيات" صنع السياسات الاقتصادية تظل مقيدة بفِعل الإدارة المفرطة من قِبَل الدولة. ونتيجة لهذا، تواجه البلاد صعوبة كبيرة في التحول إلى نموذج نمو أكثر استدامة ويتركز على قطاع خدمات مزدهر واستهلاك محلي قوي.
وإلى أن تتعامل الصين مع قبضة الحزب الشيوعي الحاكم القوية على مقاليد الاقتصاد، فسوف تظل تشكل مصدراً لعدم اليقين في السوق تتردد أصداؤه في مختلف أنحاء الاقتصاد العالمي. ولكن حتى في هذا السياق لا يُعَد وضع اليابان سيئاً للغاية كما يتصور كثيرون، وذلك نظراً لتعرضها المحدود للصين؛ فعلى سبيل المثال، تعادل الصادات اليابانية إلى الصين نحو 3% فقط من الناتج المحلي الإجمالي الياباني.
ونظراً لهذا، ليس هناك من سبب يفسر تذبذب بورصة طوكيو كلما اهتزت سوق شنغهاي. وينبغي لاستراتيجية صناديق التحوط التقليدية أن تقوم على بيع أسهم شنغهاي بانتظار هبوط أسعارها وشراء أسهم طوكيو بانتظار ارتفاع أسعارها.
ولكن برغم أن الوضع الاقتصادي في اليابان ليس بالغ السوء فإن فرض أسعار الفائدة السلبية لم يتم التعامل معه باعتباره مجرد مناورة لتخفيف قيود السياسة النقدية؛ بل اعتبرت سوق الأوراق المالية في اليابان أسعار الفائدة السلبية نذيراً بمخاطر مالية أعظم، وظل المضاربون يراهنون على صعود الين.
وقد أخبرني الخبير الإحصائي والاقتصادي يوتشي تاكاهاشي أن ارتفاع قيمة الين بنحو 8% على مدى عشرة أيام فقط في فبراير/شباط أمر غير طبيعي، وربما كان مدفوعاً بهجمات المضاربة. وهو يرى أن بعض التدخلات في سوق الصرف من قِبَل وزارة المالية ربما تكون ضرورية لاحتواء التقلبات غير العادية.
في الفترة من عام 2003 إلى 2004، اشترت الخزانة اليابانية كميات ضخمة من الدولارات، فعملت بالتالي على تخفيف القيود النقدية في وقت عندما كان بنك اليابان عازفاً عن مواصلة عمليات السوق المفتوحة. ولكن في السنوات الأخيرة، كان تحديد سعر صرف الين الياباني يجري من خلال السياسة النقدية، وليس بالتلاعب بها عن طريق التدخل. وأنا أرحب في عموم الأمر بهذا النهج الجديد، وبالتالي فأنا لا أنصح بتدخلات كبرى لتغيير اتجاه سعر صرف الين. ولكني أعتقد رغم ذلك أن التدخلات المتفرقة ربما تكون مطلوبة لمعاقبة المضاربين الذين يستغلون سيكولوجية السوق المؤقتة للإبقاء على سِعر الين عند مستوى أعلى كثيراً من قيمته السوقية.
* المستشار الاقتصادي الخاص لرئيس الوزراء الياباني شينزو آبي وأستاذ فخري في علم الاقتصاد في جامعة ييل وفي جامعة طوكيو
...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية
اضف تعليق