أناتول كاليتسكي
لندن - عادة ما يكون يناير شهرا جيدا بالنسبة لأسواق الأسهم بسبب المال الجديد الذي يتدفق في صناديق الاستثمار، في حين تنحسر عمليات البيع المتعلقة بالضرائب في نهاية العام. على الرغم من أن البيانات على عوائد الاستثمار في الولايات المتحدة تظهر فعلا أنه تاريخيا أرباح يناير فقط أفضل بقليل من المعتاد الشهري، فإن الاعتقاد السائد هو أن "تأثير يناير" أضعف أسواق الأسهم في جميع أنحاء العالم بشكل غريب هذا العام.
ولكن المتشائمين لديهم وجهة نظرهم، حتى لو كانوا يبالغون في بعض الأحيان. وفقا لخبراء الإحصاء في وكالة رويترز، بدأت الأسابيع الأولى من هذا العام بأكبر هبوط وول ستريت منذ أكثر من قرن من الزمن، ووصل الانخفاض الشهري 8٪ في المؤشر العالمي: وكان أداء يناير أسوأ من 96٪ من الأشهر على الإطلاق. لذلك، كيف لا نقلق بشأن الاقتصاد العالمي؟
يبدو أن هناك ثلاث مخاوف لها تأثير سيكولوجي على السوق: الصين والنفط والخوف من الولايات المتحدة أو الركود الاقتصادي العالمي.
الصين بالتأكيد مشكلة كبيرة بما يكفي لرمي الاقتصاد العالمي وأسواق الأسهم خارج القضبان لبقية هذا العقد. رأينا هذا في الأيام الأربعة الأولى من العام، عندما تسبب سقوط مفاجئ في سوق الأسهم الصينية الفوضى المالية العالمية في يناير كانون الثاني. ولكن سوق الأسهم الصينية لم تحدث أثرا يذكر على بقية العالم. الخوف الحقيقي ينبع من كون السلطات الصينية ستحاول سواء بقوة خفض قيمة الرنمينبي، أو على الأرجح، ستفقد السيطرة عليه من خلال سوء إدارة عرضي، مما سيؤدى إلى هروب مدمر لرؤوس الأموال.
ويبدو أن هذا السيناريو كان معقولا جدا لبضعة أسابيع في الصيف الماضي، وعاد إلى الظهور باعتباره تهديدا في الأسبوعين الأولين من هذا العام. إلا أنه بحلول نهاية يناير، أصبحت معنويات السوق مرة أخرى لصالح الاستقرار في الصين. ويمكن أن يتعطل هذا الهدوء مرة أخرى إذا تكبدت احتياطيات الصين من العملة الأجنبية خسارة شهرية ضخمة أخرى، وستبقى الجهود التي تبذلها السلطات لإدارة التباطؤ الاقتصادي المنظم أكبر مصدر قلق مشروع للأسواق المالية لسنوات عديدة في المستقبل. ولكن إذا حكمنا من خلال سلوك السوق في النصف الثاني من شهر يناير، فقد تراجع الخوف من الصين على الأقل في الوقت الراهن.
لا يمكن قول هذا بشأن القلق الكبير الثاني في السوق: انهيار أسعار النفط منذ لحظة توقف هلع المستثمرين حول الصين، في الأسبوع الثاني من يناير، بدأت أسواق الأسهم حول العالم تنخفض (وأحيانا تنتعش) حسب ارتفاع سعر النفط. وخلافا للقلق المعقول حول الصين، يبدو ببساطة أن معنويات السوق قد تأثرت خطأ بالعلاقة بين النفط والاقتصاد العالمي. على كل حال، ولكن ليس على المدى القصير جدا، ينبغي أن تكون العلاقة بين أسعار النفط وأسواق الأسهم سلبية لا إيجابية - ويكاد يكون من المؤكد أن تظل العلاقة على هذا الحال في السنوات المقبلة.
عندما تنخفض أسعار النفط بنسبة 10٪ يوميا، ينشأ اضطراب واضح في المدى القصير: وتنفجر هوامش الائتمان في الموارد والقطاعات ذات الصلة، ويضطر المستثمرون الاستدانة إلى بيع الأصول بأسعار بخسة لتلبية نداءات الهامش. لحسن الحظ، بدأ الذعر في السوق يهدأ الآن، ووصلت أسعار النفط إلى الجزء السفلي من نطاق التداول 25-50 دولارا الذي يبدو دائما مناسبا في الظروف السياسية والاقتصادية التي نعيشها اليوم. الآن أخذت أسعار النفط تستقر عند مستوى معقول على المدى الطويل، وينبغي أن يستفيد منها الاقتصاد العالمي والشركات غير السلعية. انخفاض أسعار النفط يرفع من المداخيل الحقيقية ويحفز الإنفاق على السلع والخدمات الثانوية، ويضاعف أرباح الشركات المستخدمة للطاقة.
ومع ذلك، وعلى الرغم من هذه الفوائد الواضحة، يعتقد معظم المستثمرين الآن أن هبوط أسعار النفط يشير إلى انهيار في النشاط الاقتصادي، وهو ما يقودنا إلى التخوف الثالث الذي يطارد الأسواق المالية هذا الشتاء: الركود في الاقتصاد العالمي أو في الولايات المتحدة.
وتشير التجارب السابقة إلى أن أسعار النفط ليست مؤشر رئيسي مفيد للنشاط الاقتصادي. في الواقع، ليس لتحركات أسعار النفط أي صلة على الإطلاق بالتنبؤ الاقتصادي، ما عدا كمؤشر معاكس. ومنذ عام 1970 قد سبق كل ركود عالمي زيادة كبيرة في أسعار النفط، في حين أن كل انخفاض تقريبا بأكثر من 30٪ يسبب تسريع النمو وارتفاع أسعار الأسهم. الرأي السائد هو أن تراجع أسعار النفط يبشر بالركود وبالاعتقاد أن هذه المرة مختلفة - الاعتقاد الذي ينبني على عادة الأسواق المالية خلال دورات الازدهار والكساد.
وأخيرا، ماذا عن سوق الأسهم المتدهورة نفسها كمؤشر على مخاطر الركود؟ يمكن للمرء ذكر الاقتصادي العظيم بول سامويلسون، الذي صرح ساخرا سنة 1960 أن سوق الأسهم "تنبأت بتسعة من خمسة حالات الركود الماضية." ومع ذلك، فإن الجواب ليس مطمئنا. في حين أن الأسواق غالبا ما تكون خاطئة في توقع الأحداث الاقتصادية، يمكن للتوقعات المالية أن تؤثر في بعض الأحيان في تلك الأحداث. ونتيجة لذلك يمكن في بعض الأحيان أن يضطر الواقع للاتجاه إلى توقعات السوق، وليس العكس.
هذه العملية، المعروفة باسم "الانعكاس"، هي قوة هائلة في الأسواق المالية، وخصوصا خلال فترات عدم الاستقرار أو الأزمة. وما دام الانعكاس يعتمد على ثقة المستهلكين والشركات، فإنه لن ينتج عنه أي مشكل الآن، باعتبار أن انهيار أسعار النفط دواء قوي لتفادي انخفاض سوق الأسهم. ويكتسب المستهلكون فوائد من النفط الرخيص أكثر مما يخسرونه بسبب انخفاض أسعار الأسهم، لذلك ينبغي أن يكون التأثير الصافي للاضطرابات المالية الأخيرة على الاستهلاك إيجابيا - وأن يساهم استهلاك أقوى في حدوث عائدات الأعمال.
القلق الأكبر هو تفاعل هذا الانعكاس داخل النظام المالي نفسه. إفلاس الشركات في قطاع الطاقة الصغيرة، والتي هي ذات أهمية اقتصادية محدودة على كل حال، قد تخلق ضغوطا في العمل المصرفي العالمي وتحد من توافر الائتمان للشركات والأسر السليمة التي كان من المفروض استفادتها من تراجع أسعار النفط. المخاوف من تخفيض قيمة العملة الصينية الذي لم يحدث (وربما لن يحدث) لها نفس التأثير السلبي على الائتمان في الأسواق الناشئة. وفي الوقت نفسه، تستمر الجهات الرقابية البنكية في تشديد معايير الإقراض، على الرغم من الظروف الاقتصادية التي تشير إلى أهمية المرونة.
باختصار، لا شيء عن حالة الاقتصاد العالمي يشير إلى أن التباطؤ الكبير أو الركود أمر لا مفر منه أو محتمل. ولكن تركيبة قاتلة من التوقعات الذاتية والأخطاء السياسة قد تعيد الواقع الاقتصادي إلى المزاج الكئيب السائد في الأسواق المالية.
اضف تعليق