إيان بوروما
نيويورك ــ إن الطرق المؤدية إلى الكارثة السياسية كثيرة: الجشع، والغطرسة، وكاريزما زعماء الدهماء، ولعل الطريق الأخطر على الإطلاق هو طريق الخوف. فعندما يصاب الناس بالذعر، يتصرفون بهستيرية غالبا، وتؤدي الهيستريا إلى العنف الجماعي. وعندما يقنع الساسة الناس بأنهم يخوضون معركة حياة أو موت ــ وأن البقاء مسألة "إما نحن أو هم" ــ يُصبح كل شيء ممكنا.
جَمَع أدولف هتلر كل عناصر الكارثة السياسية: الغطرسة، والكاريزما، والجشع، وفكرة مفادها أن "الآريين" واليهود منحبسون في صراع أبدي من أجل البقاء. لا ريب أن لا أحد من زعماء الدهماء في الغرب اليوم ــ من دونالد ترامب في الولايات المتحدة إلى مارين لوبان أو خيرت فيلدرز في أوروبا ــ يمكن مقارنته بهتلر. فلم يروج أي منهم للدكتاتورية، ناهيك عن القتل الجماعي. ولكن من المؤكد أنهم يحرضون سياسات الخوف.
ويروج ترامب أيضاً للجشع، فيتباهى علناً بثروته، وقد نجح على نحو أو آخر في صقل قدر عجيب من الغطرسة والمواقف المتناقضة في شكل غريب من أشكال الكاريزما. فهو من ناحية، يَعِد بمعالجة مشاكل العالم كافة، وأن يثبت للصين أو روسيا أو تنظيم الدولة الإسلامية أو أي شخص آخر من هو الزعيم وصاحب الأمر والنهي. ومن ناحية أخرى، يزعم أن بلده القوي المترامي الأطراف لا يستطيع أن يقبل لاجئين يائسين من سوريا، لأن المسلمين من طالبي اللجوء، كما يحذر، ربما ينظمون "واحداً من أكبر الانقلابات العسكرية في التاريخ".
ويحرص زملاء ترامب من الجمهوريين في سباق الرئاسية في الولايات المتحدة، مثل تِد كروز، وبن كارسون، وماركو روبيو، على إثارة مشاعر خوف مماثلة بشأن اللاجئين. حتى أن كروز، وكذا جيب بوش الذي يفترض أنه أكثر اعتدلا، اقترح السماح للمسيحيين فقط بدخول الولايات المتحدة.
في كل عام، يُقتَل في الولايات المتحدة أكثر من عشرة آلاف شخص في أحداث عنف مسلح ــ وكلهم باستثناء قِلة قليلة لأسباب لا علاقة لها بالإسلام. ورغم هذا، يتفاخر كل المرشحين الجمهوريين بمعارضة تدابير السيطرة على السلاح؛ بل إنهم لا يجدون أي مشكلة في السماح للناس بالدخول إلى مدرسة أو حانة حاملين أسلحة مخبأة، أما استقبال حِفنة من اللاجئين المسلمين فهو في نظرهم أخطر من أن يفكروا فيه مجرد تفكير.
لا يعني هذا بطبيعة الحال أن أفعال الإرهاب المتأسلم المروعة من غير الممكن أن تحدث في الولايات المتحدة، أو أي مكان آخر. فقد حدثت، وربما نشهد المزيد منها، ما دام الشرق الأوسط يعيش حالة من الارتباك والفوضى وما دام الإسلام الثوري يفتن الشباب الساخط في الغرب. ولكن هذا لا يشكل تهديداً وجودياً بأي حال.
تَكَهَّن صديق أميركي بأن الولايات المتحدة ربما لا يفصلها عن انتخاب شخص مثل ترامب رئيساً سوى عمل إرهابي واحد. والواقع أن اندلاع فورة مثيرة من أعمال القتل من قِبَل المتأسلمين من الممكن أن يروع الأميركيين بالقدر الكافي لحملهم على التصويت لصالح أكبر دُعاة الخوف. كل شيء ممكن، ولكن لا أظن أن الناخبين الأميركيين قد يبلغ بهم الغباء هذا المبلغ.
بيد أن الخطر الأعظم رغم ذلك هو أن يتمكن زعماء الدهماء من دفع الساسة حتى من التيار السائد إلى الالتحاق بمعسكرهم. فمنذ هجمات الثالث عشر من نوفمبر/تشرين الثاني الإرهابية في باريس، كان الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، المتعقل في مجمل الأمر وإن كان لا يحظى بشعبية كبيرة، يشعر بخوف شديد من وصمه بضعف الشخصية من قِبَل الساسة من اليمين وأقصى اليمين، حتى أنه اضطر إلى إعلان حالة الطوارئ على المستوى الوطني ــ والحرب على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
وما دامت حالة الطوارئ قائمة في فرنسا، فسوف يظل بوسع أفراد الشرطة اعتقال الناس من دون إذن قضائي، وتحطيم الأبواب واقتحام المساكن الخاصة في منتصف الليل، والاستيلاء على المطاعم وغيرها من المحال العامة بالقوة المسلحة، والتصرف عموماً وكأنهم عملاء في دولة بوليسية. والآن يشعر أغلب المواطنين الفرنسيين بالخوف الشديد من هجمات المتأسلمين حتى أنهم يؤيدون مثل هذه التدابير على نطاق واسع. ولكن يكاد يكون من المؤكد أنها تدابير هدّامة وقد تفضي إلى نتائج عكسية.
يستطيع أي زعيم وطني أن يعلن الحرب على دولة، ولكن ليس على شبكة من الثوريين. وتنظيم داعش ليس دولة برغم مزاعمه، ولا ينبغي لهولاند أن يتعامل معه باعتباره دولة. وحتى لو كان قصف معاقل داعش في العراق أو سوريا منطقياً على المستوى العسكري، فإنه لن يكسر السحر الذي تلقيه ثورة المتأسلمين على الشباب المحبَط الضَجِر المهمش في الأحياء الفرنسية الفقيرة.
بل على العكس من ذلك، يعتمد قادة داعش الماكرون الدهاة أيضاً على النظرة المهلكة إلى العالم من منظور "نحو أو هم". ذلك أن أغلب المسلمين ليسوا ثوريين ينتهجون العنف ويتغاضون عن العنف الجماعي ــ ناهيك عن الإعجاب به. ويسعى تنظيم داعش إلى توسيع قاعدة داعميه، وخاصة بين الشباب المسلمين، من خلال إقناعهم بأن المسلمين الحقيقيين هم أولئك الذين يخوضون حرباً وجودية ضد الغرب ــ وأن الكفار هم أعداؤهم اللدودين. والخوف هو سلاحهم الأقوى، مثلهم في ذلك كمثل ترامب.
لذا، فكلما سمحت حكومة غربية لأفراد الشرطة لديها بإهانة المسلمين والاستئساد عليهم باسم الأمن، كلما تزايدت احتمالات نجاح تنظيم داعش في تجنيد الأوروبيين. ويتمثل السبيل الوحيد لمكافحة عنف المتأسلمين الثوريين في كسب ثقة المسلمين الذين يحترمون القانون في الغرب. وهي ليست بالمهمة السهلة، ولكن من المؤكد أن الاعتقالات العشوائية هي الوسيلة الخاطئة لتحقيق هذه الغاية.
وعلى نحو مماثل، عندما يتعلق الأمر بالحروب الأهلية في الشرق الأوسط، فإن ضبط النفس في الغرب يكون غالباً الاستراتيجية الأفضل من التدخل العسكري المتسرع المدفوع بالخوف في الداخل. والواقع أن المرشحين الجمهوريين في الولايات المتحدة يستغلون بالفعل أحداث القتل الأخيرة في باريس لإلقاء اللوم على الرئيس باراك أوباما، وبالتالي أي مرشح ديمقراطي في المستقبل، لكونه ضعيفا. وقد وعد ترامب بقصف داعش "بكل قسوة".
كانت هذه النزعة القتالية هي التي دفعت هيلاري كلينتون، المرشحة الأوفر حظاً باختيار الحزب الديمقراطي لها كمرشحة للرئاسة، إلى النأي بنفسها عن أوباما. فهي كمثل هولاند، مضطرة إلى تهدئة الخوف بين عامة الناس من خلال التحدث بخشونة وقسوة والوعد بالمزيد من العمل العسكري.
كان أوباما متماسكاً في مقاومة إغراء شن المزيد من الحروب. وكانت سياساته في بعض الأحيان متنافرة ومترددة. غير أنه في رفضه الاستسلام للذعر والتصرف بتهور، كان أشجع كثيراً من جميع المتكلمين الكبار الذين يتهمونه بالجبن والضعف.
اضف تعليق