كريستوفر هيل
دنفر ــ تشهد سوريا الآن حربين مدمرتين. تدور إحداهما بين الرئيس السوري بشار الأسد والجماعات المتمردة، مثل الجيش السوري الحر. وهذه لا يمكن التغلب عليها إلا من خلال الحل الدبلوماسي ــ وعلى وجه التحديد من ذلك النوع الذي تسعى إلى التوصل إليه محادثات السلام في فيينا، والتي تضم مجموعة واسعة من القوى العالمية والجهات الفاعلة الإقليمية. أما الحرب الثانية، والتي يشنها تنظيم الدولة الإسلامية، فسوف يتطلب حلها سلوك نهج مختلف تمام الاختلاف.
بطبيعة الحال، تُعَد حرب تنظيم الدولة الإسلامية حرباً أهلية إلى حد ما ــ تدور رحاها بين السُنّة والشيعة وبين الطوائف السُنّية المختلفة ــ وهي مرتبطة بالصراع ضد الأسد. بيد أن هجمات تنظيم الدولة الإسلامية الوحشية في بيروت وباريس (ناهيك عن سلوك مقاتليه الهمجي داخل سوريا والعراق) تثبت بوضوح استحالة إجراء محادثات مع قادتها ــ ناهيك عن التوصل إلى تسوية معهم. فلا مجال لأي ترتيبات سياسية أو دبلوماسية أو إقليمية مع مثل هذه الجماعات ــ التي تتعارض أفكارها المتعصبة وممارساتها الوحشية مع كل المعايير الأساسية للمجتمعات المتحضرة ــ ولا سبيل إلى تبرير مثل هذه الترتيبات.
من المؤكد أن الدبلوماسية مطلوبة في هذه المعركة، فتماماً كما تشكل الحرب غالباً عنصراً من عناصر الدبلوماسية، قد تكون الدبلوماسية في بعض الأحيان عنصراً من عناصر الحرب. وفي الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية، تلعب الدبلوماسية دوراً بالغ الأهمية لحشد تحالف من الدول يكرس جهوده لاستئصال شأفة هذه الجماعة تماما ــ وهو ما يجب أن يحدث على أرض المعركة.
لابد أن تتفق البلدان المعنية كافة على أن تنظيم الدولة الإسلامية لا يجوز له أن يضطلع بأي دور شرعي في أي مكان. وكل من يحاول تحليل أهداف هذه الجماعة، وخاصة في المنطقة ــ لدعم أهدافه المناهضة للشيعة على سبيل المثال، متجاهلاً أساليبه ــ فإنه لا ينتمي إلى هذه المعركة. وعلى حد تعبير الرئيس جورج دبليو بوش: "يتعين على كل دولة أن تقرر، فهي إما معنا أو مع الإرهابيين".
ولا ينحصر الأمر في مجرد تشكل جبهة موحدة. فبقدر ما قد يحلو للبعض اعتبار فشل قادة الشيعة في العراق في التواصل بالقدر الكافي مع السُنّة وإشراكهم في الأمر السبب وراء صعود تنظيم الدولة الإسلامية، فإن هذا التفسير بعيد كل البعد عن الاكتمال. من المؤكد أن صفوف القيادة الشيعية الخرقاء، والمتهورة في كثير من الأحيان، لم تكن تضم زعماء بمكانة نلسون مانديلا. ولكن لو كان تنظيم الدولة الإسلامية ببساطة مجرد أداة في النضال السُنّي ضد الحكم الشيعي، فما كان الصراع ليتوسع بهذا القدر بعيداً عن المناطق التي يسكنها الشيعة.
وكما أظهر الربيع العربي وما صاحبه من فوضى وعنف أن إسرائيل من غير الممكن أن تُلام عن كل مشاكل المنطقة، فإن تحرك تنظيم الدولة الإسلامية إلى مناطق لا تتصارع مع القيادات الشيعية الهزيلة ربما يرغم الحكومات السُنّية، كما يأمل المرء، على تحمل المسؤولية. إذ يستلهم تنظيم الدولة الإسلامية أفكاره إلى حد كبير من نسخة متطرفة وفاسدة من الوهابية (المذهب السُنّي المحافظ المفرط التشدد الذي تتبناه ممالك الخليج مثل المملكة العربية السعودية).
والآن، حان أوان العمل الأكثر حزماً من قِبَل العالم المسلم السُنّي في مواجهة الحركة الوحشية التي ساعد في إفرازها سواء عمداً أو من دون قصد. ولتحقيق هذه الغاية، يتعين على المملكة العربية السعودية أن تتراجع عن القرار الذي اتخذته مؤخراً بتحويل جام غضبها ضد المتمردين من الحوثيين الشيعة في اليمن، بدلاً من صبه على رأس تنظيم الدولة الإسلامية. فلا يجوز لأي دولة أن تعفي نفسها من مهمة خوض الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية، وخاصة قوة إقليمية غنية ساعدت تقاليدها في إلهام هذه الجماعة الفِكر المتطرف الذي يحركها.
أما عن الحرب الأهلية بين الأسد وخصومه، فإن محادثات فيينا تقدم سبباً للتفاؤل الحذر. صحيح أن المحادثات ليست بداية نهاية الصراع السوري؛ بل إنها قد لا تكون حتى "نهاية البداية" إذا كان لنا أن نعيد صياغة تعبير ونستون تشرشل. ولكنها تمثل خطوة جادة نحو النهج الدبلوماسي المطلوب بشِدة لحل هذا الجانب من الصراع ــ خاصة وأن العديد من اللاعبين المناسبين، من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وتركيا والمملكة العربية السعودية، يشاركون في العملية.
ولكن تظل المحادثات بعيدة عن الكمال. ورغم أنه من المبكر للغاية أن ننتقد هذه الجهود، فليس من السابق لأوانه أن نسلط الضوء على بعض المخاوف المحتملة.
بادئ ذي بدء، لا ينبغي أن تكون الانتخابات الهدف الوحيد، برغم أهميتها. ففي سوريا العديد من الأقليات الأصغر حجماً من أن تتمكن من ضمان تمثيلها من خلال صناديق الاقتراع، وهي بالتالي في احتياج إلى الحماية بوسائل أخرى، مثل الترتيبات السياسية والمؤسسات التي تهدف صراحة إلى ضمان حقوق الأقليات. فقد يكون حكم الأغلبية الركيزة الأولى للديمقراطية، ولكنه يتحول إلى إنجاز أجوف ــ وغير مستقر ــ إذا غابت الركيزة الثانية، والتي تتمثل في ضمان حقوق الأقليات.
وينبع مصدر آخر للقلق والانزعاج من التصريحات التي يلقي بها العديد من المشاركين بأن عملية حل الصراع ينبغي أن تكون "بقيادة سورية". وهي فكرة طيبة ولكنها تفتقر إلى الموضوعية. فلا يوجد في سلوك أي من الفصائل السورية التي ظلت تتقاتل طوال السنوات الأربع الماضية ما قد يشير إلى أنها مجهزة لقيادة عملية السلام.
في أوقات الأزمات، تميل الدول إلى نسيان دروس أزمات الماضي. يصادف هذا الشهر مرور عشرين عاماً منذ تم التوقيع على اتفاقات دايتون، التي أنهت حرب البوسة. فقد نشأت تلك الخطوة الأساسية المهمة، التي أنهت صراعاً وحشياً استهدف المدنيين على نحو غير متناسب، من عملية من خطوتين. تمثلت الأولى في "مجموعة اتصال" دولية اتفقت على إطار للسلام. ثم جُمِع بين الأطراف المعنية بالصراع بشكل مباشر في عملية تفاوضية كان الهدف منها التوصل إلى اتفاق ضمن ذلك الإطار.
قد يبدو في هذا بعض الغطرسة والمعاملة المتنازلة، ولكنه نجح. فبدلاً من التشتت بفِعل الشعور بالكرامة الجريحة، يتعين على أولئك الذين انخرطوا في الصراع الذي أسفر عن قتل أو جرح المئات من الآلاف من الأبرياء ونزوح الملايين أن يقرروا القيام بكل ما يلزم لإنهاء الفوضى. وربما يستطيع كل شخص بعدئذ أن يحول انتباهه نحو سحق تنظيم الدولة الإسلامية إلى الأبد.
اضف تعليق