وكالة أنباء شينخوا-ترجمة أحمد عبد الأمير
"أنا لا أبحث عن حياة مسرفة، بل أنني ببساطة أريد ظروفا أفضل لكي يكون لأطفالي مستقبل أفضل. اشعر باليأس هنا، لقد فقدت وعائلتي الأمل بسبب الفوضى والعنف المتواصل، بحسب ما أفاد به سيف محمود لوكالة أنباء شينخوا، بينما كان يستعد لطلب اللجوء في أوروبا.
كانت والدة محمود العجوز تبكي عندما جلست بجواره على الأريكة، وقالت "كيف يمكنني أن أتحمل مغادرته؟ هو لم يغادر أبداً منذ أن كان طفلاً. طفلاه يملأن حياتي بالسعادة. قد لا أعيش لأراهم مرة أخرى".
حاول محمود تهدئة والدته، وقال بينما كان يمسح دموعها "لا تبك ارجوك يا أمي، انا مضطر للرحيل لأنني أريد أن أبدأ حياة جديدة، أنت تعرفين أنني لا أستطيع البقاء هنا بعد الآن، على الرغم من أن أحلامي ليست متكلفة كثيرا"
وقد أرضى محمود والدته قائلا لها أنه متأكد من أنه سوف يعيش حياة أفضل في مكان آخر، وأن أطفاله سوف يترعرعون في بيئة أفضل ويلتحقون بمدارس جيدة. وأخبرها أنه بمجرد استقراره في أوروبا، فانه سوف يرسل لها لغرض الالتحاق به، أـو إذا ما تحسنت الأمور في العراق فإنه سوف يعود.
العراقيون، الذين لطالما عاشوا تحت ضغط العنف وعدم الاستقرار، جذبتهم التقارير التي أظهرت مئات العوائل والشباب من العراق وسوريا وهم يعبرون بحر أيجة باتجاه اليونان ومن ثم إلى أوروبا، وألمانيا على وجه الخصوص.
ويسافر العراقيون، الذين لا يستطيعون تحمل نفقات الرحلة إلى تركيا، بالحافلة إلى أربيل عاصمة المنطقة المتمتعة بحكم شبه ذاتي في إقليم كردستان العراق، ومن ثم يسافرون برا لأكثر من 30 ساعة إلى المدن التركية الواقعة على بحر أيجة.
وبينما هم ما يزالون في تركيا قبل أن يغادرونها، يناقش الناس أفكاراً وعروضا من مهربين في اختيارهم الوسيلة الأكثر أمنا والأرخص لعبور بحر أيجه باتجاه اليونان، اعتمادا على مقدار الأموال التي جلبها معهم المهاجرون.
صباح حميد وهو سائق سيارة أجرة، ويبلغ من العمر 38 سنة، باع سيارته مقابل 4,000 دولار أمريكي، وذلك ضمن استعداداته لأخذ أطفاله الأربعة وزوجته إلى تركيا.
وقال حميد، الذي هجرت عائلته من مدينة الفلوجة التي احتلها مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية مطلع العام 2014، "قمت ببيع مقتنياتي الثمينة، مثل المجوهرات والأثاث وحاسوبي المحمول المستعمل، وحتى هاتفي الذكي، لجمع عدة مئات من الدولارات لتأمين على الأقل كلفة المرحلة الأولى من الرحلة".
واضاف حميد "إنني مهجر من مدينتي الفلوجة، فقد تركت منزلي وممتلكاتي لأنقذ عائلتي من القصف اليومي والأعمال الوحشية لمسلحي تنظيم الدولة الإسلامية".
إن اعدادا كبيرة من المهاجرين هم من النازحين الذين تركوا منازلهم عقب احتلال مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية مدننا عديدة في المحافظات ذات الغالبية السنية الواقعة في كل من غرب وشمال العاصمة العراقية بغداد.
وقالت غيداء كمبش، وهي عضو في البرلمان العراقي تمثل محافظة ديالى العراقية الشرقية إن أغلبية المهاجرين إلى أوروبا الذين غادروا ديالى هم مهجرون بالفعل من ديارهم بسبب أعمال العنف التي أعقبت توسع تنظيم الدولة الإسلامية في المحافظات السنية، بما فيها ديالى، بعد الحرب الخاطفة التي شنها تنظيم الدولة الإسلامية في حزيران من العام 2014.
وأضافت كمبش أن "اليأس والبطالة وانعدام الأمن هي القوى الدافعة لموجات الهجرة الأخيرة من ديالى إلى أوروبا، لاسيما في أعقاب أعمال العنف التي قام بها تنظيم الدولة الإسلامية خلال عمليات توسعه".
ويعتقد معظم المهاجرين أن الهجرة هي الحل الوحيد لإنقاذ مستقبلهم كونهم بأمس الحاجة إلى أي تحسن في حياتهم، بحسب كمبش في معرض حثها للحكومة على "تقديم ضمانات للعراقيين على إيجاد الحلول للإبقاء على ثقتهم في مستقبلهم".
وقال ماهر العباسي، البالغ من العمر 56 عاما، ويعمل كناشط اجتماعي ومحام، لوكالة أنباء شينخو، "لقد أصبحت ظاهرة بين العديد من العراقيين في التفكير بالهجرة حيث أن آمال الناس في انحسار أعمال العنف قد تبددت مع ارتفاع معدلات الفساد وانعدام الخدمات الأساسية وعدم الاستقرار.
ويعاني العراقيون من انعدام فرص العمل حيث ان غالبية الشباب والشابات، العديد منهم يحملون شهادات جامعية وشهادات عليا، لا يجدون فرصة في سوق العمل المكتظة لدى المؤسسات التابعة للحكومة.
وقال العباسي إن "المؤسسات الحكومية قامت بتوظيف أكثر من أربعة ملايين موظف، والذين هم أكثر من ضعف القوى العاملة التابعة للحكومة في دول الجوار حيث عدد السكان فيها ضعف ما عليه في العراق".
ويرجع إنعدام فرص العمل ايضا إلى بطء النمو إضافة إلى القطاع الخاص غير الكفوء والمصاب بالشلل بسبب عدم كفاءة الحكومة والفساد بنطاق واسع.
وأضاف العباسي أن "خواطر السفر إلى الخارج هي أيضا بسبب التعرض للتهديد من قبل الميليشيات، مما يدفع الناس إلى السفر خوفا على حياتهم. آخرون هم من سكان بغداد من الأسر الرغيدة الذين يهربون من الظرف الاقتصادي الصعب الناشئ من تراجع أسعار النفط".
وحذّر المحلل السياسي نجيب الجبوري، من مثل هذه الموجات من الهجرة إلى أوروبا قائلا إنها تهدد مستقبل العراق، حيث أن الاف المغادرين من الخبراء والقوى العاملة الشابة مما يقلل من فرصة إعادة إحياء البلاد على الاطلاق.
وقال الجبوري "إنها ظاهرة خطيرة للغاية وينبغي على الحكومة إتخاذ إجراءات حاسمة لوقف الهجرة الجماعية، حيث يتوجب على الناس ان يكونوا مسؤولين عن بلدهم". وأضاف أن "الوطن ليس فندقاً نغادره إلى آخر أفضل منه عندما تكون الخدمة فيه سيئة، إنه إرثنا وهويتنا وفخرنا".
وحذّر من أن معظم اولئك الساعين إلى الهجرة يتوقعون حياة أفضل في أوروبا. وقال إن "ما يرونه على شاشات التلفاز هو ليس الحقيقة لأن معظم المهاجرين سيعيشون في نهاية المطاف بمخيمات مغلقة ومزدحمة، مع فرض قيود على حركتهم. وحتى لو حصلوا فيما بعد على وضع الاقامة، فإنهم سيواجهون مواقف غير متوقعة فيما يخص التقاليد وطبيعة الحياة الأوروبية والعمل".
وخلص الجبوري إلى القول إنه "يجب على الحكومة إطلاق حملة توعية لوقف موجات الهجرة هذه، وكذلك توفير الحلول من خلال إتاحة فرص عمل في القطاعين الحكومي والخاص على حد سواء".
وقال الجبوري إنه ومع ذلك فإن الجذر الرئيسي للازمة الحالية في العراق وكذلك في منطقة الشرق الأوسط هو على نحو واضح الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في العام 2003 ضد العراق، وسياسة الكيل بمكيالين الأمريكية عند التعامل مع مشكلات العالم ولاسيما الإرهاب.
واضاف الجبوري "لقد كان النفط، ضمن الأهداف الاستراتيجية الأخرى، الذي أدى بالولايات المتحدة إلى إثارة غضب العراق والشرق الأوسط"، فقد نشرت الولايات المتحدة قواتها ورفعت راية الشرعية الدولية وخلاص الشعب العراقي المضطهد في عهد صدام حسين، بينما في الحقيقة فإن الغزو يتمحور حول مصالحها الخاصة".
مع ذلك، فقد حوّل غزو العام 2003 المدن العراقية إلى مناطق حرب. كان الرئيس الأمريكي بوش يصف باستمرار حرب العراق على أنها "خط المواجهة في الحرب على الإرهاب".
والآن، وبعد مضي 12 عام على الغزو وأربعة أعوام عقب انسحاب القوات الأمريكية من العراق، تبقى النتيجة كارثية بالنسبة للعراقيين الذين يدركون أن ما حدث في الواقع كان مجرد إعادة توزيع للحكم الاستبدادي، الذي قاد البلاد إلى حافة الحرب الأهلية والفوضى والتهديد بتمزيق البلاد.
وأضاف الجبوري أن "الأزمة العراقية لن تتوقف مالم تتعاون دول العالم، بضمنها الولايات المتحدة وأوروبا، في إعادة التفكير في سياسة جديدة للتعاون من أجل انتهاج سياسات مشتركة تجاه أزمات العالم، بما فيها انتشار الإرهاب الذي أجبر الالاف من العراقيين على السعي إلى اللجوء في أوروبا".
ووفقا للتقرير الذي صدر مؤخراً من بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي)، فإن أكثر من 50,000 عراقي، العديد منهم ضحايا أعمال العنف لمسلحي جماعة تنظيم الدولة الإسلامية المتشددة، يعتقد أنهم رحلوا خلال الاشهر الثلاثة الماضية نحو أوروبا.
وحذر التقرير من أن "الالاف يمكن ان يتبعوهم ما لم تبذل الجهود للتخفيف من معاناة أكثر من 8 ملايين عراقي وعراقية وطفل".
واضاف التقرير أن "أكثر من 8.6 مليون شخص عبر البلاد في حاجة ماسة للمساعدة الانسانية، بضمنهم 3.2 مليون شخص مهجر داخلياً".
وخلص التقرير إلى أن "وضعهم الأبعد من اليائس أدى بالعديد من العراقيين المهجرين بفعل النزاع إلى الهرب حيث لا خيار آخر إلا ان يضعوا مصيرهم في أيدي المهربين لتأمين مرورهم إلى أوروبا".
اضف تعليق