q
تنظر الرياض إلى المجلس بصفته وسيلة للوصول إلى هدفها في الخروج من الصراع في أقرب وقت ممكن. ويشكل المجلس وسيلة أيضاً لإبقاء المجموعات المعادية للحوثيين منضبطة إلى حد ما بينما تركز هي على التوصل إلى اتفاق مع الحوثيين. وقد نجحت الرياض في تأسيس سلطة تمثيلية، لكن باستبعاد مجلس...
بقلم: فينا علي خان

يفتقر المجلس ذو الأعضاء الثمانية الذي يرأس الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً إلى رؤية مشتركة لمستقبل البلاد. ومع تطلُّع المملكة العربية السعودية إلى مخرج من حرب اليمن، وظهور المفاوضات مع المتمردين الحوثيين في الأفق، فإن الآن هو الوقت المناسب كي يحلّ المجلس مشاكله.

لقد وصلت الحرب اليمنية إلى منعطف. إذ تمضي محادثات القنوات الخلفية بين الطرفين المتحاربين الرئيسيين – المتمردين الحوثيين والمملكة العربية السعودية، الراعي الخارجي الرئيسي للحكومة المعترف بها دولياً – قُدماً وسط هدنة غير رسمية مترنحة. ظلت خطوط الجبهة هادئة غالباً منذ نيسان/أبريل 2022، عندما توصل الطرفان إلى هدنة رسمية، رغم انتهاء مفعول ذلك الاتفاق بعد ستة أشهر. ساعد وقف الأعمال القتالية استمرار المحادثات بين الحوثيين والسعوديين، ويبدو أن اتفاقاً يلوح في الأفق.

إلا أن هذه المفاوضات لا تستطيع، بحد ذاتها، إنهاء الحرب، لأنها تستبعد خصوم الحوثيين اليمنيين، الممثَّلين بمجلس القيادة الرئاسي الذي يدير الحكومة حالياً. يجري ممثلو الحوثيين وممثلو مجلس القيادة الرئاسي محادثات منفصلة، بوساطة من الأمم المتحدة، وحققوا بعض الآثار الإيجابية؛ فبين 14 و16 نيسان/أبريل، أجرى الطرفان تبادلاً للأسرى أفضى إلى إطلاق سراح 887 أسيراً. إلا أن هذه النقاشات لم تعالج الخلافات الأكبر بين الحوثيين وخصومهم اليمنيين. إذا ظهر اتفاق سعودي–حوثي يتجاهل مصالح الأطراف الأخرى، فإنه يخاطر بتجدد الحرب الأهلية اليمنية. ففي غياب تسوية أكثر شمولاً، من غير المرجح أن تصبح حدود المملكة العربية السعودية آمنة أيضاً. يتطلب إنهاء الحرب حواراً يمنياً–يمنياً موسعاً، وأن يجرى، مثالياً، برعاية الأمم المتحدة.

لكن في الوقت الحالي، مجلس القيادة الرئاسي أضعف من أن يكون طرفاً نظيراً للحوثيين في مثل هذا الحوار. فالمجلس ذو الأعضاء الثمانية، الذي تشكَّل في 7 نيسان/أبريل 2022، بعد توقيع الهدنة الرسمية بوقت قصير، كان منقسماً منذ البداية. إنه لا يحكم ككيان واحد، ويفتقر إلى إستراتيجية واضحة للوصول إلى محادثات سلام تقودها الأمم المتحدة، ناهيك عن امتلاكه لرؤية متماسكة لتلك النقاشات إذا جرت، وعندما تجري. وتتمثل المشكلة الرئيسية في أن أعضاء مجلس القيادة الرئاسي أنفسهم مختلفون حول كيفية تقاسم السلطة في المناطق الواقعة تحت سيطرتهم؛ وحول ما إذا كان ينبغي لليمن أن يظل دولة موحدة، أم ينقسم إلى دولتين أم يصبح كياناً اتحادياً (وفي الحالة الأخيرة، عدد الأقاليم الاتحادية التي تكوّنه)؛ وما إذا كان ينبغي تسوية هذه المسائل المعقدة قبل المحادثات السياسية مع الحوثيين، أو كجزء منها أو بعدها. ما يجعل الأمور أسوأ هو أن السعودية والإمارات العربية المتحدة، الداعمتين الإقليميتين الرئيسيتين لمجلس القيادة الرئاسي، منخرطتان في تكتيكات عسكرية متضاربة، وبشكل يعزز فقط موقع أعضاء المجلس الذين تعتقدان أنهم يمثلون مصالحهما، الأمر الذي يعمق الانقسامات داخل المجلس. في هذه الأثناء، ترغب القوى الغربية التي قد تكون قادرة على التأثير على الحكومة خلال المفاوضات بوجود مجلس قيادة رئاسي موحد لكنها تفتقر إلى سياسة واضحة حيال ما ينبغي فعله لتوحيد أعضائه.

مع تحرك المسار السعودي–الحوثي، وبالنظر إلى أن تبادل الأسرى ولَّد درجة من حسن النوايا، فإن الآن هو الوقت المناسب لإصلاح مشاكل مجلس القيادة الرئاسي. ينبغي على أعضاء المجلس التوصل إلى موقف تفاوضي موحد استعداداً لحوار يمني-يمني، وإلا سيخاطرون بالخروج من مثل تلك المحادثات خاليي الوفاض، الأمر الذي سيؤدي إلى المزيد من عدم الاستقرار في البلاد. يتعين على السعودية والإمارات تقريب أجندتيهما المتباينتين بعضهما من بعض حيال مجلس القيادة الرئاسي واليمن برمته. إذا فشلتا في تحقيق ذلك، ستستمر منافستهما بالتجلي في اليمن، وستزرع الشقاق داخل المجلس وتؤجج القتال على الأرض.

وينبغي على الدبلوماسيين الغربيين والإقليميين أن يدفعوا مجلس القيادة الرئاسي إلى وضع نظام داخلي يعود إليه أعضاء المجلس عند نشوء نزاعات. من شأن مثل ذلك النظام الداخلي أن يوفر إجراءات لمجلس القيادة الرئاسي تمكّنه من التغلب على الانقسامات الداخلية، الأمر الذي سيعزز موقعه في المحادثات السياسية التي ستتوسط فيها الأمم المتحدة في النهاية. إضافة إلى ذلك، يتعين على الدبلوماسيين الغربيين والإقليميين العمل معاً لتوفير الموارد لمجلس القيادة الرئاسي استعداداً للحوار اليمني–اليمني. يمكنهم، على سبيل المثال، تقديم خبرات الوساطة لمساعدة المجلس على التخطيط لموقف تفاوضي في الجوانب الفنية للمباحثات.

تشكيل مجلس القيادة الرئاسي

شُكِّل مجلس القيادة الرئاسي بسبب التحولات في ديناميكيات الصراع بين عامي 2019 و2022، وهي التحولات التي كشفت إستراتيجيات سعودية وإماراتية متباينة في اليمن. فالرياض، بدعم من أبو ظبي، بدأت تدخلها العسكري في عام 2015، في سعي منها لاستعادة سلطة عبد ربه منصور هادي، الرئيس المعترف به دولياً حينذاك، والذي كان الحوثيون قد أخرجوه من العاصمة صنعاء، بالإضافة إلى هزيمة الحوثيين، الذين كانت تعتبرهم وكلاء لعدوتها اللدودة طهران. لكن الإمارات العربية المتحدة أصبحت تنظر إلى مصالحها بشكل مختلف مع استمرار الحرب. فبدأت بسحب قواتها من اليمن في منتصف عام 2019، عندما أدركت أن المجموعات اليمنية المعادية للحوثيين الذين كانت تدعمهم لا تستطيع طرد الحوثيين من مناطق مهمة كانوا قد سيطروا عليها على ساحل البحر الأحمر، ناهيك عن إخراجهم من معاقلهم في المرتفعات الشمالية. وكانت أبو ظبي حذرة على نحو متزايد من هادي، الذي شعرت أنه يدين بالولاء للرياض ولا يبالي بالمصالح الإماراتية. كما عدّت الإمارات هادي أقرب مما ينبغي إلى حزب الإصلاح، وهو مزيج من قوى سياسية تشمل الإسلاميين السنة الذين تساويهم بالإخوان المسلمين، الذين عدَّتهم منذ وقت طويل تهديداً في المنطقة. أعادت أبو ظبي قواتها إلى الوطن اعتقاداً منها أنها حققت أهدافها الرئيسية في تأمين جنوب اليمن واحتواء الإسلام السياسي فيه.

لكن سرعان ما اندلع الصراع بين الفصائل اليمنية المعادية للحوثيين بشكل أبرز الاختلافات الكبيرة داخل الكتلة والمستمدة بشكل رئيسي من رؤاها المتنافسة للمستقبل السياسي للبلاد. في أواخر عام 2019، سيطر أحد أقوى الفصائل، وهو المجلس الانتقالي الجنوبي، على العاصمة المؤقتة للحكومة في عدن، وأخرج قوات هادي منها مرة ثانية. المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يستمر في إدارة المدينة ومحيطها، انفصالي على نحو صريح؛ فهو يريد استعادة جنوب اليمن للاستقلال الذي تمتع به بين عامي 1967 و1990. هادي وحلفاؤه المرتبطون بالسعوديين، بمن فيهم الإصلاح، يدعمون بقوة يمناً موحداً. وهو ما يدعمه أيضاً لاعب رئيسي آخر هو طارق صالح، ابن شقيق سلف هادي في منصب رئيس الجمهورية، علي عبد الله صالح، وقائد وحدات الجيش التي ظلت موالية لعمه بعد سقوطه في عام 2011. وثمة خطوط تصدعات أخرى أيضاً. فأحد أكثر القوى قدرة في ميدان المعركة اليوم هي ألوية العمالقة، المتحالفة مع الإمارات العربية المتحدة، وهي، على عكس المجموعات الأخرى من التحالف المعادي للحوثيين، ذات منظور سلفي إلى حد بعيد، رغم أنها ابتعدت عن تقديم برنامج سياسي.

أظهرت العقبات التي واجهت القوى المعادية للحوثيين في عام 2021 مرة أخرى خلافاتها الداخلية. ففي ذلك العام، سيطر الحوثيون على مناطق في معاقل الحكومة في البيضاء، وشبوة ومأرب، وأفشلوا هجمات مضادة شنتها وحدات موالية لهادي. في بداية عام 2022، تدخلت ألوية العمالقة لاستعادة السيطرة على معظم المناطق التي خُسرت. أشعرت هذه الأحداث الرياض بأن وكلاءها اليمنيين – القوى المؤيدة لهادي – لم تعد صنواً للحوثيين في ميدان المعركة. شكل ذلك جرس إنذار وحّد الرياض وأبو ظبي خلف هدف سياسي يتمثل في إعادة تشكيل الحكومة اليمنية بحيث تعكس الوقائع الجديدة على الأرض.

،، استُبعد اليمنيون عن المداولات التي أفضت إلى تنحية هادي وتشكيل [مجلس القيادة الرئاسي]، الأمر الذي أفقد المجلس القدرة السياسية منذ نشأته ،،

في 7 نيسان/أبريل 2022، وبطلب من السعوديين والإماراتيين، نقل هادي صلاحياته إلى مجلس القيادة الرئاسي. اتُّخذ قرار تشكيل المجلس المكون من ثمانية أعضاء في الرياض، تحت قناع المفاوضات بين جميع دول الخليج العربية. استُبعد اليمنيون عن المداولات التي أفضت إلى تنحية هادي وتشكيل المجلس، الأمر الذي أفقده القدرة السياسية منذ نشأته. وحتى اليوم، يخطو أعضاء المجلس بحذر خشية أن تستبدلهم الرياض في أي وقت.

وفي حين أن مجلس القيادة الرئاسي أكثر تمثيلاً لمختلف الفصائل مما كانت عليه حكومة هادي وحاشيتها، فهو ممزق أيضاً بالانقسامات نفسها التي تخترق الكتلة المعادية للحوثيين برمتها. فهو يضم شخصيات مدعومة إماراتياً كانت مستبعدة سابقاً، مثل المجلس الانتقالي الجنوبي وألوية العمالقة، إضافة إلى شخصيات مقربة من السعوديين. رئيس المجلس، رشاد العليمي، الذي كان بصفته السابقة كوزير في الحكومة قد عمل مع الرياض بشأن المسائل الأمنية، يتمتع بالنفوذ الأكبر في صنع القرار، إضافة إلى عبد الرحمن أبو زرعة الزعيم السلفي لأولوية العمالقة. أتى صعود العليمي جائزة له على ولائه للرياض، في حين أثبت أبو زرعة نفسه من خلال القوات المسلحة التي يقودها. أعضاء المجلس الآخرون الذين يسيطرون على مناطق أو قوات مسلحة يأتون في الصف الثاني: عيدروس الزبيدي، قائد المجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي الذي يدير عدن؛ وصالح، الذي تتمركز قواته في المُخا على ساحل البحر الأحمر؛ وسلطان العرادة، محافظ محافظة مأرب الغنية بالنفط، والمقرب أيضاً من الرياض، لكنه يحتفظ أيضاً بعلاقات جيدة مع أبو ظبي. شخصية بارزة أخرى هو عبد الله العليمي باوزير من حزب الإصلاح، الذي يفتقر إلى لواء عسكري خاص به لكن تربطه علاقات بالرياض.

مجلس قيادة رئاسي مترنح

بعد عام على تشكيل مجلس القيادة الرئاسي، أصبح الاقتتال الداخلي فيه أسوأ. فخلال الهدنة الرسمية، قاتلت الفصائل المتخاصمة الممثلة في المجلس بعضها بعضاً من أجل السيطرة على خطوط إمداد حيوية ومناطق مولِّدة للإيرادات في سائر أنحاء الجنوب. وسعت لتأمين هذه المناطق من أجل اكتساب اليد العليا في المحادثات السياسية التي تتوقع أن تنهي الحرب. الموالون السابقون لهادي خسروا شبوة، وهي محافظة أخرى منتجة للنفط، لصالح ألوية العمالقة، وتعرضوا لهزيمة أخرى عندما تحركت القوات المتحالفة مع المجلس الانتقالي الجنوبي إلى أبين، المحافظة الساحلية شرق عدن.

اليوم، يهدد المجلس الانتقالي الجنوبي بالسيطرة على وادي حضرموت، وهي أراضي تقع إلى أقصى الشرق وتديرها الآن المنطقة العسكرية الأولى، وهي مجموعة مرتبطة بحزب الإصلاح. كما أصبح لدى العليمي جيش جديد مدعوم سعودياً، يتمثل في قوات درع الوطن، التي تنتشر في عدة مناطق يديرها المجلس الانتقالي الجنوبي في الجنوب. لقد فاقمت التحولات في السيطرة على الأرض المشكلة نفسها – أي التنافس بين الفصائل المعادية للحوثيين – التي دفعت إلى تشكيل مجلس القيادة الرئاسي.

يعج مجلس القيادة الرئاسي بالخلافات؛ إذ يفتقر أعضاؤه إلى رؤية مشتركة لمستقبل البلاد بعد الصراع. فالمجلس الانتقالي الجنوبي، على سبيل المثال، يريد من المجلس الموافقة على انفصال الجنوب قبل التحدث إلى الحوثيين، لأنه يعتقد أن التسوية السياسية النهائية من المرجح أن تتجاهل القضية الجنوبية. والفصائل التي تمثل حضرموت، وشبوة ومأرب في المجلس تطالب بالاستقلال الاقتصادي، بينما يعارض المجلس الانتقالي الجنوبي هذه الفكرة، لأن الوصول إلى المحافظات المولدة للعائدات سيكون حيوياً لاستدامة دولة جنوبية مستقلة يمكن أن تكون هذه المحافظات جزءاً منها. كما تتنافس مكونات مجلس القيادة الرئاسي على المناصب الوزارية التي ستوفر لها رأسمال سياسي واقتصادي أكبر. لم يتمكن المجلس من تجاوز هذه الخلافات، الأمر الذي يقوّض قدرته على الحكم. ونتيجة لذلك، فإنه فقد الثقة الشعبية.

في هذه الأثناء، فإن جميع فصائل مجلس القيادة الرئاسي استُبعدت من المبادرة الدبلوماسية الرئيسية الجارية حالياً؛ وهي المحادثات التي تيسّرها عُمان بين الحوثيين والرياض، والتي انطلقت في تشرين الأول/أكتوبر، عندما انتهى أمد الهدنة الرسمية، وتسارعت في تشرين الثاني/نوفمبر.

،، تشكل [المحادثات التي تيسرها عمان] جزءاً من حركة ديناميكية للدبلوماسية الإقليمية حققت تقدماً في عام 2023 تركز على حرص الرياض على الخروج من حرب اليمن ،،

تشكل هذه المحادثات جزءاً من حركة ديناميكية للدبلوماسية الإقليمية حققت تقدماً في عام 2023 وتركز على حرص الرياض على الخروج من حرب اليمن. في 10 آذار/مارس، وافقت السعودية على استعادة العلاقات الدبلوماسية مع إيران، في اتفاق جرى بوساطة صينية. طبقاً لتفكير الرياض، فإن طهران أكثر وديّة يمكن أن تدفع الحوثيين إلى القبول باتفاق مع السعوديين ووقف عمليات نقل الأسلحة إلى المتمردين الحوثيين. في مطلع نيسان/أبريل، بعد نحو عام من تشكيل مجلس القيادة الرئاسي، دعت السعودية أعضاء المجلس إلى الرياض لمناقشة خارطة طريق لإنهاء الصراع، وهي الخارطة التي يُعتقد أنها قُدمت إلى الحوثيين مسبقًا. وطبقاً لمصادر مجموعة الأزمات، فإن خارطة الطريق تحقق كثيراً من مطالب الحوثيين، وأحدها رفع التحالف الذي تقوده السعودية للقيود المفروضة على الرحلات الجوية من وإلى صنعاء وفتح ميناء الحديدة الذي يسيطر عليه الحوثيون على البحر الأحمر أمام التجارة. مطلب آخر هو أن يدفع السعوديون رواتب ستة أشهر لموظفي الخدمة المدنية والطواقم العسكرية في جميع أنحاء اليمن، بما في ذلك المناطق التي يديرها الحوثيون. وهذه الفكرة حل مؤقت؛ إذ أصر الحوثيون منذ وقت طويل على أن تدفع الحكومة اليمنية هذه الرواتب من العائدات النفطية للبلاد. يقترح السعوديون أن يستغل الحوثيون ومجلس القيادة الرئاسي (بتيسير من الأمم المتحدة) ما سيكون فعلياً فترة سماح مدتها ستة أشهر للتفاوض على اتفاق لتقاسم العائدات يحدد كيفية دفع الرواتب بعدها.

يقول أعضاء مجلس القيادة الرئاسي إنهم يشعرون بالخذلان؛ إذ يعتقدون على نحو متزايد بأن السعودية تسعى إلى مخرج يحفظ ماء وجهها من اليمن لن يكون لهم رأي فيه. ويخشون من أن رحيل السعوديين سيحضّر الأرضية لهجوم جديد يطلقه الحوثيون، في محاولة للسيطرة على البلاد بأسرها. كما يشكّون في أن الحوثيين يماطلون في المفاوضات، ويستغلون نفاد صبر السعوديين ورغبتهم بالخروج من اليمن للتقدم بمطالب أكبر وأكبر والتهديد بالعودة إلى الأعمال القتالية إذا لم يكونوا راضين. تعتقد الكتلة المعادية للحوثيين بأن المتمردين يهدفون إلى الهيمنة على خصومهم اليمنيين، وليس إلى التوصل إلى صفقة معهم بنيّة طيبة، وتشعر بالقلق من أن إنهاء انخراط المملكة في الحرب سيساعد الحوثيين على تحقيق ذلك الهدف.

كما يشتكي أعضاء المجلس من أن السعوديين لا يكشفون لهم الكثير عن التقدم الذي تحرزه النقاشات مع المتمردين. تتشاور الرياض مع مجلس القيادة الرئاسي بشأن المفاوضات على نحو غير منتظم، وبشكل عام بعد جولة من المحادثات وليس خلالها. وتشكل خارطة الطريق آنفة الذكر مثالاً حياً على ذلك. إذ يتوجب على أعضاء مجلس القيادة الرئاسي انتظار تسرب المعلومات لهم عن المحادثات الحوثية–السعودية، عادة من خلال العليمي، رئيس المجلس، الذي يتصل به السعوديون بشكل أكثر تواتراً. ولا يقدمون أي مدخلات هم أنفسهم إلى المحادثات. وكما شرح دبلوماسي غربي لمجموعة الأزمات: “تأتي الرسائل من اللاعبين الإقليميين إلى أعضاء مجلس القيادة الرئاسي، لكن لا يتم تقديم تغذية راجعة من المجلس في الاتجاه المعاكس. ... ولا نعرف ما إذا كانت الرياض تأخذ بالحسبان الخطوط الحمر لمختلف فصائل مجلس القيادة الرئاسي“. ويقول أعضاء المجلس إنهم فعلياً رهائن للمسار الذي تقرر الرياض اتخاذه – حتى عندما يمسّ ذلك اختصاصاتهم، مثل دفع الرواتب الذي يمكن الافتراض أن الحوثيين سيستمرون بالمطالبة به حتى لو قبلوا بخارطة طريق السعوديين. مسؤول حكومي أخبر مجموعة الأزمات: “ليس من المنطقي أن تتفاوض السعودية على مواردنا النفطية نيابة عنا“.

،، ترغب المملكة [العربية السعودية] بأن تظهر بمظهر الوسيط، وليس كطرف في الصراع ،،

وفي السياق نفسه، يصر السعوديون على قبول مجلس القيادة الرئاسي بخارطة الطريق، مع الحوثيين، رغم أن الرياض كانت هي النظير الرئيسي للمتمردين في المحادثات حتى الآن. ترغب المملكة بأن تظهر بمظهر الوسيط، وليس كطرف في الصراع، ما يعطي انطباعاً زائفاً بأن مجلس القيادة الرئاسي كان ضالعاً في المفاوضات. وربما يوقّع مجلس القيادة الرئاسي خارطة الطريق، لكن على مضض، بالنظر إلى أن أعضاءه سيقبلون في تلك الحالة بشروط لم يتفاوضوا عليها. ولا يرغب الحوثيون، من جهتهم، بقبول اتفاق مع مجلس القيادة الرئاسي، نظراً لأنهم يعدّون الفصائل اليمنية الممثلة في المجلس دمى للتحالف الذي تقوده السعودية. ومن وجهة نظرهم، فإن الحرب قائمة بينهم وبين الرياض، ويستطيعون أن يتعاملوا مع الأطراف اليمنية حالما يغادر التحالف.

ما يجعل الأمور أسوأ هو أن الحكومة التي يترأسها مجلس القيادة الرئاسي في أزمة مالية. لدى تأسيس المجلس، تعهدت السعودية بمنحه ثلاثة مليارات دولار للمساعدة في تحقيق الاستقرار الاقتصادي. لكن حتى الآن، وافقت المملكة فقط على تسليمه 1 مليار دولار، ومن هذا المبلغ وصلت بضع مئات الملايين فقط فعلياً إلى خزائن الحكومة. وسبب التأخير غير واضح. يقول المسؤولون اليمنيون إن الحكومة حققت شرط الرياض إلى حد بعيد في إصلاح البنك المركزي. في هذه الأثناء، توقف إنتاج النفط تقريباً في نهاية عام 2022 بسبب ضربات الحوثيين بالطائرات المسيرة على محطات التصدير. يعزز الحوثيون إستراتيجيتهم بخنق الحكومة مالياً، جزئياً من خلال شن مثل تلك الهجمات وجزئياً بتحويل الواردات التجارية من عدن إلى الحديدة. لا تكاد الحكومة تجد المال لدفع الرواتب في المناطق التي تسيطر عليها، ما يزيد من اعتمادها على المساعدات المالية السعودية ويضعف قوتها التفاوضية مع الحوثيين في أي محادثات مستقبلية محتملة. طالما ظل بوسع المتمردين تعريض المصدر الرئيسي لإيرادات الحكومة للخطر من خلال تهديد المنشآت النفطية، لا يستطيع مجلس القيادة الرئاسي دفعهم إلى تقديم تنازلات، مثل التخلي عن مطلبهم بأن تدفع الحكومة رواتب القوات الحوثية.

في وجه جميع هذه الصعوبات، لم يظهر أعضاء مجلس القيادة الرئاسي حتى الآن أنهم يستطيعون تنحية خلافاتهم جانباً. بل إنهم يحجمون عن تحمل مسؤولية فشل المجلس: “إنهم ينتقدونه [كما لو أن المجلس] طرف ثالث“، على حد تعبير دبلوماسي غربي. سيتعين على الأعضاء تقديم التنازلات، حتى على حساب نفوذهم على الأرض. على سبيل المثال، لم يفِ مجلس القيادة الرئاسي بعد بوعده بدمج مختلف القوات المقاتلة المعادية للحوثيين في ظل وزارتي الدفاع والداخلية. صحيح أن فعل ذلك سيشكل مقامرة بالنسبة للفصائل التي تمتلك مثل تلك القوات وسط هذه الدرجة الكبيرة من انعدام اليقين بشأن المستقبل. رغم ذلك، فإن ذلك سيظهر أن أعضاء المجلس أكثر جدية بشأن الوحدة، كما أن دمج القوات في وزارات الحكومة لن يترتب عليه تعطيل كامل لهيكليات سلسلة القيادة والتحكم القائمة.

دور القوى الخارجية

الأمر الذي لا يساعد هو أنه ليس لدى القوى الغربية مقاربة منسقة لتيسير وحدة مجلس القيادة الرئاسي.

تنظر الرياض إلى المجلس بصفته وسيلة للوصول إلى هدفها في الخروج من الصراع في أقرب وقت ممكن. ويشكل المجلس وسيلة أيضاً لإبقاء المجموعات المعادية للحوثيين منضبطة إلى حد ما بينما تركز هي على التوصل إلى اتفاق مع الحوثيين. وقد نجحت الرياض في تأسيس سلطة تمثيلية، لكن باستبعاد مجلس القيادة الرئاسي من المحادثات مع الحوثيين وعدم تقديم كل المساعدة الاقتصادية التي وعدت بها، فإنها أعاقت قدرة المجلس على الحكم.

إن إضعاف الرياض لمجلس القيادة الرئاسي سيكون من قبيل قصر النظر. إذ إن الاكتفاء بتسوية قضايا المملكة الخاصة مع الحوثيين – وبشكل رئيسي سلامة حدودها – لن ينهي الصراع، الذي إذا استمر فإنه سيهدد دائماً بالتوسع إلى السعودية. ولكي تفك الرياض ارتباطها باليمن بشكل آمن، فإنها تحتاج إلى حوار يمني–يمني وتسوية تعيد الاستقرار إلى البلاد. ولتحقيق ذلك فإن وجود مجلس قيادة رئيسي متماسك شرط أساسي.

تدّعي السعودية والإمارات علناً دعم وحدة مجلس القيادة الرئاسي، إلاّ أن أفعال الأطراف الوكيلة لها على الأرض يبدو أنها تشجع المكونات المنفردة للمجلس التي تحظى بالنفوذ لديها. فقد كانت سيطرة ألوية العمالقة المتحالفة مع الإمارات على شبوة على حساب الموالين السابقين لهادي الذين تربطهم علاقات وثيقة بالسعودية. كما ضاعف قرار الرياض بنشر قوات درع الوطن التابعة للعليمي على خطوط الجبهة الرئيسية في حضرموت ومناطق أخرى الاحتكاكات بين الإصلاح والمجلس الانتقالي الجنوبي. وقد دفعت هذه التحركات العسكرية الأغلبية في المعسكر المعادي للحوثيين إلى التشكك في أن السعودية أو الإمارات كانتا ملتزمتين فعلاً بوحدة مجلس القيادة الرئاسي. مسؤول حكومي قال: “تحالف [الخليج العربي] يدعم المجلس كأفراد، وليس ككيان. ... لقد استبدلوا هادي بمجموعة متفرقة“.

،، لا تمتلك الدول الغربية خيارات كثيرة لتعزيز قوة مجلس القيادة الرئاسي ،،

لا تمتلك الدول الغربية خيارات كثيرة لتعزيز قوة مجلس القيادة الرئاسي. فحتى الآن، حاول الدبلوماسيون تعزيز شرعيته على المسرح العالمي عبر الاجتماع مع أعضائه داخل وخارج البلاد واستضافتهم في المنتديات الدولية. رسمياً، تعزز هذه الاجماعات وحدة المجلس، لكنها لا تحدث أثراً فعلياً.

المسؤولون الغربيون عالقون أيضاً بين خيارين صعبين في التعامل مع المحادثات الحوثية–السعودية، التي استُبعدوا منها أيضاً. يرغب هؤلاء المسؤولين بأن تشرك الرياض مجلس القيادة الرئاسي في المفاوضات مع الحوثيين وأن تعطي زمام القيادة للأمم المتحدة. إنهم ومجلس القيادة الرئاسي يخشون من أن السعودية ستتجاهل مصالح الفصائل الأعضاء في المجلس عند التوصل إلى اتفاق مع الحوثيين، الأمر الذي سيترك الاتفاق عرضة لإفشاله من قبل المجموعات نفسها. لكنهم لا يتمتعون بأي نفوذ على اتجاه المحادثات الحوثية–السعودية. دبلوماسي غربي قال لمجموعة الأزمات: “السعوديون يديرون العرض، ونحن مشاهدون صامتون“.

ما يزال الرهان الأمثل لليمن

تعتمد آفاق تحقيق السلام في اليمن على الأقل على درجة من الوحدة في مجلس القيادة الرئاسي. فرغم مشاكله، ما يزال المجلس أكثر هيئة شاملة في المشهد السياسي المشرذم المعادي للحوثيين. لا يتوفر بديل أفضل كنظير للحوثيين في المحادثات اليمنية–اليمنية، وهي المحادثات الجوهرية لإنهاء الصراع على نحو مستدام. يُذكر أن خارطة الطريق التي وضعها السعوديون تتطلب محادثات يمنية–يمنية أولية حول الإجراءات الفنية، بما في ذلك دفع الرواتب. ومن أجل هذه المرحلة من المحادثات، فإن مجلس قيادة رئاسي منقسم لن يكون ذا فائدة كبيرة؛ إذ إن الحصيلة الأكثر ترجيحاً ستتمثل في حصول الحوثيين على كل ما يريدونه، ولن يُترك لفصائل المجلس شيء. وستستمر الحرب على الأرجح، مع مقاومة الفصائل لهيمنة الحوثيين، ومع تداعيات محتملة على أمن السعودية، مهما كان الاتفاق الذي تتوصل إليه الرياض مع الحوثيين.

،، ينبغي على مجلس القيادة الرئاسي أن يوحد فصائله المتفرقة ،،

ولذلك ينبغي على مجلس القيادة الرئاسي أن يوحد فصائله المتفرقة. ويتعين على الفريق الحكومي المفاوض، الذي يشمل ممثلين لمختلف فصائل مجلس القيادة الرئاسي، أن يحضّر موقفاً تفاوضياً واقعياً تحضيراً لمحادثات يمنية–يمنية قد تبدأ قريباً، بدلاً من العمل كثمانية كيانات مختلفة، كما يفعل الآن. صحيح أنه لم تتم تسوية خلافات رئيسية بين أعضاء مجلس القيادة الرئاسي حول بنية الدولة اليمنية وحوكمتها الآن ومن المرجح أن يظل ذلك موضوعاً لنقاشات تالية، الأمر الذي سيؤدي إلى صراع بين أعضاء المجلس أنفسهم. لكن في الوقت الراهن، فإن الحكومة بحاجة إلى صياغة إستراتيجية تفاوضية حول تلك القضايا التي يمكن لمجلس القيادة الرئاسي أن يحقق توافقاً بشأنها. علاوة على ذلك، ينبغي على أعضاء المجلس السعي لقضاء المزيد من الوقت داخل اليمن وأن لا يعملوا بشكل رئيسي من العواصم الخارجية، بالنظر إلى أن غيابهم المتكرر أوجد فراغاً سياسياً.

يمكن للسعودية والإمارات أن تساعدا قضية وحدة مجلس القيادة الرئاسي بمواءمة إستراتيجيتيهما المتعارضتين حيال المجلس. ينبغي أن تتحدثا مع المجلس بشكل جماعي، وأن تكونا شفافتين بعضهما مع بعض في تواصلهما مع المجلس وتنسيق رسائلهما. وبهذه الحالة ستطمئنان المجلس بأنهما موحدتان في رؤيتهما للمجلس ولليمن بشكل عام. كما ستبددا المخاوف من أنهما تريدان تشجيع بعض الفصائل على حساب فصائل أخرى. وكخطوة أولى، يمكن للرياض أن تبقي المجلس على اطلاع دائم بفحوى حوارها مع الحوثيين. كما يمكن للسعودية والإمارات أن تتوسطا بشكل مشترك بين فصائل المجلس لتسوية النزاعات. في الوقت الراهن، يجتمع المجلس في الرياض على أساس غير منتظم، ولا تشارك الإمارات عادة.

ينبغي على السعوديين أن يضمنوا أن تمهد أي صفقة يتوصلون إليها مع الحوثيين الطريق لمحادثات يمنية–يمنية بجعل أي مزايا في الاتفاق مشروطة بموافقة الحوثيين على التفاوض مباشرة مع مجلس القيادة الرئاسي في محادثات نهائية ترعاها الأمم المتحدة. ويتعين على الرياض أن تعمل على نحو وثيق مع العواصم الشرق أوسطية الأخرى، بما في ذلك أبو ظبي وطهران، في الضغط على مختلف الأطراف اليمنية لإجراء هذه المحادثات في أقرب وقت ممكن. ويتعين على الدبلوماسيين الغربيين والإقليميين أن يعملوا معاً لوضع سياسة منسقة بوضوح حيال مجلس القيادة الرئاسي والاتفاق على أجندة سياسية واقتصادية للمجلس، مع معايير محددة، وواضحة وقابلة للتحقق. كما يمكن للدبلوماسيين تشجيع مجلس القيادة الرئاسي على وضع نظام داخلي لاستخدامه كآلية لتسوية النزاعات سعياً لتحقيق الوحدة. سيكون من قبيل المأساة إذا انفتحت فرصة لإجراء محادثات يمنية–يمنية – وتحقيق السلام في النهاية – لتعود إلى الانسداد بسبب التشرذم في أوساط خصوم الحوثيين.

https://www.crisisgroup.org/

اضف تعليق